صفحات سوريةغازي دحمان

الثورة السورية وسذاجة الغرب


غازي دحمان

كشفت الثورة السورية عن انعدام فعالية الولايات المتحدة و(الغرب عموماً ) في الحدث السوري، فقد قتلها تضارب أهدافها من التغيير في سورية، فمن أمن إسرائيل ومنع انتقال العدوى السورية الى دول الجوار، إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل أو سقوطها في أيدي “الإرهابيين”، وإلى إضعاف إيران في سوريا واستتباعاً في لبنان، وصولاً إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير والموسع، كانت تلك سلة يصعب على الثورة السورية حملها أو ضمان تحقيقها.

وعلى مدار ثورة الشعب السوري، وعلى وقع عذاباته ودرب آلامه الطويل، لم يستطع الغرب، الذي أربكته أزمته الاقتصادية، سوى استثمار المزيد من الريبة والتشكك في قيمه وادعاءاته وما يسميه رسالته، التي ظهر أنها لا تختلف عن رسالة البعث الخالدة، كل على طريقته، بل إن الأسوأ في الأمر أن الغرب تعمد التلطي خلف موت السوريين لتحقيق أهدافه السياسية في استنزاف إيران وروسيا، وفي سبيل ذلك سمح لهما بممارسة أبشع الانتهاكات بحق الشعب السوري عبر طمأنتهما على الدوام بعدم نيته التدخل في سورية، ما دفع موسكو وطهران إلى ممارسات أقرب منها إلى التمرينات على القتل ووأد الثورات، أكثر منها سياسات تهدف الى الحفاظ على مصالح سياسية وتوازنات دولية معينة.

لا شك بأن استراتيجية المهل وإطالة زمن الأزمة وقبول المبادرات وسذاجة الغرب أو تخاذله وجبنه أوجدا واقعاً على الأرض، هذا الواقع لن يكون في مبناه ومعناه مريحاً لهم، فمن السذاجة التصور بأن المصالح يمكن أن تتحقق من خلال سياسات انتظارية وانتهازية ومترددة.

ثمة حسابات خاطئة وقع ضحيتها الغرب وقائدته الولايات المتحدة الأميركية في الحدث السوري، وهو أنه بمجرد سقوط النظام ستميل كفة الربح إلى جانبهم، مقابل تحقق الخسارة الأكيدة للطرف الآخر (روسيا وإيران)، وهذه حسابات مضللة، ذلك أنهم تركوا الطرف الآخر يعمل بكل أريحية على تشكيل أرض الحدث وهندستها، فإذا لم يستطع ربحها في هذه الحالة، فمن السذاجة أن يسلمها لقمة سائغة، بل ربما يغدو تخريبها نوعاً من الربح كونه يهيئها كواقع إشكالي مستقبلي للخصم.

لقد بدا واضحاً أن الأميركيين أصحاب نظرية (انتهزوا اللحظة) ثبت أنهم في هذه اللحظة كانوا أقل قدرة على التطبيق وأكثر تنظيراً، كل ما فعلوه في لحظة لا تسيّدهم على المشهد الدولي أنهم استنفدوا جهودهم كدولة عظمى بشكل غير مرشَّدٍ في ساحات ما كانت تحتاج كل هذا المجهود، في حين بالغوا في اتباع سياسات حذرة في وقت ما كان يتوجب الحذر، الأمر الذي جعل كل جهودهم من أجل السيطرة على نفط وجيواستراتيجية الشرق الأسط تصبح على الأقل تحت رحمة التفاوض.

في المقابل نجد أن روسيا، التي استنفدتها أميركا ذاتها في حرب النجوم الوهمية، وأخرجتها من التاريخ معلنة بفرح ساذج على لسان فيلسوفها فوكوياما نهاية التاريخ، يبدو أنها استفادت من دروس التاريخ ووفرت طاقتها وجهودها ولم تشغل سوى عنصر واحد من قوتها العنصر الديبلوماسي.

أميركا رومني أو أوباما لن تفعل شيئاً في القضية السورية، فعدا عن كون عناصر ضعف تحركها موجودة في ذاتها، فالأكيد أنها ستجد واقعاً مكرساً لن تستطيع أمامه سوى القبول بلعبة التفاوض، فالنظام وحلفاؤه يجهدون لتغيير طبيعة مسرح الحدث عبر العبث به وتشكيله بطريقة تناسبهم، وكل يوم يمر يصنع معطيات جديدة، مهجرون أكثر، دمار أكبر لمدن وقرى، ولنا أن نتصور استمرارية هذا الأمر وصيرورته بعد أربعة أشهر حين تكون واشنطن قد استفاقت من حملتها الانتخابية؟

القضية لم تعد مسألة نظام وإصلاحات أو تنحّي وسواه، روسيا وإيران من المستحيل أن يقبلا بالخروج من المولد السوري من دون غنائم وهما يتحكمان بالوقائع على الأرض، وهذا وضع طبيعي، وعلى الغرب أن يحصد الشوك، لسنوات طويلة، ثمناً لتردده في إزاحة النظام ودعم المعارضة، وغداً، وعندما نقرأ التاريخ الديبلوماسي كما سيدونه حكماؤهم، سنكتشف قاعدة جديدة في صعود وهبوط الدول، وهي ان إدارة الأزمات الدولية بطرق خلاقة هي سر حفاظ الدول على مكانتها.

المستقيل

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مهما تحدثنا عن دور الغرب ممثلا بالولايات المتحدة وأوروبا في اطالة عذاب الشعب الثوري ومنع ثورته العظيمة من الوصول الى خاتمتها السعيدة باطاحة نظام المافيا الأسدية الفاجرة وعلى رأسها المعوق المجرم بثار الأثد فاننا سنعود الى الاشارة والتأكيد على دور اسرائيل التي ترفض التخلي عن حليفها الاستراتيجي الممانع نظام الأسدالمجرم الذي أوكلت اليه آخر المهام التي ينفذها باخلاص لانظير له وهو تحطيم المقدرات العسكرية السورية وتدمير البنى التحتية السورية وقتل أكبر عدد ممكن من السوريين وخلق تصدعات بنيوية في النسيج المجتمعي السوري تمهيدا لما هو أعظم وأخطر ، ونظام العهر والفجور من آل الأسد لا يألو جهدا في في تنفيذ ما يريده سادته وسادة أبيه المقبور الجاسوس حافظ الخنزير الذي سبق للموساد تجنيده عن طريق الجاسوس كوهين وحسبنا الله ونعم الوكيل ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى