رفيق شاميصفحات مميزة

الثورة والفهلوي ولاعب الدمى/ رفيق شامي

 

إلى معلولا قريتي الشهمة كصخورها

وأهلها الشجعان الطيبين

 وإلى الأب اليسوعي  باولو دالوليو

أينما كان

ملاحظة في البدء. أنا أكره التبسيط، لكن ضيق مساحة المقال ورغبتي في التوجه بكلامي إلى كل قارئة وقارئ وليس فقط لزملائي الكتاب والأكاديميين يدعوني لهذا الإسلوب. كما أن إحترامي للكتاب الذين قرأتهم يمنعني من تكرار ما كتبوه بل سأقتصر على التنبيه إليه بإختصار.

لا جديد تحت الشمس، التاريخ يعيد نفسه بسخرية او بمأسوية، حتى صار التنبؤ ليس إلا قراءة متأنية للماضي. كل الثورات تنهض فجأة بأحلام طفل وتندفع بعنفوان الشباب ثم تشيخ وتهدأ ببطء قد يستغرق أشهر أو سنين لتموت بعد أن تكون قد نقلت المجتمع إلى مرحلة يختلف فيها كل الإختلاف عما كان فيه وعليه قبل إندلاعها. الثورة حالة غير طبيعية للمجتمع لكنها وبمجرد حدوثها لا تسمح للمجتمع ان يعود إلى حالته السابقة. وهذا ما لا يفهمه نظام يعيش من حالة الركود. التاريخ يظهر بالدليل ان المجتمع لا يعود سواء بعد نجاح أو إجهاض ثورة ما إلى صورة ماضيه وحتى ولو حاول زعماء الثورة المضادة أن يعيدوه بكل جبروت المنتصر إلى ما كان عليه، فإنهم يفشلون في ذلك (أنظر تاريخ فرنسا وتاريخ روسيا بعد هزيمة ثورة 1905).

على عكس المرحلتين الأولى والثانية اللتين تنطلق شراراتها بضجيج لتبهر أعين وآذان العالم فإن شيخوخة الثورة تحدث بهدوء. وقد لا يلاحظ حتى ادق المراقبين ديمومة الثورة في هذه المرحلة أو موتها. فالثورات سواء بقيادة حزب سياسي (روسيا القيصرية، الصين) أو مجموعة مسلحة تحريرية تُسرع التناقض وتقوده للإنفجار (كوبا، البرتغال) أم عفوية جماهيرية بشجاعة لا نظير لها (تونس، مصر، سوريا واليمن) تفجر الطريق المسدود الذي وصل مجتمع ما إلى نهايته مصطدما بحائط. عندما تتساقط احجار هذا الحائط ينجلي فضاء رحب في منتهى الجمال ورغم نعيق غربان النظام الذي اوصل المجتمع إلى الطريق المسدود، يغرد المجتمع أغنيته الرائعة عن الحرية والكرامة، تتفجر مواهبه في هذه المرحلة الثانية بشجاعة وشكل لا يصدقهما عقل، فيتجاوز هذا المجتمع الذي كان بالأمس كسيحا خائفا بأسابيع قرونا وتسود حرية لا عهد لأي مجتمع بها إلا في وقت طفولة وشباب الثورة. هكذا كانت روسيا في أشهر الثورة الأولى، هكذا كانت فرنسا والصين وكوبا وتونس ومصر وسوريا وكل البلدان التي عاشت ثورة راديكالية. وبنفس الوقت، ولأن الثورة تحطم أجهزة الدولة وهيبتها، تنعتق القوى الظلامية من كل رادع لها في لحظة الإنفجار وهذا ايضا ليس من إختراع شبيحة النظام السوري ولا مجرمي “داعش” ولا حتى الجيش الجرار من المجرمين الصغار والكبار الذين يعملون لحسابهم الخاص البدائي، بل هو من صلب منطق الوضع الثوري. وهكذا عاث المجرمون إبان كل الثورات العالمية.

لكن لا يمكن لأي ثورة أن تظل في تأجج إلى الأبد، فالثورة ليست إلا حالة عابرة غير مستقرة كحال كرة دفع بها الريح إلى قمة جبل.

لكي نفهم ثورتنا والأخطار المحيطة بها في هذه المرحلة علينا فهم مهام الثورة، كل ثورة: أولا إسقاط النظام الذي قاد المجتمع للطريق المسدود وهذه هي الخطوة الأخطر والتي تتطلب تضحيات بطولية وثانيا: بناء المجتمع الحر المنشود الذي نادت به الثورة وأقنعت مئات آلاف لا بل ملايين المواطنين وهذا هو الهدف الأهم والأصعب وإلا لما كانت ثورة بل إنقلابا يقوم على تآمر مجموعة من العسكريين او المسلحين. وهذه المرحلة الثانية تتطلب صبرا وحكمة. وليس هناك اية ضمانة أن ينجح الهدف الثاني لمجرد سقوط النظام الحاكم، ففي حالات عدة يعلمنا التاريخ القديم والحديث على إمكانية إجهاض الثورة بعد سقوط الحكم او الإلتفاف عليها او الإنقلاب عليها بتآمر زمرة تنفرد بالسلطة على حساب آلاف الشهداء.

في مرحلة شباب الثورة تتبلور قوى مختلفة الرأي تحاول فرض فكرها ونموذجها الإجتماعي على الثورة لتؤدي إلى النظام الإجتماعي الذي تصبوه وهذا أمر طبيعي. وقد يدعيها تناحرها إلى عدائية مبالغة وتشكيك بالآخر وهذا من رواسب مجتمع ما قبل الثورة لأن في هكذا مجتمع يسوده ديكتاتور ينقلب كل مخالف للرأي إلى عدو. فحتى من يسبح ضد التيار تلوثه مياه النهر المسمومة. هذا برأيي يطيل الطريق إلى الحرية لكنه لا يقوض اهداف الثورة.

لكن إغتصاب الثورة لأهداف لم يناد بها احد امر آخر خطير جدا، ولدينا في سوريا كمثال نموذجين من هؤلاء المغتصبين الذين يظهرون فجأة، اولهما يقدم نفسه بشكل متمدن كمعارض على النمط الأوروبي (ولا يخجل من وقاحته بإستلامه مناصب لم يستلمها حتى إندلاع الثورة في هيكل النظام الديكتاتوري) في وقت يذبح الشبيحة ومخابرات النظام الشعب بهمجية. وقد يرتدي أحدهم قناعا تقدميا علمانيا كالستاليني السابق والتاجر قدري جميل أو فاشي سابق وحالي كالإنتهازي علي حيدر. لكن هذه الفئة “المدنية” يسهل على كل مراقب كشفها وتحييدها ورميها خارج دائرة الصراع. أصلا هي صُنِعَت من النظام للتصدير الخارجي.  ما هو أصعب على الإنسان العادي ان يكشفه هو النموذج الثاني، مجموعة من المسلحين تظهر فجأة وتعتقد أنها لمجرد سيطرتها على قرية او مدينة بقوة السلاح صار لها ان تغتصب أحلام شعب بكامله. ويزيد “الطين بلة” كما نقول بعامية دمشق إذا كان هؤلاء أجانب ليس لهم في سوريا سوى أهداف تسلطية مريضة على الأغلب. وتراهم يهتمون بلباسهم الأسود اكثر من الإسلام الذي يسودون بأعمالهم الوحشية رايته. وضعهم هذا يجعلهم سهل الإختراق وسهل الإستغلال من قبل مخابرات النظام وأعوانها سواء كانوا روس أو إيرانيين أو عراقيين، وبالتالي فهم أكثر خطرا لأن مقارعتهم بالسلاح تعني خطرا وعدوا إضافيا، لكنه خطر لا بد منه، والعور أفضل من العمى. وكل تأجيل للنضال الحاسم في وجههم بحجة تأجيل ذلك حتى يسقط النظام غباء سياسي وعسكري منقطع النظير. لأن هؤلاء كالعفن لا ترى آثاره في مناطق لم يظهر بها إلا بعد فوات الأوان. هذه الفرق ذات الأسماء الرنانة الطائفية تكافح علنا ضد الثورة وتقدم يوميا افضل ذريعة للنظام ليس دوليا فحسب، بل ايضا داخليا بإرهاب الأقليات والنساء وكل العلمانيين وكل ذي عقل. ويؤسفني سماع اصوات في المجلس الوطني والإئتلاف التي تهدأ الخواطر حول خطر هذه المجموعات بينما لا تستحي لا “داعش” ولا “النصرة” بحذف كل المجلس الوطني وكل الإئتلاف والأقليات وحرية النساء وحرية الكلمة والمعتقد من مستقبل سوريا، لا بل حذف سوريا من مستقبل سوريا. وانا أعتقد كمثال بسيط أن الثورة والمعارضة تتحمل عبر بدائية تفكيرلا مبرر لها مسؤولية إعتقال الأب اليسوعي الثوري باولو دالوليو. كيف تسمح هذه القوى لشخصية مركزية وهامة جداً للثورة وإعلامها بالسير وحيدا إلى مصرعه بثقة غبية أن “داعش” تستحق ان يتفاوض باولو معهم. كيف كان لهذا أن يحدث ومعلومات تنتشر في كل أصقاع العالم بمقالات وتحقيقات صحفية علنية عن طبيعة “داعش” وتصرفاتها الإجرامية وصلاتها بكل المخابرات الظلامية؟ أعيد وأكرر أن هذا مثال بسيط جدا لأخطاء جسيمة في تقدير من هم هؤلاء الذين ينادون بالدولة الإسلامية من أفغانستان إلى جنوب السودان. وكمثال مختصر ولكي لا نكرر بعض تكفي قراءة مقالات ياسين الحاج صالح و ميشيل كيلو وكثير من آراء الكتاب في “صفحات سورية” والتي تعالج  الأصولية المسلحة وتفضح طبيعة هؤلاء المجرمين الجبناء الذين لم يحرروا في تاريخهم شبراً واحداً من أرض سليبة، بل تفاخروا بكسر صلبان ورفع أعلام طائفية فوق الكنائس في معلولا والرقة وصدد.

إلى متى تنتظرون، يا سادتي؟

الثورة الآن في مرحلة متقدمة معقدة للجانبين، للثوار وهيئاتهم وللمعارضة بممثليها من جهة وللنظام ومخابراته وشبيحته الجسديين والفكريين من جهة أخرى، وستشهد الأيام والشهور القادمة تساقط كثير من رموز ونجوم الثورة والنظام، ليس لأنهم خونة منذ ولادتهم كما يجعجع البعض في صفوف الثورة وإعلام النظام، بل لأن المهام المطروحة بالغة التعقيد والخطوات الصحيحة لمواجهتها قصيرة العمر والصلاحية وتتبدل بسرعة لتغيير الوضع يوميا. وهذه المرحلة ستكون عديمة الرحمة لكل الأطراف، لذلك سيسقط كثير من نجوم ورموز المعارضة والنظام عند منعطفات الطريق الوعر إلى هاوية النسيان.

المعارضة مشوشة وضعيفة وتفشل المرة تلو الأخرى في لعب دور قيادي للثورة، لكن وللعدالة والصدق لا بد من قول أننا نخلط احيانا بين ظروف المعارضة الموضوعية التي سببت ضعفها وبين ضعف أشخاص في واجهة المعارضة وننهال عليهم بالشتائم والتجريح ( كما يفعل د. كمال اللبواني) وكأن هذا يشفي المريض من دائه. التخوين أسهل بكثير من النقد الهادئ الواعي الذي يتطلب منا توثيق ما نقوله وفحصه قبل التفوه به، فأنا أنتقد الإخوان المسلمين لمواقفهم التاريخية الخاطئة ولفقدانهم لأي برنامج مستقبلي إجتماعي إقتصادي سياسي لسوريا يخرج الوطن من أزمته المستديمة، أنتقدهم عن معرفة  ومراقبة إخوانهم في مصر وتونس والسودان وغيرها وكيف إنقضوا هناك على منجزات الثورة وفشلوا في حل أية أزمة رغم إستلامهم للسلطة. أنتقدهم ولا أشتمهم، لا بل كتبت مرارا أن لهم مكانهم في سوريا المستقبل وهذا المكان يحدده الشعب في إنتخابات ديمقراطية وليس رغبتي.

لو أخذ الشاتمون التاريخ بعين الإعتبار لما شتموا: أربعون سنة من حكم دموي مخابراتي اصابت هيكل وأسس مبنى المعارضة وقوضت نشاطاته، إضافة لذلك عانت المعارضة من إنتهازية لا حدود لها لأحزاب تسمي نفسها وطنية ويسارية وقفت خلال أربعين سنة إلى جانب النظام. فإذا اضفت لهذا موقع سوريا الهام جدا وتكالب كل القوى المحلية والدولية عليه، كما وإستمرارية الثورة والنضال لإسقاط الحكم لأكثر من ثلاثين شهر، وتعقيد الوضع الدولي تجاه تحرر سوريا بالذات، ستكون واقعيا أكثر في تقدير المعارضة، فكل هذه العوامل أدت لفشل المعارضة أن تكون قائدة للحدث الثوري بدل أن تلهث وراءه. لكن ليس الوقت الآن وقت امنيات نمليها على الجني الذي أسميه “لو يا ريت” والذي حررناه بأمنياتنا من مصباح علاء الدين ليجلب لنا معارضة ممتازة ثورية نقية تتكلم بصوت واحد واضح وتضبط كلماتها وسلاحها لتقنع شعبنا والعالم بعدالة مطلبنا للحرية والديمقراطية. علينا ان نعمل وبكل تعاضد مع هذه المعارضة كما هي وممثليها كما هم، وأن ندفعهم ليسيروا قدما وان نحيي جهودهم متى أصابوا، وان ننقدهم بدون رحمة لكن دون تجريح متى تقاعصوا عن أداء واجبهم.

نعم فشل الائتلاف بقياداته  الذكية، من معاذ الخطيب إلى احمد الجربا كفشل المجلس الوطني بقيادته الأذكى، وأنا لا اقول ذلك ساخرا بل عن معرفة عميقة بفكر برهان غليون وهو من أذكى المثقفين السوريين لكنه لم يستطيع لأسباب كثيرة من تحويل المجلس الوطني لقائد فعلي للثورة وكلا المجلسين ضم خيرة بنات وابناء الشعب السوري وأذكاهم من سهير الأتاسي إلى ميشيل كيلو، جورج صبرا ورياض سيف وغيرهم. ولكن هل يعني أن الفشل هذا قدر محتم على السوريين؟ أم أنه تجربة على الطريق الطويل تضاف تاريخيا لتجارب الشعوب في نضالها ضد مضطهديها؟  أنا لا أعتقد أن الفشل قدرنا، بل يمكننا من فهم أسبابه ان نتقدم بنجاح خطوة إلى الأمام. وهذا يتطلب تحليلا رصينا وليس شتائم وتهم بالخيانة.

الثورة إنتصرت أنتصارا ساحقا على الخوف ودفعت ثمنا باهظا من دم بناتها وأبنائها ولذلك لن يستطيع نظام الأسد ان يقهرها، لكنها لم تتمكن لأسباب كثيرة من إسقاط نظام الأسد. (أول تلك الأسباب جبن ورياء من يسمي نفسه “صديق” لها من الدول العظمى) الذي لا يزال رغم الضربات الأليمة والإهانات التي لحقت به متماسكا وقادرا على الحفاظ على السلطة في دمشق بمساعدة إيران وحزب الله ونظام نوري الطائفي التعيس (إبن عم نوري السعيد) ومساعدات روسيا والصين العلنية المباشرة ومساعدات أمريكا والمانيا وبريطانيا السرية. وهذا التوازن العسكري بين قوى الثورة وقوى النظام سيصعب حسمه لصالح طرف واحد.

لكن هناك حقيقة تتوضح معالمها يوما بعد يوم. هذا النظام واتباعه لن يفلحوا في حكم سوريا المستقبل بعد كل هذا الخراب والقتل. لن يفلح أي نظام في العالم أن يقول. معليش أنا قتلت أولادكم وإغتصبت بناتكم وهدمت بيوتكم والآن تعالوا نغني “الأسد للأبد”. هذا لا يمكنه أن يحدث في أي بلد في العالم. وهذه ليست أمنية حالم بل هي قناعة ويقين بارد حتى للدول العظمى كروسيا وأمريكا. كل ما في الأمر أنهم يفتشون عن بديل يضمن مصالحهم كدمية جديدة بدل الدمية المستهلكة.

النظام يتصرف كشخصية الفهلوي ولاعب الدمى الدولي يمرر خططه بدقة موهما الدمية أنها هي التي تحركه بالخيوط الواصلة بينهما، او يريد عاقل أن يقنعني أن المخابرات الأمريكية ( وحليفها الموساد الإسرائيلي) التي إخترقت حتى موبايل أنجيلا ميركل قنصلة ألمانيا وغرفة البابا ومكتب هولاند، لا تدري حتى بأدق تفاصيل تكتيك ومناورات النظام السوري المهلهل المُباع علنا وبالسر؟ وأن هذه المخابرات أقل معرفة من أي سوري بمن يقف وراء “داعش” و”النصرة”؟ لتدعي برياء ما بعده رياء خوفها من الجهاديين والأصوليين والذي يقف حائلا في وجه تقديم مساعدات فعالة للمعارضة. يردد بعض عملاء النظام الذين يسمون انفسهم علمانيين أن أمريكا والغرب المتحضر يخافون الأصولية؟ أمريكا (وإسرائيل من ورائها) اول وأكبر حليف للوهابيين في السعودية والمتزمتين في قطر.

هل يحتاج هذا لدليل؟

لنأخذ قصة السلاح الكيميائي السوري كمثال ثاني لنرى كيف تثبت هذه القصة لمن يحمل ذرة عقل أن لاعب الدمى يعرف منذ البدء بكل تفاصيل هذا السلاح. وان الدمية تظن انها هي التي وصلت لكل هذا السلاح بفهلويتها وبكامل السرية… فكما بينت التحقيقات إستورد النظام كافة مواد غاز السارين من المانيا وفرنسا وهولاندا وسويسرا والنمسا، لكن القسم الأعظم أتى من المانيا، فلقد إستورد النظام مواد كيميائية ومفاعلات وأدوات لإنتاج السارين من شركات المانية وقد نشرت الصحف في المانيا حجم المواد الكيميائية وأسماء الشركات بالتفصيل. فإذا علمنا ان المخابرات الإسرائيلية والأمريكية تعمل يدا بيد مع المخابرات الألمانية والفرنسية وقد إخترقتها كما بينت الفضائح الأخيرة منذ زمن،  فكيف ولماذا صمت الإسرائيليون والأمريكيون عن إنتاج غازات سامة في بلد مجاور هم بحالة حرب معه؟ خاصة وأن الغاز السام بالذات، بغض النظر عن إمكانية إستخدامه أو عدمها من أي نظام،  له تأثير نفسي رهيب على اليهود نظرا لكارثة المحرقة النازية التي ذهب ضحيتها أكثر من ستة ملايين إنسان بريء. هذا السؤال أعقد من أن يجيب عليه أنصار النظام “الممانع” لتسطح ذهنهم. أنا أعيش هنا في المانيا منذ إثنين وأربعين سنة وأعرف بالتأكيد أنه في كل هذه الفترة لم يتجرأ سياسي الماني واحد أن يصدر حتى سكين مطبخ أو مقلاع (أو حتى نقيفة كما نقول في الشام) يضر بإسرائيل وبدون إذن مباشر من حكومة الصهاينة، فما الذي ضمن لهم ألا يطلق النظام السوري ولو قنبلة واحدة من غازاته بإتجاه إسرائيل؟ حتى رغم كل الإهانات التي الحقتها إسرائيل بالأسد أباً وإبناً؟

بدأت خيوط هذه القضية بالوضوح الآن. وصمت إعلام الغرب عنها ولم يمسها صحفي واحد عشرات السنين. وحسب آخر التقارير بدأت حكومة المانيا منذ عام 2000 بتصدير مئات الأطنان من مواد كيميائية والآت ومخابر فائقة الدقة لصنع  الغاز السام ( من شركتي شوت Schott وفيروشتالFerrostaal) بموافقة حكومة تحالف الإشتراكيين الديمقراطيين وقنصلهم غيرهارد شرودر مع الخضر بزعامة وزير الخارجية يوشكا فيشر صديق شارون الحميم، وعندما إنكشفت العملية الآن في عام 2013 دافعت القنصلة ميركل عن يوشكا فيشر وشرودر وكانها صارت ، وهي المحافظة الرجعية، من حزب الإشتراكيين الديمقراطيين أو الخضر اليساريين، ولم تقم بذلك إلا لأن حكومتها أيضا متورطة بإستمرارها في تصدير لكل ما إحتاجه نظام الأسد من مواد كيميائية ,اجهزة تنصت الكترونية… إلخ. فما هو سر هذا التوافق الإجماعي من أمريكا إلى إسرائيل إلى فرنسا وهولاندا وسويسرا والمانيا على تسليح الأسد بالغازات السامة؟ وكيف ماطل الغرب عندما أستعمل النظام الغاز ضد شعبه؟ وكيف ولماذا تحول خط أوباما الأحمر لمطاط؟ حتى بعد ان تجاوز الأسد هذا الخط تراجع الموقف الأمريكي من مطالبة بعقاب النظام لإستعماله الكيماوي وقتل أبرياء إلى القبول بتخريب هذا السلاح والحفاظ على النظام…ولكن من كان يتوقع أفضل من ذلك من أوباما والغرب الذين أعطوا النظام خطوطا خضراء ليقتل  أكثر من مئة الف ويسجن ويعذب أكثر من مئتي ألف، لا يطالبون بالإفراج عنهم بدون قيد أو شرط، ثم يتباكون هنا في صحافتهم على سجين في هذا البلد أو ذاك و إمرأة ضحية للطالبان في أفغانستان أو باكستان بدموع التماسيح. وهل كان الغرب سيصمت إذا قتل إسرائيلي واحد بالغاز السام؟

هذه الأسئلة المحرجة جدا تبين مدى تعقد العلاقة بين الغرب وسوريا ومدى كذب حكومات الغرب وأولها حكومة أوباما عندما تدعي وقوفها إلى جانب مطالب ونضال الشعب السوري من أجل الحرية والديمقراطية.

دون السقوط في حبائل نظرية “المؤامرة الكونية” أستطيع إستقراء ما حدث للآن وأصل إلى نتيجة ان سوريا أختيرت من الغرب لتكون أفغانستان الثانية، هذه المرة لإضعاف إيران القوة العظمى المحلية وتحجيم مخلبها “حزب الله” على حساب أرواح الشعب السوري وأرضه وخيراته. وسيسقط الغرب الأسد متى تأكد أن إسرائيل لن تواجه في عشرات السنوات القادمة اي خطر من سوريا.

ولهذا كله لايسمح الغرب بحسم عسكري سريع كما يتصوره مخ لؤي المقداد الكذاب الرسمي بإسم قيادة اركان الجيش الحر والذي يذكرني كلما رأيته بالمذيعيين المهسترين ( خاصة المصري أحمد سعيد) إبان الحروب مع إسرائيل.

علينا أن نعرف أيضا ان ثلاثين شهرا من الثورة تنهك النظام بالتأكيد، لكنها تنهك بشكل أكثر مأسوية الشعب المحروم حتى من الماء والغذاء. ومن المؤكد اليوم أن عسكرة الصراع وتحويله لصدام بين دبابة ودبابة وصاروخ وصاروخ قد حجم النضال المدني إلى أقصى مستوى سلبي وحيد الملايين التي شاركت في الأشهر الأولى للثورة، وبرأيي كان هذا أكبر خسارة للثورة لأن هذا النضال المدني في الشارع سيس الجماهير واعطاها زخما ثوريا لتكون الحاضنة الشجاعة الرائعة للثورة، بينما تزيد العسكرة المطلقة للنضال ضد النظام من سلبية الجماهير وفقدانها لدورها.

ولهذا أيضا فإن المعارضة بكل أطيافها والثوار ملزمين بالنضال على كل الجبهات وأولها السياسية، وهذا النضال سيعيد الجماهير لدورها الإيجابي وسيفرق بين القمح والزوان، بين الصالح والطالح، لأنه نضال مرير وصعب المسلك. بعض نجوم المعارضة وكتائب الثوار يتبجحون أمام عدسات التلفزيون بأنهم يرفضون  كل حوار مع النظام، حتى صار هذا الرفض موضة بحد ذاته، ويتذاكى رافضوا جنيف بإبتكار مسميات لمؤتمر جنيف ( لعبة، مؤامرة دولية، أوسلو سوريا، مطب الفرس، مؤتمر الخيانة، مؤتمر تقسيم سوريا لدويلات) نحن العرب فنانو مرادفات ( نكسة، نكبة، هزيمة، جبهة رفض، ممانعة، مقاومة) فبدل ان نشغل فكرنا بالبحث عن مخرج من ازمة نمضي الوقت بالتفتيش عن مرادفات رنانة لما لا نرغب فيه أو نخشى التورط في تعقيداته  فنهرب إلى الأمام بثورجية فارغة، بينما يبني عدونا صرحه العسكري ومستوطناته بكل هدوء وصمت. وكما في فلسطين ايضا هنا في سوريا. النظام يسجل كل يوم من الأشهر الأخيرة رغم إجرامه وبمنتهى الخبث نقاطاً إيجابية في دفتره، بينما تزداد سلبية الثورة ومعارضتها في اعين العالم وأعين السوريين وهذا الأخير خطر كارثي.

الرافضون لكل مفاوضات يبدون وكأنهم وصلوا بدباباتهم إلى ابواب القصر الجمهوري ولم يبق عليهم سوى ان يقولوا لبشار الأسد ” أنقلع ولا”، فهم يرفضون أي حوار وكأننا نحن السوريين أفضل واكثر ثورية من الفيتناميين الذين فاوضوا المجرم هنري كيسينجر وهم يقرفون من رؤيته وإنتصروا عليه في باريس امام أعين العالم في مباحثات مريرة وطويلة مما زاد ثورييهم المسلحين في الداخل عزما وقدرة. وقد رفض رئيس الوفد الفيتنامي لو دوك تو آنذاك جائزة نوبل التي منحت  له ولهنري كيسينجر، لأنه  يعتبر هنري كيسينجر مجرم حرب.

المفاوضات إذن إستمرار للكفاح بوسائل أخرى وليست رجس كما يبالغ الإسلامويون في شتيمتها.

للأسف لا يقدم الثوار ولا المعارضة موقفا يعبر عن فهمهم لمعنى المفاوضات، فبينما تتراص وتتماسك جبهة النظام في موقف موحد رغم كل متاعبها، نرى الثوار والمعارضة لم يلتقوا للآن على موقف محدد بحد أدنى من التوافق على الشروط أو الأهداف التي يريدونها من التفاوض، عشوائية مخجلة تسيطر على كل تصريحات الثوار والمعارضة، إختلاف الرأي مفيد ولا خوف منه إذا أردنا سوريا تعددية، لكن ألا يكون الإختلاف في هدفي الثورة الذين ذكرتهم أعلاه. إسقاط النظام وبناء سوريا حرة ديمقراطية تعددية بكل ثقافاتها وشعوبها وأديانها. ولكي لا أكرر مجحفا بحق الزملاء المفكرين والكتاب الذين سبقوني في صياغة أهداف المفاوضات، أنظر مثلا: “مقالات لكتاب سوريين تناولت جنيف 2 ” في صفحات سورية

أنا لا ابتدع الجديد إذا قلت أنه من الضروري توحيد الموقف بين فصائل المعارضة على حد أدني بينها ليكونوا بصوت واحد وهذا يتطلب تنسيقا يسبقه إحترام الآخر. يتطلب إقناع الثوار المسلحين في الداخل بصحة المشاركة والعمل السياسي على المسرح الدولي، واخذ رايهم بما يريدونه من جنيف . ووضع شروط واقعية للذهاب إلى جنيف. فالتطرف الطفولي  لا يقنع  أي أحد. بعض الثوار ونجوم المعارضة يطلبون أحيانا إسقاط النظام أو إسقاط بشار الأسد قبل ذهابهم إلى جنيف. أحيانا أتساءل إذا كان هذا الرجل الذي يصرح بذلك أمام ميكروفون قد  فقد رشده أم اصيب بخبل. فكل طفل يعرف أن هذا الشرط متناقض مع ذاته، فلو سقط النظام لما كان هناك الحاجة للذهاب إلى أي تفاوض. وأسأل بعض هؤلاء المبالغين هل سمعوا بشيء يسمى مرحلة إنتقالية؟

اريد فقط ان أنبه ان الكثير من كتاب المعارضة قد قدم أفكار نيرة لما تستطيعه المعارضة وما عليها ان تضعه في قائمة النتائج المرجوة من الإفراج عن كل المساجين السياسيين إلى حل كل أجهزة المخابرات إلى محاكمة كل القتلة إلى تشكيل حكومة إنتقالية…إلخ. هكذا وهكذا فقط نستطيع ربح المعركة السياسية. وكمثال بسيط لو أتفقت طيوف المعارضة والثوار على نقطتين اساسيتين لا تتراجع عنهما مثل: إطلاق سراح كل المعتقلين بدون أي شرط وفورا بتاريخ يحدده المتفاوضون وبإشراف الأمم المتحدة، وتشكيل حكومة إنتقالية بكامل الصلاحيات وحل كل الأجهزة الأمنية ايضا بجدول زمني يراقب من الأمم المتحدة، فإن العالم سيقف إلى جانبنا وستكون هذه أكبر هزيمة للنظام وفيما إذا رفض ستكون فضح له، وهذا سيرفع معنويات الشعب ورأسه عزة بثورته…أما الحرد والدلعنة فلا مكان لهما، واما الذهاب إلى مفاوضات بدون تصميم وإتفاق وخط واضح لما نريده من المفاوضات فهو خطير وسيؤدي لكارثة. وقد جرع  الفلسطينيون طعمه المر مرارة الحنظل وذاقوا تاريخيا هزيمة شنعاء رغم سلاحهم وتضحياتهم، وهم الآن أسوأ وضعا مما كانوا عليه في كل الزمن الماضي.

لا شيء يشين أية مفاوضات حتى مع مجرمين إذا كان الهدف منها حماية الروح والأرض السورية وإيقاف الدمار على أرضنا وفي أنفسنا، وأما تعليق كل الأمل على العمل العسكري البحت فهو سراب مميت، هنا نحرر جسرا وهناك نخسر ضيعة، هنا ندمر دبابة وهناك يقتل ضابط او ثوري. لبنان راوح خمس عشرة سنة  في حرب أهلية طاحنة عسكرية بحتة وسقط أخيرا تحت سيطرة الأسد بمباركة الطائف وممثلي حكوماته اليعربية والتي كانت تمول فصائل النزاع العسكري.

فهل هناك مثال أكثر تعبيرا؟

جنيف قد تسبب ليس هزيمة النظام بل تمزيق المعارضة ولذلك على المعارضة (بأربع فصائلها الأهم: ثوار الداخل، الإئتلاف، المجلس الوطني، هيئة التنسيق) الإتفاق وبأقصى سرعة قبل جنيف لئلا تتمزق الثورة بعده.

المهمة الملحة والأكثر صعوبة هو تعلم التواضع في تقدير أهمية كل فريق من المعارضة لنفسه وللآخرين، والتواضع والصدق مع النفس والآخرين في تقدير الوضع وعدم طنطنة الوعود والكذب متوهمين أن هذا الكذب على النفس (وهو من أخطر أنواع الكذب) والآخرين هو حرب نفسية ضد النظام. وبذلك نصبح دون ان نريد ذلك كالنظام الذي بنى كل دعايته على الكذب وإحتقار المواطنين. لكن الخطر الأكبر اننا ندخل عبر هذه المبالغات في متاهة أسميها “متاهة الأعظميات”، يبشر فيها اعلام المناضلين بالنصر القريب وسحق العدو حتى حفيد حفيده. الثوري لا يقرر أقصى ما يحلم به بل يظل واقعيا، ليصل إلى مايستطيع. أما متاهات الحد الأقصى فهي قاتلة ويصعب الخروج منها، متاهة البطولة والعنترية التي لا تقبل بمراحل الإنتقال وبطريق عسير يحتاج لتكتيك ذكي وإستراتيجية واضحة، بل يهلل لنصره القريب كما هلل قياديوا جبهات وحركات الفلسطينيين وبشروا بالنصر القريب ورفضوا حتى الحديث مع مناصريهم من اليهود التقدميين لينهاروا اخيرا ويصبحون وبمنتهى العزلة حتى في الأوساط العربية شركاء مرغمين  لنتنياهو في مصيبة الشعب الفلسطيني. من يحب سوريا لا يخجل من تعرجات طريق حريتها. وهذا يتطلب من الثوار والمعارضة ان تشرح للشعب السوري، الذي حملها في قلبه، بجرأة ودون كذب انها ستعمل المستحيل ولن تترك طريقا يؤدي إلى حرية هذا الشعب دون أن تسلكه.

إنه لمن الغباء ان نعقد الآمال الكبرى على أي مؤتمر او لقاء، لكنه من واجبنا المشاركة في كل مؤتمر على أن نكون على مستوى التضحيات البطولية لشعبنا ولا ننسى شهيدا أو سجينا واحدا في كل تصرف وكل حوار.

ولكي أبين تقديري لجنيف بشكل مختصر: فشل جنيف شبه اكيد لكني رغم ذلك مع الذهاب لهناك وعلى الأقل إستغلال المنبر السياسي العالمي لإيصال صوت سوريا الحرة للعالم.. وبدل أن نتباهى بموقف تأييد المشاركة أو رفضها، هيا بنا نشغل فكرنا بسؤال أهم: كيف علينا أن نشارك؟ فهذا السؤال مثمر أكثر من عنجهية الرفض او القبول.

رفيق شامي

ألمانيا تشرين الثاني 2013

يحيي كاتب هذه الأسطر أي نسخ وإعادة طباعة هذه المداخلة في أية صحيفة، طبعا بأمانة مهنية مع الإشارة إلى المصدر، لكنه لا يعترف على اية منها إنما على الأصل الذي ينشر دوما في صفحات سورية

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. السيد سهيل فاضل الكريم
    تحية طيبه و بعد. اننا نعلم ان لديك مشاكل مع النظام، لكن هذه المعارضة سفاحة. انني اكن لك بالغ الاحترام و قصة نجاحك تبعث الأمل لكل شابٍ في معلولا، لكن لا يمكننا ان نغفر لما فعلوه . و أطلب منكٓ بكل احترام. ان لا تأتي على ذكر حبيبتي معلولا بمقالٍ تمدحُ فيه سفاحها.

    1. رد الكاتب رفيق شامي على:
      السيد خليل حلال،
      تحية طيبة لك،
      إذا كنت تحترمني فعلا، فأرجوك كدليل على ذلك أن تقرأ ما أكتب بتروي، لا أن تبين لي أنك لم تقرأ سوى تحامل النظام على كل معارض له. أنا لا أطالبك بقراءة 6000 صفحة كتبتها حتى الآن بل على الأقل مقالاتي في “صفحات سورية” خاصة هذا المقال بالذات الذي علقت عليه. فستتبين انه لم ترد جملة واحدة في كل ما كتبته كمدح لسفاح. فمن أين لك هذا اليقين أني أمدح من يهاجم معلولا؟
      بين لي بجملة واحدة كبرهان على ما تقول.
      الإختلاف بالرأي يغني الطرفين، أما تهمة كل معارض بأنه سفاح فهي عقلية النظام التي ستنهار معه.

      لا تغفر لأحد، فهذا حقك لكن حاول ألا تظلم أحد. حكمك على المعارضة أنها “سفاحة” يتناقض مع إحترامك لي فأنا معارض لهذا النظام البغيض منذ إنقلاب البعث التعيس عام 1963 ، فهل يعني هذا بنظرك أني نا أيضا سفاح؟ يكاد كلامك يدفعني أن أتهمك بموالاة النظام الذي قتل ما يزيد عن مئة وخمسين الف سوري (من بداية عهده وحتى اليوم) وشرد وإعتقل سوريين أكثر مما قتل وشرد وإعتقل العثمانيون والفرنسيون والإسرائيليون معا, هذه حقيقة تاريخية. أقول يكاد ولكن عقلي رد هذا الإحتمال الذي لا برهان لي عليه لأني لا أعرف شيئا عنك سوى أنك من عائلة حلال المعلولية الأصيلة. ولذلك لن أتسرع بالحكم عليك.
      أنا أقف علنا في كل ما أفعله وأكتبه وأقوله ضد الجهاديين ومع مستقبل سوريا الحر والديمقراطي التعددي كما كان قبل البعث.
      وبرأيي لا تصح المقارنة الجبانة التي يتشدق بها بعض الإنتهازيين: لا خيار لدى السوريين فإما أن يكونوا مع الأسد أو مع الجهاديين، وكاننا كشعب سوري غير قادرين على بناء مجتمع حر عزيز، كريم…بدون أسد وبدون جهاديين مجرمين.
      ودعني أقول لك أننا نحن المسيحيين عشنا كسوريين منذ آلاف السنين في هذا البلد الجميل وأن الديمقراطية والحرية هي الضمانة الأكثر فعالية لكل الأقليات.
      هذا ما أتمناه لمعلولا الشجاعة ولي ولك ولكل هذا الشعب الطيب.

  2. شكراً للأستاذ رفيق على هذا المقال المهم.
    أوافقك على كل ما ذكرت, لكن للأسف نحن كان لدينا ثورة بلا قيادة سياسية لأن العمل السياسي في البلد كان محرماً على الناس وقول الرأي كان يكلف الإنسان رأسه كما هو معلوم بسوريا الأسد.

    مشكلة التشكيلات المختلفة التي تحاول تمثيل ثورة الشعب السوري أنها لا تمثل الشعب الثائر فعلاً وبخاصة التركيبة التي شكلتها دول الخليج التي لم تقم بذلك سوى لإختطاف الثورة السورية وقد نجحت بذلك للأسف.
    كل الإحتكارات العالمية وممثليها من الحكام (العرب) لا يريدون التغيير في المنطقة العربية. كلهم معنيين بإستمرار الدكتاتوريات المنحطة في حكم الشعوب المسكينة بذات الدرجة من إستمرار تدفق النفط العربي لمجتمعاتهم وإبقاء الدول العربية كمصدر رخيص للموارد الطبيعية وسوق لتلقف منتجاتهم بالأسعار التي يحددونها. إذاً لماذا الثقة بقيادة معارضة يتم تشكيها في قطر أو بأوامر من الرياض والسفير الأمريكي في دمشق؟ أليسوا جميعاً حلفاء للنظام المجرم في دمشق؟ ألا يحكمون شعوبهم بذات الطريقة التي حكمنا فيها الأسد الأب والإبن ؟

    من الخطأ الثقة بهذه الأنظمة والتعاون معها بحجة الإستفادة من (عدائها) للنظام السوري, إنها حليف للنظام وليس للشعب السوري.
    كتب برهان غليون في الفترة الأخيرة (اثناء التلويح- التهريج الأمريكي بضربة للنظام السوري) ما معناه: اليوم هناك تقاطع بين مصحتنا كسوريين والمصلحة الأمريكية بضرب النظام السوري. مع أحترامي للأستاذ برهان لكن هذه الرؤية تعبر عن سذاجة سياسية بأحسن الأحوال ولا أريد الحديث عن أسوأها. أمريكا لم تكن تنوي ضرب النظام أساساً, ولو حدثت الضربة لكانت أهدافها عكس ما يحتاجه السوريين للتخلص من الدكتاتورية.
    الحرب الأمريكية على العراق كلفت الخزينة الأمريكية (أو حلفاء أمريكا) 550 مليار دولار. النتيجة 800 ألف ضحية وتفتيت الكيان الوطني العراقي وتحويله لقبائل وطوائف متناحرة وتولية العراق لمن ليس أقل سوء من الدكتاتور المقبور. فلماذا ستكون أمريكا وحلفائها في سوريا أكثر رأفة بالسوريين؟

    إذا كانت القيادات التي تدعي تمثيل المعارضة جدية فيجب أن تذهب لجنيف, لا لتمثل الرغبات السياسية للدول الممولة والراعية، بل لتمثل الشعب السوري المنكوب وتفضح التآمر الدولي عليه ولتضع مأساة السوريين على طاولة الحل.
    أكثر من مئتي ألف شهيد للثورة وعدد مماثل من المعتقلين, ستة ملايين مهجر بلا مأوى ووطن عى كف عفريت…اللائحة طويلة. لا يجوز أن تصبح سوريا بكل مكوناتها وتاريخها عنصر تفاوض على النووي الإيراني وبعض النفط العربي! أصبحنا نحسد إخوتنا الفلسطينيين على نكبتهم! كونوا على قدر المسؤولية, كونوا سوريين فقط.

    1. رد الكاتب رفيق شامي على :

      السيد “نورس” المحترم
      أشكرك لمتابعتك الحساسة لما أكتبه منذ ردي على معاذ الخطيب.
      سأبدأ من النهاية. أعذرني يا سيدي، أنا لا أحسد الفلسطينيين على ما هم به، بل أشعر بالشفقة تجاه هذا الشعب المسكين. فعبر متابعتي للقضية الفلسطينية وتعاضدي الغير مشروط مع الفلسطينيين منذ اواسط الستينييات أستطيع القول أن قضيتهم لم تكن في بؤس أشد بشاعة وإيلاما مما هي عليه الآن، فلا وقت معركة الكرامة ولا في حرب الأردن ولا في الفترة بين حرب الأردن وإنفجار الصراع في لبنان ولا حتى بعد حصار بيروت وطرد منظمة التحرير منها ولا حتى بعد أوسلو كان الوضع الفلسطيني منهاراً كإنهياره الآن. بنفس الوقت تصاعدت قدرة إسرائيل من دولة صغيرة وعادية جدا في نهاية الأربعينييات إلى دولة عظمى في المنطقة. أي نكبة هذه!
      لا، يا سيدي، نحن السوريون تكفينا مصائبنا والتي لا مقارنة لها بفلسطين ولبنان أو العراق…نحن نعيش الآن مأساة حرب أهلية قد تحول الوطن الجميل، كما كتبت في مقالي، إلى أفغانستان الثانية كما يتمنى الغرب. وألأسد والجهاديين الوهابيين وإيران و”حزب الله” هم أفضل الشركاء لتحقيق ذلك.
      وأنا لا أتنبأ إنما أقول ملخص ما خبرته في تجارب شعوب ثانية، أن خطة لاعب الدمى هي تقوية فريق عسكريا ومعلوماتيا وإقتصاديا سرا او علنا حتى يكاد يقضي على الفريق الآخر، وفجأة يتكرم لاعب الدمى بتقديم اسلحة نوعية ( طلعت روحنا ونحن عم ننتظرها) يدحر بها الفريق الأول ويتقدم عليه ويحرر ما إستولى عليه الأول حتى يكاد يهزمه وفجأة تنقطع المساعدات عن الفريق الثاني…وهكذا دواليك إلا أن لا يبقى حجر على حجر في البلد ولا تبقى عائلة واحدة بدون جراح.
      أوافقك على أن تشكيلات المعارضة لم تأت عبر إرادة الجماهير بل عبر رغبة كثير من المعارضين في المنفى من مواكبة الثورة، وحصلت على هيكلية عبر تأثير مموليها، لكنها رفعت علنا راية الثورة ولم ترفع أي شعار خليجي أو سعودي أو تركي. هناك قاسم مشترك أعظم لا يزال ساري المفعول منذ تأسيس المجلس الوطني ومن بعده الإئتلاف وهو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي وأن تكون سوريا لأبنائها وبناتها جميعا. ومن هنا لا يصعب علي تأييد المجلس والإئتلاف نقديا…أكرر: نقديا. كما فعلت في كل ما كتبت وقلت.
      كل منا يخطئ وأول المخطئين انا، لذلك لا داعي أن تفترض أن برهان غليون او صادق جلال العظم أو أي مثقف آخر معصوم عن الخطأ في هكذا ثورة فريدة في العالم ومراحل دقيقة تتبدل سحنتها وأسئلتها بسرعة. فبرهان غليون قد يقدر وضعا ما وتقاطعا ما بين مصالح أمريكا والسوريين في ضرب النظام ويخطأ في ذلك لأنه يحاول مصالحة أهداف الأطراف المتضادة حتى العدائية أحيانا. وهذا خطأ وليس سذاجة. فأنا لم ار للآن موقف أمريكي واحد يدل على تقاطعه مع أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة، وقد اكون تعاميت عن بعضها أو فاتني بعضها وأنا نائم لكوني أشكك بأمريكا منذ شبابي وقد أخطأ أحيانا برسمي صورة دائمة السلبية لأمريكا …وهكذا فقط أنظر لما يصرح به برهان غليون. ليس بأنه ساذج بل بأنه مخطأ في تقديره، دون ان يكون هذا سببا لتهمته بأي تهمة. بل ليكون هذا سببا للحوار معه بكل إحترام، ولكل إنسان الحق في التفكير والتعبير بكامل الحرية.
      بالنسبة للتلويح الأمريكي بضرب سوريا. لآ أدري بالضبط إن كان ذلك مسرحية أم جد، لكني وقفت وسأقف ضد اي تدخل أجنبي لأنه سيقوض الثورة ويقودها للمقبرة ويهدم كل آمالنا ويجلب لنا عميل آخر كـ”منقذ”. نحن السوريون قادرون على حل مشاكلنا بأيدينا. وكل ما عدى ذلك خراب. حتى ولو أدخل النظام “حزب الله” وميليشيات عميل المخابرات الأمريكية نوري التعيس فإن ثقتي بشعبي كبيرة انه قادر على دحر هؤلاء القتلة.
      أنا أوافقك وبكل تأكيد ان الذهاب إلى جنيف لرعاية مصالح قوى محلية وليس مصلحة الشعب السوري سيؤدي لكارثة.

  3. الأستاذ االكريم رفيق شامي,
    أنا لا أتابعك منذ ردك على السيد معاذ الخطيب، بل أقرأ كتاباتك منذ فترة طويلة في هذا الموقع كما استمتع بقراءة بعض كتبك بلغاتها الأصلية، وأفخر بك ككاتب ومثقف سوري أدخل شيئاً من سوريا لعقول مئات الآلاف من الناس في الغرب وغيره. فعل الثقافة أكبر من فعل السياسة. أقرأك لأني أيضاً أشاطرك الكثير من الرؤيا السياسية لمجريات الأمور. أول ما قرأته لك في السياسة كان مقال (كيف خطف البابا بنديكت المسيخ) وأعتبرت المقال أهم مما كتبه الكثير من المثقفين والصحفيين العرب (المسلمين) الذين تطوعوا آنذاك للدفاع عن الإسلام.

    ما أكتبه ليس للإطراء على شخصك الكريم فأنت بشهرتك بغنى عن كلماتي أساساً، كما انه ليس للتقرب منك لغاية ما أياً كانت، فأنا هنا مجهول الهوية عمدأً ولأسباب أحتفظ بها لنفسي، أنا هنا نورس يعشق الحرية ويجوب البحار والموانئ بلا هوية.
    من ناحية إستخدامي تعبير “سذاجة” وليس “خطأ، كما تفضلت أنت” حول موقف السيد برهان غليون “تقاطع المصالح مع أمريكا”، فهو لشعوري بالمرارة من هذا الموقف. السيد غليون شغل منصب رئاسة المجلس الوطني ذات يوم ولا يزال في واجهة المعارضة للنظام كسياسي ومثقف سوري، أي لكلماته صدى في الشارع السوري والكلام سيكون محسوباً على كل المعارضة.
    عموماً لم يكن القصد الإساءة للسيد غليون شخصياً، أنا احترم كل المثقفين السوريين بصرف النظر عن انتماآتهم السياسية وأفقد احترامي فقط للذين يوظفون أقلامهم أداة طيعة لتلميع شكل الديكتاتور القبيح.
    مقالتك توصيف رائع للحالة السياسية عندنا، وما أخشاه على الكثير من ممثلي المعارضة أن يتحولوا لدمى بيد “لاعب الدمى”. أنا كتبت بأكثر من موقع وذكرت لكل أصدقائي بأن النظام والغرب والكثير من أدعياء الصداقة للشعب السوري يقفون في صف واحد، والسعودية وقطر وما يسمى بالتنظيمات الجهادية ومن لف لفهم لا يريدون خيراً للشعب السوري، يريدون اختطاف الثورة السورية بعد أن عجزت آلة النظام الإجرامية عن إخماد نار إنتفاضة الشارع السوري، لأن نجاح الثورة السورية قد يهدد الكثير مما بنته المشاريع الإستعمارية في المنطقة العربية، منذ سايكس بيكو وحتى اليوم.
    فيما يخص القضية الفلسطينية لا أعتقد بأن الأمر موضوع خلاف. لكل مأساة حجمها وخصوصيتها والكتابة حول هذا الأمر ليس للتسابق في نيل العطف فكلنا جريح ومثقل بالهموم.
    لدي صديق من غزة تخرج من أحد البلدان الأوربية وأصر على العودة لها قبل الحرب لخدمة أهله هناك، حين شن الكيان الصهيوني حربه البشعة على غزة بقيت على تواصل مع هذا الصديق ولكن مع الأيام انقطعت عنه، لم يعد لدي المقدرة على سؤاله عن نفسه وأهله، كنت أخجل من سؤاله: كيف الحال، أنا أعرف بأنه يقبع مع أهله بما يشابه أكبر معسكر اعتقال في التاريخ (ليس للمقارنة مع معسكرات الإعتقال النازية وما تعرض له اليهود) فكيف أسأله عن حاله وأنا أرى مأساته مساء صباح؟
    منذ عامين اتصل بي هذا الصديق “من معسكر اعتقاله الكبير” ليعزيني بأستشهاد أحد أفراد أسرتي ويهون علي ويواسيني. لم يكن لدي سوى أن أبكي لأني أصبحت بحاجة لعزاء “السجين”. منذ ذلك اليوم وحتى الآن فقدنا أكثر من ثمانية أفراد من أسرتنا الكبيرة, الكثير من هذه الأسرة أصبح مشرداً خارج سوريا, ما تبقى في سوريا من الأسرة بقي لأنه لا يمتلك نفقات العيش خارجها.
    لهذا السبب ولا سواه كتبت (أصبحنا نحسد إخوتنا الفلسطينيين على نكبتهم). لا مقارنة بالمأساة، بل هناك تشابك وترابط في القضايا وهذا أمر مؤكد، لو كانت سوريا بلداً أفريقياً فقيراً لحصل شعبها على شيئ من الحرية وبرلماناً وحرية أحزاب, لكن منابع النفط قريبة وتحتاج لكثير من الديكتاتوريات ولكيان صهيوني إجرامي لحمايتها.
    ربما نتخلص من لاعب الدمى بعد نضوب آخر بئر نفط في المنطقة العربية، حينها قد يتخلى عن الديكتاتوريات القبيحة وعن الكيان الصهيوني.

    للأسف فاتني التعقيب على موضوع أختفاء الأب باولو الذي أكن له احتراماً كبيراً، ليس بوسعي هنا سوى القول بأن أياً كانت الجهة التي تقف وراء هذا الأمر، هي جهة إجرامية لا علاقة لها بأي قيمة إنسانية وإذا كانت تدعي الإسلام فهي بعملها هذا تؤكد بأنها شائت أم أبت من أكثر أعداء الإسلام. أنا لم أذكر بأي موقع بأني مسلم ولم أذكر مذهبي لأن الحوارات التي أشارك بها هي حوارات إنسانية وليست حول الأديان أو المذاهب وأرفض الدخول بحوارات تفرق بين الناس ولا تجمع. لكني هنا وفي هذا الموقع أقول بأني كمسلم (مطبق للدين كما أراه وأعتقد به) أستنكر العمل الجبان الذي تعرض له الأب باولوا الذي أحترمه أكثر من الكثير من أئمة المساجد الذين سخروا الدين لخدمة الطغيان, كما أدين أي عمل يتعرض فيه الناس للإضطهاد بسبب معتقدهم في سوريا وكل العالم. لو قلنا هنا ما يتعرض له إخواننا المسيحيين بسوريا لقال البعض وماذا عن السنة أو…أنا ضد كل عمل يستهدف الإنسان فيما معتقده حتى وإن كان لا يعتقد بأي دين. لا إكراه في الدين.
    أدعوا الله أن يفك أسر الأب باولو وكل المعتقلين في سوريا من أي طرف كان وأن يزيح هذه الظلمة عن أهلنا في سوريا وأن يؤلف بين قلوب الناس ويعيد الألفة والمحبة بينهم وأن تزول عنا هذه الطغمة المجرمة التي طغت في البلاد وأفسدت نفوس الكثير من العباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى