صفحات سورية

الجامعة العربية واحتمالات سحب مبادرتها بشأن سوريا


ربى كبّارة

يفتح اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ السبت المقبل، الباب أمام الجامعة العربية للخروج من الفخ الذي نصبه لها النظام السوري، عندما وافق فجأة ومن دون تحفظ على مبادرتها لحل الأزمة بعد أن تحفظ عليها ليحمّلها مسؤولية الانزلاق الى حرب أهلية أو التدويل. ويشكل هذا الاجتماع محطة مفصلية خصوصاً بعد تلميحات واضحة إلى أن انعقاده يأتي بسبب عدم التزام سوريا بالبنود.

فقد ورد في بيان رسمي صدر الأحد عن الجامعة، أن رئيس الدورة الحالية رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم دعا إليه “في ضوء استمرار أعمال العنف وعدم تنفيذ الحكومة السورية التزاماتها التي وافقت عليها في خطة العمل العربية لحل الأزمة”.

وجاءت الدعوة بعد تصريحات تندرج في الإطار نفسه أطلقها الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ومساعده أحمد بن حلي أثارت انتقادات دمشق.

ولا تملك الجامعة العربية آلية حقيقية لإجبار سوريا على الوفاء بالتزاماتها، خصوصاً وأن جميع المؤشرات تدل على أن موافقتها كانت مجرد مماطلة لكسب الوقت وزرع الانشقاقات في الصفوف العربية.

ومما يفتح باب الخيارات أمام اجتماع السبت، تقاعس النظام السوري عن سحب القوى الأمنية من المدن، لعدم فتح الباب أمام قيام تظاهرات حاشدة، وامتناعه عن إطلاق عشرات آلاف المعتقلين. فإفراج النظام السوري عن نحو 500 معتقل يشبه ما كان يقوم به سابقاً لمناسبة الأعياد ودعوته المسلحين الى الاستسلام مع وعد بإطلاق سراحهم، دعوة شبه مستحيلة في ظل فقدان الثقة.

وتتراوح هذه الخيارات بين تجميد عضوية سوريا التي يحتاج إقرارها إلى ثلثي الأعضاء وهو متوفر، وبين الاعتراف الرسمي بالمعارضة السورية بما يفسح المجال أمام خطوة تدويل أقله من أجل حماية المدنيين، ومن الخيارات توجه مجلس التعاون الخليجي، الذي انعقدت الجامعة بناء على طلبه، إلى مجلس الأمن الدولي خصوصاً مع نيل المبادرة العربية دعم دول سبق لها أن استخدمت حق النقض لتجنيب سوريا العقوبات مثل روسيا والصين.

وقد خسرت سوريا ورقة تهديدها بالأصوليات، التي ذكّر بها الرئيس الأسد مؤخراً عبر وصفه الصراع الحالي بأنه صراع “بين القوى الإسلامية وقوى القومية العربية”، خصوصاً بعد فوز الإسلاميين بأكثرية نيابية في أول انتخابات شهدتها تونس مهد الربيع العربي. فالإسلاميون جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي ولا يمكن تجاهل وجودهم أو التلويح بمخاطره عندما يوافقون على التعايش مع قوى قومية وعلمانية فاعلة.

وفي ضوء كل هذه المقدمات، من المستبعد أن ترجئ الجامعة السبت قرارها إلى حين انتهاء المهلة المقررة لبدء الحوار (خمسة عشر يوماً منذ موافقة سوريا في الثاني من الشهر الجاري).

ففي عهد عمرو موسى لم تتردد الجامعة في مواجهة معمّر القذافي: سارعت إلى تجميد عضوية ليبيا ثم فوضت مجلس الأمن الدولي فرض حظر جوي تحول إلى تدخل لحلف الأطلسي لعب دوراً رئيسياً في إسقاط النظام.

وهنا تبدو تركيا الدولة الأكثر ملاءمة للقيام بهذا الدور الذي ينال رضى الغرب والعرب.

ويبدو حلّ الأزمة السورية من دون تدخل خارجي شبه مستحيل، كما فرص إنقاذ النظام نفسه بعد أن يقضي الرئيس الأسد على الفرصة العربية كما سبق له أن قضى على الوساطة التركية التي تتشابه بنودها الى حد كبير مع بنود خطة العمل العربية.

فالمبادرة العربية، وإن بدت من حيث الشكل محاولة لتجاوز الأزمة، أعطت النظام المستفيد من موقع سوريا الجيو-سياسي وقتاً إضافياً بينما رأت فيها المعارضة التفافاً على الإرادة الشعبية.

ومهما تكن الخيارات التي ستلجأ اليها الجامعة العربية فإن نجاحها يتطلب توحّد المعارضة السورية حول المطالب نفسها تمهيداً لعزل تلك التي يستخدمها النظام مطية لتحقيق أهدافه.

فكما حاز المجلس الوطني السوري على رضى دولي لم يصل بعد حدّ الاعتراف الرسمي به بانتظار اكتمال الاعتراف العربي فقد حاز على ثقة هيئات معارضة في الداخل. فالجامعة وبعد أن اجتمعت مرات عدة بممثليه، دعت هيئة التنسيق الوطني الى الاجتماع بها أمس في القاهرة. لكن مجرد وجود قادة هذه الهيئة في داخل سوريا، ورغم معارضتها للنظام منذ ما قبل اندلاع الثورة بسنوات، أفقد السوريين الثقة المطلقة بها وواجهها معارضون بإلقاء البيض.

ويساعد الجامعة العربية في خياراتها ما تشهده سوريا من تدهور اقتصادي بسبب العقوبات والجمود وانعدام السياحة أحد أبرز مواردها. وتسعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية الى تشديد هذه القبضة التي تضع لبنان في موقف حرج من حيث دقة مراقبته كما الأردن حتى لا يشكلا متنفساً للاقتصاد السوري.

فقد زار لبنان والأردن مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب دانيال غليزر لرصد محاولات محتملة من سوريا لتجنب العقوبات فيما يعمل الاتحاد الأوروبي على تجميد قروض المصرف الأوروبي للاستثمار المخصصة لسوريا.

وتزامنت زيارته مع صدور تقرير صحافي غربي عن تهريب أموال سورية تقدر بما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى