رسائل الجولانصفحات مميزةوهيب أيوب

الجولان المحتل بين شقّي الرحى: الاحتلال من جهة ونظام عصابة الأسد من الجهة الأخرى


وهيب أيوب

يقول المثل الشعبي المعروف، “بس توقع البقرة بتكثر سكاكينها!”. كان يجوز هذا الكلام فيما لو كان ما أكتبه الآن هو نتيجة ترنّح نظام الأسد قُبيل سقوطه؛ لكن ما أكتبه اليوم هو امتداد واستكمال، أو ربما جردة حساب لِما بدأت به منذ العام 2004 في تبيان وكشف ممارسات نظام الأسد في الجولان المحتل وسوريا عموماً، كما في لبنان.

ما قبل الثورة بسنوات، في الوقت الذي كنتُ أنشر فيها مقالات مناهضة لنظام الأسد، أتاني أحدهم من قريتي، مجدل شمس، على أثر مقال كتبته، وهو من مؤيّدي النظام، ظاهراً على الأقل، وقال لي: “ألا تخاف يا وهيب؟”، أجبته “طبعاً أخاف، فالخوف حالة إنسانية طبيعية”، فقال لي: “يا أخي، هدول ولاد حرام ما بيعرفوا األله، ما بتخاف ينتقموا منك بكرا إذا رجعوا..؟”، فأجبته: “من هذي مش خايف”..!

نعم، إلى هذا الحد كنتُ واثقاً أن هذا النظام لن يعود يوماً إلى الجولان، وليس على أجندته شيء يُسمى تحرير الجولان؛ وقناعتي تلك متأتية من أن الأسد الأب قد عقد صفقة على الجولان مع الإسرائيليين منذ ما قبل احتلالها عام 67، وأن حافظ الأسد تسلّم السلطة نتيجة دعم أميركي- غربي له، من ضمن تلك الصفقة.

ما عزّز قناعاتي تلك، هو سلوك النظام الأسدي وتعامله مع سكان الجولان، عبر “فرع فلسطين” المخابراتي سيّء الصيت والذكر، الذي حاول جاهداً وبشكل مُمنهج تحويل “الحركة الوطنية” في الجولان من مناضلين ضد الاحتلال إلى مُخبرين على  بعضهم البعض وعلى أفراد مجتمعهم، ومَن لم يستجِب له منهم حاول رميهم بشتى التهم، وشكّل لائحة أسماء منهم أسماها “القائمة السوداء”، أبلغني أحدهم أن اسمي من بينهم. وللمفارقات العجيبة، أن هؤلاء جميعهم مناضلون ضد الاحتلال ومعتقلون سابقون في سجونه.

عام 1982 فيما يُعرَف بالإضراب الكبير الذي نفّذه أهالي الجولان احتجاجاً على ضم الجولان لإسرائيل ومحاولتها أسرلتهم، من خلال إرغامهم على تسلّم الجنسية الإسرائيلية، كانت تلك المرحلة بمثابة فضيحة للنظام الأسدي، بأن هناك مواطنين سوريين ما زالوا تحت الاحتلال، خاصة وأن معظم السوريين كانوا يجهلون أن هناك جولانا محتلا! وهنا، أريد تكرار حادثة، ربما للمرة الثالثة، أن شاكر الفحام وزير التعليم العالي، قد أفضى لطلابنا الدارسين من الجولان في جامعة دمشق نهاية السبعينات، أنّه يجهل بأن هناك سكان سوريين ما زالوا تحت الاحتلال.

أثناء إضراب الـ 82، علِم نظام الأسد أنّه أُسقِط في يده، فبدأ كعادته المتاجرة من خلال إعلامه أنّ لديه مقاومة في الجولان وأنه لصاحِبُها! لكن هذا الأمر عارٍ تماماً عن الصحّة جملة وتفصيلا؛ فنظام الأسد وأجهزته ومخابراته لم يكن لها أي يد في تلك الأحداث، بل تفاجأتْ بها، وتمّت بقرار جولاني صرف دون استشارة أو تنسيق مع أحد من خارج شريط خط وقف إطلاق النار. أقول هذا لأنني عايشت تلك المرحلة وكنتُ مُنخرِطاً فيها من ألفها إلى يائها.

ولو تفحّصنا مدى كذِب ونفاق وادّعاء هذا النظام على أرض الواقع وخيانته للأرض المحتلة والصامدين فيها، لاكتشفنا الآتي:

–          لم يقدم نظام الأسد على إقامة أو دعم أي مشروع عام في الجولان المحتل، حتى ولو ببناء غرفة صغيرة واحدة، بل أنّه قام بإفشال مشروع مشفى عام تبرّع فيه الصليب الأحمر بميزانية تقارب السبعة ملايين دولار، لا لسبب إلا لكون أزلامه في الجولان لن يكونوا هم المسيطرين على إدارته.

–          لم يقم بأي محاولة منذ أكثر من ربع قرن بإطلاق أي معتقل من السجون الإسرائيلية، لا هو ولا عبر صفقة تبادل حليفه المقاوم “حزب الله”! وكان بعض معتقلي الجولان قد حُكم عليهم بـ 27 عاما بتهمة مقاومة الاحتلال، واستشهد اثنين منهم بأمراض خبيثة، لكنها بالتأكيد لا توازي خبث هذا النظام وحقده على شعبه، إن صحّ بعد اليوم القول إنّه ينتمي لهذا الشعب؟

–          المخصّصات الشهرية للمعتقلين من الجولان المحتل في السجون الإسرائيلية، تدفعها لهم السلطة الفلسطينية/ “منظمة التحرير”، بقرار من المرحوم ياسر عرفات نفسه، وليس نظام عصابة الأسد المقاوم الممانع، الداعم لصمود أهل الجولان..!

الأكثر من هذا، أنّه منذ أن أُطلقت يد المخابرات السورية عبر “فرع فلسطين” في الجولان المحتل، وبضوء أخضر أكيد من الإسرائيليين، قامت بتخريب كل شيء في الجولان، عبر أساليبهم المعهودة بتخوين هذا وإسقاط ذاك مِمَن لم يجاروهم وينفّذوا أوامرهم، ودمّروا النسيج الاجتماعي والوطني الذي كان في أفضل حالاته قبل أن تمتد أياديهم وألسنتهم الآثمة وتبث أحقادها، حتى وصلنا اليوم لنجني ما زرعوه من تفرقة وانقسام، عبر تحريضهم المستمر لأزلامهم وشبّيحتهم في الجولان منذ انطلاق الثورة وما قبلها، وصل إلى مرحلة التخوين والعداء بين أفراد العائلة الواحدة، وبلغ حد الاعتداء الجسدي على مناصري الثورة في الجولان.

وللحقيقة التاريخية، فإن مجموعة لا بأس بها من الجولانيين وقفوا منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة من درعا، ووقّعوا بياناً لا لُبس فيه بمساندة وتأييد الثورة ضد نظام الطاغية بشار الأسد وعصابته المجرمة في 24 آذار2011، أي بعد انطلاق الاحتجاجات بأسبوعٍ واحد، وكان عدد الموقّعين أربعة وتسعين شخصاً، من النساء والرجال، على الرغم من كل الضغوطات والتهجّمات التي تعرّضوا لها من مؤيّدي نظام الأسد وشبّيحته، وما زالوا حتى الآن يقفون أسبوعياً تضامناً مع الثورة، هاتفين بإسقاط الأسد وعصابته.

هكذا أحالنا هذا النظام العصابة إلى أن نُطحَن بين شقّي رحى، عصابته من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة. “فعلى أيٍّ من جانبينا نميلُ”..؟!

هذا غيضٌ من فيض، ولكن ما عساه يكون أمام تلك المذبحة الرهيبة التي ترتكبها هذي العصابة المنفلتة من كل أخلاق وإنسانية بحق شعبنا السوري بكل مدنه وقراه، الذين نترحّم عليهم، ويا للمفارقة، ونحن تحت الاحتلال..!؟

 ومؤخّراً يستكمل نظام العصابة خيانته المفضوحة بسحب قوّاته المُرابطة شكلياً على جبهة الجولان المحتل ليزجّها في معركة دمشق ضد الجيش الحرّ وأهالي دمشق الثائرين عليه.

لقد سقط نظام عصابة الأسد الأب والابن الوريث بكل المعايير، ولم يبقَ إلا سيناريو خاتمته وساعة دفنه وبِئس المصير.

وهيب أيوب

الجولان السوري المحتل

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى