صفحات الناسوليد بركسية

“الجبهة الشامية”: إعلام إسلامي.. معادٍ للإعلام!/ وليد بركسية

 

 

بعد تشكيلها نتيجة اندماج عدة فصائل مسلحة أواخر العام الماضي، أظهرت “الجبهة الشامية” مؤشرات عدة على معاداتها لحرية الإعلام والتعبير في المناطق السورية التي تنتشر فيها، وتحديداً في حلب وإدلب شمال البلاد، سواء من ناحية إعلامها الخاص أو من ناحية تعاملها مع وسائل الإعلام المستقلة. وتبدو في سلوكها الإعلامي، معادية لوسائل الإعلام..

آخر تلك المؤشرات، أتى خطيراً وعنيفاً، حيث شاركت “الجبهة الشامية” مع مجموعة فصائل إسلامية أخرى في عملية مصادرة وحرق أعداد من أربع صحف سورية معارضة، هي “سوريتنا”، “عنب بلدي”، “صدى الشام” و”تمدن”، قبل أيام، بحجة تضامنها مع صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية (عبر شعار Je suis Charlie)، وبذلك أبرزت “الجبهة” وجهها المخيف والقاسي، من دون أي “براغماتية” قد يلجأ إليها تيار ناشئ حديثاً، وباحث عن مزيد من الانتشار بين الناس.

على صعيد الإعلام الخاص بها، لا تقدم الجبهة إعلاماً بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث يندرج كل ما تقدمه للجمهور في إطار البروباغندا والتسويق السياسي. وعلى هذا الأساس ترتسم علاقتها مع الجمهور من طرف واحد، تضخ عبره المعلومات وفق رؤية أحادية تحتكر الحقيقة لنفسها من منطلق ديكتاتوري – ديني بحت.

وفي هذا السياق، لا تمتلك “الجبهة” موقعاً إلكترونياً خاصاً بها لنشر أخبارها وبيانتها الرسمية، بل تكتفي بالمنشورات السريعة عبر “فايسبوك” و”تويتر” في حسابات رسمية متشابهة، تشكل نسخاً كربونية عن بعضها البعض وبالاسم الموحد ذاته: “الجبهة الشامية”، علماً أن تلك الصفحات روجت عند تأسيس الحركة لفكرة موقع إلكتروني قيد الإنشاء قبل أن تتراجع عن ذلك لاحقاً.

ينقل إعلام “الجبهة الشامية” أخبارها الميدانية بشكل حصري، لكن تلك الأخبار تركز فقط على إنجازاتها ضد قوات النظام السوري من جهة، وضد قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” المعادي لها من جهة أخرى. وتغيب بالكامل كافة الأنباء التي تدين ممارساتها، أو التي تصور خسائرها في بعض المعارك، وذلك كطريقة تعتيم إعلامي بدائي بهدف الحفاظ على صورة “الجبهة” المشرقة أمام جمهورها على الأقل.

ترسم منشورات “الجبهة” ملامح العداء والصداقة الآنية بينها وبين بقية القوى الفاعلة على الأرض. ويتصدر نظام الأسد وتنظيم “الدولة الإسلامية” قمة هرم أعدائها، وتفرز لهم في منشوراتها الإخبارية أبرز الأوصاف الكلاسيكية: “النظام النصيري الكافر” و”ميليشيات الأسد”، و”التنظيم الخارج عن طاعة الله وعن الجماعة”، وغيرها.. فيما يبقى موقفها من بقية التيارات السياسية المعارضة في البلاد، غامضاً، خصوصاً تلك التيارات البعيدة من التيار الإسلامي أيديولوجياً. إذ تتجاهل “الجبهة” وجودها بشكل كامل ومن دون تفسير مقنع سوى الطبيعة الإقصائية للفكر الديني – السياسي لا أكثر.

أبرز نشاطات “الجبهة” إعلامياً، تتمثل في قناتها الخاصة في “يوتيوب” حيث تقدم كمية كبيرة من المواد المرئية والتقارير عن أبرز عملياتها العسكرية ونشاطاتها المجتمعية، لكن تلك الفيديوهات تتميز ببدائية كبيرة في التصميم والمونتاج ورداءة في المؤثرات الصوتية التي تأخذ شكل الأناشيد الإسلامية عموماً (لأن الموسيقى حرام في الفكر المتشدد). وبمقارنتها مع فيديوهات من إنتاج “جبهة النصرة” أو تنظيم “الدولة” (كفصائل ذات فكر إسلامي راديكالي) يبرز الفرق واضحاً في جودة المادة المقدمة بغض النظر عن محتواها المتشابه.

أما الصور والمعلومات الميدانية الأخرى التي يتم تداولها من مناطق لا تنتشر فيها “الجبهة”، فتأتي في شكل مشاركات Shares أو “ريتويت” من حسابات أخرى صديقة، لسد الفراغ المعلوماتي وإحداث شيء من التنوع في إعلام “الجبهة” في الشبكات الاجتماعية، خصوصاً مع انعدام التحليلات والرؤى السياسية في خطابها.

الخلطة المنوعة المعتادة في الإعلام الإسلامي، نجدها في إعلام “الجبهة” ذي الأناشيد الدينية والنصائح الحياتية والفتاوى والدعوات والأحاديث النبوية وغيرها، ويجري نقلها بشكل يومي، وسط تركيز على الطبيعة الإسلامية للمجتمع بشكل قاطع. ومن هنا تحاول “الجبهة” فرض شرعية وجودها من خلال إبراز حمايتها لتلك الطبيعة المجتمعية المدعاة، فتركز على نشر أخبار من نوعية إتلاف عناصرها لحبوب مخدرة أو إحراقهم كمية كبيرة من السجائر أو نشرهم للأمان بتطبيق حدود الشريعة على المخالفين.

تحرص “الجبهة” أيضاً على تقديم عنصر “الأمة الإسلامية” في خطابها الإعلامي، فلا تكتفي بنقل الواقع السوري حيث تنشط، بل ترفده بأخبار المسلمين في المنطقة، فتشكل إقامة “الأمة الإسلامية الكبرى” هدفاً بعيد المدى لنشاطها.. فنجد أخبار تونس واليمن ومصر والعراق بشكل قد يتفوق على أخبار سوريا نفسها في بعض الأحيان، وتتلاشى الأهمية الجغرافية والمكانية كقيمة إعلامية، تحت سطوة قيم إعلامية بديلة ومستحدثة، كقوة العقيدة ووحدة المصير لترسخ شعار “الجبهة” الأوحد: “مشروع أمة”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى