صفحات العالم

الجيش في سورية ليس الجيش في مصر

 


روبرت باير: الاقتصادية السعودية

بينما يحاول نظام الرئيس بشار الأسد التغلب على الاضطرابات والاحتجاجات المتنامية في أجزاء كبيرة من سورية، سيضطر لا محالة تقريباً إلى الاعتماد على جيشه للاضطلاع بدور أوسع في المحاولات الجارية لاستعادة النظام. لكن لا ينبغي أن نرتكب خطأ الاعتقاد بأن سورية على وشك أن تحذو حذو مصر. فخلافاً لمصر، فإن قليلاً من السوريين ينظرون إلى الجيش كمؤسسة حميدة. بل هو حرس للقصر يقصد منه إبقاء الطائفة العلوية في السلطة.

يمثل العلويون الذين يعتبرون فرعاً من الشيعة، نحو 11 في المائة من السكان. وبفضل سيطرتهم على الجيش (وعلى أجهزة المخابرات) يحتفظون بقبضتهم على سورية. لذلك مهما ساءت الأمور، فإن السوريين لن يثقوا بهم في الإشراف على أية إصلاحات، ناهيك عن التحول إلى الحكم الديمقراطي.

عندما كنت أعمل في سورية في ثمانينيات القرن الماضي، أعطاني أحد الضباط السوريين فكرة عميقة عن واقع الجيش في البلد. ففي إحدى الليالي بعد حرب عام 1973 بوقت ليس بالطويل، كان الضابط ساهرا حتى وقت متأخر من الليل برفقة الرئيس حافظ الأسد. وعند نحو الساعة الثالثة صباحاً، شاهد الأسد وهو يتناول الهاتف من الطاولة التي كانت بجانبه، وطلب من موظف البدالة أن يوصله بمركز أمامي متقدم على الحدود الإسرائيلية. رد ملازم على الهاتف وكان نعسان وشعر بالانزعاج لأنه تم إيقاظه.

سأله الأسد عن اسمه. وبدلاً من أن يجيبه، سأل الملازم عن هوية الشخص المتصل. وعندما أخبره الأسد، فقد الملازم بطبيعة الحال رباطة جأشه، وأخبره عن اسمه وهو يتلعثم. وشعر حتى بمزيد من الاضطراب عندما شرع الأسد في سؤال الملازم عن أسرته وقريته، إذ كان يعرف أسماء جميع إخوته. وقال لي الضابط السوري: ”الأسد لم تكن لديه فكرة عن الشخص المناوب في تلك الليلة. لكنه السبب نفسه الذي جعل الأسد يمسك بزمام السلطة كل تلك السنين. لقد كان جيشه”.

كان من عادة الأسد أن يقرأ ملف كل ضابط، ويحتفظ ببياناته الشخصية في ذاكرته. وكان أيضاً يعتمد المناقلات والترقيات شخصياً. لكن الأهم من ذلك أن الأسد وضع قاعدة غير مكتوبة تقضي بأن تكون كل وحدة قتالية كبيرة تحت إمرة وقيادة ضابط علوي. هناك قادة سنيون، لكن بالاسم فقط. إنهم لا يتمتعون بأية سلطة حقيقية على وحداتهم، ولم يكن مسموحاً لهم أن يحلقوا بأية طائرة في الجو، أو يقودوا أية دبابة خارج المعسكر – من دون إذن من الضابط العلوي الكبير. وكانت تربط الضباط العلويين، إما رابطة الدم، أو الولاء التي لا يمكن أن تنفصم أبداً.

وبعد أن أصبح ابن الأسد خليفة له، لم يظهر كثيراً من المواهب السياسية الحادة التي كان يتمتع بها والده، لكن كان لديه الإحساس الجيد المتمثل في المحافظة على النظام العسكري لوالده. فمثل كل علوي آخر، أدرك أن هذه مسألة بقاء بالنسبة إلى طائفته، وقد اعتمد احتفاظه بالسلطة في هذه السنوات العشر الأخيرة عليها.

في عطلة نهاية الأسبوع، بعث لي شخص علوي على صلة بعائلة الأسد برسالة إلكترونية يعبر فيها عن شعوره بالإحباط لقلة ما يفهمه الغرب عن سورية، وعن المخاطر وإلى أي مدى سيذهب العلويون من أجل الاحتفاظ بالسلطة. وقال إن الشرطة في درعا – المدينة التي انطلقت منها المظاهرات – فتحت النار على جمهور المتظاهرين كي تحمي حياة العلويين. وفي الوقت نفسه كان قلقاً من إمكانية ذهاب الأمور بعيداً جداً. ويقول المتشددون الذين يحيطون بالأسد إن العلويين لا يمكنهم أن يقدموا تنازلات للشارع، لأنهم إذا فعلوا ذلك سيجازفون بإزاحتهم عن السلطة بالقوة. ولذلك لن تنفع إلا القوة الحاسمة والقوة التي لا تقاوم، كما أثبت التاريخ.

في شباط (فبراير) 1982، استولى الإخوان المسلمون على مدينة حماة، رابع أكبر مدينة في سورية. ولعدة أيام، كان والد الأسد متردداً في كيفية الرد. لكن عندما سمع أن عشرات العلويين قتلوا، أمر الجيش من دون تردد بقصف المدينة. وصدرت الأوامر لقادته بعدم توفير أي شخص في عملية إخماد الثورة.

قمت بزيارة مدينة حماه بعد عام، ورأيت بأم عيني كيف أزالت مدفعية الأسد المدينة عن وجه الأرض. لم يكن العلويون الذين تحدثت إليهم سعداء بذلك، لكنهم كانوا يعتقدون أنه تم إخماد ثورة السنة بفضل العملية الانتقامية العنيفة التي قام بها النظام فقط. وتماماً كما هو الأمر اليوم، أدرك العلويون أن الجيش بقيادته العلوية هو الذي حافظ على بقائهم.

لا يوجد سبيل للتكهن بما إذا كانت لدى الأسد شهية لتكرار ما حدث في حماة، أو أن الأمور ستتطور لدرجة سيئة تجعله يفكر في الأمر. لكن الأمر الوحيد المؤكد أنه إذا تمت الإطاحة به وبالعلويين من السلطة، لن يكون لدى سورية جيش يملأ الفراغ. وعندها يصبح السؤال ما إذا كان الغرب سيتدخل لمنع وقوع حرب أهلية أم لا.

إن الغبي فقط بإمكانه أن يتكهن بما سيحدث تالياً في منطقة الشرق الأوسط. لكن بالحكم استناداً إلى ما جرى في حماه، فإن إمكانية تفجر العنف في سورية تجعل ليبيا واليمن تبدوان مكانين معتدلين. وزيادة على ذلك، هناك فرصة كبيرة لخطر انتشار الفوضى من سورية إلى البلدان المجاورة وبخاصة لبنان والأردن والعراق، وربما إلى منطقة الخليج. إنه سيناريو أسوأ الحالات، لكن النقطة هي أنه إذا حدث ذلك، فلن يكون هناك سبيل لأن يقف الغرب موقف المتفرج ويأمل في الأفضل.

الكاتب عميل سابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى