صفحات العالم

الثورة السورية قراءة في نظرية المؤامرة


أحمد العالم

تعاطى النظام السوري مع الثورة الشعبية الجماهيرية ومنذ يومها الاول بصفتها مؤامرة خارجية ضده على خلفية ما يعتبره سياسة المقاومة الممانعة. وحتى قبل انطلاقها، اشار الرئيس بشار الاسد في مقابلة مع احدى الصحف الاميركية الى ان الثورات العربية لن تصل الى سوريا بسبب مواقفها الوطنية والقومية، وبدا وكأنه يريد القول ان ذلك اذا ما حدث، فسيكون على هذه الخلفية، ولكن بشكل معاكس اي الضغط عليها وابتزازها للتغيير او للتخلي عن تلك المواقف والسياسات.

بداية يمكن الاستنتاج ان النظام كان مستلباً لنظرية المؤامرة ولم يكن بوارد النظر الى الواقع او التعاطي بجدية مع المطالب الشعبية والجماهيرية المنادية بالحرية والعدالة والكرامة. واضافة الى ذلك، يمكن القول ان ثمة ثلاثة اسباب لاندلاع الثورات العربية: الاستبداد اي العامل الديموقراطي والافتقاد الى الحرية والشفافية ثم الفساد والاستئثار اي العامل الاقتصادي الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، واخيرا التبعية للخارج والتماهي مع مواقفه اي العامل الوطني والسياسي، علماً ان اثنين من تلك العوامل على الاقل تبدو متجذرة في الواقع السوري وبالتالي فان وصول ميدان التحرير اليها كان مسألة وقت فقط، خاصة مع تأثرها التاريخي بما يجري في القاهرة وهي المعطيات التي لم ينتبه اليها النظام ولم يكن اصلاً بوارد مقاربتها بشكل جدي ومسؤول.

هذا وحده كاف لدحض نظرية المؤامرة المزعومة غير ان ثمة ادلة وبراهين اخرى من وقائع ومجريات الثورة ورد النظام عليها، تؤكد اننا بصدد ثورة جماهيرية اصيلة ناجمة عن توق الشعب السوري الى الحرية الكرامة العدالة والمساواة.

فى الاسبوع الاول للثورة اعتقلت الاجهزة الامنية- الجهات المختصة- احد المهندسين المصريين المقيمين في اميركا والذى كان في جولة سياحية في الشام- الحميدية- الذي بهر برؤية مظاهرة تخرج من الجامع الاموي وقام بتسجيل ذلك لتخليد ما بدا له استثنائياً وربما تاريخياً ايضا. الجهات المختصة قامت بعملها التقليدي والمعروف واجبرته على الظهور العلني للاعتراف بانه تلقى اموالاً من اجل التصوير وارسال الصور الى جهة ما في اميركا. غير ان مصر االثورة تعاطت جدياً مع المسألة وتولى الوزير نبيل العربي الامر وطلب الاطلاع على ملف التحقيق ومقابلة المواطن المصري والتأكد من كل المعطيات خشية ان يكون قد اضر بالامن المصري خاصة ان القاهرة قامت باطلاع دمشق على ملفات مماثلة تورط بها مواطنون مصريون وهدفت الى الاضرار بسوريا وامنها. واسقط في يد النظام وجهاته المختصة واضطر الى الافراج عن المهندس واعادته الى القاهرة حيث زاره شخصياً الوزير العربي للاطمئنان وتهنئته بسلامة العودة.

-اطل الرئيس السوري على الاعلام لاول مرة من خلال مجلس الشعب وبعد اندلاع الثورة باسبوعين تقريبا اي في اواخر اذار (مارس) الماضي وقبل ان يصل الى المجلس بدقائق وقف الشيخ يوسف ابو رومية شيخ مشايخ حوران وعضو المجلس عن درعا وسرد القصة الكاملة لاعتقال الاطفال واهانة الضابط عاطف نجيب لهم وكيف احضر الجنود بطائرات الهليكوبتر الى درعا لرش الناس بالنيران وكانهم عصافير او دجاج علماً ان نجيب لم يساءل ويخدم الان كمسؤول عن الامن في منطقة ادلب فيما بدا وكأنه ترقيه له.

-في بداية نيسان اتصل الرئيس عمر البشير بالرئيس بشار الاسد وابلغه انه حريص على سوريا وقلق لما يجري فيها ناصحاً بالاقدام على خطوات اصلاحية جدية على الارض وعرض ارسال وزير العدل الى دمشق لاطلاعه على التجربة السودانية, وفعلاً حضر الوزير محمد بشارة دوسة- المسجل السابق للجنة الاحزاب- الى دمشق في الاسبوع الاول من الشهر نفسه حيث اصر الرئيس على لقائه بشكل منفرد ولمدة ثلاث ساعات عرض دوسه التجربة السودانية في التحول الديموقراطي بخاصة في ما يتعلق بالقوانين الاساسية والمركزية الثلاثة قانون الاحزاب وقانون الكسب غير المشروع وقانون الامن الوطني وبعدما اجاب على اسئلة واستفسارات الرئيس الاسد قال له الاخير ان هذا هو ما تحتاجه سوريا ويناسبها غير ان الضغوط الحزبية والعائلية تقف حائلاً دون ذلك.

-فى نيسان نفسه استدعى الرئيس بشار السيد خالد مشعل طالباً منه المساعدة والوساطة مع اصدقائه القطريين وفعلاً انتقل مشعل الى الدوحة والتقى الامير ومسؤولين اخرين اضافة الى الشيخ القرضاوي وعاد الى دمشق والتقى اللواء علي المملوك بعدما لم يحصل على موعد مع الرئيس ونقل له ما سمعه من حرص قطر والقرضاوي على حليفتهم سوريا وتشديد الشيخ على مواقفها المقاومة وطلبوا ان يتم ايقاف القتل والتخلي عن الحل الامني والمباشرة في خطوات اصلاحية جدية واصروا على انهم راغبون في مساعدة النظام غير ان هذا ينبغي ان يساعدهم ايضا وفوجئ مشعل بعد ذلك بتسريبات من النظام واجهزته المختصة الامنية والاعلامية تتحدث عن نجاح مشعل في اقناع اصدقائه القطريين بتغيير مواقفهم وهو ما ادى الى صياغة حماس بميزان الذهب بيانها الاول- احد بيانين يتيمين متعلقين بالازمة- والذي تضمن الحرص على سوريا والثقة في قدرة القيادة والشعب على تجاوز الامر بما فيه المصلحة الوطنية والقومية.

– رغم الهجوم القاسي والنابي من قبل النظام وشبيحته على تركيا وحكومتها والتشويه المتعمد للمساعي التي قامت بها من اجل مصلحة النظام نفسه كما المصلحة التركية والاقليمية في الامن والاستقرار الا ان انقرة كانت مقتنعة خاصة خلال المائة يوم الاولى من الثورة ان الرئيس سيتجيب للمطالب الاصلاحية لشعبه وبينما كان المجتمع الدولى يقول ان بامكان او يجب على الرئيس الاسد قيادة الخطوات الاصلاحية كانت حكومة اردوغان واثقة من ذلك وخلال زيارات عديدة ومتكررة الى دمشق عرض احمد داوود اوغلو النصيحة والمساعدة، النصيحة بالتخلي عن الحل الامني والانفتاح السياسي والديموقراطي والمساعدة في تدريب كوادر واعضاء حزب البعث في المجالات التنظيمية والاعلامية والسياسية ذات الصلة بالعمل الحزبي والديموقراطي وثم عرض اوغلو افكاراً تحاكي المبادرة تضمنت تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الفرقاء بمن فيهم الاخوان المسلمون تتولى بالتعاون التام مع الرئيس واشرافه تنفيذ الحزمة الاصلاحية الكاملة وصولاً الى انتخابات برلمانية مبكرة ثم انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري وهي المبادرة التي كانت لتكفل للاسد البقاء في السلطة لعشر سنوات قادمة حسب التعبير الحرفي لاوغلو غير ان هذا الاخير سرعان ما اقتنع ان الاسد لا يريد او لا يستطيع او الاثنين معاً قيادة عملية اصلاحية ويصر على الايغال في الحل الامني لمواجهة المؤامرة علماً ان وزير خارجية تركيا قال انه شعر بالاشمئزاز عندما سمع في دمشق ان الموساد يقف وراء نزول الملايين الى الشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة.

– في سياق دحض المؤامرة يمكن الاشارة كذلك الى التظاهرة الشهيرة في حماة الصيف الماضي والتى نزلت فيها المدينة كلها تقريبا الى الشوارع والميادين بناء على تفاهم مسبق مع المحافظ وخلالها تم ترديد شعارات او مطالب الثورة دون اساءة الى اي من المسوؤلين-بمن فيهم المجرمون والقتلة- واكثر من ذلك فقد قام المتظاهرون بتنظيف الساحات والشوارع قبل الانصراف الى بيوتهم بينما رد النظام على طريقته اقالة المحافظ وارسال الجيش لتأديب المدينة وتحويلها الى ثكنة عسكرية علماً ان ذلك لم يمنع ايضاً الناس من المضي قدماً في الثورة وفق القاعدة الواقعية والصحيحية تكلفة المضي قدماً اقل بكثير من كلفة التراجع والاستسلام.

– في السياق نفسه لا يمكن تجاهل المؤتمر الصحافي الشهير والمثير للشفقة للوزير وليد المعلم والذي عرض فيه صوراً خاصة بجريمة قرية كترمايا او لمسلحين ملتحين من لبنان للدلالة على تسلح الثورة والمؤامرة المزعومة، واعتقد ان هذا نسجٌ على المنوال نفسه من خطاب الرئيس الاول الى قضية المهندس المصري الى تظاهرة حماة ثم مؤتمر المعلم الاخير ما يبرهن على استلاب واستسلام النظام نفسه لنظرية المؤامرة وفي الوقت نفسه العجز عن تقديم ادلة ملموسة ذات صدقية وواضحة عليها.

اذن منذ اليوم الاول اعتمد النظام ما تخيل انها قاعدة لربح الحل الفظ الامني الدموي والهمجي لقمع الثورة بالقوة المسلحة او دفع الناس للتسلح والرد وبالتالي تشويه وحرف الثورة عن مسارها وسلميتها، غير ان العكس تماماً قد حصل. استمرت الثورة بعناد استثنائي من قبل الشعب البطل الكريم والعنيد وفي الوقت نفسه وحتى مع التحفظ على بعض ممارسات الجيش السوري الحر، الا ان ذلك لم ينل لا عربياً ولا دولياً من التعاطف والدعم للثورة واهدافها، لا بل ان القاعدة نفسها ادت الى تخلي المزيد من الحلفاء عن دعم النظام الذي يحرق كل مراكبه ولا يريد مساعدة نفسه اساساً كي يساعده الاخرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى