حسين العوداتصفحات سورية

الثورة السورية.. ملاحظات نقدية

 

حسين العودات

ارتكبت السلطة السورية خلال عامين، أي منذ قيام الثورة، كما ارتكب قادة الثورة، أخطاءً عديدة كان من شأنها أن تزيد الأزمة السورية تعقيداً، وتكلف الشعب السوري مئة ألف قتيل على الأقل، ومثلهم وأكثر من المعتقلين، إضافة إلى المفقودين، ومليون لاجئ في البلدان المحيطة، ومليوني مشرد داخل البلاد، وتدمير بلدات وقرى ومدن، إضافة إلى دمار اقتصادي واجتماعي ونفسي، وإقامة حواجز عالية بين التشكيلات الاجتماعية والمذهبية السورية، ودق أسافين تمزق النسيج الاجتماعي السوري.

بدأ الحراك الشعبي بانتفاضات سلمية عمت مختلف المحافظات السورية، وكانت مطالبها متواضعة: استعادة الكرامة التي هدرتها أجهزة الأمن، ورفع القمع والحيف عن الشعب السوري. ولم تلتقط السلطة الظروف الجديدة، فتجاهلت هذه المطالب ثم رفضتها، فرفع المنتفضون سقف مطالبهم إلى توسيع هامش الحرية، ووضع النظام السياسي على طريق الديمقراطية، ومحاربة الفساد.. وأخيراً.

وأمام صلف السلطة وعسفها وعنادها ورفضها أي إصلاح، طالب المنتفضون بتغيير النظام إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي، وصولاً إلى إسقاط جميع رموز السلطة القائمة.

ولم تدرك السلطة لا أحقية المطالب ولا خطورة رفضها، وبدلاً من دعوة تيارات المعارضة وأحزابها وقادة الحراك الشعبي إلى الحوار، قررت مواجهة أمنية كاملة، بل مواجهة عسكرية ضد المنتفضين والمدنيين الأبرياء والأطفال والنساء، وبدأت عملية منهجية لتدمير المساكن والمنشآت العائدة للناس، فتحولت الانتفاضة إلى ثورة.

كان من نواقص استراتيجية المعارضة، أنه لم يكن لها برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح ومفصل، ولا برنامج مرحلي للنضال، ولا أساليب واضحة للوصول إلى أهدافها. وعلى ذلك مارست عدة نشاطات ورفعت شعارات غير مدروسة ولا تقع ضمن إطار واحد منسجم ومنسق، كما لم تستطع فصائل المعارضة والانتفاضة، أن تشكل قيادة مركزية واحدة قادرة على تحريك الانتفاضة في جميع أنحاء البلاد.

وزاد المشكلة سوءاً أمران: أولهما أن أجهزة الأمن اعتقلت الصف الأول من قادة الانتفاضة، ثم اعتقلت الصف الثاني وأصبح صف القيادة الأخير شباباً صغار السن قليلي الخبرة كثيري الحماس، مما أوقع الحراك المجتمعي في إرباكات عديدة. والأمر الثاني أن المعارضة السياسية، رغم خبرتها التاريخية ونضالاتها الطويلة وتضحياتها الكبيرة، لم تستطع أن تتوحد وأن تضع برنامجاً موحداً لأهدافها وأساليبها باستثناء شعارات عامة.

ولا أن تعقد صلات جدية مع الحراك الشعبي. وقد هرع سياسيون سوريون في الخارج، إلى تشكيل تنظيم خارجي معارض تحت اسم “المجلس الوطني”، الذي اعتقد أنه يمثل الثورة السورية، وأعلن متظاهرون عديدون في الداخل أنه يمثلهم. ولكي يثبت المجلس أنه قادر على تحقيق الأهداف وإسقاط النظام، بدأ يبيع الوهم للثورة؛ مثل قرب التدخل العسكري الخارجي الذي سيسقط النظام بكل رموزه، مما جعل هذا الهدف هو الحد الأدنى الذي دخل في وعي الجماهير.

وقد اعتقد المجلس أنه حصل وحده على ثقة فصائل الثورة السورية، فتجاهل المعارضة الداخلية، وهي أكثر من عشرة أحزاب تاريخية تضم مناضلين أمضوا ردحاً طويلاً من أعمارهم في السجون. وأمام الشعارات المتطرفة ونقص الخبرة، اعتقد أبناء الثورة في الداخل أن النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ولم يعودوا يقبلون أقل من سقوطه بكافة رموزه، ويرفضون أية مفاوضات لتغييره أو إصلاحه إلا بعد سقوطه. وربما كان تشكيل المجلس بهذه الصيغة، وعدم توحيد المعارضة، وفقدان البرنامج الموحد والمنهاج المرحلي للنضال.

وعدم التأكيد على أن الحل يكون داخل الحدود، وعدم رؤية مخاطر التحالف مع الخارج، وتصرف المجلس الوطني كمجموعة من الهواة غير المسيّسين، شكلت جميعها أخطاء كبيرة أسست لتمزيق المعارضة وإضعافها وتيهها.

أما النظام، فلم يتخذ قراراً واحداً صحيحاً منذ بداية الثورة حتى الآن، وتصرف ومازال على أن الحل الأمني والعسكري والقمعي هو الحل الوحيد الذي يخمد الثورة، وأن لديه القوة العسكرية والأمنية القادرة على إخمادها، واستهان بالثورة والثوار. وكان أصحاب القرار في السلطة قصيري النظر صلفين يعشقون الاستبداد ويحتقرون الشعب.

ولم يستطيعوا تخليص أنفسهم من المستنقع القمعي والبطش واحتقار المواطنين، وكأنهم لم يسمعوا بمعايير الدولة الحديثة، فرفضوا الحوار، ولم يقبلوا أي تغيير لأهداف النظام ونهجه المعمول به منذ أربعة عقود، أو إجراء أية إصلاحات جدية فيه، ثم فيما بعد رفضوا كل المبادرات الداخلية للإصلاح، التي قدمها سياسيون معارضون عديدون، وتقوم أساساً على الحوار بين جميع فئات المجتمع، لإيجاد صيغة معقولة لنظام سياسي ديمقراطي تعددي.

كما رفضوا المبادرات العربية ممثلة بمبادرة الجامعة العربية، وكذلك المبادرات الدولية، واستهانوا بالرأي العام العالمي الذي يرى ممارسات السلطة وأعمالها ويشجبها، وهان على السلطة ورموزها ممارسة القمع والاعتقال والقتل والتدمير، تحت شعارات مفتعلة دعمتها فئات داخلية مستفيدة، وجهات خارجية لها مصالح مشبوهة.

وهكذا وقع الشعب السوري بين حجري الرحى؛ معارضة أخطأت ولم تستطع تصحيح أخطائها وتبعثرت وخسرت إمكانية تحقيق الحل السياسي وأوكلت أمرها إلى الصراع العسكري، وسلطة استمرأت تجاهل الشعب والولوغ في الفساد وممارسة القمع والقتل والتدمير ورفض الإصلاح والاستهانة بالرأي العام العالمي.

فوصلت الأمور الآن إلى اقتصاد منهار، وإنتاج زراعي وصناعي شبه معدوم، ومعامل مدمرة أو مهربة إلى الخارج، وبطالة وغلاء أسعار، وانعدام خدمات عامة (صحية واجتماعية وتعليمية وغيرها)، وملايين المشردين في الداخل والخارج.

البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى