صفحات العالم

الحرب الأهلية السورية والصفقات الدولية والإقليمية

 

 باسم الجسر

ما إن تهدأ الأوضاع في مصر حتى تنفجر في العراق. وما إن تستقر الأمور في اليمن حتى تزداد الثورة في سوريا عنفا ودموية. ولا يطلع فجر على العالم إلا وتنتاب هذا البلد العربي أو ذاك ثورة أو انتفاضة أو تفجير أو أزمة سياسية حادة. وها هو الربيع العربي يدخل في عامه الثالث حاملا مشاكل واضطرابات جديدة لا تقل خطورة عن تلك التي كانت معظم الدول العربية تعانيها، قبل طلوع شمسه؟!

صحيح أن العالم بأسره والبشرية كلها غارقة في أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية وبيئوية، ولكن العالمين العربي والإسلامي يتميزان بإضافة المحنة السياسية إليها، وباعتماد العنف والإرهاب وسفك الدماء خطابا.

لقد استقلت الشعوب العربية والإسلامية منذ أكثر من نصف قرن – وبعضها قبل ذلك – ومرت بكل عوارض المرحلة الانتقالية التي مرت بها شعوب أخرى بعد استقلالها، من انقلابات وثورات وحروب. وحكمتها أنظمة سياسية وآيديولوجيات مختلفة، يمينية ويسارية، وطنية وقومية، دينية واشتراكية. ولكنها، في معظمها، لم تصل إلى شاطئ الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية، بل اقترن الاستقرار بالديكتاتورية، والعدالة الاجتماعية (إلى حد ما) بكبت الحريات. وإلا لما كان هذا «الربيع العربي» الذي صفق له العالم.

عقول عربية وغربية شغلتها هذه الظواهر السياسية العنفية والدموية، التي لم تتوقف منذ نصف قرن وأكثر في العالمين العربي والإسلامي. وكثيرة هي التحليلات والخلاصات التي توصل إليها السياسيون والخبراء والمفكرون من عرب وأجانب، وتركزت حول ثلاث:

1) وجود مؤامرة دولية على العرب والمسلمين تمنعهم من التوحد وتبدد ثرواتهم وطاقاتهم وتدفعهم إلى التقاتل.

2) غياب الديمقراطية والحرية.

3) تردي الأوضاع البشرية والاقتصادية (باستثناء الدول النفطية) التي يزيد في تفاقمها النمو السكاني الكبير، وبالتالي البطالة. ثمة تركيز رابع في البحث عن الأسباب، ألا وهو طبيعة التفكير أو التكوين الذهني التقليدي (والبعض يسميه المحافظ أو الرجعي أو العصبية) في المجتمعات العربية الذي يقف حاجزا في وجه «النهضة» أو «التحرر» على غرار ما حدث في الغرب ابتداء من القرن السادس عشر.

يوم كانت الشعوب العربية تقارع الاستعمار والإمبريالية، كان هناك نوع من الوضوح في الرؤية الوطنية، كان الخصم أو العدو معروفا وواضح المعالم، كذلك الهدف من النضال السياسي. وبعد نكبة فلسطين، توحدت كلمة العرب حول رفض هذا العدوان الجديد، وإن اختلفت النظرة إلى مقاومته والتغلب عليه؛ فريق رفع لواء الوحدة، وآخر لواء الثورة الاجتماعية، وثالث لواء الدين، ورابع لواء المقاومة المسلحة والحرب. وفي هذا الوقت، كانت إسرائيل ترسخ أقدامها في فلسطين وتتوسع مستوطنة بعد مستوطنة في الضفة الغربية.

وإلى أن أهل هذا الربيع العربي الذي ارتفعت معه أو به رايتان جديدتان لإخراج العرب من المأزق التاريخي الذي وقعوا فيه ونعني: راية الدين وراية الديمقراطية. وإذا بصفحة جديدة من محنة الأمة العربية تفتح ألا وهي النزاع بين الإسلاميين – السلفيين، والليبراليين – الديمقراطيين. وهو نزاع قد يقود إلى ثورات أو انقلابات أو حروب أهلية، وتفكيك الأمة إلى مزيد من الدويلات العرقية أو المذهبية.

إن الفصل السوري من الربيع العربي هو الأسوأ والأخطر، لا بسبب تحول الانتفاضة الشعبية إلى حرب أهلية وإلى تدمير مدن وسقوط عشرات ألوف الضحايا وتشريد مئات الألوف عن ديارهم، فحسب، بل لأن دولا كبرى وإقليمية نافذة تدخلت في الصراع وباتت هي المتحكمة في مخارجه.. وأخطر ما في هذا التدخل الخارجي هو إحجامه عن الحسم العسكري، الأمر الذي سيطيل الحرب الأهلية ويحولها إلى حرب مذهبية ويحمل شراراتها إلى الدول المجاورة.

وفي انتظار خطوة دولية حاسمة، أو اتفاق – صفقة بين موسكو وواشنطن أو بين واشنطن وطهران، أو تحول في سياسة إسرائيل وبالتالي في عملية السلام – لن يتوقف القتال في سوريا، ولن يبزغ فجر الديمقراطية والحرية والرفاه والعدالة الاجتماعية في الدول التي مر عليها ما سمي الربيع العربي، بل سوف يتولد في العالمين العربي والإسلامي أنواع وأنواع من النزاعات، تفتت شعوبه وتهدر طاقاته، وتزيد من غضب ونقمة الأجيال الطالعة فيه.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى