صفحات سوريةوهيب أيوب

الجيش السوري”عَسكَر لَمِين وعلى مِين…؟!”


وهيب أيوب

منذ انقلاب حزب البعث عام 63 وتسلّمه السلطة في سوريا، لم تعُد سوريا لكل السوريين، بل قُسِمت إلى فسطاطين: البعثيون ولهم كل شيء، والسوريون، الفُتات أو لا شيء.

هذا الحزب العصبيّ الفاشيّ الذي نصّب نفسه قائداً للدولة والمجتمع، عبر الخمسة عقود المُنصرِمة، أوصل سوريا والشعب السوري إلى كارثة، لا نعلمُ تماماً السبيل للخروج منها أو الأثمان التي سيدفعها الشعب السوري للانعتاق من تلك العصابة التي تتمادى يوماً بعد يوم، في الإغارة في لحم ودماء هذا الشعب، والذي كل ما فعله، أنّه قرّر استعادة حريّته وكرامته المهدورة على أيدي هذه الطغمة المُجرِمة.

قُبيل هزيمة الـ 67، قام وزير الدفاع في حينه حافظ الأسد، بإزاحة جميع ضبّاط وقادة الجيش السوري غير الموالين له، واستبدالهم بآخرين غير مؤهّلين أصلاً لجبهات القتال، إذ كان يكفيه ولاؤهم وحسب.

في بانياس بالقرب من تل الفخّار وتل العززيات في الجولان المحتل، كنا نذهب للسباحة في بركة سباحة “مسبح” بانياس الواقع على نهرها، والذي كان مُخصّصاً للضباط السوريين قبل أن يتلقوا الأوامر من وزير دفاعهم حافظ الأسد بالانسحاب الكيفي، فهربوا تاركين خلفهم الجولان للعدو الإسرائيلي دون قتال، منسحبين باتجاه دمشق؛ عدا موقع “تل الفخار” الذي عصا قادته الأوامر، وقاتلوا حتى الرمق الأخير، فسقط منهم ستون شهيداً وأوقعوا بالعدو ستين قتيلاً.

 أذكُر حين كنّا نرتاد المسبح أنا وبعض الرفاق، عباراتٍ كُتِبت على أحد جدران المسبح بالخط العريض، “جيشنا العقائديّ، أمل العرب بتحرير فلسطين”! فما قاتلَ لتحرّير فلسطين، ولا قاتل للصمود على أرضِ الجولان…!

بعد الحركة الانقلابية الثانية عام 70، والذي تسلّم على أثرها حافظ الأسد الحكم في سوريا، وأسماها “الحركة التصحيحيّة”، وهي حقيقةً، حركة تآمريّة وتخريبيّة بكل مجرياتها وتفاصيلها؛ استمرّ الأسد بعد إمساكه تماماً في السلطة، بعزل ضباط ونقل آخرين من غير الموالين له ولعصابته الجديدة، وتعيين آخرين مِن أتباعه، سواء كانوا مُقتنعين أو مخدوعين. ثم بدأ بإنشاء مؤسّسات واتحادات كـ “طلائع البعث” و “شبيبة الثورة” وغيرها، عدا تأسيس أكثر من 15 جهاز أمن ليُمسِك بكل تلابيب البلد، ويصهرها في بوتقة نظامه، عبر غسل أدمغة الأطفال والشباب من تلك التنظيمات، وإقناعهم، أنّ كل من عارض الحزب والنظام، فهو عدو للوطن والشعب والأمّة، وهؤلاء يجب عدم رحمتهم، وضربهم بكل الوسائل.

وهكذا، قام بتأسيس جيش عرمرم من أكبر جيوش المنطقة، وأنفق على تدريبه وتسليحه مليارات الدولارات بحجّة محاربة إسرائيل. وعبر صفقات السلاح، كانت تتم السرقات الكبرى والفساد الأعظم، ونهب اقتصاد البلد دون حسيبٍ أو رقيب، ناهيك عن مدخولات النفط السوري، التي كانت تُحوّل إلى القصر الجمهوري مباشرة، لا إلى ميزانية الدولة.

كل ذلك تمّ تحت خديعة كُبرى ابتدعها حافظ الأسد ومصطفى طلاس، وهي مقولة “التوازن الإستراتيجي” مع العدو التي استمرّت لأكثر من عقدٍ ونصف، فأنهك الاقتصاد السوري ودمّره وأفقر الشعب.

وبعد حرب التحالف الدولي على العراق عام 91 التي شارك بها النظام السوري مقابل أثمانٍ، منها مقبوض ومنها مؤجّل، تحوّل بعد مؤتمر مدريد إلى خديعة جديدة، أن الخيار الإستراتيجي لسوريا هو تحقيق “السلام العادل والشامل” عن طريق المفاوضات مع إسرائيل.

ثمّ أخذ وبطريقة مُمنهجة، إذلال هذا الجيش وتفريغه من معنوياته ومهماته في محاربة العدو، وحوّل الجنود والضباط إلى خدمٍ وحشم في قصور ومزارع المسؤولين وقادة أجهزة الأمن، وتحوّل الإذلال والقمع والاستعباد إلى حالة تراتبيّة من أعلى إلى أسفل، حتى تصِل إلى شرطي السير أو حارس مخزن، يقمع المواطن العادي الذي دونه في المرتبة، فباتت سوريا مملكة عبيد، وحفنة صغيرة من “الأسياد”، لا ينظرون للشعب سوى كونهم قطيع أغنام لا أكثر.

كان النظام يختبئ دائماً خلف تلك الإستراتيجيات الواهِمة المُخادِعة، لتحقيق إستراتيجية أولى لا شريك لها؛ وهي إعداد كل مقدرات البلد بما فيها الجيش للمحافظة على النظام. وبات الشعب السوري هو العدو الأساسي لهذا النظام، إذ لا يتورّع هذا النظام عن قتل نصف شعبه في سبيل البقاء.

ما نشاهده، يُبيّن أن الجيش السوري، يتصرّف في المدن والقرى السورية كجيش عدو، لا كجيش وطني؛ بحيث يقوم بالقصف والتدمير والقتل، وتحطيم ممتلكات الناس، من سيارات، ومحلات تجارية وبيوت وسرقة المتاجر والمحلات ونهب البيوت! كأنه في غزوة، لا يعادلها إلا غزوات المغول الهمجية في القرن الثالث عشر، إلى حد أن بلغت هتافات المتظاهرين، “خاين خاين خاين، الجيش السوري خاين”.

 لكننا لا ننسى توجيه التحيّة الوطنية الخالصة، لكل عناصر وضباط الجيش السوري الذين رفضوا توجيه بنادقهم والانخراط في قتل شعبهم، ومنهم من سقطوا شهداء ببنادق “رفاقهم”.

 ويستمر النظام وأجهزته الإعلامية بالكذِب جهاراً نهاراً، فممارسة الكذِب المفضوح وقلب الحقائق، هي أقل صفات هذا النظام المجرِم!

 الطاغية ابن الطاغية، والكذّاب ابن الكذّاب، بشار حافظ الأسد، يقول بكل وقاحة، إنه لم يستخدم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في قمع المظاهرات، بينما تجوب الدبابات والطائرات المدن السورية وإطلاق نيران الرشاشات الثقيلة أثناء تبجّحه بهذا الكلام…!

أكثر من مرّة قام الطيران الإسرائيلي بقصف مواقع داخل سوريا، ثم تدمير ما سُمّي المفاعل النووي في دير الزور، وتحليقه فوق القصر الجمهوري في دمشق، فكان النظام دائماً يتشدّق باسطوانته المعهودة، “سنرد في الوقت والمكان المناسبين” ثم لا يأتي الوقت ولا المكان ….!

إذاً، لماذا تم بناء كل هذا الجيش بمئات الآلاف، ومئات الطائرات، وآلاف الدبابات، وكلف مليارات الدولارات التي دُفعت من قوت ولحم ودماء الشعب السوري؟ أكان حقّاً كل هذا العسكر والعتاد من أجل محاربة العدو  وتحرير الجولان …؟ أم عسكَر لمِين وعلى مِين…؟؟!!

الجولان السوري المحتل/ مجدل شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى