صفحات الناس

“الحاجة المادية” و”الدعاية المنظمة” تجذبان الأطفال إلى “النصرة” وشقيقاتها في إدلب

 

 

أنجز هذا التحقيق من قبل وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية – سراج

قبل ثلاث سنوات، لم يجد محمد أبو عباس (17 عاماً) من محافظة إدلب، صعوبة في الانضمام إلى فصيل “جند الأقصى” ذي الميول المتشددة.

حينه، كان هذا الفصيل ينشط في المحافظة، ويشنّ عمليات عسكرية، إلى جانب بقية الفصائل ضد جيش النظام السوري، قبل أن تنهي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) تواجده في المنطقة العام الماضي. بعد ذلك، رحّل من بقي من عناصره إلى مناطق سيطرة تنظيم “داعش” شرقاً، بسبب قتاله الفصائل الأخرى، فما لبث أبو عباس، أن انشقّ عن الفصيل، وانضمّ للهيئة، الجسم العسكري الأقوى، وتابع العمل مقاتلاً رغم أن سنه لم تتجاوز الـ١٤ عاماً بعد.

يقول أبو العباس، “انتسبت إلى الجند منذ ثلاث سنوات. كانت بداية دخولي، عبر دورة مزدوجة شرعية وعسكرية, أتعرف فيها على أساسيات الدين الإسلامي والأساسيات العسكرية، ومعرفة طريقة المعارك التي تجري ضدّ قوات الأسد حينها. بقيت مقاتلاً عاديا في كتيبتي لمدة سنة تقريباً، حتى استشهد القائد العسكري للكتيبة، وعندها تم اختياري بين الأخوة لأكون القائد العسكري لهذه الكتيبة بسبب بنيتي الجسدية”.

في الحديث مع المقاتل “الطفل” أبو العباس، يتبيّن أن الوازع الديني كان المحرك الأساس لانخراطه في القتال، إذ يقول، “الجهاد فرض على كل مسلم”، ويضيف: “نحن نقتل كل يوم في القصف والطيران، ومن الطبيعي أن يكون أي شاب مع أخوته المجاهدين ليدافع عن دينه وعرضه وأرضه، في جند الأقصى لم يكن هناك شيء اسمه راتب أو منحة، وكنا نحصل على المال من توزيع الغنائم التي نحصل عليها من المعارك، وبالتأكيد فإن مستلزمات الحياة من طعام وشراب مؤمنة، في مكان إقامتي في المقرّ”.

حالات تجنيد الأطفال في منطقة الشمال السوري وعموم الأراضي السورية منتشرة، منذ تحوّلت الاحتجاجات في سوريا العام ٢٠١١، إلى صدام عسكري، حيث نشطت مختلف الفصائل العسكرية والقوى على الأرض في تجنيد الأطفال كمقاتلين، في عمليات عسكرية.

وقد ذكر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، أن أطفال سوريا، واجهوا معاناة غير مسبوقة، مع تصاعد أعمال العنف في العام ٢٠١٦، ما جعل ذلك العام “الأسوأ” على الإطلاق منذ اندلاع الحرب. هذا، ويتم تجنيد الأطفال بحسب التقرير لكي “يقاتلوا على الخطوط الأمامية مباشرة”، وتشمل الأعمال التي يقومون بها “الإعدامات والأعمال الانتحارية بالأحزمة الناسفة” أو حراسة السجون.ووفق التقرير، جُنّد أكثر من ٨٥٠ طفلاً سورياً لكي يحاربوا، أي أكثر من الضعف مقارنة مع عام ٢٠١٥.

تجنيد من نوع آخر

لا يقتصر تجنيد الأطفال على زجّهم في الخطوط الأمامية في المعارك، بل يتصاعد الأمر إلى دفعهم للقيام بأعمالٍ لها علاقة بالتصنيع العسكري، والحراسة الليلية، والعمل على الحواجز العسكرية ،وغيره، وهذا ما يشكل انتهاكاً لمعاهدات حقوق الطفل أيضاً. والعمل في هذا الجانب، بالنسبة إلى حسن الحموي (16 عاماً)، والذي يعمل منذ عام تقريباً في أحد مصانع الأسلحة في ريف حلب الغربي، له غاية مادية بحتة.ورغم أن المقاتل الصغير لا يعرف اسم الفصيل الذي يعمل لصالحه، إلا أن الحاجة للحصول على مبلغ مالي يومي، يعيل به أسرته بعد أن فقدت شقيقه خلال إحدى الغارات على المنطقة، هو ما دفعه للعمل في هذا المجال.

يقول الحموي، “يتلخص عملي في أن أكون مساعداً للجميع، المعمل يصنع قذائف الهاون المحلية، فأذهب كل يوم الساعة ٧ صباحاً، وأعود الساعة 4 عصرًا، ويتخلل عملي بعض ساعات الراحة، وأحياناً يكون هناك ضغط في العمل فلا نرتاح ونأكل ونحن نعمل”.

يحصل الحموي على مقابل مادي قدره ٥٠ ألف ليرة، أي ما يعادل مئة دولار أميركي شهرياً، بالإضافة إلى سلّة إغاثية من مواد غذائية، “وقد لا تأتي شهرياً” على حدّ قوله.

مقاتل سعيد الحظ

يعتبر الحموي من سعيدي الحظ، فالعمل بالنسبة له هنا، يجعله يشعر بالراحة النفسية، كونه لا يعرضه للخطر، مقارنة مع أقرانه ممن يحاربون على الجبهات الأمامية، “فالمعمل لا يحوي على مواد متفجرة وعمله منحصرٌ في تصنيع القوالب”.  ويقول “ما أزال صغيراً للذهاب إلى المعركة، ولكن عندما أكبر بالتأكيد سأكون مقاتلاً من الطراز الأول”.

في المصنع نفسه يتشارك الحموي العمل مع صبيٍ آخر يبلغ من العمر ١٠ سنوات، مهمته مساعدة “الكبار”، وتجهيز الشاي والقهوة للعمال وتنظيف الأرض وكنسها.

ظاهرة تحتاج إلى الوعي

تضع حركة أحرار الشام الإسلامية، التي تسيطر إلى جانب فصائل أخرى، أبرزها هيئة تحرير الشام، على محافظة إدلب منذ العام 2015، قواعداً وشروطاً للانتساب إليها، ومنها تحديد الفئة العمرية.

يقول الناطق العسكري في الحركة، عمر خطاب، “بلا شك نحن نرفض رفضا قاطعا أن ندخل أبناءنا في معارك، دون أن يكون لديهم القدرة العقلية والبدنية على الدخول فيها، نحن نربأ بأنفسنا أن نجعل أطفالنا وقوداً في الحرب الدائرة، إنما نسعى لأن نهيئ جيلاً قادرا على الاستمرار بالثورة، فيحمل الفكر ويسير على النهج”.

ونفى قيام الحركة بتجنيد أشخاص سواء كانوا كباراً أم صغاراً، إلا أن “الأسس والأهداف التي قامت عليها الحركة وكذلك وضوح الهدف والأثر على الأرض هو ما دفع الكثيرين للانضمام لها” على حدّ قوله.

لكن منظمات وجهات رقابية تؤكد اقدام حركة أحرار الشام على تجنيد أطفال، إلا أن الناطق العسكري أوضح “أن الكلام عن تجنيد الحركة للأطفال عار عن الصحة ولا دليل عليه”.

وعند سؤاله عما يتم اتخاذه في حال طلب طفل الانتساب إلى صفوفهم، أوضح أن “من يود الانتساب وهو صغير السن فلدينا أمور كثيرة نستطيع من خلالها أن نحفظ أبناءنا ونبعدهم عن المخاطر قدر الإمكان، فهناك الدورات الشرعية والدورات الطبية ومراكز التعليم”.

أعداد المجندين تتزايد

الحديث عن تجنيد الأطفال لا يمكن حصره في مناطق الشمال السوري فحسب، بل في كل المناطق التي تشهد صراعاً عسكرياً من مختلف القوى، فهو بدأ كظاهرة في العام ٢٠١٣، وحينها بدأت المنظمات السورية والدولية والأمم المتحدة تراقب “بشكل دقيق”، ورغم أنه لا يوجد رقم محدد للأطفال المجندين في محافظة إدلب، إلا أن الأعداد تزداد كل عام بشكل ملحوظ، حيث “تمّ توثيق مئات الحالات” وفق مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة ،بسام الأحمد،والتي مقرّها اسطنبول.

ويرى الأحمد أن “قائمة العار”، التي تقدمها الأمم المتحدة على شكل تقرير سنوي مفصل عن الظاهرة وعن الأطفال الذين يتم تجنيدهم، تضع أسماء فصائل أو أطرافاً أخرى تجند أطفالاً حول العالم.

وبحسب الأحمد، وثقت الأمم المتحدة انخراط عدة فصائل في تجنيد الأطفال على الساحة السورية منها فصائل في الجيش الحر، والفصائل الإسلامية، كجيش الإسلام، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، بالإضافة إلى جماعات مجهولة، كما وتضم القائمة مليشيات النظام، ووحدات الحماية الكردية.

بشكل عام، فإن جميع الأطراف والفصائل المتناحرة تورطت في تجنيد أطفال، ولكن بنسب متفاوتة. وعادةً، يكون سن التجنيد ما بين ١٥ و ١٨ عاماً. وهناك حالات تجنيد أطفال تحت دون الـ١٥ عاماً. ويؤكد الأحمد، على أن نسبة هذه الحالات تقدر من١٥ إلى ٣٠% من إجمالي نسب تجنيد الأطفال في عموم سوريا.وتسوق الفصائل التي تجند الأطفال عدداً من “الحجج الواهية” للتجنيد، منها أن عمر الـ١٥ عاماً مناسب للقتال، لكن الأحمد يقول إن “هذا غير صحيح”.

تصوير الطفل كـ “بطل”

هناك العديد من الأسباب التي تدفع الأطفال للانتساب والتجنيد العسكري، منها سوء الأوضاع المعيشية والدعاية الكبيرة التي تقوم بها هذه الفصائل العسكرية، وخصوصا تلك التي اعتمدها تنظيم “داعش”، بالإضافة للإغرءات التي تقدمها هذه الجماعات، من مرتبات شهرية، ومن مساعدات تقدم للمنتسب وعائلته، إضافةً إلى أنّ الأطفال يتم إغرائهم بشكل كبير، من خلال بثّ أو تصوير ما تقوم به هذه الجماعات على أنها أعمال بطولية، الأمر الذي يصِّورُ للطفل أنه سيصبح بطلاً بمجرد انتسابه لهذه الجماعة، وفق ما يقول مدير منظمة العدالة من أجل الحياة، جلال أحمد. و تستمر هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في الشمال السوري.

ويعتبر تجنيد الأطفال تحت سن الـ١٥ عشر عاماً، واستخدامهم في النزاعات، “جريمة حرب”، وفق نظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.وكان ناشطون وحقوقيون أكدوا في وقت سابق، تجنيد ٥٠٠ طفل في إدلب، بعد حملة “إنفر” العام ٢٠١٦، والتي نظمها مركز دعاة الجهاد التابع لجبهة النصرة، والداعية السعودي عبد الله المحيسني، واستهدفت أطفالاً من المخيمات والمناطق المختلفة في إدلب.

درج

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى