صفحات سوريةطيب تيزيني

الحرب المجنونة..إلى أين؟/ د. طيب تيزيني

دخلنا في العام الرابع من الحرب الضروس، التي أشعلتها قوى متطرفة في سوريا، ألم يكن محتملاً تجنبها، عبر الإجابة على الأسئلة المشروعة، التي طرحت نفسها بقوّة على السوريين؟ ولن أبتعد عن «المؤتمر الاستشاري الذي عقد في بدايات المعضلة السورية وحولها. فلقد قدمت فيه مداخلات ومقاربات ومناقشات كثيرة. واللافت في ذلك أن عقد المؤتمر أتى بعد استخدام السلاح الناري، دونما مبرر. فالأمر اقتصر على خروج مظاهرات سلمية إلى الشارع دعا فيها المتظاهرون إلى القيام بإصلاحات يمكن إدراجها ضمن مشروع سوري وطني ظلّ معلقاً منذ الاستقلال عام 1946. ولقد قدم مجموعة من المشاركين تلك المداخلات والمقاربات والمناقشات المذكورة، ولعلي هنا أذكر ما تحدثت فيه، تاركاً ما قاله آخرون من المشاركين في المؤتمر، كي يقدموه هم أنفسهم بالطريقة التي تليق بهم. علماً بأن منْ نظّم هذا المؤتمر هو الجانب الرسمي الحاكم.

كانت ملاحظاتي التي قدمتها في المؤتمر الاستشاري المذكور قد انصبت على ما رأيته حاسماً بالنسبة إلى سوريا، وخصوصاً حين وضعت ملاحظاتي ممنهجة إلى مرحلة تعود إلى ما قبل انعقاد المؤتمر إياه. ففي هذه المرحلة كانت هنالك عناصر رئيسية منعها النظام السوري، يبرز وضع المجتمع والدولة تحت وطأة ما اكتشفته تحت مصطلح «قانون الفساد والإفساد».

وثمة عناصر أخرى تنتمي لهذه المرحلة، منها ملفات السجناء من الأنماط التالية: مثل السياسيين، وذوي الضمير، والداعين إلى حقوق الإنسان. ها هنا لم يحدث شيء يصبّ فعلاً في المهمات المطلوبة. وهذا يعني أن عنصر القضاء مثلاً غير مستقل، لنشير إلى أن المطلوب على هذين الصعيدين السياسي والقضائي لم يفتح ضمن ملف الإصلاح المطلوب، أما ملف «المخابرات» العامة والخاصة، فقد كان في حالة هيمنة متعاظمة في الحياة الاجتماعية العامة والخاصة، مما كان يهدد بابتلاع مكونات المجتمع المدني، وبالتأسيس إلى نمط من «الدولة الأمنية»، التي بمقتضاها تبرز القاعدة التالية: يجب أن يفسد من لم يفسد بعد، بحيث يتحول الجميع إلى مفَسدين ومفسدين تحت الطلب.

كان ذلك كله يأخذ حيزاً كبيراً متصاعداً في البلاد، وبالتحديد، أصبحت الدولة الأمنية خطراً مسلطاً على البلاد، وبالتالي على بنية سوريا العامة قبل أن تكون على أفراد أو آخرين. فلقد راحت بنية سوريا العامة تلك تجد نفسها بين فكي المحورين «الدولة» المذكورة والفساد والإفساد بشتى الوسائل، إضافة إلى سقوط الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا، وكذلك وعبر التهميش والاستبعاد إلى زلزلة هوية الطبقة العليا، بحيث أصبح الناتج مجتمعاً هشاً مفقراً مذلاً، والنتيجة تمثلت في سقوط المجتمع والدولة المؤسسات عموماً ومنظومة القيم.

لقد أجيب المتظاهرون السلميون بالسلاح، لماذا هذا الذي حدث والذي يمثل خروجاً عن الدستور وعليه، وشكل من ثم عملاً غير قانوني ويستحق المساءلة والتمادي في الخطأ الخطير، بعد الحدث الذي نواجهه في بلدٍ مدمر ويدمر أكثر، يقود إلى جريمة عظمى بكل الاعتبارات، بل بالاعتبارين الوطني والدولي. ويبقى القول مناسباً وضرورياً بأن توقف السلاح – مُرافقاً بتحرير السجناء من سجونهم، وبتشكيل محكمة وطنية بمعايير حرفية علمية، لمحاكمة منْ أسسّ لممارسة القتل والتجويع والتهجير، ولكل إيذاء وقع ويقع على السوريين، إن ذلك كله مجتمعاً ومنفرداً سيتطلب بذل جهود عظمى لتحقيق الاستحقاق التأسيسي الكبير المتمثل في «تفكيك الدولة الأمنية»، التي تقود حرب التدمير لوطن فلما وجد مثيل له في ما يواجهه من إيذاء وتدمير ومحاولات تصفية تاريخية وحضارية. إنها خريطة طريق متماهية مع طائر الفينيق الذي ينبعث حيا، كما فات أو كلما ظن قوم أو آخر أنه مات!

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى