صفحات سورية

‘الجزيرة’: خدمتكم تسرنا

 


أحمد عمر

قررت الجزيرة أن تحزم أمرها، وان تنحاز إلى الاحتجاجات السورية، عشية الجمعة العظيمة، وهذا يشبه أن تعلن فرض حمايتها الجوية الفضائية على المدنيين المحتجين في سورية. فالجزيرة ليست العربية ولا الحرة، المنتفضون يتهمونها بالتقاعس وخيانة الشعب السوري وتخلفها عن بي بي سي والعربية وسواهما، وبالتحالف مع النظام السوري، ويدللون على ذلك بحجبها خطب الشيخ القرضاوي في يوم الجمعة عن قناة ‘الجزيرة مباشر’ التي كان قد استقر فيها مع اشتعال الثورات العربية.

أما ‘النظاميون’ المستقرون والآمنون والممانعون والمقاومون، فيتهمون الجزيرة – وكل القنوات سوى القنوات السورية الثلاث منذ اليوم الأول- بالمؤامرة والدسّ والخيانة، مع أنها وقفت إلى جانب الضاحية الجنوبية في بيروت وكل لبنان وغزة وكل فلسطين والى جانب ثورة تونس ومصر واليمن وسائر الشعوب مع ملاحظات هنا وهناك لا تفسد للقضية ودا (لأن الأصل هو القضية وليس الود). يجب أن تطلب كل القنوات العربية والأجنبية الضرب ‘بيد من حديد’، ورش المتظاهرين (بالرصاص وليس بقطع السكر) ووصف المعارضين ‘بالخونة الكلاب’ مثل قناة الدنيا والسورية الفضائية، وإلا كانت متآمرة ومندسة! الجزيرة، بحسب المراقبين المحايدين، اكتفت بواجبها الإعلامي، بعرض صور الفيديو والاتصال بالمعارضين والموالين على السواء، بالتعادل، مع إرفاق صور الفيديو بجملة: ولم يتم التأكد من صحتها من طرف مستقل. لم يصل الجزيرة بها الحد إلى الاعتراف باحتجاجات سورية كثورة، ولم تتبنَ شعارا أو لوغو لأخبار مظاهرات سورية، كما فعلت مع زميلاتها العربيات، كما أنها لم تستضف القرضاوي للفتوى أو الدعاء ‘للثورة’ أو الدفاع عن نفسه، ضد تهمة ‘شيخ الفتنة’.

الإعلاميون السوريون الرسميون المتصلون بالجزيرة وغيرها، متوترون غاضبون، والحق أنهم استئصاليون بمعظمهم، يعترضون على التقارير المعروضة، وقد اقفل احدهم الخط بوجه جمال ريان الذي اتصل بالشيخ محمد علي الصابوني، الذي انكرعلى الإعلام السوري التحدث باسم علماء سورية، في بيان صدر ضد بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ووصف أكاديمي سوري رسمي الصابوني بأنه شيخ ‘مطارد’ ومطلوب للقانون. بل انبرى بعض هؤلاء لاتهام قطر مباشرة بالضلوع مع بندر (وتشكيلة عجيبة تجمع العلماني والسلفي والشاعر) بالخيانة مع أن بندر كان يُشتم من شاشة الجزيرة مباشرة (عبد الله النفيسي ضيف بلا حدود السنوي وصفه بالسفيه)؟ الجديد في تغطية الجزيرة لأحداث سورية هي تقارير مكتوبة بعناية شديدة كما وصفها جمال ريان (ماجد عبد الهادي، وفوزي بشرى، وماجدة اوباييش..) في سورية حدث كبير والجزيرة تحاول القيام بعملها الذي أجّلته إكراما لشعار المقاومة. الجزيرة مباشر استمرت في استقبال مكالمات السوريين وارائهم في ضيافتها، الوقت شبه مفتوح وتطول مدة بعض المكالمات لتصل إلى عشر دقائق، والمذيعون يستقبلون المكالمات كلها، برحابة صدر. محمود مراد ابرع الإعلاميين في الجزيرة الام واختها ‘الجزيرة مباشر’، حاول بثقافته وبراعته وحلمه استدراج ‘النظاميين’ إلى الاقتناع بضرورة القبول بالرأي الآخر، فليس كل مقيم سوري في الخارج خائنا، والناس سواسية وأحرار، لكني رصدت على الأقل خمسة متصلين ‘نظاميين’، خرجوا على القيم الأخلاقية والدينية وكمنوا للجزيرة وبعد أن اطمأنوا إلى أن صوتهم على الهواء فتحوا نار الشتائم المقذعة السوقية التي نالت من قطر والجزيرة، وقد قابلها محمود مراد بالتجاهل والابتسام والحلم. الغريب أن أهمّ وأشهر إعلامي رسمي سوري ظهر على العربية ليقول ان هذه الشتائم التي قيلت في الجزيرة مباشر (قبل قليل) تجول على ألسنة تسعين بالمئة من الشعب السوري! ويبدو انه واحد منهم طبعا!

إعلامي رسمي آخر يتواضع في النسبة ويجعلها سبعين في المئة. الشتيمة تعبر عن أمور: انها تعبير عن قلة الشرعية والضعة والأخلاق وقمة العجز. انها عملية إعدام لفظي أو انتحار لفظي..

عود على بدء: اسم الجزيرة الذي اختير للقناة الفضائية، التي جعلت من قطر عاصمة العرب كان اسما موفقا وللجزيرة من اسمها نصيبان : النصيب الأول أنها ولدت في جزيرة العرب، في واد غير ذي زرع، عند البيت المحرم، وليس في أوروبا أو قبرص. النصيب الثاني انها كانت جزيرة للرأي الآخر يلجأ إليها الأحرار هربا من الغرق في أناشيد التصفيق الاستبدادي المجاني في المنطقة العربية المنكوبة بزعماء مؤبدين ومؤلهين وأحزاب تلتهم الأخضر واليابس.

بقي أن أقول انّ علو كعب قناة الجزيرة لا يعود فقط إلى كثرة مراسليها، وحسن تمويلها، بل هو فضاء الحرية. وهو ما ينطبق بدرجة على قناة مثل الحوار المحدودة التمويل والمذيعين فهي تبلي بلاء حسنا، في جذب الناس إليها، مع أنها قناة حوارية غير إخبارية. مقدار حرية القناة هي التي تصنع مجدها.

أسماء

رياض سيف: عضو مجلس شعب ورجل أعمال مبدع، وعضو إعلان دمشق ظهر في مقبرة في دمشق.. من تحت الركام والتراب مع انه بعثي .. فعلا التضحيات تحيي الشعوب وهي رميم.

محمد علي الصابوني: ليس له مواهب المفتي احمد حسون في الخطابة، ولا احد في سورية يعرف شيئا عن علمه، سوى انه تحدث من مكة المكرمة وظهر أن صورته جليلة بدرجة اكبر من خطابه. الموقف هو مثال: احمد ياسين يقول ان المرء بلسانه وقلبه. اللسان فقط لا يكفي؟

باراك اوباما: لجأ إلى التحريض الطائفي بالادعاء أن إيران تدعم النظام السوري، ولحقه الأكاديمي طالب ابراهيم بتصريحات شبيهة (مضادة). فقد أصر أن يكرر شعارا طائفيا زعم انه سمعه من أحد المحتجين، في قناة العربية مرة ثم في قناة الجزيرة مرتين، في الحوار الذي جمعه مع برهان غليون. لا فرق بين الخطابين. السيد ابراهيم تحدث ليلة السبت عن العلاج بالصدمة حتى الآن لا شيء سوى الصدمة و.. الترويع؟

تغيرت لهجة الإعلامي شريف شحادة من التحشيد إلى الحوار، فطلب ليلة السبت من جماهير النظام النزول الى الشارع ، ثم صار يدعو إلى الحوار في اليوم التالي وهذا حسن. وتغيرت أيضا لهجة نبيل السمان، الاكاديمي المستقل حتى أصبح قريبا من المعارضة (طيب تيزيني مثلا). الدم يرفع بيوتا لا عماد لها. أعلى البيوت عمادا هو بيت الحرية.

غسان بن جدو: يقال انه استقال من الجزيرة، دخيلك لا تفعلها يا جدو، فإذا استقلت فإن الجزيرة ستصير ثكلى ونصبح نحن يتامى نتوسل على أبواب الفضائيات؟ ونقول: برنامج مفتوح لله يا محسنين؟

ناصر الحريري وخليل الرفاعي: الانضمام إلى أبو رومية ورياض سيف .. فعلا دم الشهداء يرفع ويضع ، يبدو أن دم الشهداء يبعث الموتى ليس من تحت التراب وإنما من تحت قبة البرلمان أيضا.

الإخبارية السورية: حنان وتعاطف قوي مع الطاغية الفرعون حسني مبارك ضد شباب الثورة المصرية الذين تقودهم ‘رغبة الانتقام’؟ الانتقام لا يجوز من الفراعنة وإنما من.. الشعوب فقط؟

صديقي عيسى بن هشام: افتقد بعض الوجوه الإعلامية واشتاق إليها وأصرّ علي أن أهديها أغاني، فهو:

يهدي نجمه الياس مراد بعد غياب يومين عن الفضائيات أغنية: اشتقت إليك فعلمني أن لا اشتاق.

ويهدي خالد العبود: يا حبيب دخلك عود. ويهدي مصطفى التكروري أغنية: مصطفى يا مصطفى ..أنا بحبك يا مصطفى. أما الشهداء، فلا حاجة بهم إلى الأغاني والهدايا، فهم الذين يهدون، ولا يهدى إليهم، وقد أهدوا مصر وتونس ثورتين .. لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

كاتب من كوكب الأرض

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى