زين الشاميصفحات سورية

الثورة السورية ليست «ملتحية» … والثوار ليسوا علمانيين


زين الشامي

استحوذت الأخبار المتعلقة بالانفجارات التي هزت العاصمة السورية دمشق ومدينة حلب وغيرها من المناطق في الآونة الاخيرة على حصة كبيرة من التعليقات واستجلبت التكهنات الكثيرة والمخاوف الكبيرة من ان يكون تنظيم القاعدة، او غيره من التنظيمات والجماعات المتطرفة المؤيدة له، هي من تقف وراء تلك التفجيرات، وهو الامر الذي من شأنه ان يجعل المجتمع الدولي اكثر حذرا في التعاطي مع ما يجري وأقل دعما وتأييدا للمحتجين والمعارضين السوريين.

وللحقيقة فإنه، ومع ازدياد العنف الذي يمارسه النظام السوري وقواته الأمنية ضد معارضيه وضد المناطق المنتفضة، اضافة الى العنف المضاد الذي يمارسه الجيش الحر وعناصر كثيرة على الارض باتت تملك السلاح، أصبح هناك الكثير من المخاوف من أن تبلغ الثورة السورية، التي بدأت اشهرها الاولى سلمية تماما ضد أحد أعتى الأنظمة في الشرق الاوسط، مستوى من العنف لا يمكن لجمه وان تصل الى مستنقع من الفوضى لا أحد يعرف متى وكيف سينتهي؟

ان الثورة التي بدأت بشعارات مثل «الموت ولا المذلة» و«الشعب السوري ما بينذل» وكان ابناؤها يواجهون الموت بصدور عارية، وصلت الى مرحلة لم تعد الغالبية العظمى من المحتجين والمنتفضين فيها تؤمن الا بلغة السلاح والعنف من اجل الدفاع عن النفس والحسم ضد النظام لاحقا. لقد اضاف تأخر وربما «تواطؤ» المجتمع الدولي اسبابا لذهاب المنتفضين نحو خيار السلاح والعنف.

النظام السوري التقط اليأس الشعبي المعبر عنه بلجوء المنتفضين وشغفهم المتزايد بالسلاح، فراح يؤكد روايته السمجة عن «المجموعات الارهابية المسلحة» بصور مرعبة وغير لائقة إعلاميا للأشلاء وضحايا التفجيرات والمباني المحترقة ومواطنين جاهزين ليلعنوا «الحرية والديموقراطية» أمام كاميرات التلفزيون الحكومي ووسائل الاعلام المحلية. لقد كان لافتا للنظر تلك اللقاءات «العفوية!» التي تأتي من لحظة ومكان التفجير مباشرة حيث الأطراف البشرية والجثث متناثرة بين السيارات المحروقة، لسوريين يقولون حرفيا: «تريدون ديموقراطية؟ تريدون حرية؟ انظروا ماذا جلب لنا دعاة الحرية والديموقراطية»… ثم يبدأون بكيل السباب على زعماء وقادة بعض الدول العربية والغربية.! بعد ساعات أو دقائق قليلة تبدأ وسائل الاعلام المحلية ووكالة الانباء الرسمية بنشر بيانات وتصريحات «لمصدر مسؤول» يحمِّل تنظيم القاعدة مسؤولية الانفجارات، بدورها وسائل الاعلام العربية والدولية التي تنتظر وتتابع، تلتقط الموقف الرسمي وتعيد ترديد ما اعلنه المصدر المسؤول عن «القاعدة»، بعده يأتي دور اجهزة الاستخبارات الدولية والمعلقين الذين يجرون مقارنات غبية عن التفجيرات التي كانت تقع في افغانستان والعراق و«أساليب وبصمات القاعدة» المتشابهة… لقد بلع الجميع الطعم، ولم تعد رواية النظام عن «العصابات الارهابية المسلحة» مجرد رواية تبعث على الضحك، لقد باتت غالبية تتحدث عن «القاعدة» وتخشى من «الثورة السورية» والتطرف وأصحاب اللحى الطويلة الذين يصولون ويجولون في المدن والقرى السورية المنتفضة.!

طبعا النظام يلعب ويستفيد من دخول عناصر عربية الى الاراضي السورية، وغالبيتهم ممن يؤمنون «بالجهاد» عبر الحدود، ليدعم روايته، لكن ان تستطيع تلك العناصر تنفيذ تفجير ضخم في قلب دمشق عبر سيارة تحمل نحو طن من المتفجرات قرب احد المقار الامنية المعزولة بالكتل الاسمنتية، فهذا امر مبالغ به كثيرا. ان مثل هذه العمليات اكبر كثيرا من قدرة الافراد. ان تفجيرات منطقة «القزّاز» في دمشق تشبه الى حد ما التفجير الذي اودى بحياة رفيق الحريري في لبنان.

ان التفجيرات المتزامنة دائما مع دخول مراقبين عرب او اجانب يشكِّلان فرصة للنظام السوري لكي يؤكِّد للمراقبين وللعالم أجمع وجهة نظره القائلة «إن الاحتجاجات في البلاد تدبِّرها وتقودها القاعدة وقوى خارجية أخرى بغرض زعزعة استقرار البلاد».

وللحقيقة فإنه وعلى الرغم من ان الغالبية من المحتجين والمنتفضين هم من خلفية اجتماعية محافظة ومتدينة، الا ان هؤلاء انتفضوا منذ البداية على الاستبداد وغياب الحريات والبطالة والفساد. هذا جل ما في الامر، اما ان يذهبوا بعيدا في اطلاق لحاهم والاغراق في التدين فهذا ليس بالضرورة «تطرفا» بقدر ما هو اشارة «يأس» تبحث عن معين وقوى خارقة من اجل المساعدة، كذلك التدين المفرط واطلاق اللحى على نحو واسع بين المنتفضين يعكس حالة من الاحباط من امكانية حصول تدخل خارجي يساعد السوريين على الخلاص من نظامهم القمعي والوحشي، لا بل ان الولايات المتحدة والدول الغربية قالت ذلك صراحة : «لن نتدخل في سورية».

لهذا السبب رأينا ان تسمية ايام الجمع في مجملها لها دلالات دينية تحمل رجاء وتوكلاً على «الله» وحده في ان ينصر ويساعد ويخلّص الشعب السوري مما هو فيه، ولهذا السبب أثارت لحية الملازم عبدالرزاق طلاس، قائد كتيبة «الفاروق» في الجيش السوري الحر في مدينة حمص، أزمة بين الإسلاميين والعلمانيين، فمنهم من رآها «رمزاً للثورة على الطغيان»، بينما اعتبرها آخرون «إساءة للثورة السورية» وربط بينها وبين ما تزعمه السلطات السورية في رواية «جماعات إرهابية مسلحة».

ان الحقيقة هي ان الثورة السورية ليست ملتحية… والثوار ليسوا علمانيين.

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى