بشير البكرصفحات سورية

الثورة السورية.. كأنها يتيمة/ بشير البكر

 

 

من كان يظن أنها سوف تقوم أصلاً؟

لا أحد كان يضعها في حسابه، حين هبت رياح الربيع من تونس. لم يخطر في بال القريب، ولا البعيد، أن السوريين سيتحركون، ليرموا الأغلال التي كبّلهم بها حكم عائلة الأسد أكثر من أربعة عقود. وحين جاءت، كانت ولادتها عمراً جديداً للسوريين، الصغار والكبار، الذين أفنوا قسطاً من حياتهم، وهم يصارعون كوابيس الخوف من الأجهزة والمافيات واللصوص والفاسدين.

هناك من يجزم، اليوم، أنها انتهت وماتت، وحين يطالع المرء بعض المعطيات، يجد أن أغلبية أصحاب هذا الاعتقاد من المحسوبين على معسكر الثورة، وليسوا من أنصار النظام، لأن هؤلاء يحسبون بطريقة مختلفة، وهم، على الأقل، يعرفون مقدار الأذى الذي ألحقوه بالسوريين، وبالتالي، لن يهدأ لهم بال، حتى لو عاشوا خارج البلد، كونهم يدركون جيداً أنه لا منجى لهم من العقاب، طال الزمن أم قصر، وسيأتي يومٌ يقتصُّ فيه الضحايا منهم.

هنالك أعلام من معسكر الثورة يتحملون المسؤولية عن إشاعة روح الإحباط والهزيمة، منذ بداية العام الحالي، وأغلبية هؤلاء ممّن قفزوا إلى قاطرة العمل السياسي والعسكري، وصاروا زعماء فضائيات وأمراء حرب، من دون أن يضحّي أحد منهم بشيء. عاشوا على حساب الثورة، وسدّوا المنافذ كلها أمام أبناء الثورة الفعليين.

صديق فلسطيني تحدث، مرّة، بحسرة شديدة، وهو يصف الفساد الذي نخر عود الثورة السورية الطري. ورأيه أن الثورة الفلسطينية صمدت عقوداً قبل أن يتسرّب إليها داء الفساد، ويسيطر عليها النفعيون، بينما لم تقاوم الثورة أكثر من سنة.

كانت سنة الثورة السورية الأولى الأفضل، بعدها حصلت الانتكاسات المتتالية. ومن دون شك، لعبت وحشية النظام دوراً كبيراً في تحطيم معنويات السوريين، فالقتل اليومي وتدمير مقومات الحياة الممنهج والتهجير هبّط من عزائم السوريين، وشتت صفوفهم، لكن النخب التي تصدّرت المشهدين، السياسي والعسكري، غرقت في أوحال المأساة، وتحولت إلى فرق من المعتاشين على الثورة، والمتاجرين بدم الشهداء وآلام المنكوبين.

منذ عام تقريباً، وقف المقدم ياسر العبود، وهو أحد قادة محاور حوران، أمام قيادة الائتلاف ليفضح تلاعبها بمقدرات الثورة. يومها، تم إسكاته، ومر كلامه من دون ضجة، بل تم التندر عليه، والاستهانة بدوره في مواجهة النظام، وحين استشهد بعد شهر، احتفل النظام بالخلاص منه، وربما جماعة “الائتلاف” المعارض أيضاً.

قصة ياسر العبود ليست فريدة، وهناك مثلها حكايات كثيرة، ثلاث سنوات من القتل والتدمير والتهجير تفوق في مأساويتها ما عاشه الشعب السوري في غزوات المغول قبل نحو سبعة قرون، وهي قصص مركبة يراوح فيها الألم بين مطرقة النظام وسندان ممثلي الثورة.

هل يصدق أحد أنَّ 12 فرداً من الوفد الإعلامي التابع للائتلاف السوري، الذي شارك في مؤتمر جنيف بقوا في الخارج، وطلبوا اللجوء السياسي في بلدان أوروبية؟ وحسب أوساط سورية مطلعة، كان دافع هؤلاء الرئيسي الحصول على تأشيرة أوروبية، من أجل تسهيل اللجوء إلى أحد بلدان أوروبا.

مسكين الشعب السوري الذي تابع مفاوضات جنيف، صدّق لحظة أَنَّ وفده الإعلامي تفوق على وفد النظام، ولم يدر في ظنه أن بعض هؤلاء الناطقين باسمه إنما كانوا يعملون على تأمين اللجوء السياسي، ولذلك، رفعوا من حدة لهجتهم السياسية، وهم، بذلك، يسوّقون أنفسهم على أن حياتهم وحياة أسرهم باتت في خطر، وعلى الدول الغربية أن توفّر لهم الأمان.

لعبة الأمان هذه لم تخلُ من تواطؤ غربي مع النظام، ولا يمكن النظر ببراءةٍ إلى سلوك سفراء دولٍ غربية ساهموا في تهجير ناشطين كثيرين، بدلاً من إسناد الثورة، للوقوف بوجه النظام ومساعدة الناشطين للنضال من داخل البلد.

جميع حقوق النشر محفوظة 2014

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى