بيانات الانتفاضة

الثورة الغائبة عن مؤتمر القاهرة


ائتلاف اليسار السوري

والمنعقد في في 2-3)-7-2012)

لسنا نتوقع من مؤتمر القاهرة المتعلق بوحدة مواقف المعارضة، طرح قضايا قيّمة تخص تطور الثورة ومستقبل سورية، لأن معظم قوى المعارضة التي تجتمع هناك، لا تلامس وضع الثورة، و تتركز مهماتها منذ تأسيسها على العمل السياسي العام المنفصل عن الثورة، وها هي الآن تتابع نشاطها “الدولي”، متجاهلة المهام الداخلية المطلوبة من أي تشكيل سياسي نشأ في الثورة، لذلك لم نرَ برنامجاً واضحاً على صعيد الداخل السوري وبما يخص تطوير الثورة ودعمها وتنظيمها على أهمية كل ذلك، حيث تتركز جهودها على برنامج سياسي مرتبط بمؤتمر جنيف وبخطة كوفي عنان أكثر مما هو مرتبط بالثورة.

وفيما يحاول المؤتمرون الوصول إلى نتائج تتعلق بمرحلة التنحية والمرحلة الانتقالية والعهد الوطني، فإننا نورد بعض الملاحظات على ضوء أوراق المؤتمر:

أولاً: هناك مغالطة لطالما كررتها قوى المعارضة ” الليبرالية الديموقراطية والإسلامية” بشكل عقائدي وعبر بروباغندا متواصلة ومنذ اليوم الأول للثورة، وتؤكد على أن السوريين قد ثاروا من اجل “الحرية والكرامة” (كما تؤكد أوراق المؤتمر ذلك) وفي ذلك تجاهل متعمد لرأس حربة الثورة أي الفقراء والمهمشون الذين يتقدمون الصفوف في المعركة لإسقاط النظام، حتى باتوا متروكين وحدهم عندما اشتدت المعركة وجن جنون النظام، لقد انتفضت قطاعات واسعة من الطبقات الشعبية من أجل التغيير، بعد قهر وحرمان استمر خمسة عقود، وبعد استبداد لم يسمح لها بالتنظم كقوة مستقلة عن السلطة، انتفضت بعد أن بلغ النهب الذي يمارسه “رجال الأعمال الجدد” والقدامى حداً أفقر كتلة كبيرة من هذه الطبقات.

وإذا كانت هناك قوى متعددة طبقياً تسهم في الثورة، بعضها عمالي وبعضها فلاحي وبعضها يمثل الفئات الوسطى، بعضها يساري وبعضها ليبرالي، وإن كان الأساس الآن هو تحقيق المطلب العام الذي يوحدها جميعاً، لكن ذلك لا يعني التركيز على شكل السلطة كما يرغب الليبراليون فقط، بل يعني أيضاً فهم أن الطبقات الشعبية التي هي الفاعل الأساس في الثورة لديها مطالب لا بد من أن تتحقق(العمل، الأجر، الضمان الصحي، التعليم)، وذلك عبر تأسيس دولة مدنية حديثة تقررها الإرادة الشعبية، إرادتهم هم، بما يقود إلى حل الأزمات العميقة التي نشأت، في الاقتصاد والتعليم والصحة، وفي بنية الدولة التي تكرست كسلطة مستبدة، من اجل كل ذلك تحررت الطبقات الشعبية من عقدة الخوف والتخوف، ومن ميول التكيف والالتفاف على الأزمة العميقة التي باتت تعيشها، أزمة الفقر والجوع، والبطالة والتهميش والقمع والتدخل الأمني لمنع كل تعبير بسيط عن الأزمة. ولهذا خرجت تطالب بالخبز والحرية معاً.

ثانياً: في الأوراق الأولى للمؤتمر، ومن ثم الثانية، إشارة واضحة: إن النظام الاقتصادي القادم، هو”النظام الاقتصادي الحر” والمقصود به، النظام الرأسمالي الذي يسوده الاستقطاب الطبقي والاستغلال. في التعديل اللاحق للأوراق، تمت محاولة تشذيب وتهذيب هذه الفقرة، لصالح مفردة ” صيانة الملكية الخاصة”، وصون الملكية العامة، ومعالجة أوضاع المفقرين…الخ، ونظراً للروح الليبرالية السائدة لدى أوساط المعارضة في القاهرة، فإنّنا نؤكد أنّ أوساط المعارضة السائدة، لن تتقيد بكل ما يخص الطبقات الشعبية، وستكرّس مصالح الطبقات الثرية، والتي لم تشارك بالثورة، وستدفع باتجاه نظام سياسي يدافع بشكل منهجي عن مصالح الأثرياء والاقتصاد الحر، أي الاقتصاد الرأسمالي؛ ومع الإشارة لهذه القضية، فإنّنا سندعم العملية الديموقراطية وليس السياسات الليبرالية أو الاقتصاد الرأسمالي الريعي كنمط اقتصادي مهيمن، بغية تحقيق نظام ديموقرطي فعلي، يسمح بالوصول إلى حقوق واسعة للطبقات الشعبية ولبقية الشعب.

إن حل مجمل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، يتطلب تغيير النمط الاقتصادي الذي تشكل خلال العقود الماضية، وبالتالي حل المسألة الزراعية، والعودة إلى الاهتمام بالأرض، ودعم الدولة لتطوير الزراعة ومساعدة الفلاحين بعد الأزمة التي حلت بهم، ودعم كل مستلزمات الزراعة، كما لا بد من العمل على تجديد الصناعات القائمة والتوسع في البناء الصناعي لاستيعاب البطالة الكبيرة والعمالة الوافدة سنوياً، والحاجة لكل ذلك تفرض تطوير البنية التحتية لكي تستوعب هذا التطور الاقتصادي، وتؤسس لرفاه الناس.

ولهذا لا بد من أن تلعب الدولة دوراً أساسياً في تحقيق كل ذلك، من خلال ضبط العلاقة بين السوق المحلي والسوق الرأسمالي الإمبريالي لكي لا يهرب الفائض إلى المراكز التي تجهد من أجل نهب كل الرأسمال المتراكم في الأطراف. إن ضعف ميل الرأسمال إلى النشاط المنتج (بغض النظر عن كل القوانين التي يمكن أن تصاغ) يفرض أن تقوم الدولة بكل ذلك، لكن دون منع الرأسمال الخاص من النشاط، وإنما مع كبح ميوله للتوظيف في ما هو غير منتج، ودفعه للنشاط في القطاعات المنتجة بالتحديد. فدون ذلك سوف يتكرر إنتاج النمط الريعي وسيطرة المافيا، ويزداد التفاوت في الدخول، فتدخل الديمقراطية الوليدة في أزمة قد تؤدي لعودة الطابع المستبد للسلطة، لأنه الطابع الضروري للحفاظ على التفاوت الاقتصادي، والتهميش للقطاعات الأوسع في المجتمع.

ثالثاً: ندعم الكلام الجميل عن ضرورة أن تتساوى المرأة بالرجل، ورفض كل عودة عن الحقوق التي حصلتها المرأة السورية بفضل نضالاتها، ولكن كان لا بد من الإشارة إلى ضرورة وجود قانون أحوال شخصية مدني واعتبار الشعب هو مصدر الدستور، فهو مطلب حقيقي في سورية، وإلغاء كل أشكال التمييز المتعلق بالمرأة في الدستور.

رابعاً: كان الأجدى أن يشمل مفهوم العدالة الانتقالية، والمحاسبة، كل من قام بقتل السوريين، وثانياً أن يتم استبعاد كل من تلطخت أيديه بالدماء، كائناً من كان، وهذا ضروري، كي يتم بناء دولة حديثة بكل معنى الكلمة؛ والكل فيها متسايين فيها أمام القانون.

ولكن، وبصرف النظر عن ملاحظاتنا، نآمل للمشاركين في مؤتمر القاهرة، أن يوحدوا رؤاهم السياسية حول النقاط الموضوعة على جدول مؤتمرهم، والمتعلقة بمرحلة التنحية والمرحلة الانتقالية والعهد الوطني، بعيداً عن اشتراطات الدول الامبرالية والجامعة العربية، وعن خطة كوفي عنان، واجتماع جنيف، بما يؤدي إلى الانخراط في قضايا الثورة وأهدافها، والاعتماد على الشعب السوري وكل تلوينات الثورة، وصولاً إلى إسقاط النظام، والبدء بتشكيل الدولة الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى