صفحات سوريةفايز ساره

الحرب في بر الشام

فايز سارة

يبدو المشهد السوري في الداخل شديد القتامة، فأغلب الجغرافيا السورية ميدان للحرب، أو هي أهداف للقصف، أو أنها تقع في مسرح لعمليات عنف وإرهاب متواصلة، وبهذا فإن من غير الممكن رؤية منطقة سورية واحدة، هي خارج حمام الدم وملحقاته، التي تعتبر في إطار مشهد مكمل لحرب بدأها النظام ضد الشعب عندما أطلق رجال أمنه وجنوده الرصاص على المتظاهرين بدرعا في 2011، ثم واصلوها تصعيدا في اجتياح القرى والمدن، وحصار أخرى وضربها بالمدفعية والدبابات قبل أن تمتد أساليبه التدميرية إلى القصف الجوي والصاروخي، بما فيه استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين وضد المنتمين إلى التشكيلات المسلحة المحسوبة على قوى المعارضة بتلاوينها من الجيش الحر إلى الجماعات الدينية، التي دخلت بالتتابع جبهة الحرب مع قوات النظام من جيش وأمن وشبيحة عبر بوابة الدفاع عن المتظاهرين السلميين، ثم مدت نشاطها إلى الأبعد في الرد على هجمات قوات النظام انتقالا إلى تنظيم هجمات على مراكز النظام وقواته في كثير من المناطق.

وبداية الحرب بين النظام وأغلب السوريين، كانت حربا محلية الطابع، بل هي حرب من جانب واحد، وهو أمر ثابت باعتراف قادة النظام وأركانه عن الحالة السورية في الأشهر الستة الأولى من عمر الثورة. غير أنه وفي ظل التطورات التالية وخصوصا مع دخول ثورة السوريين عامها الثاني، وبعد أن تبلورت قوة مسلحة معارضة، أدت إلى تدهور قوة النظام وانحسار نفوذه في كثير من المناطق، مما استدعى استعانته بقوى إقليمية على رأسها إيران، دافعا تلك الحرب لتأخذ طابعا إقليميا، قبل أن تتطور على طريق صيرورتها حربا عالمية على ما هي عليه الآن.

والقول، إن حرب النظام على السوريين هي حرب عالمية، أمر لا تقتصر مؤشراته على عدد وحجم القوى التي تصطف إلى جانب النظام وتدعمه. فمن الناحية السياسية وقفت إلى جانب النظام الصين وروسيا وإيران وبلدان أخرى، دافعت عنه بكل قوة في المحافل الدولية، ومنعت المجتمع الدولي من اتخاذ قرارات ضد سياساته وممارساته الدموية في مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة، كما قدمت معظم دول داعمة للنظام مساعدات اقتصادية ومالية ولوجيستية، عززت قوته، وأسهمت في استمرار آلته العسكرية في مسارها الدموي قتلا وتدميرا وتهجيرا، وثمة ثلاث من تلك الدول، قدمت له الأهم في المساعدات العسكرية شملت أسلحة ومعدات وخبراء وهو ما فعلته روسيا وكوريا الشمالية وإيران، وزادت الأخيرة على ما سبق أن أرسلت ضباطا شاركوا في إعادة تأهيل وتدريب قوات النظام وبعضهم انخرط في قيادة عمليات عسكرية. وقد تجاوز الدور الإيراني ما سبق من مشاركة مباشرة إلى قيام طهران بدفع أنصارها ومؤيديها من الجماعات «الشيعية» المنظمة والمسلحة وحضها على إرسال عناصر منظمة ومدربة مع أسلحتها إلى سوريا على نحو ما فعل حزب الله اللبناني، وميليشيات عراقية منها قوات بدر وجيش المهدي، بل تم تنظيم وإرسال مرتزقة من لبنان وتركيا والعراق وإيران وأفغانستان وبلدان أخرى للمشاركة في القتال إلى جانب قوات النظام في أنحاء ومواقع مختلفة.

وثمة مؤشرات أخرى في عالمية الحرب في بر الشام، تتجاوز ما سبق من مؤشرات سياسية واقتصادية وعسكرية، أساسها إطلاق حرب دعائية – إعلامية ضد ثورة السوريين وضد تشكيلات المعارضة المسلحة. فالمشتَرك العالمي المعلن، هو دعم للنظام وتشكيك في الثورة إذا هي «سلفية جهادية ومتطرفة» كما يقول النظام وداعموه من روس وإيرانيين، وهو ما يبرر مواقفهم وسياساتهم الداعمة للنظام، أو أن الثورة غير مطمئنة وتثير المخاوف على مستقبل الأقليات، بل هي تهدد تلك الأقليات على نحو ما تقول الأوساط الغربية السياسية والإعلامية، إضافة إلى قول، إن المعارضة بما تمثله من قيادة للثورة مشتتة ومتصارعة، ولا يمكن الركون إليها لتشكل بديلا سياسيا للنظام القائم، وكلها تستخدم ذرائع بين أهدافها تبرير التراخي الغربي في اتخاذ مواقف سياسية وعسكرية من الصراع القائم في سوريا.

لقد سعت قوى النظام وحلفاؤه من دول وجماعات إلى اللعب على تراث آيديولوجي سياسي من أجل نصرة النظام وأنسنة وحشيته مقابل شيطنة الثورة وسلوكيات جماعاتها، وجاء في إطار تلك الدعاية تصوير النظام في أحد الوجوه، إنه نظام تقدمي يواجه في المستوى العالمي سياسة إمبريالية وفي المستوى المحلي مدا رجعيا سلفيا على نحو ما ظهرت الدعاية الروسية وبعض الغربية بما فيها الأوساط اليسارية في العالم، وكثيرا ما قيل، إن علمانية النظام هي التي تكفل حماية الأقليات في وجه التيارات الطائفية التي أطلقتها الثورة باعتبار أن الثورة هي ثورة الريف والمدن الإسلامية السنية.

لقد تركت تلك الحرب العالمية في تحالفها البشع، وأسلحتها المختلفة وطابعها العدواني المدمر على شعب رفع شعارات الحرية والسلمية ووحدة السوريين، آثارا كارثية بما خلفته من قتل وجرح ودمار متعددة المجالات وتهجير لأغلبية السوريين، وهذه النتائج مستمرة ومتصاعدة، وهي في الأهم من نتائجها، تكشف التدهور السياسي والأخلاقي في عالم اليوم، وعجز العالم عن القيام بما ينبغي من واجب حيال كارثة إنسانية متزايدة تضرب السوريين وكيانهم بكل عنف.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى