صفحات سورية

الثورة السورية والحياد القاتل

 


عبد الرحمن حلاق

عندما نتحدث عن الإعلام فأول ما يتبادر إلى الذهن مفردات مثل ( المهنية ـ الحياد ـ تقصي الحقيقة ).

وتحت هذه الشعارات تختبئ الكثير من المواقف ويتوارى الكثير من الإعلاميين ، إما بسبب علاقات شخصية أو مكاسب شخصية أو بالعبارة الأكثر إيلاماً ( الخط العام للمؤسسة الإعلامية ) التي تعكس في حقيقة الأمر الرؤيا الفكرية لصاحب المؤسسة ، في سوريا يصر الإعلام على أن الرواية الرسمية هي الأصدق والعالم بأسره متآمر ( باستثناء إيران وحزب الله وروسيا والصين ) ، في سوريا يصر الإعلام أن ما يحدث هو إرهاب عصابات مسلحة ويريد أن يجبر العالم على تصديق هذه الرواية ، في سوريا لا يستطيع النظام أن يسمع مجرد سماع لكلمة ثورة فهناك ( مطالب محقة تم الاستجابة لها ) ، يحدث في سوريا ما لا يمكن تصوره في العالم أجمع والأرقام التي تصل إلى منظمات حقوق الإنسان لا تتجاوز 10% ، في سوريا آلاف القتلى وآلاف المعتقلين وما يزيد عن الألف مفقود ، في سوريا مقابر جماعية في البر والبحر وثمة من تحدث عن محرقتين تم استيرادهما من إيران ، وثمة من تحدث عن عمليات نقل الجثث إلى إيران، بغض النظر عما إذا كان هذا الكلام مثبتاً أم لا ، في سوريا يتم تهجير شعب بأكمله من مدنه ، جسر الشغور اليوم لا يجد فيها أي إنسان من أهلها ، هرب من هرب منهم إلى تركيا وتوزع الآخرون في القرى والبلدات المجاورة ، في سوريا تنتهك كرامة الإنسان بطريقة لا مثيل لها في التاريخ وحمزة الخطيب شاهد على ذلك ، وفي سوريا الآن ثورة فلماذا لا يريد العالم تصديق ذلك ؟ في سوريا ثورة فلماذا لا يريد الإعلام الحيادي تصديق ذلك ؟ والسؤال الأهم أن بعض المؤسسات الإعلامية التي تدعي أنها حرة ومهنية وبعد أن قطعت شوطاً إلى جانب الشعب قد عادت إلى مهنيتها وحيادها . فمن وراء عودتها ؟

هل هو التهديد من قبل الشبيحة من أعادها إلى جادة الحياد ؟ أم أن الأوامر وصلت بالفاكس؟ بحجة أن الموقع الجيوسياسي لسوريا يمكن له أن يفجر المنطقة ، وأن النظام السوري الحالي ممسك بكثير من الأوراق التي تشكل حالة رعب لأمريكا وإسرائيل ، وبالتالي على وسائل الإعلام ألا تنحاز كثيراً مع الشعب السوري ، وعليها أن تتبنى وجهة نظره . لم يذكر التاريخ ثورة طاهرة بالمطلق فلكل حالة تجاوزاتها الفردية ، فلماذا تتمسك الآن هذه الوسائل الإعلامية بمبدأ الحياد ؟

عندما يكون الحياد بين الحق والباطل ، فهذا ليس بحياد إنه موقف ، وعندما تكون المسافة التي تفرضها المؤسسة الإعلامية واحدة من القاتل والمقتول فهذا انحياز للقاتل ، لن تفقد أي مؤسسة إعلامية مصداقيتها إن هي انحازت لثورة شعب والكل يعرف أن الجزيرة كانت جندياً فاعلاً في ميدان التحرير إلى جانب الجماهير الثائرة.

لقد كتب على الشعب السوري أن يمضي إلى حريته وحيداً ، صمت عربي مطبق ، وصمت دولي باستثناءات قليلة وتردد أمريكي واضح . أفهم هذا التواطؤ سياسياً فأمن إسرائيل أولاً ، لكن أن تتبنى وسائل الإعلام ( الحرة كما تدعي ) هذا التواطؤ وباسم الحيادية تمنح للقاتل من الوقت بقدر ما تمنح للضحية وربما أكثر ، فهذا ما يصنع في الرأس الكثير من إشارات الاستفهام ، أن تتبنى هذه المؤسسات وجهة النظر الرسمية وتمنحها كل هذا الوقت بحجة الحياد والموضوعية فهذا انحياز للقاتل، لماذا لا تعلن المؤسسات الإعلامية مقاطعة إعلام النظام إلى أن يتم السماح لها بالعمل داخل سوريا؟ كنت سأحترم وجهة نظر أي قناة فضائية لو أن لها من المراسلين ما يكفي لتغطية الحدث، لكن مع كل هذا الحجب والمنع الممارس على الإعلام الحر تأتي هذه المؤسسات الإعلامية لتنقل وجهة نظر النظام وتحاجج بها وجوه المعارضة، لقد صدقت أمريكا وجود عصابات مسلحة في سوريا بفضل هذه الحيادية، أليس من العدل أن تمتنع كل قناة فضائية ممنوعة في سوريا عن بث وجهة نظر الإعلام السوري؟ من باب المعاملة بالمثل. أم أن لإسرائيل كلمة أخرى ؟ سيقول أحدكم الآن أن سوريا قد سمحت لبعض القنوات بالحضور وأصبح للعربية موفد فيها لكن تتبعوا معي تقرير موفد العربية إنه معد بطريقة استخباراتية لاتخدم سوى النظام وحده ولم يتطرق سوى إلى المقبرة الجماعية التي قامت بها العصابات المسلحة بحق أفراد للأمن ولا أدري كيف امتلكت هذه العصابة الوقت لقتلهم ودفنهم في ظل دولة لم تعرف في حياتها غير الحلول الأمنية ، وما الخبر الذي يشير إلى تعرض هؤلاء الموفدين لثلاثة كمائن إلى مقدمة مكشوفة لطردهم أو تقييد حركتم لدواعٍ أمنية . أخيراً أتساءل بحرقة هل يغيب الضمير الإنساني مع هذه المؤسسات الإعلامية خلف يافطة الحياد ، هذا هو إذا الحياد القاتل .

روائي سوري

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى