خورشيد دليصفحات سورية

الحرب المؤجلة بين تركيا وسورية


خورشيد دلي

جاء تفويض البرلمان التركي للجيش بشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية إذا أقتضى الأمر بمثابة الانتقال إلى مرحلة الحرب المباشرة بعد ان انتهجت تركيا خلال مراحل الأزمة السورية أسلوب الحرب الناعمة من خلال دعم المعارضة السورية المسلحة والسياسية وحشد المواقف الإقليمية والدولية لإسقاط النظام السوري، ومع هذا التفويض الذي جاء عقب قصف تركي لمنطقة تل أبيض السورية ردا على مقتل خمسة اتراك بقذيفة سورية، تحولت الحدود الطويلة بين البلدين والتي تقارب 900 كيلو متر إلى أهم منطقة ساخنة يمكن ان تنطلق منها شرارة الحرب المؤجلة ضد النظام السوري.

لقد كان القصف التركي للموقع السوري أشبه برسالة سياسية حاسمة، مفادها ان أنقرة انتقلت في تعاطيها مع الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة، ولاسيما في ظل قناعة حكومة حزب العدالة والتنمية بأن هذه الأزمة باتت تشكل خطرا على الأمن القومي التركي في ظل تطور العامل الكردي داخل تركيا وعلى حدودها الجنوبية داخل سورية وكذلك لاستفادة المعارضة التركية من تداعيات الأزمة السورية، وعليه يمكن القول ان القصف التركي لا يتعلق بالرد على سقوط قذيفة سورية داخل الأراضي التركية بقدر ما يتعلق بسياسة أنقرة تجاه النظام السوري، فالمطلوب حسب الموقف التركي من الآن فصاعدا هو أفعال على أرض الواقع خاصة بعد الضوء الأخضر الذي حصل الجيش التركي عليه من البرلمان، وعليه فان سيناريو الاشتباك أو الصدام المباشر بين الجانبين وتحوله إلى حرب بات واردا بقوة، وهو سيناريو يقوم على حصول اشتباك مباشر بين الجيشين التركي والسوري في المنطقة الحدودية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل باتت الحرب على الأبواب؟

 في الواقع، رغم ان قسما كبيرا من المحلليين الأتراك يرون ان تركيا ليست بصدد الدخول في حرب ضد سوريا، وان الخطوة التركية كانت من باب الردع وليس الهجوم،وان قرار الحرب هو في الأساس قرار أمريكي وليس تركي، فان ثمة قناعة واسعة بأن القصف العسكري التركي داخل الأراضي السورية للمرة الأولى يحمل معه سيناريو المواجهة العسكرية وان هذا الخيار بات يشق طريقه على أرض الواقع بعد تفويض البرلمان والدعم الأطلسي المحدود للموقف التركي، وان جميع تحركات تركيا على الحدود هي في إطار الاستعداد لنقل المواجهة إلى حيز التنفيذ حيث يقول اردوغان ان قواعد اللعبة تغيرت، ولطالما ان سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية تنطلق من حقيقة انه لا تراجع عن خيار اسقاط النظام السوري بعد ان بلغت العلاقات بينهما مرحلة القطيعة واللاعودة، وعليه فان القصف التركي جاء في إطار هذه المعطيات الجديدة والتي تحمل معها سيناريو المواجهة والحرب.

ويرى هؤلاء انه رغم المخاوف التركية المحلية والإقليمية من تداعيات مثل هذه الحرب على تركيا الا ان خيار الحرب والمواجهة بين الجانبين بدأ يفرض نفسه على الأرض بعد ان بلغ التوتر على الحدود بينهما نقطة الذروة ودخل كل طرف في حرب حقيقية ضد الأخر على أرض الواقع، فالقصف الناري المتبادل سواء بطريق الخطأ أو عن سابق إصرار وتصميم، سببه وصول العلاقة بينهما إلى مرحلة الانفجار، فتركيا التي احتضت المجلس الوطني والجيش الحر تحولت أراضيها إلى ممر عملي لهذا الجيش وأسلحته بهدف واحد هو إسقاط النظام السوري، فيما لا يخفى على أحد ان الأخير والذي بات يرى في النظام التركي العدو الأول له يسعى إلى الاستفادة من ورقة حزب العمال الكردستاني في الحرب المستعرة بين الجانبين كما يسعى إلى الاستفادة من المعارضة التركية الرافضة لسياسة اردوغان حيث نظمت هذه المعارضة تظاهرة ضد الحرب خلال عقد البرلمان جلسته بشأن تفويض الجيش القيام بعمليات عسكرية خلال عام إذا اقتضى الأمر.  في الحديث عن خيار الحرب التركية ضد سوريا، ينبغي التوقف عند مسألتين أساسيتين.

الأولى : ان حكومة اردوغان بنت سياستها تجاه سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموما انطلاقا من إسقاط النظام السوري، وعليه بعيدا عن القصف الناري على جانبي الحدود، فان جميع التحركات العسكرية التركية بما في ذلك دعم الجيش الحر يصب نحو تحقيق هذا الهدف، لان بقاء النظام السوري سيؤدي إلى افلاس سياسة اردوغان التي قطعت جميع مراكبها مع هذا النظام، كما سيؤدي إلى تداعيات كبيرة في الداخل التركي وعلى مصداقية سياسة حزب العدالة والتنمية الخارج للتو من مؤتمره الرابع.

 2- ان اردوغان الذي يحس بخيبة الأمل من الموقف الأمريكي والغربي عموما إزاء الأزمة السورية بات يتحرك نحو سياسة حافة الهاوية لجر هذه الدول والحلف الأطلسي إلى الحرب من أجل اسقاط النظام السوري، وهو في تحركه هذا يدرك ان لا قرار دولي بهذا الخصوص قبل الانتخابات الأمريكية التي عطلت السياسة الخارجية الأمريكية عمليا، ولكنه يعتقد ان الموقف الأمريكي بعد الانتخابات لن يبقى على حاله، وعليه فان تسخين الأجواء وتهيئة الظروف لا بد منهما، أي ان الوقت المتبقى إلى حين انتهاء الانتخابات الأمريكية بالنسبة لاردوغان هو وقت الاعداد لسيناريو الحرب وتهيئة الداخل وحشد المواقف الإقليمية والدولية لطالما يرى ان لا مستقبل لسياسته في ظل بقاء النظام السوري .

في المقابل، فان النظام السوري الذي يخوض معركة حياة أو موت، يرى ان حكومة اردوغان بات العدو الأول له وانه لن يتوانى عن القدوم على أي عمل في معركة البقاء.  الثابت ان الحدود التركية – السورية باتت من اشد المناطق توترا في العالم، وان اردوغان لم يعد يتخيل أي مستقبل لسياسة حزب العدالة والتنمية في ظل بقاء النظام السوري، وعليه فان إجازة البرلمان التركي للعمل العسكري ضده عندما ترى أنقرة ان الظروف مناسبة ليس سوى تعبير عن حتمية هذه الحرب المؤجلة لاعتبارات كثيرة، لعل أهمها تلك المتعلقة بالموقف الأمريكي وانتظاره إلى مرحلة ما بعد الانتخابات.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى