صفحات العالم

الثورة السورية وتغير المعادلات: لماذا فشل خيار رحيل الأسد

 

 

مبعوث دولي سابق: الرؤى الغربية لم تواكب الحقائق على الأرض، والمعارضة السورية وقعت ضحية ‘أصدقائها’.

خسارة المعارضة لحلب تغير قواعد اللعبة في سوريا

لماذا اندلعت الحرب في سوريا؟ سؤال تاهت الإجابة عنه بين ثنايا التطورات الحاصلة منذ خرج أهالي درعا في مارس 2011 سائرين على درب نظرائهم في تونس ومصر، إلى أن أضحت سوريا ميدان حرب بالوكالة ولم يعد يعرف من يحارب من ولصالح من، ولينتهي الأمر من ثورة سلمية تطالب بالعدالة الاجتماعية وتغيير النظام إلى حرب دولية ضد الإرهاب.

يحاول الدبلوماسي الهولندي السابق، نيكولاس فان دام، تقديم إجابة عن هذا السؤال من منطلق اطلاعه المباشر على ملف الأزمة السورية عندما شغل منصب المبعوث الخاص لبلاده إلى سوريا بين عامي 2015 و2016، معتبرا أن الجزء الأكبر من مسؤولية تدهور الوضع في سوريا وتحوّلها يعود إلى تلكؤ وتردد الغربيين في اتخاذ قرارات عملية في القضية السورية.

ويقدّم فان دام شرحا لما اعتبره قرارات دولية خاطئة ورؤية غائبة لما يمكن أن يحصل على المدى البعيد في كتاب “تدمير دولة: الحرب الأهلية في سوريا”، نقلت مجلة فورين بوليسي مقتطفات منه تركز أساسا على الدور الغربي في تطور الأوضاع في سوريا وكيف فشل الغرب في فهم طبيعة ما يجري في البلاد وتداخلت الرؤى بما عقّد الوضع وحوّله إلى إحدى أكبر الأزمات التي شهدها العالم.

ويقول السفير الهولندي إن القادة الغربيين أراحوا “ضميرهم السياسي” من خلال التعبير عن دعمهم للمعارضة بالتصريحات، بينما كانوا يسهمون عن غير قصد في إطالة أمد الحرب.

يوافق العميد إبراهيم الجباوي، المنشق عن الجيش السوري، على فكرة فان دام بأن للساسة الغربيين الدور الأبرز في إضعاف الثورة. ويقول الجباوي لـ”العرب”، “إن الأقوال لم تقابلها الأفعال، حيث اعترف المجتمع الدولي بأن نظام الأسد فقد شرعيته وعليه الرحيل. لكن لم يفعل شيئا لإجباره على الرحيل مقابل الدعم الروسي غير المحدود الذي أمّن بقاء نظام الأسد وما صاحب ذلك من تواصل في عمليات القتل والتدمير والتهجير”.

قدّم الغرب، وفق فان دام، جرعة زائدة من التفاؤل النابع إزاء الثورة السورية في البداية. فقد بنى السياسيون الغربيون مواقفهم على ردود الفعل الآنية بدلا من التركيز على والتوجه البراغماتي واستراتيجية طويلة الأجل لتحقيق النتائج المطلوبة والعمل وتقديم المساعدة الحقيقية لحل النزاع، وبينما أصبح مفهوم المعارضة السلمية أصبح أسطورة أكثر منه واقعا كما كان الحال في البداية، لم يتغير خطاب السياسيين الغربيين.

ويؤكد محمد يحيى مكتبي، القيادي في الائتلاف الوطني، أن المعارضة أصيبت بخيبة أمل من البعض ممن ادعى صداقة الشعب السوري ولم يقدّم الدعم المطلوب على الأصعدة السياسية والعسكرية والإغاثية ليحقق ما تطلع إليه السوريون. ويقول لـ”العرب”، “لقد تركت المؤسسات التي تمثل الثورة والمعارضة والشعب السوري دائما بوضعية ‘لا تموت ولا تحيا’، فيما سُمح لنظام الأسد وداعميه بممارسة كل أنواع التعذيب والتشريد دون أي محاسبة أو ردع”.

أوهام الانتصار السريع

عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا في 2011، وحتى بعدما تطورت إلى صدامات عنيفة بين النظام والمعارضين وانحازت من المنحى السلمي إلى النزاع المسلح، اعتقد المجتمع الدولي، الغرب وجانب من الدول الإقليمية والعربية، أن النظام السوري سيلاقي مصير نظرائه في تونس ومصر وليبيا واليمن.

ويقول فان دام إن العديد من السفراء بدمشق توقعوا رحيل الأسد في صيف عام 2012 وذلك لتقليلهم من شأن قوة النظام. ويرجع سبب هذا الموقف إلى “الجهل وقصور المعرفة بخصوصية الوضع السوري وكذلك التفاؤل الذي كان في غير محله”.

وتتفق الباحثة السورية عليا منصور مع ما يطرحه المبعوث الهولندي من ناحية توصيفه للوعود الغربية التي تلقتها المعارضة والتي شكلت بارقة أمل للمتظاهرين في بداية الثورة. وتؤكد لـ”العرب” أنه “كان من الممكن الإطاحة بالأسد من السنة الأولى للثورة، وحقن الدماء وتجنيب سوريا والمجتمع الدمار الذي لحق بهما، لكن ما كان يحصل هو أن السوريين كانوا يحصلون على وعود كلامية من المسؤولين الغربيين، بينما الأسد كان يحصل على دعم حقيقي مادي وسياسي وعسكري من حلفائه”.

ويؤكد محمد مكتبي أنه “لم يكن هناك في أي مرحلة من مراحل الثورة إرادة دولية جدية لإسقاط نظام الأسد ولو وجدت تلك الإرادة لوفرنا الكثير من الدماء والدمار ولبقيت الثورة تمثل السوريين بكل أطيافهم ومكوّناتهم ولما حرّفها البعض من خلال طرح مشاريع عابرة للحدود ورايات بعيدة عن راية الثورة والحالة الوطنية السورية”.

ويقول خبراء آخرون إن جهل البعض من السفراء في دمشق بواقع النظام لم يكن السبب الوحيد الذي دفع الدول الغربية للانتظار لسقوط الأسد دون أي تدخل مباشر. ويشيرون إلى أن الدول التي قدّمت نفسها على أنها صديقة للمعارضة السورية كانت تسير في الإطار الأميركي الذي لم يكن جادّا زمن إدارة الرئيس باراك أوباما على إحداث أيّ تغيير جذري في البلاد.

وتعتبر عليا منصور أن السماح لإيران بالتدخل لدعم الأسد وعدم القيام بأي فعل جدّي لمنعها سوى التصريحات الرنانة، كان سببه المفاوضات حينها بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، تقول “أوباما عمل على الحفاظ على مصالح إيران في المنطقة، هو أراد الوصول الى الاتفاق النووي بأي ثمن، ولكن الثمن دفعه كما يقولون من جيب السوريين والعرب”.

ويعلل الجباوي سبب عدم رحيل الأسد بعدة نقاط تتمثل “باستخدام روسيا للقوة وضعف أوباما وعدم تمكّن الدول الغربية من الخروج من عباءة أميركا والدعم الروسي اللوجستي والسياسي والعسكري للأسد والميليشيات المتحالفة معه وترك التنظيمات المتطرفة بالتمدد والسيطرة على مساحات واسعة من المدن والقرى السورية”.

ويضيف أن “الدول الغربية تتحمّل مسؤولية انسانية وأخلاقية وتاريخية جسيمة اتجاه ذلك لا سيما فرنسا التي يربطها بسوريا تاريخ طويل لم يكن مع الدول الأخرى.. والمسؤولية تتركز بعدم محاولتها مساعدة الشعب السوري بشكل فاعل سياسيا ولا محاولتها تكوين لوبي بمواجهة الهيمنة الروسية على مجلس الأمن ولم تقدّم السلاح الذي يمكن الثوار من لجم وكبح جماح الطيران الروسي”.

دعم المعارضة المسلحة

عندما رفع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على توريد الأسلحة إلى سوريا، بإصرار من بريطانيا وفرنسا في عام 2013، لم يكن هناك -على عكس التوقعات – أي تغيير كبير في ما يتعلق بتسليح المعارضة، لذلك، وكما يقول منذر آقبيق، القيادي في تيار الغد المعارض، كانت “الدول التي تساند النظام دائما متقدمة بأكثر من خطوة على الدول التي تساند الثورة”.

ويشير آقبيق إلى أن الولايات المتحدة ساعدت المعارضة السورية المسلحة والسياسية ولكنها كانت دائما مترددة. ويقول آقبيق لـ”العرب”، “كانت الولايات المتحدة تؤكد على مفهوم المساعدات ‘غير القتالية’ في السنتين الأوليين، ثم عادت وأعطت مساعدات قتالية مثل صواريخ التاو وغيرها، ولكن بشكل مقنن وغير كاف لتحقيق انتصار كامل، وكانت أيضا الخطوة متأخرة وناقصة، حيث رفضت بشكل مطلق السماح بتوريد صواريخ مضادة للطائرة محمولة على الكتف”.

ولطالما تذرّع الغرب بعدم دعم المعارضة المسلحة بحجة أنه لا يوجد أي ضمان بأن الأسلحة المقدّمة للمعتدلين لن ينتهي بها الحال في أيدي المتشددين. ويرى خبراء أن الغرب لم يقدّم أسلحة تهدف حقا إلى مساعدة المعارضة في إسقاط نظام الأسد بل كانت تلك الأسلحة تهدف أساسا إلى مساعدة المعارضة في الدفاع عن نفسها أو لمحاربة التنظيمات الجهادية. وبالتالي الدعم العسكري لم يكن حاسما بل يضمن استمرار الحرب دون أن تنتصر أيّ جهة.

وتقول عليا منصور إن “الدعم العسكري الذي قدّم للمعارضة كان يكفي لاستمرار المعركة لا للانتصار فيها، وأعتقد أن السبب في ذلك كان ربط الملف السوري بعدة ملفات، فكل دولة كانت تبحث عن مصالحها، وسوريا كانت ساحة الصراع وتقاسم المغانم”.

استبعد الغرب عمليا أي تدخل عسكري في سوريا منذ البداية وبالتالي لم يكن لدى مسؤوليه ومبعوثيه أي نفوذ على النظام ولا على حلفائه الروس والإيرانيين. ونظرا لتردده في دعم الضباط المنشقين، أصبحت الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفا أقوى من الجيش السوري الحر.

ويرجع آقبيق تردد الغرب إلى نقطتين أساسيتين: الأولى هي الإرهاق المادي والبشري الذي لحق به من جراء فشل حملاته على أفغانستان والعراق سابقا مما دعاه إلى محاولة تلافي التدخل مرة أخرى في الشرق الأوسط.

تتمثل النقطة الثانية في وجود منظمات جهادية إرهابية مثل النصرة وداعش وهي تشكل خطرا على الأمن القومي الغربي أكثر من وجود الأسد في السلطة، ويصبح معها تمكن تلك المنظمات من السلطة في سوريا في حال سقوط النظام خطرا.

وبخصوص فصائل الجيش السوري الحر، فقد أصبحت تدريجيا تتلاشى وتنتقل عناصر منها إلى الفصائل الإسلامية المتشددة؛ فيما أصبحت المعارضة المطالبة بالعلمانية والمدنية أقل شعبية. ويقول نيكولاس فان دام إنه طالما لم تزوّد المعارضة بالوسائل اللازمة لكسب اليد العليا في المعركة، فإن دعمها المعنوي لم يكن له أي قيمة حاسمة لكسب المعركة؛ فمثلا عندما اجتاحت قوات النظام الجزء الشرقي من مدينة حلب في ديسمبر 2016 التي كان تحت سيطرة المعارضة المسلحة لأكثر من 4 سنوات، لم يفعل المجتمع الدولي شيئا، واكتفى بالتنديد.

وتقول عليا منصور “قبل أن يجتاح النظام الجزء الشرقي من حلب، استخدم الكيميائي ووقف العالم متفرجا، ظهرت الآلاف من الصور لمعتقلين قضوا تحت التعذيب ووقف العالم صامتا، العالم لم يفعل أي شي سوى إصدار البعض من البيانات الإعلامية واجتماعات غير فاعلة”.

اعتبر محمد مكتبي أن الدعم العسكري المُقدم من أصدقاء الشعب السوري هو أكبر وجوه خيبة الأمل للمعارضة، “لأن هنالك فجوة كبيرة وبونا شاسع بين الوعود بالكلام على الورق وبين الواقع على الأرض والمشكلة أننا صدقنا أن دول العالم الحر تريد سوريا دولة ديمقراطية وحرية وعدالة ومواطنة ومساواة وتعددية ولكن الوقائع تشير إلى غير ذلك حتى الآن”. وتطلّب الأمر وقتا طويلا قبل أن تصبح الصورة واضحة لدى المعارضة بأنهم صاروا ضحية للتوقعات الخاطئة التي شكلها “أصدقاء سوريا من الدول الغربية”.

ولا يحمّل مكتبي المؤسسات الدولية والمسؤولين في الدول الكبرى فقط مسؤولية ما جرى ويجري في سوريا، حيث يقول إن “مسؤولية منع سقوط نظام الأسد تتحمله بالدرجة الأولى الدول الكبرى لعدم اتخاذ خطوات جدية وحاسمة، وتتحمله القوى ‘السورية’ التي حرفت الثورة عن وجهتها”.

يتطلب العمل على الخروج من المأزق السوري الراهن الاعتراف بأخطاء الجميع وتحمّل كل جهة لمسؤوليتها، وهنا لا يمكن إنكار أن المعارضة السورية تتحمّل أيضا جزءا من المسؤولية خصوصا بعد ما شهدته من تشرذم وانقسامات وتعدد الأيديولوجيات والجهات الداعمة والمؤثرة، ضمن تركيبة متداخلة حكمت على الثورة السورية بالفشل، كما يشير فان دام، مضيفا أنه طالما ظل النظام يتلقى دعما عسكريا غير محدود من حلفائه روسيا وإيران وحزب الله سيستمر الوضع في التدهور.

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى