صفحات الناس

الحرب السورية: أخي سوف أقتلك/ أحمد ظاظا

 

 

يصعب على أم محمود (64 سنة)، أن ترى أولادها أعداءً في جبهات القتال في العاصمة دمشق، تلوم نفسها ثم الحرب التي قطعت أوصالهم وغيّرت ملامحهم، وفرّقتهم ما بين مقاتل في صفوف الجيش الحرّ، ومجنّد في قوّات النظام، وآخر مع تنظيم الدولة الإسلامية، تنتظر بغصّة خبر مقتل أحدهم في أيّة لحظة، راجية ربّها ألا يتواجهوا في ساحات القتال، كما تقول: “أذكر جيداً حين كنت أوقظهم صباح كل يوم للاستعداد والمشاركة بالمظاهرات، وأذكر أيضاً أنني كنت أوّل من شجّعهم على الانضمام إلى الجيش الحرّ مع بداية ظهوره، محمود، كامل، وهادي، كنت أبًا وأمًا لهم بعد وفاة والدهم، ولكل واحدٍ منهم قطعةٌ من قلبي بغض النظر عن اختلافاتهم السياسية”.

حكاية أم محمود هي واحدةٌ من بين عشرات الحكايات التي لم تُرو بعد، وهي نموذج واضحٌ لما آل إليه الصراع في سورية، فنار الانقسامات لم تعد حكراً على الطوائف أو المناطق، بل شقَّت طريقها بقوة نحو البيت الواحد، فتمزّقت العائلات بين أبنائها المنقسمين في مواقفهم.

بعد عامين على الثورة السورية، قرّر الشقيقان محمود وهادي الالتحاق بصفوف الجيش الحرّ في حي القابون، قاتلا قوّات النظام جنبًا إلى جنب، ومع مضي الوقت انتقلا للقتال على الجبهة المشتعلة بحي جوبر، كانا أخوين في السّلاح والدم، يؤمنان بالثورة ويتقاسمان الحلم بالحرّية والكرامة، حسب والدتهم: “كانا ثائرين بكل معنى الكلمة، ثم حصل الفراق، وقرّر محمود الانضمام لإحدى المجموعات التابعة لتنظيم الدولة في حي تشرين، في حين بقي هادي مكانه، وكانت الحرب مستعرة حينها بين “الحُرّ” و”التنظيم” في المنطقة، ومن هنا بدأت حكايتي، كنت أدعو الله كل ليلة ألا يتواجها على أرض المعركة”.

سقط محمود العام الفائت بعد مواجهات عنيفة دارت بين “الحرّ” و”التنظيم”، وبات الجرح عميقاً في نفس والدته، إلا أن امتناع هادي عن قتال أخيه، وتحذيره له مراراً، كان عزاءها الوحيد، يتابع هادي: “كان محمود رفيقي بالسلاح، خاطر بحياته عدّة مرات خلال قتاله إلى جانب الجيش الحرّ، لكنه اختار صفاً آخر فيما بعد، لم تجد محاولاتي العديدة لحمله على الفرار، فقررت أخيرًا ألا أشارك في المعركة إلى جانب لواء تحرير الشام، وللأسف أتاني خبر مقتله في ذلك اليوم”.

تفاصيل أقربُ إلى الخيال، لكنّها لا تحدث إلا على الأرض السورية، هكذا فضل هادي بداية حديثه عن أخيه كامل ابن الثانية والثلاثين عاماً، فقد كان مجرّد شاب متزوّج فضّل الوقوف في صف المعارضة لكن بصمت، ثم اعتقل فيما بعد على أحد الحواجز العسكرية السنة الماضية، إلى أن تبيّن للعائلة أن ابنها جُنّد في الخدمة الاحتياطية في جيش النظام، وتأكّد الخبر عندما شاءت الأقدار هذه المرّة، أن يتواجه الشقيقان ليس على خط النار، إنما على جهاز لاسلكي، يتابع هادي:

“من المعروف أن النظام كان دائماً ما يتجسّس على اتصالاتنا، إحدى المرات التي طلبت فيها غرفة العمليات، أجابني صوت أعرفه تمامًا، لقد كان كامل، وكأنه قصد الحديث معي أنا بالذات، صُدمت عندما طلب مني أن أسلّم نفسي وأعود إلى حضن الوطن، وحدّثني بلغة طائفية غريبة، وكأنه خضع لغسيل دماغ، أو تشيّع، بصراحة أحسست أنه لم يعد أخي حين هدّدني بالقتل، ما جعلني أتوعّده بالقتل أنا الآخر إن تواجهنا قريباً”.

لم تكتف الحرب السورية بتمزيق شمل العائلات نتيجة الاختلافات السياسية، بل وصلت حدّ تشتيتهم في أصقاع الدنيا نتيجة اللجوء، حيث يتوزّع أفراد العائلة الواحدة في بلدان وقارات متباعدة، ما يجعل الأمل بلم الشمل مجدداً شبه مستحيل، فقد زاد بشكل كبير عدد طالبي اللجوء السوريين إلى أوروبا، كان لألمانيا الحصّة الأكبر منها، فيما جاءت السويد ثانية، والنمسا في الترتيب الثالث.

موقع جيل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى