صفحات سوريةعمر كوش

الجدل الاقليمي حول الازمة السورية


عمر كوش

كان المأمول من قمة دول عدم الانحياز السادسة عشر، التي عقدت في طهران يومي 30 و31 أغسطس الماضي، هو أن تشكل مناسبة لإعادة تجديد الأفكار والسياسات الداخلية، وانتهاج سبل جديدة في الحكم، تحقق طموحات الشعوب وآمالها، وتوسيع الآفاق والرؤى، وبناء قاعدة قوية لشبكة علاقات وقنوات اتصال دولية، نظرًا لانتهاء الحرب الباردة.

وأفول نجم ما تبقى من عدم الانحياز. والأهم هو الأخذ بمتغيرات تفجّر ثورات الربيع العربي، والإقرار بالحاجة إلى التغيير والديمقراطية في معظم دول عدم الانحياز، التي اجتمع قادتها في طهران، لأسباب مختلفة، تخص كل واحد منهم.

ولا شك في أن قمة طهران عقدت في ظل أحداث ومتغيرات دولية وإقليمية عديدة، تختلف عن كافة المراحل التي مرت بها حركة عدم الانحياز، وخاصة في المنطقة العربية، حيث تغيرت أنظمة الاستبداد في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وتسير سوريا في اتجاه الخلاص من الاوضاع الأشد دموية واستبداداً في عالم اليوم، بالرغم من الدعم اللامحدود الذي تقدمه طهران، إلى جانب كل من روسيا والصين، للنظام السوري، الأمر الذي يكشف عن دلالات عديدة، وبالتالي، فإن السؤال الذي طرح نفسه بمناسبة انعقاد قمة حركة عدم الانحياز في طهران هو: ما الذي يمكن ان يترتب على عقد هذه القمة؟

لا شك في ان طهران يمكن ان تجير القمة، ولو إعلامياً على الأقل، لخدمة مصالحها ونفوذها، وفي إطار سعيها إلى تمكين مشروعها القومي، الذي يجد في منطقة الشرق الأوسط مجال نفوذه الحيوي، ويسعى إلى تثبيت معادلة إقليمية ودولية، تقوم على لعب إيران دور الدولة المحورية، وتزعم المشرق الإسلامي تحت شعارات، فحواها مواجهة “قوى الاستكبار العالمي”، التي يقصد بها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض دول الغرب، في حين أن الواقع غير ذلك من وجهة نظر البعض.

والواقع، هو إيران، حصدت، منذ بداية الألفية الثالثة، مكاسب جيوسياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، بسبب السياسات والممارسات الأمريكية في المنطقة، فكانت هي المستفيد الأكبر من ارتدادات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في منطقة الشرق الأوسط، من جهة استغلاله عدم الانتباه، أو بالأحرى العمى الأمريكي، لصالح تشييد أسس البرنامج النووي الذي تؤكد أنه برنامج سلمي، إضافة إلى إسقاط أهم نظامين معاديين لها، وهما نظام حركة طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، لتقدم الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث تدري أو لا تدري، خدمة لم يحلم بها كثيرون، ولم يك يتوقعها إطلاقًا كثيرون أيضا في طهران.

غير أن طهران لم تتمكن من التستر طويلاً على برنامجها النووي، إذ سرعان ما التفتت إليه الدول الغربية، فراحت تراقب المراحل التي قطعها، وتطالب بوضعه تحت مجهر الرقابة الدولية، فانقلبت إرهاصات السلوك الإيراني إلى عزلة سياسية دولية، وعقوبات اقتصادية ومالية وتجارية، أثّرت بشكل كبير على المواطن الإيراني، وعلى المستوى المعاشي لأوساط عديدة من الشعب الإيراني. كما تشير العديد من الجهات والمصادر. وراحت ايران تفتش عن مخارج لفكّ طوق العزلة المفروضة عليها، والالتفاف على العقوبات الاقتصادية من خلال بناء علاقات وتحالفات مع روسيا والصين وفنزويلا وسوريا وحزب الله اللبناني وسوى ذلك.

وباتت من بين أهم أولويات الحسابات كسر طوق العزلة الدولية، والبحث عن طرق للحدّ من تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي فرضتها عليه بسبب البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، إضافة إلى محاولتها إيجاد مخارج لحلفائها في المنطقة، وخاصة في سوريا. غير أن قمة عدم الانحيار لن تشكل فرصة لتسويق رؤية مختلفة للأزمة السورية غير تلك التي يتبناها الكثيرون في العالم.

وتكشف المواقف الرسمية الإيرانية حيال الأزمة في سوريا أن ايران تمد سوريا بمختلف أنواع الدعم والإسناد، وينطلقون من اعتبار سوريا أرضاً لصراع كوني، يقتضي مشاركة إيران، لذلك أعلن العميد “أبنوش” قائد لواء “صاحب الأمر” في “الحرس الثوري” صراحة، بأن إيران “تشارك في القتال بكل أبعاده، العسكرية والثقافية”، فيما ذهب قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” إلى القول بأن حدود إيران تتجاوز مساحتها الجغرافية، وأن “النضال من أجل سوريا، جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الهلال الشيعي”.

وقد حاولت إيران، منذ بداية انطلاق ثورات الربيع العربي، إظهار صورة مؤيدة للثورات التي اجتاحت كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، لكن حيث وصلت الثورة إلى تهديد بقاء النظام السوري اختلف الأمر، حيث لم يتردد قادة إيران عن إعلان دعمهم المطلق للنظام السوري، بل قدموا مختلف أنواع الدعم والإسناد له، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. لذلك، فان قمة دول عدم الانحياز لن تستطيع اخفاء ما تحرص طهران على اعلانه بالنسبة للموقف في سوريا، ولكنها قد تشكل مناسبة للبحث عن وسائل تعامل اخرى بموافقة بعض اعضاء حركة عدم الانحياز ومشاركتها

صحيفة عمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى