صفحات العالم

“الجيش السوري الحرّ” معطى حيوي ثوري أساسي


وسام سعادة

يوماً بعد يوم تتحوّل ظاهرة المنشقّين عن “الجيش العربي السوريّ” والملتحقين بحركة “الجيش السوريّ الحرّ” إلى معطى حيويّ أساسيّ في مسار الثورة الشعبية السوريّة. من شأن هذا المعطى إذا ما تقوّى وتجذّر، وأحسَن تدبيراً وتسديداً، وأُحسِنَ تشجيعاً ومواكبة ونصيحة، أن يجعل من “النظام البعثيّ” المحتضر حالة مقطّعة الأوصال وعاجزة عن تأمين خطوط الإمداد والسكك بين مراكزها العصبية الأساسية، وحالة تتعاطى مع مستقبلها كمسدود الأفق حكماً، ما يعني أزمة ثقة متعاظمة داخل الأجنحة والأجهزة التي تتعاطى القتل.

ومن شأن ذلك أن يزيد ظاهرة الإنشقاقات بالطبع، سواء انخرط المنشقّون الجدد في “الجيش السوريّ الحرّ” أو “عادوا إلى قراهم” و”ذابوا” في نسيجهم الإجتماعي الثائر، والأهمّ من ذلك التأثير الذي سيتركه الأمر على القطاعات الكبرى في القوّات المسلّحة، فهذه سوف تضغط أكثر فأكثر لتحييد نفسها بشكل تام عن “البعثيين الأسديين”، أي لفرزهم بشكل واضح، وصولاً إلى الضغط عليهم بعد ذلك.

وإذا كانت الثورة اتخذت في تونس ومصر صيغة “تخلّي” الجيش عن “شبكة رأس النظام”، في حين اتخذت في ليبيا طابع انشقاق نصف النظام المنحاز إلى الثورة على نصفه الآخر المنحاز إلى الجنون الكليّ، فإنّ الثورة في سوريا لم تأخذ طابع انشقاق أفقيّ أو عموديّ، انما طابع نزيف داخليّ مستمرّ، بالتوازي مع قمع دمويّ يوميّ مستمر، ومع حراك انتفاضيّ جماهيريّ مستمرّ.

وإذا كانت الثورة في ليبيا تحديداً قويت حجّتها في أيّامها الأولى مع حدوث انشقاقات واسعة في السلك الديبلوماسيّ، فإنّ السلك الديبلوماسيّ بالذات، المخابراتيّ حتى العظم، لا يمكن توقع أي شيء منه في سوريا، أمّا السلك العسكريّ فيمكن توقّع منه أشياء كثيرة، ولن يتأخر اليوم الذي سيظهر فيه منشقّون برتب كبيرة في مؤتمرات صحافية في هذه العاصمة الإقليميّة أو تلك.

والثورة، أي ثورة، تتكوّن من عناصر ثلاثة. عنصر يوحي بالفوضى الإجتماعية، لأنّه يقضي بفرط العقد الإجتماعيّ للنظام القديم، وعنصر يوحي بالحفاظ على الإستقرار الإجتماعيّ لأنّه يريد فرط النظام لا فرط المجتمع، وعنصر يوحي باستعجال الإنتقال من تركيبة إلى أخرى، أي انبثاق العقد الإجتماعيّ للنظام الجديد في أقرب وقت ممكن.

وليس يمكن لأي ثورة في التاريخ أن تأتي بعنصر من هذا دون العنصرين الآخرين، وإلا فهي لا تعود ثورة.

لكنّ اللافت في هذا الإطار أنّ ظاهرة الإنشقاق والتأسيس لجيش سوريّ جديد تتضمّن هذه العناصر الثلاثة في جسم كفاحيّ حيويّ واحد من حيث الإرادة، وموحّد من حيث التنسيق.

كما أنّ انبثاق “الجيش السوريّ الحرّ” وتحوّله أكثر فأكثر إلى حقيقة واقعة وضاربة، من شأنه أن يجعل الثورة السوريّة بأركان ثلاثة: التنسيقيات الميدانية التي تقود العمل الإنتفاضيّ الجماهيريّ اليوميّ، والمجلس الوطنيّ السوريّ الذي يقود العملية السياسية، والجيش السوريّ الحرّ الذي يعمل على كفّ يد القناصّة والشبيّحة أولاً، وتقطيع أوصال النظام ثانياً، وايجاد فرز تدريجيّ بين الجيش “الأساسيّ” وبين الأوجه الفاقعة الأكثر دمويّة وفئوية وبعثية لهذا النظام، ولا شكّ أنّ تمكّن الثورة السوريّة من “تلخيص مطالبها” بـ”تنحية بشّار الأسد”، سواء في الهتاف البطوليّ للأهالي، أو في المطلب السياسيّ للمجلس، أو في أمر اليوم الميدانيّ للمنشقيّن، كل ذلك من شأنه استصدار إجماع وطنيّ سوريّ، وعربيّ إقليميّ، وغربيّ دوليّ على أنّه المطلوب في سوريا تسوية سياسية وإجتماعية بالتأكيد لكنّ شرطها الأوّل هو رحيل بشّار الأسد، وإذّاك فقط يمكن لروسيا الإتحادية أن تدعو الرئيس السوريّ وعائلته لإقامة هانئة في.. سيبيريا!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى