صفحات مميزةعبدالله أمين الحلاق

الثورة السورية: ماركس يرتدي العمامة

عبدالله أمين الحلاق

قبل بدء الثورة السورية ضد نظام آل الأسد بشهر واحد، زارني أحد أعضاء الحزب الشيوعي السوري، جناح خالد بكداش، وهو فصيل يدور في الحلقة المفرغة للنظام السوري عبر كاريكاتور اسمه “الجبهة الوطنية التقدمية”. كان ثمةَ مجالٌ لتقديرٍ واحترامٍ كنت أكنّه لشخصه قبل الثورة السورية، بمعزل عن خياره السياسي البائس، ووقوفه وحزبه إلى جانب النظام لمدة ثلاثين عاماً. وكان حديثنا آنذاك هو عن الثورة المصرية التي لم تكن قد أسقطت حسني مبارك بعد. لدى استماعي بإصغاء إلى ذلك الخطاب الحماسي للبكداشي ذاك، والداعم لثورة الشعب المصري ضد الديكتاتور، اغتبطتُ كثيراً وانا أقول في سري أن هؤلاء سيكونون في طليعة المتظاهرين والنازلين إلى ميادين الحرية في سوريا، إن اندلعت ثورةٌ سوريةٌ على غرار انتفاضات البلدان العربية، تونس وليبيا ومصر واليمن والبحرين. لم يطل انتظاري إلا شهراً واحداً بعد ذلك اللقاء، لأعود وألتقي بذلك الماركسي القديم في إحدى التظاهرات التي شهدتها مدينتي والمطالبة بإسقاط حكم عائلة الأسد. لكنه كان واقفاً مع الشبيحة ورجال الأمن المتربصين بالتظاهرة. وكان يقوم، كما علمنا لاحقاً، بكتابة اسماء من يعرفهم من المتظاهرين، وتسليم تلك الاسماء إلى النظام الاشتراكي الأسدي.

عندها فقط، تذكرت غزارة الخطاب الممانع والذي كان سبباً في دعمه للثورة المصرية ضد “عميل الغرب وإسرائيل حسني مبارك”. المحكّ الأساسي الذي يضع شريحةً كبيرة من اليسار السوري في مواقعه تجاه الثورات العربية هو مقدار علاقة هذا النظام باسرائيل، وتالياً بإيران وحزب الله والممانعة المستأسدة على شعبها في سوريا، تحالفاً أو عداءً.

واليوم، وأنا اتذكر ذلك الشخص الذي انقطعت علاقتي به منذ أول تظاهرة في مدينتي، تنتابني رغبة لمقاربةٍ كتابيةٍ بين اليسار السوري، الماركسي بأغلبيته، وبين الخمينية التي تلقي بظلالها وظلامها على شعوب ثلاثة في المنطقة، الشعب السوري والشعب اللبناني والشعب الإيراني.

الماركسية خمينياً

في سياق الحديث عن تديين الماركسية، ورفعها إلى مصاف الرؤية الواحدية المختزِنة شموليةً لا ينكرها إلا كل ذي عقل مريض، حاول كثير من الماركسيين إعادة الاعتبار لهذا الفكر الذي قدم للعالم مبدعين وفلاسفة من الطراز الرفيع، خصوصاً بعد أن أفل نجم الاتحاد السوفياتي وتهاوت أحلامٌ كبرى بالعدالة. هنا، سننحو منحىً يقارب التخصيص، أثناء الكلام عن دين ماركسي محافظ. حقل التخصيص ذاك هو التمذهب داخل الدائرة الدينية، والإسلامية خصوصاً.. لذا، سنقول أن سؤال الجمع بين الماركسية والدين ربما أحالنا إلى سؤال حارق: إلى أي درجة تلتقي الماركسية في جوانب عدة مع “الخُمينية”، كتيار سلطوي سياسي ومذهب ديني ومجتمعي على مستوى الفكر والممارسة، وبوصفها ذات نظرة شمولية وخُلاصية للكون وللحياة والبشر على اختلافهم!

.. منعاً لاتهام هذا الطرح بالمبالغة، فإن السؤال يجد صداه وأرضيّته في واقعٍ وفي ثقافة ونمط تفكير، خاصةً إذا ما تعلق الأمر بخطاب يصدر عن مفكر وفيلسوف له مريدوه في بقع ثقافية متناثرة هنا وهناك، فكيف إن كانت الماركسية قد أثبتت في مواقع سياسية وإيديولوجية واحترابات دموية، قرباً لها من أصوليات وخلاصيات أقامت للموت صروحاً غير مسبوقة في هذا العالم.

قامت الثورة الخمينية الإيرانية في عقد من القرن العشرين كان يشهد انحساراً لموجات المد القومي والماركسي، وصعوداً غير مسبوق للأصوليات الإسلامية مع تنامي حركات الإخوان المسلمين في مصر وسوريا، إثر سقوط المشروع الناصري ومشاريع كبرى فكرية وسياسية، ليجد العقل الجمعي العربي ومن هم وراءه من ساسة، في حقل الغيبيات والمذاهب، ملاذاً آمناً وراحة نفسية، وأجوبة جاهزة وبسيطة، عن كل ما يعتري النفس البشرية والعقل العربي من أسئلة، إثر كل تلك التصدّعات.

الفيلسوف الذي عنيناه آنفاً هو ميشيل فوكو، المعارض لمنهج الشك الديكارتي، لا ليقدم بديلاً متقدماً على ديكارت، فيلسوف العقلانية الشهير، بل ليجانب العقلانية باعتبارها تلاقٍ مع العقل والمعقول ويأخذ خطاً لا عقلانياً منافياً لكل عقل. ميشيل فوكو ارتدى العمامة الخمينية الشهيرة، وإن رمزياً، وساجلَ الديكارتية طويلاً. وهو يرى في الثورة الإيرانية “الظافرة” بشارةً وتعبيراً عن سياسة روحانية، معارضة للسياسة البدنية المادية القائمة في الغرب.

إن الجانب الذي استكان إليه فوكو في توصيفه الخمينية سيحيل إلى تعارض بنيوي بين المادة والروح، بين الماركسية المادية والماورائيات. لقد جاء فلاسفة عدة مثل لودفيغ فيورباخ وغيره بأطروحات مادية مهمة عن الوجود والعالم، غير أن ماركس كان أكثر من أعطاها حيويتها ونسغ استمرارها كنمط تفكير متغير بتغير الواقع والأزمنة. فيما بعدْ، جاء الانحدار في تصنيم الماركسية كدوغما لا يطال يقينياتها الشك. وهنا، لا بد من الوقوف والتمعن الدرامي في حراك غير الخطي للتاريخ البشري، إذ ترافق اندثار امبراطوريات شمولية حكمت طويلاً باسم الماركسية التي صنّمتها تلك الامبراطوريات وأباطرتها، مع قيام ثورة مهدوية على أنقاض شاهنشانية، إدعت المهدوية تلك نفسها بديلاً “تقدمياً” لها، فكانت فيها آمال وأحلام دفعت بالعديد من مدمني الفولكلور العلماني إلى الالتحاق بالخلاصية الشيعية المهدوية “الخمينية” تلك وبلا مواربة. لا ضيَر إذاً، إذا ما تخاطر ميشيل فوكو مع كلاسيكيي الماركسية ممن رأوا في كومونة باريس عام 1871 نموذجاً يُحتذى للبلشفية والماوية، وهو يرى في الثورة الإيرانية وقائدها الخميني “تناسلاً من ثورة باريس الطلابية في أيار 1968” على ما يقول، فيما كانت ثورة الطلاب وكما هو معروف، ثورة لإعادة الاعتبار للتحرر الفكري والجسدي وكل المفاهيم التي اختُزلت في واحديّات استبدادية مقيتة.

ليس من الضرورة أن يعلن الماركسي أو اليساري اعتناقه مذهب الشيعية الخمينية ليلتقي معه في النظرة والرؤية الجامعة لنواحٍ حياتية عدة، علماً ان هناك ما يشير إلى هذا الاعتناق على أرض الواقع. يورد الكاتب والمفكر الماركسي اللبناني العريق كريم مروّة في مذكراته ما مفاده أنه وأثناء زيارة له لإيران بعد ثورة 1979، رأى الكثير من الكتّاب والمثقفين الإيرانيين ممن كانوا منتمين إلى تكتلات علمانية ويسارية معروفة، يبكون ويلطمون على وجوههم وأجسادهم في المجالس الحسينية الكربلائية، كما يلطم المؤمن الشيعي البسيط العادي. لا نسوق المثال هنا من باب التهكم على أي مذهب ديني، لأتباعه الحق في ممارسة طقوسهم وأفكارهم ورؤيتهم الخاصة للعالم والحياة، على اختلافنا مع هذا النمط من التفكير والممارسات، وتالياً، مع الرؤية التي تصادر الحاضر بالعودة إلى حرب علي ومعاوية، وعلي وعائشة.. وإنما للتدليل على استبدال منطق ونمط تفكير بآخر نقيض له، وإن التقى معه في مجالات هي نقاط تسجل مأخذاً على الأول الآتي من خلفية مادية أكثر منها على الثاني. إن القلق وضياع البوصلة عند يساريين عرب، وماركسيين خصوصاً وصل درجةً من المفارقات التي تدعو إلى السخرية المحضة. وفي هذا دلالة على إشكالية في نمط تفكير هؤلاء ممّن ودّعوا ماضيهم النقدي ومنهجم الديالكتيكي الذي طالما تغنوا ان معلمهم وشيخ طريقتهم كارل ماركس قد قلبه وأوقفه على قدميه، “بعد أن أوقفه هيغل على رأسه”.

للماركسية في عناقها الحميم مع الخمينية، جانب آخر، ذو علاقة أيضاً وأيضاً بالانقلاب الجذري عند الماركسيين، وذلك أن العداء للرأسمالية وعلاقات الانتاج الاستغلالية والإمبريالية التي “تآمرت” على الاتحاد السوفياتي، وكانت ذات باع ويد طولى في إسقاطه على ما يقول الماركسيون، ربما كان سبباً في لقاء غير طبيعي مع عداء بالغ وغير محدود للغرب “الكافر والملحد والداعم لإسرائيل”، وبخاصة “الشيطان الأكبر” الذي يذهب محافظو إيران إلى كيل الخطابات الشعبوية والمهددة والمبشرة له بالهزيمة. إذاً، لا داعي للاستغراب إذا ما وجدنا في يساريين عرب تخندُقاً في خندق واحد مع مهدويين خمينيين، كانوا هم ذات يوم من أسقط المقاومة العلمانية لإسرائيل في بلدان عربية اغتيالاً أو إقصاءً سياسياً، وتحديداً في لبنان. هذا إن دل على شيء، فعلى عدم حضور الآخر في فكر وحياة الخمينيين هؤلاء إلا كمرمى لنيران التصفية والإلغاء على مذبح اللون الأصفر، المفترض أن يلقي بظلاله على كل شيء بحسبهم. لن ننسى ايضاً عدم أولوية الثقافة والحريات الاجتماعية والفكرية وحرية المرأة وغياب كل تلك الأقانيم، التي طالما ترددت في زجَليّات يسارية جميلة، كانت لها دلالتها البالغة ذات حقبة، لتحل محلها الراية السوداء الممانعة والمبشرة بالانتصارات الإلهية المقيتة، حيث تتبدى الجهاديات السلفية حركات تحرر وطني من منظور بعض الماركسيين، أو من يسميهم وسام سعادة بـ”الفرع العلماني من كشافة الممانعة ، أولئك الذين ما عادوا يتميزون عن الفرع الجدي أو الأصولي للممانعة، الا من حيث إيثاره معاقرة الخمرة أو التميّز في الزيّ أو اعتماد معايير مقلوبة للحلال والحرام في الحياة الشخصية”(1).

تأملات في أقنومة الثورة الثقافية

الثورة الثقافية. مصطلحٌ برّاق يشي بالكثير، وفيه ما يغري بنواحٍ إيجابية تدلل على استبدال ثقافة متهالكة وغير صالحة بأخرى بديلة تقدمية عليها، على ما اعتادت الثقافة النضالية وأحزابها ومنظروها، فكيف بما جرّب البشر من ثورات ثقافية جعلت سواداً كثيراً منهم يترحمون على أيام سلفت وغربت شمسها! ثم، متى أمكن الفصل بين العقيدة الشمولية وتطلعاتها إلى التغيير القسري وحرق المراحل، وبين الثورات الثقافية التي اندلعت هنا وهناك في بقع شتى من هذا الكوكب، كان الجامع بينها نظم شمولية وإيديولوجيات تكنى تلكم النظم باسمها وتنسب إليها، دينية كانت أم “علمانية “، كحال الماركسية المطبقة في الصين والاتحاد السوفييتي في بعض المراحل، والخمينية المهدوية في كل المراحل!

كان للثورات الثقافية التي قامت في الصين الماوية وإيران الخمينية مردود عكسي وانتكاسات وعودة إلى الوراء، إذ أمكنَ بالتبسيط والسذاجة والخطابات الشعبوية الممانعة والنضالية واللعب على الوتر العاطفي عند “الجماهير”، بناء ما يسمى “الثقافة البديلة عن الماضي الرجعي”، إلا أن الأمور لم تكن، قطعاً، على هذا القدر من الرومانسية وحسن النيات.

فالثورة الثقافية في الصين كانت تعني عملياً وعلى أرض الواقع إغلاق المدارس لمدة عامين 1966-1967، وإرسال الرسل والحواريين الماركسيين المبشرين بأفكار الزعيم الحكيم والقائد الملهم ماو تسي تونغ، وكتابه الأحمر، الذي حمله أولئك الحواريون بيمينهم وهم يشيرون مبشرين أو مهددين بيسارهم داعين إلى التعلم من الثقافة البروليتارية في العالم، والفلاحية في الصين، فكان أنّ من دفع الثمن في تلك العودة القهقرى إلى الماقبل بحجة اجتراح المابعد.. مثقفون صينيون ومبدعون وفنانون وشعراء، كما موروث فكري وفلسفي وديني قديم للصين، تمثّل في تدمير منزل كونفوشيوس وإحراقه في زمن الثورة الثقافية الصينية، باعتباره العدو الأول والمنافس الثقافي لماو تسي تونغ ولأفكار الكتاب الأحمر الذي كان، موضوعياً، دستور البلاد والثورة الثقافية وكتابهما المنزل.

القطيعة مع العالم اليوم وترييف العقول والمجتمعات والارتداد الهمجي ضد احتمالات الحداثة وبذورها، يجد نموذجاً له أيضاً في الثورة الثقافية الخمينية، ذلك أن آيات الله في إيران اتهموا نُخب ما قبل الثورة بـ”العداء للإسلام”، بحيث بات كل المثقفين والمتعلمين، وبحسب الباحثة الإيرانية هوما أوميد، “مشبوهين نشأوا في ظل نظام تعليمي موالٍ للغرب يسوقهم إلى خدر الكحول والأفيون على النمط الغربي”..

إذّاك، تأسس “المجلس الأعلى للثورة الثقافية” بأمر مباشر من الخميني، وقد نيط به مراجعة النظام التعليمي بالكامل، فأغلقت المدارس والجامعات كلها، ثم بدأت محاولة التدقيق في كتب النصوص وإزالة كل أثر غير إسلامي، وتغطية صور النساء في تلك الكتب، وإعادة كتابة التاريخ الإيراني ليمجد الشيعة فقط. هكذا، “ومع ثبات عدد المدارس ونقص الرساميل والمعلمين والنسب المرتفعة للولادات، تفشى الجهل والأمية، وفي عام 1986 كان 38% من الشعب الإيراني أمياً، كما أخذ عدد كبير من الملاكين يستعيد بعض مدارسه التي عجزت في ظل الأوضاع الجديدة المتردية عن دفع إيجاراتها”(2).

إنّ لما يسمى بالثورة الثقافية علاقةً وطيدة بنمط وشكل النظام السياسي والاجتماعي المسيطر، وهي ما ازدهرت أصلاً إلا في فيء نظم بالغة القسوة، نظمٌ هي إلى الفاشية أقرب، وإن بخلفيات إيديولوجية يفترض أنها نقيضة للفاشية، تحبل بأفكار تنويرية وتغييرية بالغة الرومانسية، وأحلام وردية أقامت للخراب بناء راسخاً في أعماق الأرض، لا يزحزحه إلا حدث تاريخي بحجم زلزال وصول الشموليات تلك إلى سدة الحكم والقرار والسلطة المطلقة، وحدثٌ بحجم الثورة السورية ضد الحكم “الجملكي” اليوم. فالشمولية هي التي جمعت أطيافاً وإيديولوجيات وثورات ثقافية بالغت في التدمير، لدرجة صار إصلاح نتاجها والخراب العميم الذي جرّته على البشر والمجتمعات التي حكمتها عملاً أسطورياً أشبه بتنظيف إسطبلات أوجياس. أما أكثر ما يعبر عن نمط الحكم هذا، وما يجمع بين اليمين واليسار، بين الدين الغيبي والدين العلماني، في تخريبه البنى وقتله بذور أي تحديث وإمساكه بتلابيب ومفاصل المجتمع فيتبدى في قول لروجيه غارودي، المرتد عن أفكاره لاحقاً: “الحزب يتكلم باسم الطبقة، ثم يتكلم الجهاز باسم الحزب، ويتكلم القادة باسم الجهاز، وفي النهاية يتكلم شخص واحد ويفكر باسم الجميع “.

فها هو آية الله الخميني، ومن بعده المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، يتربع على قمة السلطة الروحية والسياسية والمجتمعية و..، أي أنه يشغل منصباً كليانياً، في تدرجات هرمية ذات علاقة بمؤسسة الرئاسة وقبلها الحكومة والسلطات الأمنية ومرجعها وطوطَمها الأول والأخير آية الله ذاك، مع الحفاظ والتذكير دوماً بتقديسه وطقوس عبادة الفرد المتبدّية في تقبيل يده وتمجيد اسمه في خطب الجمعة بلا مواربة أو خجل من امتهان إنسانية الشعب الإيراني في طقوس قروسطوية كهذه وغيرها. أما ما يشبه ذلك في المعسكر الإيديولوجي النقيض والذي كنا في صدده منذ قليل، فيسوقه لنا لين بياو، في مقدمته الشهيرة للكتاب الأحمر لماو تسي تونغ بقول له هو أصلاً لسان حال الحزب واللجنة المركزية وكل الدائرين في فلك الشمولية الماوية والخمينية الإيرانية والستالينية وكابوس الشموليات العربية وغيرها، وما يفترض ان يكون قسراً لسان حال الشعب الخاضع لتلكم الشموليات ونظمها، يقول لين بياو:

“الرفيق ماو تسي تونغ هو أعظم ماركسي لينيني في عصرنا الحالي، فقد ورث الماركسية اللينينية وصانها وطورها بعبقرية وبصورة خلاقة وشاملة، أفكار ماو تسي تونغ هي المبدأ المرشد في جميع الأعمال لكل من الحزب والجيش وكل البلاد.. لذا فإن المهمة الأساسية الأولى لحزبنا هي ان يرفع دائماً الراية الحمراء العظيمة، راية افكار ماو تسي تونغ عالياً، ويسلح عقول الشعب في البلاد كلها بهذه الأفكار، ويدأب على جعل أفكار ماو تحتل مقام القيادة.. إن افكار ماو تسي تونغ حالما تستوعبها الجماهير الواسعة تتحول إلى قوة لا ينضب لها معين، وإلى قنبلة ذرية معنوية ليس لطاقتها نظير..” (3).

هكذا يمسي البشر تابعين وعبيداً لقانون وضعي فردي أحادي، يطلب منهم، لغايات تطرحها إيديولوجيا ما، ان يدفعوا عجلة ذاك القانون بأجسادهم حتى الذوبان والانصهار في بوتقة واحدة، هي نار وسعير الحزب الواحد والحاكم الواحد وكل ما لا يمت للتعددية والانفتاح والتمتع بمزايا إنسانية نقيضة لتلك السمات الفردانية.. أما السيف المشهر دوماً في وجه الباحثين عن إنسانيتهم وسط كل ذلك الامتهان، فهو سيف المؤامرة والممانعة سبيلاً للتصدي لتلك المؤامرة، مع عدم إغفال خصوصيات متنوعة تحارَب كل الثقافة الكونية باسمها، وهي الخصوصيات والنسبيات العصبوية المتهافتة تهافت دعاتها، سواء لم ينتموا الخمينية أم كانوا في لب وقلب نارها المستعرة.

على سبيل الخاتمة: ليست النظرية الماركسية ومدى صحتها ودقة منهجها الدياليكتيكي أو خطله هي محور نقاشنا هنا، بل الآليات والسلوكيات التي تبرز اليوم في قلب الثورة السورية انحيازاً إلى جلاد هذه الثورة وحلفائه الخمينيين. الخمينية اليوم تضرب أطنابها في طهران ودمشق وبيروت وتلكلخ والقصير، واليساريون المهدويون يرقصون طرباً على إيقاع الموت اليومي للسوري بخناجر وسكاكين خمينية. يساريون غيرهم وماركسيون غيرهم كانوا مخلصين لمبادئهم وفكرهم وانحازوا إلى الثورة السورية منذ يومها الأول، وهؤلاء يشاركون اليوم في كتابة تاريخ سوريا بماء الذهب وبالدماء التي تسيل أنهاراً في سبيل الحرية، اما الممانعون، ماركسياً وخمينيةً، فمزبلة هذا التاريخ التي تتسع يومياً تفتح ذراعيها لهم قائلةً بأنها قادرة على استيعاب المزيد.

(1) – وسام سعادة: الماركسية خطاب مفتوح ضد الممانعة، جريدة السفير 4/12/2007.

(2) – حازم صاغيّة: ثقافات الخمينية، دار الجديد.

(3) – خالد غزال: وجهاً لوجه مع الفكر الأصولي، منشورات دار الطليعة ورابطة العقلانيين العرب.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى