صفحات سوريةطالب ك إبراهيم

الثورة السورية وتعديات المعارضات..


طالب ك إبراهيم

لاشيء يبدو واضحاً في سقيفة المعارضات السورية الآن كخلافاتها, ليس بخصوص العلاقة النّدّية مع النظام الديكتاتوري الدموي فقط، وإنما بشأن الثورة أيضاً, وتأثير ذلك على استمرارها أو تصفيتها..

تناوبت المجالس الانتقالية المتعددة في تحديد حامل مشعل الثورة قبل أن تتهافت أحزاب مغرقة في أمراضها وأيديولوجياتها على تشكيل هيئة، لم تسعفها وحدتها في تخفيف آثار شللها وعدم فاعليتها..

المجلس الوطني السوري ذو الطابع الإسلامي وبرئاسة المفكر العلماني برهان غليون, هذا المجلس الذي كان واضحاً في نزوعه السياسي إلى وضع كل الخيارات على طاولة الحدث السوري الثوري, لم يستطع إخفاء خلافاته عند أول منعطف في توحيد صفوف المعارضة, خلافات لا يمكن أن نسمّيها بالطرفية وإنما بنيوية تدل على حالة التمزق ضمن وحدة المجلس القسرية..

هيئة التنسيق الوطنية والتي تشكلت بين ليلة وضحاها من عدد من الأحزاب ذات الوزن النظري, عدد يتناسل عند كل إعلان عنه, ورسمت السياسي القديم المتجدد حسن عبد العظيم باعتباره رئيساً لها بالإضافة إلى رئاسة حزبه ورئاسة التجمع الوطني الديمقراطي..

لعل المشهد على فظاعته, يوحي بالوضع السياسي العام للمعارضة السورية والتي استطاع نظاما الأسدين تمزيقها ليس فقط بتأثير أجهزتهما الأمنية القمعية وسجونهما, وإنما أيضاً بفضل تخلفها وعملها النظري المنقطع عن التدفق الشعبي, والمنغمس في بوابات التنظير الأيديولوجي, و مفاهيم النضال السري, رغم الثورة العلنية, والشارع الواضح, والأوجاع المتهافتة, يضاف إلى ذلك نزوع أطراف معارضة, ضمن التحيز السياسي الواحد, إلى الاستفراد بالقضية والمراهنة على موضوع الربح الأحادي في زمن الثورة الطارئة..

لعل السؤال الراهن الآن بعد سيل الجراح المتراكم للشارع السوري هو: ما العمل..؟؟!!

لجنة المراقبة العربية تنتقل في سوريا بلا فاعلية وبلا جدوى في تحديد هويتي المجرم والبريء والتي سينتج عن ذلك تقريراَ يساوي بينهما لأغراض تتعلق بحاجة رئاسة الجامعة إلى تبرير بقاء النظام السوري, والاتكال عليه في وضع حل سياسي/أمني للأزمة البنيوية, يحافظ فيه على بقائه الموبوء بالجريمة, ويحفظ مقام للجامعة المتأزمة..

لا يبدو أن المجتمع الغربي وأمريكا مستعدان لتكرار السيناريو الليبي في سوريا وفق الظروف الحالية المقلقة, وعلى أجندة معارضات غاب عنها الهم الداخلي, وبدون غطاء شرعي عربي, حتى لو خرجت تظاهرات تطلب ذلك وتريد تدخل ينقذ من بقي للإنقاذ ..

هذا الجانب من المسألة هو ما يراهن عليه النظام ويبني سلوكه القمعي الدموي عليه بمواجهة الشارع, وضمن ملف أمني آخر جوهره محاولات حثيثة لدفع الشارع نحو الاقتتال الداخلي يكون بمثابة بوابة نجاة له ولمصالحه..

يستبعد النظام تدخل غربي في سوريا, ويحاول مفاقمة أسباب ذلك, ويضع في قمة سلم أولوياته سيناريو شبيه بالسيناريو اليمني, سيناريو يعطيه المزيد من الوقت لإجهاض الثورة بتطبيق السيناريو الأمني ذاته, وإذا فشل في ذلك يعود إلى السيناريو اليمني, بمساعدة من تبقى له من الدعم العربي والدولي..

الدعوة إلى ولادة تيار سياسي جديد يحمل مطالب الثوار, ويضع جانباً خلافات المعارضات السورية ويرسم طريقاً لسوريا ضمن المعقد الداخلي و الإقليمي والدولي هو بمثابة دعوة جديدة للانشقاق, دعوة لإنتاج تفصيل آخر في الساحة ذات التفاصيل..

المتضرر الكبير مما يحدث هو الشارع السوري المنتفض, وهو الوحيد الذي يحدد مسارات حلول للأزمة.. ليس أمام هذا الشارع إلا خيار أُجبر على اتخاذه, خيار استلهمته الجموع من وحشة القمع والتسلط و السجون, ومن تجارب الآخرين, بأن يرضخ هذا النظام الدموي جدياً ومن دون مواربة إلى تسليم السلطة, ينتهي معها من حيث المبدأ مسألة احتكارها وطغيانها..

إلى أن يعي الجميع حجم التضحيات, وحجم المعاناة, تحتاج سوريا إلى أرواح جديدة عوضاً عن الدماء التي سالت, وأحرار آخرين عوضاً عن الآلاف المعتقلة, وبراءة اختراع لثورة لم تلمس نهايتها بعد, رغم زمن استمرارها الطويل المتخم بالمآسي, علماً أنها لمست شغاف القلوب..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى