صفحات سوريةغسان المفلح

الثورة السورية ومسألة الحريات


غسان المفلح

لقد شكل الميثاق العالمي لحقوق الانسان، الذي صادقت عليه الجمعية العامة في 10 كانون الأول / ديسمبر 1948  خلاصة حقوقية بالمعنيين الفردي والعام لتجارب الشعوب في نضالها من أجل الحرية، وفي التأسيس القانوني لدولة الحق، أو ما عرف بالدولة البرجوازية أو الدولة الليبرالية، وللخروج من الشبهات الترميزية بالمعنى الايديولوجي، نسميها الدولة المعاصرة..لأن الدولة رغم تعاليها السيادي في المجتمعات وعليها إلا أنها كائن تاريخي بامتياز، منتشر ومتأثر بكل تفاصيل الحياة اليومية في هذه المجتمعات، التي تعطيها فاعليتها السلطوية والعدالية والتمثيلية..انتشار سيادتها معبر عنه في كل إشارات الانتماء الفردي والجمعي للفرد وللمجتمع معا، وبتداخل حقوقي واضح بين حريات المجتمع العامة وبين حريات الافراد الخاصة..الحرية الفردية يكثفها الميثاق العالمي ويكثف علاقتها بالحريات العامة..كما توضح بلا لبس هذه المواد..

المادة 18.

لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.

المادة 19.

لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

المادة 20.

 لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.

 لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما.

المادة 21.

 لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً.

لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

انطلاقا من هذه المواد الواضحة المبنى والمعنى، أردت الاطلالة على ما يحدث في الثورة السورية، وخاصة تلك النقاشات التي تطال بعض المسائل الشائكة، مثل قضية الاسلام السياسي عموما، وما تحاول بعض الجهات الغربية المشبوهة التحدث عن وجود لتنظيم القاعدة في الثورة، ومن جهة اخرى اريد أن اتناول في نفس الفضاء القضية الكردية ومسألة الأقليات والطوائف..

عاملان فرضا حمل السلاح على الكتلة الثائرة السورية:

الأول- بشاعة الجرائم التي ارتكبتها العصابة الأسدية بحق المتظاهرين السلميين، محاولة ليس قتل المدنيين فقط بل تدمير حياتهم ايضا، وتحقير رموزهم، وتعهير نساءهم..لدرجة ان العسكر انفسهم لم يتحملوا ذلك..فبدأت الانشقاقات تتوالى..

العامل الثاني- تخاذل وتواطؤ المجتمع الدولي نتاج لتمسك الموقفان الاسرائيلي والروسي مجتمعين بالعصابة الأسدية، كخيار مدمر للشعب السوري وللبلد، ودون أن يكون هنالك تصور سياسي ما، يزيل حكم العصابة الفاسد والمجرم.. بالمناسبة وهنا أؤكد للقارئ الكريم التالي: المعارضة السورية بكل صنوفها، ومهما كانت رؤيتنا لها، لم تعرقل أي حل سياسي جدي وحقيقي على الارض…بل المعرقل في كل الحلول التي طرحت هي العصابة الأسدية…

في الكتلة الثائرة، والتي خرجت بتظاهراتها السلمية، كانت رموز التدين الاسلامي أقل من عادية، وهي طبيعية جدا، ويغلب عليها الطابع التقليدي العالم، وتصنف فعلا وقولا في إطار ما تسمح به المواد المذكور أعلاه من الميثاق العالمي لحقوق الانسان. وأية نشازات يعتبرها بعضنا اسلاموية متشددة خرجت كانت استثناءات تؤكد القاعدة بأن هذه الثورة منفتحة على أفق وطني جامع ومستند على مفاهيم الحرية والكرامة وحقوق الانسان. ماذا يعني الذهاب للجامع وممارسة المسلم لعقائده؟ هل على المسلم التخلي عن رموزه لكي يرتاح الآخرون؟ أمر أظهرت الثورات العربية أنه بممارسته لهذه الرموز والطقوس لايشكل خطرا على أحد، بل ما حدث في بعض البلدان هو العكس تماما..رموز الآخرين الايديولوجية وما تسمى بالحداثوية هي التي بررت ولاتزال تبرر الجريمة بحق هذه الشعوب..وهنا أؤكد على قضية في غاية الاهمية..وهي أن دول العالم الحر وخاصة في سورية بعكس ما يشاع، لم يكن لديها لا قبل الثورة ولا بعدها، هدفا في دعم التيارات الليبرالية واليسارية ولا حتى العلمانية بشكل عام، بل ربما ترحب بضابط مثل مناف طلاس اكثر مما ترحب بتشكيل تيار ليبرالي حقيقي!!..

حيث كانت ولاتزال تساوم الاسلام السياسي..فهي تساومه من جهة وتشهر به من الجهة الأخرى، ويأتي تشهيرها ليطال المسلم العادي ورموزه…الآن يتحدثون عن وجود للقاعدة في سورية، لا يمكن في ظل هذه الجريمة الدولية بحق شعبنا، والتي لم يتعرض لها شعب من قبل إلا بظهور تيارات متشددة، وفقا للحاضن الثقافي والايديولوجي لهذه المجتمعات وهنا أقصد الاسلام..ومع ذلك ورغم كل هذه الجريمة التشدد الاسلاموي فيها والمسلح محصلة فعله هي ضد كتلة العصابة الاسدية وشبيحتها..ولم يطل أي مكون آخر في سورية ولن يطاله لاعتبارات كثيرة..وأما العناصر التي تدعي أنها جزءا من تنظيم القاعدة، فهي على أقليتها، إلا أنها أتت مدعومة من جهات استخباراتية محددة، ستشكف الايام القادمة عنها، أو أن هنالك من يدعي ذلك نتيجة لجهل أو لرد على التواطؤ الدولي مع الجريمة..فيدعي انه قاعدة. على الغرب والعالم التخلص من هذه النغمة، وعلى ناشطي الثورة تفهم هذه المسألة في سياقاتها وهذا هو الاهم..المسلم يريد دولته مثل أمريكا، لكنه يريد أن يمارس طقوسه وشعائره كما يمارسها أي مسيحي أو يهودي…الخ النقطة الأكثر وضوحا في ثورتنا الاسطورة هي: أنها لاتزال حتى اللحظة منفتحة على أفق وطني جامع…يريدون تخريبه لكي يتم التغطية على هذا التواطؤ غير المسبوق في تاريخ العالم المعاصر..ما يجعلني أقف ضد الاستبداد هو عام ومطلق، مهما كانت رموزه وشعائره وطقوسه ومبرراته..والثورة التي قامت ضد العصابة الأسدية رغم كل هذا الفضاء الدولي الموبوء، تستطيع أن تقوم ضد أي نوع من أنواع الاستبداد بثورة أخرى..سورية الآن بلد مفتوح ومنفتح على الحرية… الثورة مطلق ثورة، هي تكسير لقوقعة القمع ولقيمه القديمة وولادة للجديد بكيفيات غير منظمة..وتنظم في سياق عملية التغيير التي تحدثها..أنا أقبل بأي تيار سياسي شريطة ألا يقوم بفرض ما يريده بقوة السلاح…وشريطة أن يحتكم لصندوق الاقتراع…

في المسألة الكردية..بدأت المح وخاصة بعد تسليم العصابة الأسدية لبعض المناطق ذات التواجد الكردي، لمليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي أو فرع البي كي كي الكردي التركي في سورية، ونحن نلحظ ان هنالك هجوم غير مسبوق ومفخخ على كل تيارات المعارضة غير الكردية، ومحاولة فرض أمر واقع تم بلعبة من نظام القتل، وهو مستمر في قتل شعبنا السوري..ولن اضيف عما كتبته سابقا، لكنني أسأل الاصدقاء في الحركة الكردية ومثقفيها في سورية، إذا كنتم ترفضون الدعم التركي المتمثل بدعم حزب اردوغان الاسلامي!! للاخوان المسلمين مثلا كما تقولون: فهل تقبلون بأن تحكم مناطقكم من حزب تركي آخر؟ وفقط لأنه حزب كردي؟ وهنا خطأ البي دي سيكتشفونه عاجلا أم آجلا لأنهم في النهاية سوريون…لكن إذا كان هنالك من يريد تأسيس حالة انفصالية، فمن حقه أن يحكمه من يشاء…ما يجري على الارض دغدغة لمشاعر الناس من أجل خدمة أهداف الحزب التركي في النهاية، فهو يريد إما بقاء بشار الأسد في السلطة، أو تشكيل قاعدة لوجستية عسكرية للحزب الكردي التركي الآم، وأقصد البي كي كي… وهذه القضية لاتندرج في إطار الحقوق القومية بل تندرج في اطار صراع سياسي العين الاساسية فيه على تركيا.

يريد الشباب فرض فيدرالية على مقاس هذه النقطة…والمكونات الأخرى لاتقبل..فهل يراد فرضها بقوة السلاح مثلا؟

الآن يجري خطف الناشطين الاكراد السوريين الذين يصرون على حل وطني سوري للقضية الكردية من قبل عناصر البي كي كي..لماذا؟ وهذا باعتراف قيادات الاحزاب الكردية نفسها التي وقعت على اتفاقية هولير مع البي كي كي…مع ذلك..كما قلت وأقول سابقا: أنا مع تطبيق النموذج السويسري في حل القضية الكردية في سورية…هكذا مقشرة وعلى بلاطة كما يقال…ولكن باجماع وطني سوري فتحت الثورة السورية بدماء ابناءها أفقه الأكثر رحابة..ما تشتم به المعارضة السورية على صفحات الاصدقاء الكرد الاتراك!! والاشقاء الكرد السوريين شيئ يفوق الشوفينية، ويلغم المنطقة هناك…فكما هو من حق الرموز الكردية أن ترى النور فمن حق الرموز العربية أيضا أن ترى النور، فكيف يمكن جمع التنويرين معا في سورية حرة ديمقراطية مؤسسة على الميثاق العالمي لحقوقف الانسان.. يتبع في نقاش المسألة الطائفية وفقا لهذا المنظور…

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى