صفحات سوريةنصر حسن

الجامعة العربية والملف السوري ..أبعد من فشل!.


نصر حسن

مرة ً أخرى ،مضى على الثورة السورية عشرة أشهر ، الفاعل الدموي الوحيد فيها هو النظام الذي استباح الشعب السوري وأمعن فيه قتلاً وذبحاً واعتقالاً وتشريداً وإهانة ً لا مثيل لها ، في النصف الأول من الأحداث الدامية بقيت الجامعة متفرجة على جرائم النظام في طول سورية وعرضها دون أن تحرك ساكناً ، دخلت الجامعة على خط الأحداث في النصف الثاني خجلاً ، مضطرةً مترددةً منقسمة ً بين تيارين ،الأول يعكس النظام العربي وضعفه وهوانه وعجزه عن فعل شيء ينقذ قلب العروبة النابض الذي يفتك فيه النظام بشكل وحشي بدون رادع، والثاني لنقل محايداً يعمل على بلورة موقف ما يساعد على خروج سورية من محنة دموية حصرها فيها النظام المجرم .

ومع ما رافق تحرك الجامعة في الثلاثة أشهر الأخيرة من بطء وريبة في محصلته العامة لم ينتج شيء ملموس يوقف القتل ،بل كان بمثابة زمن مفتوح للنظام لسفك المزيد من الدم وإشاعة الرعب على أمل حسم الموضوع ووقف الثورة ، ورغم أن النظام في تعامله مع الجامعة كان بمنتهى قلة الاحترام بل يكيل التهم والشتائم لها علانيةً ورفضه أي دور لها ،سوى الذي يتطابق مع موقفه ونهجه الغوغائي في أن وراء الأحداث عصابات مسلحة وقاعدة وارتفاع إرهابيين هدفهم هو التآمر على النظام المقاوم الممانع ،وللأسف كان لهذا التسويق الرخيص صدى لدى الجامعة العربية التي تعلم علم اليقين أن كل مقاربات النظام كاذبة مخادعة دموية هدفها سحق الثورة في سورية .

ومع وضوح المشهد الدموي وممارسات النظام وعصاباته ضد المدنيين الأبرياء ، راوغت الجامعة لشهور وخضعت لابتزاز النظام السوري ورفضه توقيع المبادرة العربية في البداية ، والتعامل البطيء معها لتمرير الوقت ،وأيضاً للأسف انساقت الجامعة وراء تضليل النظام وألاعيبه وتعامله المخادع مع المبادرة، عبر موافقته على بنود معينة ورفض أخرى طمعاً في إدخال الجامعة في متاهة البنود والفقرات وإطالة الوقت ، استغرق شهرين سفك فيها النظام آلاف أرواح السوريين ،مع ذلك رفض المبادرة ، تبرعت الجامعة وأعطته مهلة أخرى زادت فيها وحشيته ووتيرة قتل المدنيين ،وبعد أن تيقن النظام على أن دور الجامعة سيكون لصالحه، وقع على بروتوكول الجامعة الذي ينص على ، الوقف الفوري للقتل وسحب الجيش والمظاهر المسلحة من المدن ، والإفراج الفوري عن المعتقلين ، والسماح بالتظاهر السلمي ،والسماح لوسائل الاعلام الحر بدخول سورية وتغطية الأحداث بحرية، وسمح لمن وافق عليه من أعضاء اللجنة بدخول سورية!، فماذا فعل النظام مع البروتوكول ولجنته العتيدة ؟! وماذا فعلت لجنة المراقبة في الشوط الأول ؟! وماذا فعلت الجامعة بعد تقديم اللجنة تقريرها الأول ؟!.وهل هناك من حاجة لشوط دموي ثاني للجنة المراقبة العربية ؟!.

إنها الفرجة المأساوية على نظام دموي وحشي يقتل ويذبح ويغتصب ويدمر ويفجر ويمارس كل شذوذه وعنفه ضد المدنيين العزل السلميين ، لم ينفذ من بنود البروتوكول شيئاً ، لا هو أوقف القتل ،ولا هو سحب جيشه من المدن ،وأطلق سراح عدد من المعتقلين واعتقل أضعافهم بنفس الوقت، ولم يسمح سوى لإعلامه المشروخ وضباط أمنه وشبيحته بمرافقة أعضاء اللجنة ، فماذا على الحيادية والمهنية والأخلاق أن تقول ؟ّ!.

إنها الشراكة مع هذا النظام القاتل الذي يتصدى بكل آلته العسكرية والأمنية وفجوره وانحطاطه وممارسة القتل المكشوف ضد ثورة شعبية مدنية سلمية عمدت طريقها وأهدافها بأنهار الدم وألوف الشهداء ،ومابرحت تصدح بالحرية والكرامة والسلمية ، استخدم النظام وأعوانه الإقليميين والدوليين كل وسائل القتل والترهيب والتفتيت والشعارات الكاذبة والفبركات البائسة والمحاولات الفاشلة لجر الثورة وسورية إلى الفتنة الطائفية والحرب الأهلية وفشل في ذلك فشلاً ذريعاً .

إنه العار ، أن يدمن الجميع على رؤية صور الذبح والقتل والتدمير والإهانة ، تمارس ضد أطفال ونساء وشيوخ وشباب أبطال يريدون الحرية والكرامة ، إنه البؤس الوطني والقومي والإنساني عندما تقرر الجامعة العربية في اجتماعها بتاريخ الثامن من كانون الثاني بتكرار دعوتها للجلاد بضرورة الرأفة ووقف العنف ، إنه العمى الأخلاقي في مساواة الضحية بالقاتل ، إنه العبث والملهاة ، إنه العمل المتهور غير المسؤول الذي يشبه سكب البنزين على الحريق لتكبر مساحته وتنفلت مفاعيله إلى حيث تدري ولا تدري الجامعة العتيدة.!.

أكثرمن ذلك ، ليكن واضحاً للجميع ، أن الشعب السوري عندما قرر القيام بثورة الحرية والكرامة ، كان يدرك جيداً من هو هذا النظام ، وما هي بنيته ونهجه وطريقة عمله وتعامله مع الشعب وهو خبير في طقوس الدولة البوليسية ، و يدرك جيداً هزال الوضع العربي الرسمي وجامعته العتيدة ، ويعرف ماذا يمكن أن تقدم للشعب السوري ، ويلم قليلاً من التاريخ القريب ودور الجامعة وقدرتها على حل الأزمات العربية ، وبالتالي يدرك أن معركته مع هذا النظام الشاذ صعبة وطويلة وسوف يخوضها وحيداً ، ولم يعول على العوامل العربية والخارجية كثيراً ، بل كان حرصه على الحل الوطني الذي أسقطه النظام أولاً ، وعلى الدور العربي الذي أجهضه النظام ثانياً، وعلى احترام دور الجامعة غير المفهوم البتة أخيراً .

أخيراً نقول بمنتهى الاطمئنان ،بان الشعب السوري البطل سوف ينتصر على القتلة الطغاة ، وأن النظام وعصاباته وأعوانه وأصدقائه وكل المترددين والصامتين والمشاركين في استباحة الدم السوري هم واهمون في حساباتهم ، وأن الثورة التي مضى عليها سلمية عشرة شهور، كانت تراهن قليلاً على قدرة الجامعة العربية على حقن الدماء وعلى الحفاظ على بعض دورها ومصداقيتها وسمعتها الأخلاقية ، لكن اليوم وبعد عروض أعضاء اللجنة على الإعلام ورؤية قتل النظام وجيشه وشبيحته لايحتاج إلى توثيق والعالم كله يعرف ذلك .

الشعب السوري يقول : على الجامعة العربية أن ترفع يدها مشكورة عن الملف السوري، وتستمر في ممارسة هواية الفرجة على نظامها الذي يتفنن في قتل الشعب واستباحة حرمته !.

سورية جزء من هذا العالم الذي تحكمه قوانين وشرائع كونية ، والشعب السوري وحده من يقرر ويشرع حماية الروح البشرية والكرامة الإنسانية عبر كل الوسائل من عبث النظام القاتل ، وليس هناك من عار ورذيلة أكبر من القتل والإهانة وتمزيق المواطن والوطن إلى أشلاء أمام المتفرجين والصامتين والمشاركين أعداء الحرية والإنسان في كل مكان ، سورية في مرحلة جديدة ، والثورة في طور جديد , وكل الأطراف أصبحت عارية ومكشوفة ، وحرمة الدم السوري أكبر من الجميع …وكل الطرق إلى حمايتها شرعية .

د.نصرحسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى