صفحات الرأي

الثورة الوطنية السورية بزعامة إبراهيم هنانو: قومية المعركة/ الدكتور عبد الله حنا

 

 

توطئة: في محو الذاكرة الوطنية، من تحريف تمثال

يوسف العظمة إلى تحطيم تمثال إبراهيم هنانو

قضى يوسف العظمة بطل معركة ميسلون، الذي تصدّى بشجاعة في تموز/ يوليو 1920 لجيش الجنرال الاستعماري الفرنسي غورو الزاحف لاحتلال دمشق، والقضاء على أول دولة عربية حديثة قامت بعد انهيار الدولة العثمانية عام 1918، شهيداً في ساح الوغى، وأُقيم له ضريح في مكان استشهاده في ميسلون.

وبمبادرة وتمويل الجالية السورية في البرازيل، صُنع تمثال يوسف العظمة عام 1937 على يد فنان إيطالي، كما يبدو استوعب التاريخ النضالي لبلاد الشام، فجاء التمثال معبّراً عن تحقيق الأماني الاستقلالية الوطنية، التي استشهد في سبيلها يوسف العظمة. ووصل تمثال يوسف العظمة إلى دمشق في منتصف عام 1938 وجرى له استقبال شعبي ورسمي (من قبل حكومة الكتلة الوطنية) في منتصف عام 1938 ونُصب مقابل واجهة البرلمان (المجلس النيابي).

يجهل كاتب هذه الأسطر ماذا جرى للتمثال أثناء العدوان الاستعماري الفرنسي على البرلمان في أيار/ مايو 1945. ويبدو أنه حُفظ في مكان آمن.

في عام 1951 قررت قيادة الجيش الوطني السوري وضع تمثال يوسف العظمة في زاوية الواجهة اليمنى لنادي الضباط المجاور للبرلمان من الجهة الغربية. وهنا ثارت ثائرة الإخوان المسلمين على وضع التمثال لأنه مخالف لأحكام الشريعة، فهو صنم حسب رأيهم.

لم يجر الاحتكام، كما هو الحال اليوم، إلى السلاح، بل أُحيل الأمر إلى المجلس النيابي. وجرت تحت قبة البرلمان نقاشات حامية أدت أخيراً إلى وضع تمثال الرمز الوطني يوسف العظمة أمام واجهة بناية نادي الضباط المجاورة للبرلمان.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الإخوان المسلمين رضخوا للأمر الواقع. ويعود أحد الأسباب إلى الأجواء الوطنية السائدة في سورية من جهة، وإلى الدور المتزن لقيادة الإخوان المسلمين ممثلة بالدكتور مصطفى السباعي وبالشيخ اليعربي التنويري محمد مبارك، من جهة أخرى.

وتأتي حركة الإخوان المسلمين في سورية في منزلة بين منزلتين: السلفية المُغرِقة في محافظتها وانغلاقها وتزمتها، والسلفية التنويرية، معبّرة في ذلك عن واقع الأجواء الشامية المتصفة بالتنوع الطائفي والمذهبي والإثني. كذلك أخذ إخوان سورية بعين الاعتبار نهوض حركة القومية العربية واكتسابها أفئدة شباب منتصف القرن العشرين. يضاف إلى ذلك طبيعة الحركة السلفية في بلاد الشام، التي اكتست ثوباً نهضوياً منذ أواخر القرن التاسع عشر.

ومن أجمل ما قرأته ما كتبه شمس الدين العجلاني، الذي استفدت من معلوماته، مطالباً بإعادة ذاكرتنا الشعبية والوطنية بشأن عودة التمثال القديم، الذي وضع في ساحة لا يراه فيها أحد.

قارن العجلاني بين تمثالي يوسف العظمة؛ القديم المصنوع عام 1937 وبين تمثاله الجديد المصنوع عام 2007 الذي ينتصب في ساحة يوسف العظمة (بوابة الصالحية).

كتب العجلاني: “في التمثال القديم كان العظمة رافعاً يده بالسيف.. في التمثال الجديد أسدل العظمة يده والسيف في غمده، وهو يقف كتلميذ مهذّب خريج الكلية العسكرية”.

ومع الأسف لا أملك المعرفة التقنية لإطلاع القارئ على التمثالين، ولكنني أملك المعرفة التاريخية للمقارنة بين عصري صنع التمثالين، وهي الآتي:

التمثال القديم لعام 1938 يعكس الوقفة البطولية في قفزة نوعية من حياة يوسف العظمة نجد تفاصيلها الدقيقة في كتاب “يوم ميسلون” لساطع الحصري وزير المعارف ومفاوض قائد حملة غورو لاحتلال دمشق. هذه الوقفة البطولية خلّدت ذكر يوسف العظمة وأسهمت في إعطاء أمثلة عن البطولة لجماهير الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي. كذلك يعبّر التمثال القديم عن بداية نهوض الحركة الوطنية وتطلعها لبناء دولة وطنية عربية حديثة مستقلة.

أما التمثال الجديد فيعكس واقع الحال في أواخر القرن العشرين مع انحدار الحركة الوطنية وسكونها وهيمنة الفئات البيروقراطية والطفيلية على العديد من مفاصل المجتمع. وفي أجواء هذه الهيمنة أصبح من الضروري وضع السيف في غمده.

هنا يجب أن نشير إلى خطورة المساس بتماثيل الرموز الوطنية والثقافية كجريمة تحطيم تمثال إبراهيم هنانو، ومن قبله تهشيم رأس نصب الفيلسوف والشاعر أبو العلاء المعري في معرة النعمان. فهذا التعسف في إبادة نصب رموز الحركة الوطنية والفكرية له محتوى خطير يرمي إلى محو الذاكرة الوطنية الجامعة لجميع طوائف الوطن ومذاهبه، والعودة إلى عصور التخلف المملوكي والعثماني. وهذه الذاكرة الوطنية قامت القوى الظلامية أثناء الأحداث للنيل منها ومحوها في خضمّ الأمواج العاتية، التي تتلاطم في البلاد.

الثورة الوطنية لـ”أهل القرى”

بقيادة إبراهيم هنانو، 1919- 1921

بعد أن حطمت في أثناء “الأحداث” (*) يد الجهل والظلامية في إدلب في 30 آذار/ مارس 2015 تمثال إبراهيم هنانو زعيم الثورة الوطنية (1919 – 1921) لـ”أهل القرى” أي الفلاحين في الشمال الغربي السوري، رأيت نشر هذه الدراسة المختصرة، التي ألقيتها في ندوة عُقدت عام 2010 في إدلب تكريماً لثورته ونضاله الوطني. وبعد عقد ندوة إبراهيم هنانو بخمس سنوات قام رعاع القوى الظلامية بتحطيم النصب التذكاري لقائد ثورة وطنية وداسوا بأقدامهم الهمجية على رأس التمثال المحطم، ناشرين بافتخار صوراً لهمجيتهم. ولنستعرض باختصار التاريخ المجيد لتلك الثورة الوطنية بقيادة الزعيم إبراهيم هنانو.

*****

كانت ثورة الشمال بقيادة إبراهيم هنانو، ثورة وطنية سندها الأساسي الفلاحون. وقد استخدمنا تعبير “أهل القرى” الوارد في بيانات ثوار هنانو. وإبراهيم هنانو زعيم هذه الثورة أصبح في سنوات النضال السلمي بعد 1928 من قادة الكتلة الوطنية المناهضة للاحتلال الاستعماري الفرنسي، إلى أن وافته المنية عام 1935. ومع الذكرى الأولى لوفاة هنانو بدأت المدن السورية إضراباً استمر ستين يوماً، ما أدى إلى دخول الحركة الوطنية السورية مرحلة جديدة في النضال المناهض للانتداب الفرنسي.

*****

واجهت ثورات الشمال بقيادة إبراهيم هنانو مشكلة شائكة أربكت جمهورها والقائمين عليها. فالنضال ضد الاحتلال الاستعماري الفرنسي أمر مشروع ومفهوم شاركت فيه بنسب متفاوتة أعداد من المجاهدين، الذين رفعوا راية النضال. ولكن المشكلة الأساسية كَمُنت في تحديد مستقبل البلاد وطبيعة النظام بعد طرد الاستعمار؟.. فما العمل بعد التحرر من الاستعمار؟.. هل يعني ذلك عودة الحكم العثماني وتفرعاته وعودة الفوضى وتسلط قوى الإقطاع والدولة المريضة؟ أم أن القوى الكمالية الأتاتوركية الناهضة في الأناضول ستسد الفراغ؟ وما الموقف من الدولة الوطنية العربية الناشئة في دمشق بمنطلقاتها القومية العربية والعلمانية، هل كان لها رصيد في أوساط الثوار؟ أم أنّ أيديولوجية الجامعة العثمانية كانت هي السائدة في عقول معظم الثائرين؟ وكانت الطامة الكبرى أن هذه الإيديولوجية “العثملية” المنهزِمة في الحرب عام 1918 كانت القوى الكمالية الأتاتوركية قد حفرت قبرها في قلب الأناضول. ولهذا لم يكن مستغرباً الفراغ الحاصل في هذه المرحلة الانتقالية في عقول أكثرية الثوار. فعلى الرغم من أهمية الإسلام ودوره في شحذ همم المجاهدين، إلا أن الظروف الزمانية والمكانية لم تسمح لقادة الثورة في رسم برنامج واضح يضم الجميع تحت لوائه.

هكذا فإن المشكلة الشائكة كمُنت: في أي الاتجاهات سيسير الثوار؟ وعدد كبير منهم لا يزال مرتبطاً “روحياً” بالماضي العثماني المُحْتَضِر؟ ومن هنا ندرك عدم وجود برنامج أو أهداف واضحة لدى ثورات الشمال ولم يمهلها الزمن لالتقاط أنفاسها. لقد كانت تلك الثورات تتلقى الضربات المتلاحقة من مطرقة الاستعمار الفرنسي على سندان نظام إقطاعي عثماني متخلف. وهذا النظام العثماني أمعن فيما مضى في استغلال سكان المدن وفلاحي الأرياف باسم الدولة العلية المتسترة خلف الدين والمستغِلة له للاستمرار في الاستثمار والاضطهاد والقهر لصالح رجال البلاط ومن يسير في ركابهم. من هنا نفهم معاناة القوى الواعية في الثورة وعلى رأسها إبراهيم هنانو الذي اختار في النهاية الانسحاب سائراً في مجاهل البادية ورافضاً الذل والهوان.

*****

تحت وطأة الظروف الناشئة في العقود الأخيرة من عمر الدولة العثمانية تقدم الاستعمار الفرنسي عام 1918 ليدق المسمار الأخير في نعش الدولة العثمانية الآيلة إلى الزوال منذ زمن بعيد. ومن هنا ندرك عمق المشكلة التي واجهت ثوار الشمال الواقعين تحت وطأة الاستغلال الإقطاعي (العثماني) وذكريات حكمه من جهة ونار الغزو الإمبريالي الفرنسي من جهة أخرى.

في أجواء تلك الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية وما امتزج بها من مؤثرات تراثية إسلامية وما أحاط بها من عوامل خارجية قاد إبراهيم هنانو ما عُرف باسم ثورة الشمال، وبذل كل ما يملك في سبيل نقائها ونجاحها.

وقاد الضابط الوطني إبراهيم الشغوري الذي اصطفاه هنانو لمرافقته وجعله أمين سر قيادة الثورة، في نيسان/ إبريل 1920، خمسين فلاحاً مجاهداً وحاصر قلعة حارم التي تحصّن فيها الجنود الفرنسيون. ويشير الشغوري في مذكراته إلى محاولات بعض الغوغاء من العرب السيارة (البدو الرحّل) الضاربة بيوتها في أطراف حارم الاستفادة من الخلافات المحلية وظروف الثورة فامتدت أيديهم إلى أموال الأهلين بالنهب، فما كان من قيادة الثورة إلا أن جرّدت دوريات لمنعهم. ومعروف أن الثورات في كل زمان لم تعدم من يستغلها ويقوم بالسلب والنهب. فيوسف السعدون ذكر في مذكراته أن جماعة أحمد بك مرسل لم يكن لهم همّ إلا السلب والنهب. ويطلق السعدون على هؤلاء تعبير “الدخلاء على الثورة”.

يسمي نجيب عويد، الساعد الأيمن لهنانو، أعمال السلب والنهب بـ”الأعمال السافلة”، وكان شديد الوطأة على النهّابين. فعندما دخل الضابط التركي عاصم بلدية معرة النعمان وسلب المال من صندوقها اتجه إلى قرية الصقيلبية المسيحية ونهبها. وعلى أثرها “ارتأينا”، كما ذكر عويد، “أن ندعو أهل القرى وتقرر ردع عاصم”. وبعد جهود جبارة تمكن نجيب عويد ومن معه من قتل عاصم وإراحة الناس من شروره.

قومية المعركة

لم يتزعم إبراهيم هنانو الثورة من منطلق عشائري أو طائفي. فهو لم يكن صاحب عصبية قبلية أو طائفية على الرغم من تحدّره من فئات ملاك الأرض. ويبدو أن إتمام دراسته في اسطنبول وجولاته في مناطق عديدة كوّنت لديه مفاهيم جديدة وجعلته على اتصال بالأفكار القومية العربية واطلاع واسع على بعض جوانب الحركات الثورية العالمية.

لقد استهل هنانو بيانه الأول بإعلان الثورة بعبارة “من العرب إلى العرب”. وفي هذا إشارة واضحة إلى قومية المعركة، مع العلم أن هنانو تحدّر من عائلة كردية.

وفي الأيام الحالكة من أوائل صيف 1921 وبعد أن تبيّن أن الثورة تجتاز أيامها الأخيرة دعا هنانو لمؤتمر عام للبحث في أفضل الطرق الواجب اتباعها. وعندما اقترح نجيب عويد الالتجاء إلى الأراضي التركية المتاخمة ردّ هنانو بقوله:

“والله لو خُيّرت على أن أكون مسلماً تركياً أو مسيحياً عربياً لاخترت الثانية، ولذا فإنني أفضل اجتياز الصحراء الشاسعة إلى شرقي الأردن لأعيش في كنف حكومة عربية”. (نقلاً عن مذكرات يوسف السعدون وهي مخطوط موجود في مركز الوثائق التاريخية بدمشق، القسم الخاص، إضبارة 128 ص 36).

ويبدو بوضوح أن إبراهيم هنانو كان عن طريق تركيا على اطلاع على الأحداث العالمية وعلى مجريات ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا، وله كما ذكر يوسف إبراهيم يزبك مراسلات عدة مع لينين. يدلّ على ذلك أيضا بيانه المؤرخ في أيلول/ سبتمبر 1920 والموجه إلى قناصل الدول الأجنبية، والذي جاء فيه:

“إننا لا نقصد من قيامنا هذا إلا حفظ استقلالنا ليمكننا تأسيس موازنة عادلة على أسس الحرية والمساواة بين جميع الطوائف… هذا وإنّا لا ننفك ندافع عن أوطاننا حتى الموت، فلسنا بمسؤولين عمّا يسفك من الدماء في غايتنا المشروعة. نحن السوريين نموت ونتبلشف ونجعل البلاد رماداً ولا نخضع لحكم الظالمين”. (و”نتبلشف” تعني نصير بلاشفة، وهم الذين قادوا عام 1917 الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا).

لقد أحاطت جملة عوامل وظروف بإبراهيم هنانو المثقف والبعيد عن العشائرية والطائفية جعلت منه قائداً وطنياً بامتياز. لكن ثمة أمراً حدّ من نشاطات وإمكانات إبراهيم هنانو وهو القاعدة الاجتماعية التي اشتركت في الثورة والمؤلفة عموماً من فلاحين غارقين آنذاك في غياهب الجهل والأمية وخاضعين لجملة عوامل كانت تتحكم في الريف السوري في عهد السيطرة الإقطاعية العثمانية، التي فرضت على الفلاح نمطاً من الحياة والتفكير والمفاهيم الغيبية التي تعرقل انتشار الروح الثورية والوطنية وتهيّئ أرضية صالحة للعناصر المتخاذلة والفوضوية الراغبة في التعاون مع المستعمر المحتل.

ومعنى ذلك أن إبراهيم هنانو ومن التفّ حوله من نواة وطنية فلاحية واعية نسبياً لم تكن قادرة رغم جهودها الجبارة، على تنظيم الثورة تنظيماً دقيقاً صارماً يمنع أعداءها من استغلال نواقصها لضربها من الداخل.

وعلى الرغم من إشكالية الحامل الاجتماعي للثورة، فإن الفلاحين حملوا العبء الأكبر من النضال الوطني في الفترة الأولى من الاحتلال الاستعماري الفرنسي. ومن أدلة المكانة الرفيعة التي تمتع بها الفلاحون داخل الحركة الوطنية، النداء الذي أذاعه إبراهيم هنانو في 6 كانون الثاني/ يناير 1921 والذي ابتدأ بمخاطبة الفلاحين والقرويين بـ(أهل القرى) وحثهم على الجهاد. لقد افتتح النداء بالعبارة الآتية: “أيها الفلاحون والقرويون يا بني وطني… ويا أبناء سورية الأشاوس”.

لقد خصّ إبراهيم هنانو الفلاحين بندائه في الأيام الأولى من عام 1921 بعد أن انحازت القوى الإقطاعية إلى جانب المستعمرين، أو اتخذت موقفاً مهادناً منهم.

*****

وبعد أن فقدت ثورة إبراهيم هنانو مقوّمات النجاح، انسحب هنانو مع 40 مجاهداً باتجاه البادية بهدف الالتجاء إلى شرق الأردن. وبعد إقامة قصيرة في عمّان انتقل إلى فلسطين كطريق للوصول إلى أوروبا. ولكن سلطات الاحتلال البريطاني سلّمته إلى الفرنسيين الذين أحالوه إلى محكمة عسكرية فرنسية في حلب. وكانت المفاجأة أن المحكمة الفرنسية برّأته من تهمة السلب وتشكيل عصابات واعتبرت عمله ثورة مشروعة لمقاومة الاحتلال.

فقد سُجن إبراهيم هنانو في حلب في آب/ أغسطس 1921 في خان استنبول، وبعد اعتقاله بفترة وجيزة سمح النائب العام العسكري الفرنسي لمحامي هنانو بمقابلته في أيلول/ سبتمبر 1921. وبدأت محاكمته في 15 آذار/ مارس 1922 حيث تولى الدفاع عنه المحامي الحلبي القدير الذي يجيد الفرنسية فتح الله الصقال. وقد أثبت الصقال بالوثائق أن هنانو كان تابعاً من الناحية العسكرية للجيش النظامي التركي. وعندما أعلنت المحكمة العسكرية بالأكثرية براءة هنانو كان أكثر من ثلاثين ألف إنسان ينتظرون خارج المحكمة في الشوارع نتيجة الحكم. وبعد إعلان براءة هنانو أخذت الجموع تهتف: “فليحيا العدل، فليحيا إبراهيم هنانو، فليحيا المحامي الصقال، فلتحيا فرنسا”.

وبعد البراءة زار الصقال في بيته وفد حلبي شاكراً صنيعه برئاسة الشيخ رضا الرفاعي الذي ناول الصقال منديلاً من الحرير وقال له هذه “صُرّة عرب” أرسلها لك الحاج فاتح المرعشي، وهو الصديق الحميم لهنانو وممول الثورة. وكانت الصرّة تحتوي على 300 ليرة ذهبية أجرة أتعاب الصقال.. (انظر التفاصيل في كتاب الصقال: “من ذكرياتي في المحاماة في سوريا” الصادر عن مطبعة الضاد في حلب 1958.)

وبعدها انتقل هنانو إلى النضال الوطني السلمي، حيث كان من أبرز زعماء الكتلة الوطنية حتى وفاته عام 1935.

_____________________________

(*) المقصود بالأحداث ما يجري أو يحدث في سورية منذ آذار/ مارس 2011 إلى الآن، خريف 2017. وهذا هو الدارج على الألسن بين العامة في مناطق سيطرة النظام. ولهذه الأحداث تسميات متعددة حسب موقع صاحبها، في اصطلاح المعارضة: ثورة.. انتفاضة.. حراك شعبي.. وفي رأي النظام تمرد، إرهاب أو حركات تكفيرية. أما كاتب هذه الأسطر فيطلق على “الأحداث” الوصف الآتي: تحركات شعبية ذات خلفيات اجتماعية طبقية، انزلقت إلى العسكرة وارتدَت لبوساً طائفياً مذهبياً، أججه التدخل الإقليمي والمال النفطي، وكانت قاصمة الظهر بالتدخل الدولي. ودخول البلاد في أنفاق مظلمة. كاتب هذه الأسطر سأل المئات من بني البشر في مختلف المناطق السورية: ما الحل؟ الجواب: العلم عند الله.

ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى