صفحات العالم

الثورة في المستنقع

 

حسام عيتاني

في أقل من أسبوع، غزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لمسلحين يقولون إنهم ينتمون إلى المعارضة السورية المسلحة، يرتكبون ما يرقى إلى جرائم حرب موصوفة.

أشهر المقاطع، والذي وَجد من يعممه، خصوصاً بين أعداء الثورة، ذاك الذي يُظهر مسلحاً ينتزع عضواً من جثة يُعتقد أنها لجندي في الجيش النظامي السوري ويقضم بعضاً منه. حادثان آخران هما إعدام متهمين بتأييد النظام في الرقة وريف دير الزور على أيدي مسلحين قالوا إنهم ينتمون إلى «جبهة النصرة»، انتقاماً للمدنيين الذين سقطوا في مجزرتي البيضا وبانياس، شبان ملثمون يرتدون السروال القصير «الباكستاني» ويرفعون أعلام تنظيم «القاعدة»، يطلق واحد منهم النار على رؤوس رجال معصوبي العيون في ساحة عامة، وسط جمهور ذاهل، أو فضولي.

استغلال النظام واتباعه الأعمال المشينة تلك، بداهةٌ ما بعدها بداهة، فليس أبسط من الاستفادة من خدمة يقدمها عدوك لك ويؤكد فيها كل اتهاماتك وصورك النمطية عنه، ويقوم عنك بمهمة تشويه صورته وأهدافه والخلفيات السياسية والإيديولوجية التي جاء منها.

لكن المسألة ليست في «تجاوزات فردية» أو حالات معزولة، فالأحداث المشابهة تتكرر بوتيرة متصادعة، ومنذ إعدام الجنود النظاميين العشرين في حلب بعد أيام قليلة من دخول مقاتلي المعارضة إليها وإعلان «النصرة» مسؤوليتها عن عدد من التفجيرات كان أكثر ضحاياها من المدنيين، وتفشي أعمال السطو والنهب في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بدا أن ثمة ما يتجاوز منطق الحوادث التي قد يقوم بها طفيليون يلتصقون عادة بالثورات. تؤكد ذلك قضية اختطاف المطرانين والمتاهات التي يسير فيها احتجاز الزوار اللبنانيين التسعة في أعزاز.

لا مفر من القول إن عجز الثورة عن الانتصار بقواها الذاتية فتح الباب واسعاً أمام تدخُّل كل من هبَّ ودبَّ من أجهزة استخبارات ومندوبي دول وجهات تعمل كلها على إبقاء الوضع على ما هو عليه ريثما تتضح معالم التسويات بين القوى الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة في سورية.

وتعلم القوى تلك أن تجميد الوضعين السياسي والميداني يعني حكماً استنقاع الثورة وركودها ونمو الطفيليات فيها وحولها وصعود ظواهر الإجرام المسلح. وتعلم أيضاً أن ثمن هذه السلبيات سيدفعه المواطن السوري أولاً، الذي سيبدأ بالتساؤل عن جدوى الانتفاض ضد نظام آل الأسد طالما أن البديل لا يقل سوءاً، والثورة بصفتها مشروعاً للتغيير الجذري ثانياً، حيث سيجري استتباعها للقوى القادرة على التأثير في مساراتها.

وبرغم كل الدعم الإيراني والروسي لبشار الأسد، فليس بسيطاً أو تفصيلاً هامشياً أن تظل المعارضة، في الداخل وفي الخارج، على ذلك القدر الخطير من التفكك السياسي والعسكري، وألا تتمكن طوال أكثر من عامين من الاتفاق على عنوان واحد يتجاوز إسقاط النظام القائم. وليس بسيطاً أيضاً ألا تنجح المعارضة، بغض النظر عن اللافتة التي تعمل في ظلها، من إدارة مناطقها التي سيطرت عليها بأثمان غالية في الأرواح وان تقف عاجزة أمام انتشار عصابات المجرمين، من جهة، وتقدم «أصحاب السراويل القصيرة» من الجهة المقابلة، وأن تتجاهل ارتفاع نبرة الخطاب الطائفي بذريعة أنه الرد الطبيعي على خطاب مشابه يتبناه أتباع النظام.

مقاطع الفيديو المرعبة ليست غير رأس جبل الجليد من ممارسات باتت تهدد الثورة السورية تهديداً جدياً، في ظل انكماش السمات المضيئة التي يختزنها الشعب السوري الحر.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى