صفحات سوريةغسان المفلح

الثورة السورية ومستقبلها

 


غسان المفلح

تتكاثر هذه الأيام الأصوات التي تتحدث عن قضيتين متلازمتين: الأولى غياب قيادة موحدة للثورة، وغياب المعارضة التقليدية المعروفة. وبنفس الوقت بدأ الحديث بصوت عال عن طائفية النظام وعن خوف الأقليات السورية من الثورة من جهة، وعن عدم وجود برنامج واضح للثورة عن مستقبل سورية. وهنالك أصوات نشاز تحت ستار العلمانية تحاول الدفاع عن النظام بطرق متعددة منها التشكيك بعمليات القتل التي تحدث على يد أجهزة القمع، أو التشكيك بالمعطيات المتوفرة أنها تصنع صناعة في بعض الأمكنة، وتحشد لها قنوات فضائية عربية كالجزيرة والعربية- أوجه شكري لهما- أو أن التظاهرات لها طابع طائفي سني لكونها تخرج من المسجد وتنادي بشعار الله أكبر وهذه قضايا تعرضنا لها في السابق أنا وغيري من الكتاب. وثمة أمر آخر لايقل أهمية وهو حول قضية التدخل الدولي، إنها كلها قضايا مترابطة تتمحور حول السؤال عن مستقبل الانتفاضة السورية.

سأبدأ من النقطة الأخيرة، لم أكن يوما ضد التدخل الدولي من أجل دعم الديمقراطية في بلداننا المستولى عليها من شخصانيات سلطوية عالية العداء لكل ما هو وطني وأخلاقي من الزاوية المجتمعية، ولا تتوانى عن استخدام كل الوسائل من أجل استمرارها. لكن إبان وجود المحافظين الجدد في الادارة بأمريكا، وفي سياق المتابعة اليومية للحدث الجاري في المنطقة، وجدت أن إسرائيل ترفض أي تدخل دولي في الشأن السوري، وخاصة إذا كان عسكريا، ربما هذه النقطة لا يوافقني عليها كثر من المتابعين ولكنني لمستها ووفقا لمعطياتي وبطريقة لا تقبل اللبس ربما نتعرض لها في مقال مستقل. لا تريد قوات فعلية دولية على حدودوها، والعراق ليس على حدودها ولا ليبيا، وبالطبع يختلف الحديث عن قوات دولية لفصل الجبهات وهي رمزية كما هي الحال على الجبهة المصرية أو اللبنانية، والحديث عن قوات دولية مؤللة كما هي الحال في أفغانستان أو العراق أمر مرفوض إسرائيليا. لهذا ولكون إسرائيل حريصة على بقاء النظام، فالحديث عن تدخل عسكري دولي حديث لاضاعة الوقت لا أكثر ولا أقل. وهذا سبب من جملة الأسباب التي تجعل الموقف الدولي تجاه النظام في سورية موقفا مخجلا إلى حد كبير، لأن سقف الضغط على النظام هو الالتزام بالرؤية الإسرائيلية، وقولهم أنه في النهاية لإسرائيل الأولوية، وإسرائيل دولة تعرف كيف تحمي نفسها ومصالحها. وأيضا للأصوات التي يعلو صوتها كل مرة في اتهامها للمعارضة بطلب تدخل عسكري، لتسترخي من هذه القضية لأن هذا لن يحصل مطلقا، إلا في حالة واحدة وهي أن يطلبها النظام بالتنسيق مع إسرائيل وهذا أمر لايبدو الآن بالأفق. ومن جهة أخرى يجب على المعارضين الذين يأملون بمثل هذا التدخل أن يكفوا عن التنويه له، لأنه أمر غير قابل للتحقق ليس فقط لأن إسرائيل لا تريده بل هنالك أسباب أخرى غربية وروسية وصينية وعربية أيضا.

نعود للنقاط الأخرى، بمايخص طائفية النظام هذه قضية لم تعد بحاجة لسؤال بقدر ما هي بحاجة لطرحها من أجل تجاوزها سوريا، وعبر الثورة، في النهاية مهما كانت طائفية النظام لا يعني ان الطائفة هي الحاكمة، وكنت كتبت منذ سنة تقريبا مقالا عن فك الارتباط بين التمثيل الديني للطائفة العلوية وبين النظام.

وفك الارتباط بين التمثيل الديني للطوائف جميعها والتمثيل السياسي، النظام الآن يحاول استخدام كل الأوراق ومن ضمنها تجييش الطائفة العلوية وتسليح شبابها، ويستخدم بنفس الوقت وبنفس القوة رشوة المشايخ والتجار والفاسدين في المدن الرئيسية، ورشوة الفعاليات في الأقليات الطائفية وغير الطائفية في سورية، وتخويفها أيضا. لكن هل هذه تزيل عن النظام طائفيته؟ أبدا.. بالعكس تماما أنها تؤكدها. لكن الشعب السوري وثورته ستجد الحل في استمرارها في اسابيعها المقبلة، والشعب السوري متعايش قبل آل الأسد، وقبل وجود هذه الفعاليات الأقلاوية والفعاليات المدينية عند السنة كأكثرية مشايخ حلب ودمشق، هذه الفعاليات المرتشية والفاسدة. والتي تخاف على مصالحها أكثر مما تخاف على هذا النظام، ومن جهة أخرى لا تريد الفعاليات في الطوائف المسيحية والإسلامية الأقلاوية أن تفقد امتيازها في الاستيلاء كما النظام على المجال العام لهذه الأقليات.

والحل يكون بدايته في عدم تجاهل هذه المسألة لأنها تثير الحساسيات بل يجب طرحها للنقاش العام، وطرح تصور لمستقبل سورية، وهذا ما طرحه شباب الثورة في شعاراتهم” شعب واحد ايد وحدة” لا سنية ولا علوية الشعب السوري واحد” الشعب يريد إسقاط النظام” والنظام هو محصلة قوى وليس إسقاط الطائفة العلوية. على شباب الثورة أن يستمروا في اشتقاق شعاراتهم من تصورهم الفعلي عن مستقبل سورية، كأن يشتقون شعارا يلغي المادة الثالثة من الدستور الحالي التي تجعل منصب رئيس الجمهورية حكرا على المسلمين. وهذا من شأنه أن يجعل شعارات الانتفاضة السورية مكتملة البرنامج من أجل تأسيس دولة سورية ديمقراطية فعلية لكل أبناءها، أليس هذا مافعلوه عندما أسموا جمعة آزادي وتعني الحرية بالكردي؟ وهذه أول مرة في تاريخ القضية الكردية يخرج شعب ينادي بالحرية للكورد، فهذه لم تحدث لا في تركيا ولا في العراق ولا في إيران. وهذا إن دل فهو يدل على إعلاء الانتماء السوري للحرية أولا ولكل أبناءها.

فلاخوف على أقليات سورية من أكثريتها السنية العربية. ويجب فضح أي خطاب بخلاف ذلك.

والنقطة الأخرى التي تتعلق بقيادة موحدة للثورة، هذه القيادة موجودة، ومنها من اصبح بالمعتقلات، وهي خليط من جيل شاب جديد وفعاليات دخلت على خط معارضة النظام مع الثورة، ومن شخصيات من المعارضة التقليدية، والأهم من كل هذا أن القيادة الآن للمطلب السوري في الحرية والكرامة، مشكلة معارضة الخارج أنها لم تستطع التقاط هذه القيادة، وبقيت تراوح مكانها، وتفعل انشقاقاتها. القيادة الآن لخطاب موحد يعبر عن المطلب الموحد للشباب السوري الذي ثبته بدماءه، وهو مطلب الحرية والكرامة.

المعارضة التقليدية في الداخل الآن تواجه أحزابها أزمة عميقة لأنها، لم تعد قادرة على التحرك كأحزاب، بل أن شخصياتها تجاوزت أحزابها في التصاقها بهموم الثورة والمشاركة في قيادات التظاهرات بعيدا عن وجود موقف معلن لأحزاب هذه الشخصيات، ولن أضرب أمثلة لأنهم أكثر من أن يعدوا. وهذا يشير على أن الثورة تعيش مخاض ولادة قيادتها الجديدة والتي تجمع كل هؤلاء، وعلى معارضة الخارج أن تكون مساهمة في هذه الصيرورة من الولادة لا أن تكون عقبة من خلال طرح بدائل شخصانية من الخارج، أو الحديث عن مجالس انتقالية معظم أعضاءها من الخارج، هذا لن يجدي نفعا أبدا. وأمر آخر في هذا السياق، على المعارضة التقليدية أن تتجاوز نفسها من أجل ان ترى ما قام به الشباب السوري من تجاوز للنظام وكسر لحاجز الخوف وتجاوز للمعارضة التقليدية كأنساق تخشبت على حركتها وأشخاصها، بسبب القمع الذي يمنع على هذه الأحزاب أن تجدد دمها علنيا. الشباب في الثورة يتبنون بشكل واضح تصورا مستقبليا عن سورية ديمقراطية ودولة قانون وحريات عامة وفردية، ينبذون العنف والطائفية، أم أن مطلوبا منهم أن يقوموا بكتابة برنامج وحمله في التظاهرات. ألا تكفي شعاراتهم لكي نحدد اتجاه حركتهم.

ثمة إشكالية اخرى علينا ان نواجهها بشيء من عدم الضبابية، لم تحاول شخصيات معارضة الداخل أن تقوم بمهمة تشكيل هيئة وطنية لحمل شعارات الثورة. وتتحرك بناء عليها كمطلب رئيسي، لهذا وجدت معارضة الخارج نفسها أمام تحد لا أعرف إن كانت قادرة عليه، وهو ألا تسمح لأصحاب الأجندات الخاصة بأن تطفو على سطح المعارضة سواء كانوا مفكرين أو كتاب أو قادة أحزاب حقيقية أو وهمية أو اصحاب مشاريع تحتاج لتمويل غربي!! كيف؟ هذا سؤال للجميع.

وقبل أن أختم هذا المقال أعود لأؤكد على نقطة مهمة، لو أن الشباب السوري كان ينتظر إشارة المعارضة المعروفة بكل احزابها وشخصياتها ولا استثني نفسي، لما خرج إلى الشارع مطلقا…وهذه قضية علينا مواجهتها، ولاتزال المعارضة تعمل بنفس الطرق والخطاب والوسائل، وهذا أيضا نجده عند من التحق بالثورة من شخصيات فاعلة، علينا أن ننفض الغبار عن أنفسنا جميعا، غبار ما تشوه منا نتيجة لعمر التسلط والقمع المديد وبروبغاندا تسمى ثقافة في عرف بعضنا….وللحديث بقية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى