زين الشاميصفحات سورية

الحرب في سورية تصنع ملوكها الجدد

زين الشامي

«kings make wars، but wars make kings»

الملوك تصنع الحروب لكن الحروب تصنع ملوكا

(مثل اجنبي)

منذ نحو خمسة وعشرين عاما كان « محمد. ع» احد زملائي في المدرسة الإعدادية والثانوية في «بنش» في محافظة ادلب. كان محمد طيب القلب لكنه متواضع في امكاناته الدراسية ومحسوب على التلاميذ المتوسطين او اقل من ذلك، حتى انه رسب حين تقدم في امتحانات الثانوية العامة ليستطيع عبورها في العام الثاني ثم ليتقدم الى المدرسة الصناعية في مدينة ادلب ويدرس فيها، وقتها كنا نحن التلاميذ الذين نجحنا بمعدلات عالية وتقدمنا للجامعات في دمشق وحلب ننظر بفوقية على أولئك الطلبة الذين لم يسعفهم حظهم العاثر او مستواهم الدراسي ان يدخلوا الجامعات.

لكن بعد خمسة وعشرين سنة واكثر، لم يبقَ الوضع كذلك، خصوصا منذ اندلاع الثورة السورية حين تقدم «محمد. ع» صفوف المتظاهرين وبدأ يهتف لاسقاط النظام ولاحقا حين دعا الى تسليح المتظاهرين بعد هجوم قوات النظام على بنش وقتلها نحو عشرين شخصا. فيما بعد استطاع « محمد. ع» ان يحشد مزيدا من الشعبية والتأثير خصوصا حين بدأ بتأمين السلاح وتوزيعه على «الثوار» وربما شرائه وبيعه. زميلي السابق في المدرسة الذي كان متواضعا وطيب القلب بات يحشد حوله اليوم المئات وربما الآلاف.!!

هذا المثل نجد ما يشبهه المئات في كل منطقة وبلدة سورية، فالناس والشبان في ظل الحرب المميتة التي يشنها النظام على معارضيه لم تعد تملك خيار التفكير او الإصغاء لرجل طاعن في السن مثل حسن عبد العظيم، امين عام حزب ناصري اشتراكي ولد في الستينات من القرن الماضي، وهؤلاء الناس والشبان في غالبيتهم لم يقرؤوا كتب الاكاديمي المعارض برهان غليون الذي كان رئيسا للمجلس الوطني المعارض ولم يقرؤوا مقالات كاتب مميز وبارز مثل ميشيل كيلو، وايضا لم يسمعوا عن «مانديلا سوريا» المعارض البارز والامين العام السابق لحزب الشعب الديموقراطي رياض الترك الذي قبع في سجون النظام اكثر من سبعة عشر عاما.

وعودة لبدايات حركة الاحتجاجات، لا بد من تسجيل ان ليس النظام السوري او الولايات المتحدة ودول اخرى في المنطقة والمئات من المراقبين والمعلقين السياسيين من تفاجووا بخروج الشبان الى الشوارع، بل احزاب المعارضة التقليدية السورية جميعها. صحيح ان البعض من قيادات هذه الأحزاب حاولت الإيحاء انها على صلة بهذه التظاهرات والاحتجاجات، لكن الجميع ادرك فيما بعد زيف ادعاءاتها وثبت ان لا أحدا من تلك القوى والأحزاب المترهلة وغير الشعبية تملك القدرة على اخراج عشرين متظاهرا الى الشارع او منعهم من الخروج الى التظاهرات.

وللحقيقة لا بد من تسجيل انه لو بقيت التظاهرات والاحتجاجات سلمية الطابع لساعد ذلك ربما في احتفاظ هذه القوى على إمكاناتها ودورها في لعب دور ما نظرا لعدم وجود طبقة سياسية او لصعوبة تبلور مثل هذه الطبقة من رحم الاحتجاجات بهذه السرعة، لكن عنف النظام الذي جر وفرض على المحتجين الذهاب نحو خيار الدفاع عن النفس والتسلح، استدعى معه بروز قادة وشخصيات ورموز على الارض تحلق حولها الشبان وصاروا خاضعين لرؤيتها وفهمها للصراع وللثورة، خصوصا اذا ما علمنا ان غالبية الطبقة السياسية التقليدية المعارضة اختارت الخروج من سورية خوفا من بطش النظام.

من الطبيعي ان ينصت المتظاهرون لمن يقود التظاهرات وليس لمن يكتب بيانا سياسيا بلغة قديمة، ومن الطبيعي ان يصغي هؤلاء ويتأثروا بمن يملك السلاح والقوة ومستعد للموت دفاعا عن المتظاهرين او لحماية بلداتهم من هجمات قوات النظام. على هذه الخلفية نفهم لماذا يملك الملازم اول المنشق عن الجيش ابن مدينة الرستن في محافظة حمص عبد الرزاق طلاس كل هذه الشعبية وهذا التأثير وتلك الجاذبية بعكس قريبه العميد مناف طلاس الذي انشق أخيرا عن النظام، فالأول شاب وقرر الانشقاق مبكرا وشارك في عمليات التصدي لقوات نظام ودافع عن اهله مدينته وأهل حمص وتعرضت حياته للخطر في اكثر من مرة فيما قرر العميد مناف طلاس الانشقاق في وقت متأخر بعد ان شعر ان قارب النظام يغرق ولا بد من القفز منه حفاظا على مصالحه وامتيازاته وتأمين مستقبل له في مرحلة ما بعد سقوط النظام.

من ناحية ثانية، من الطبيعي ان يتأثر الشبان والمتظاهرون بالملازم اول عبد الرزاق طلاس الذي له لحية خفيفة تعكس مناخا شعبيا متدينا ويفضلونه على العميد مناف طلاس الذي يدخن السيجار وينتمي بحكم المولد للطبقة الحاكمة حيث كان والده وزيرا للدفاع في حقبة حافظ الاسد وكان هو صديقا شخصيا لبشار الاسد!!

ان ظاهرة الحروب الاهلية في كل بلدان العالم، ومنها الدول المجاورة لسورية مثل لبنان والعراق، ورغم ان سوريا لم تدخل فعليا في مثل هذه الحروب القذرة، حيث ما زالت سمة الصراع بين نظام ومعارضين مسلحين هي السمة الطاغية وليس حرب الطوائف او الإثنيات، نقول رغم ذلك فقد اثبتت تجربة هذه البلدان ان الحروب الداخلية تفرض وتفرز قادة جددا وتعجل في موت وانقراض القادة القدامى. انه منطق التاريخ ومنطق الثورات.

يقول مثل اجنبي « ان الملوك يصنعون الحروب لكن الحروب أيضاً تصنع ملوكها»

Kings make war، but wars also make kings

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى