صفحات الحوار

الحروب: ثورات الربيع مقامرة وموقف ادونيس منها طوباوي


تخوف من مجيء تيارات غير حداثية في الحكم يمنع تأييد الثورات

الثورات العربية ليست نهاية مسار، بل بداية تحول، واي منظور تاريخي واسع لا يمكن إلا ان ينتصر لجوهر التحول الذي جاءت به هذه الثورات.

عدنان ابو زيد: يعتبر الاكاديمي والباحث و المحاضر في تاريخ وسياسة الشرق الاوسط المعاصر في كلية الدراسات الآسيوية والشرق اوسطية في جامعة كامبردج  الدكتورخالد الحروب في حوار اجرته معه ايلاف، الانعطافات التاريخية الكبرى، بما فيها ثورات الربيع العربي، هي اقرب للمقامرة ويؤكد انه من المقامرين في هذا السياق. ويرى الحروب ان الامتناع عن تأييد هذه الثورات خوفا من جلبها لتيارات غير حداثية في الحكم، وهو تخوف مشروع، معناه الانحياز للثابت الوحيد في الدول والمجتمعات والمنطقة العربية وهو الاستبداد. ومن وجهة نظر الحروب فان في الاختيار بين تحول مقامر وثابت مستبد يستلزم على المثقف التنويري واجب الانحياز للأول، والاشتغال على دفعه ليكون تحولا تنويريا، عوض الاكتفاء بنقده وتوجيه سهام الاتهام له والتشكيك فيه.

ويرى الحروب ان دولنا العربية خلال العقود الطويلة الماضية كانت اشبه بالمستنقعات الراكدة التي لا حراك فيها. ويشير الحروب الى ان الشكل الظاهري لتلك المستنقعات كان الاستقرار، لكنه استقرار قائم على العفن الداخلي والمشكلات البنيوية العميقة بما فيها القبلية والطائفية. ويؤكد الحروب ان هذه المشكلات كان من واجب الدولة العربية في حقبة ما بعد الاستقلال ان تعمل على تفكيكها تدريجيا، وأن تنهي البنية الطائفية والقبلية والجهوية للمجتمعات والبلدان وتؤسس دولا قائمة على المواطنة الدستورية التي تساوي بين الافراد. ويستطرد : لكن الانظمة الحاكمة اضاعت على شعوبنا عقودا طويلة وثمينة من ناحية تاريخية من دون ان تعمل على ادراج تلك المجتمعات في شكل الدولة الدستورية والقانونية المعاصرة، بل نامت على ما هو قائم من بنيات ما قبل الدولة الحديثة.

ولا يرى الحروب مستقبلا للنظام في دمشق منطلقا من سببين رئيسيين، الاول هو ان الشعب السوري نفسه مصمم على إزاحته مهما كانت الكلفة، والسبب الاخر هو استنزاف النظام لكل ادعاءات الشرعية التي اقام عليها بنيته السلطوية على مدار العقود الماضية. وتاليا نص الحوار:

بعد الفشل الاممي الفاضح والمتكرر في مجلس الأمن في إيجاد حل ل( القصية السورية)، يقدم العالم ضوءاً اخضر جديداً للنظام يتمثل في نتائج «مؤتمر أصدقاء سورية» الذي عقد في تونس.. كيف ترسمون في ضوء التطورات المتلاحقة، المستقبل السوري؟

على المدى المتوسط، وليس البعيد، لا ارى اي مستقبل للنظام القائم في دمشق لسببين رئيسيين، الاول هو ان الشعب السوري نفسه مصمم على إزاحته مهما كانت الكلفة ومن اجل ذلك ابدى السوريون بطولة منقطعة النظير وإرادة مدهشة حطموا بها حاجز الخوف. وقد تمثل افضل تلخيص لذلك في احد يافطات الثورة التي قالت “لم يُقتل فينا إلا الخوف”. وهذا في الواقع يجعل من الثورة السورية ايقونة ثورات الربيع العربي، والتي تقول رسالتها ان ليس هناك عودة إلى الوراء. والعجز الدولي الفاضح عزز إرادة السوريين بأنه لا بديل عن مواصلة الثورة داخلياً وأن الداخل هو أساس المعادلة. اما السبب الثاني فهو استنزاف النظام لكل ادعاءات الشرعية التي اقام عليها بنيته السلطوية على مدار العقود الماضية. والتدرع بشعارات المقاومة والممانعة لم يعد لها معنى، واستخدام مسوغ فلسطين وإن كان قد خدم النظام فترة طويلة فقد انتهى عمليا. اضافة إلى ذلك فإن سخافة وراثة الابن عن ابيه في حكم سوريا وتحويلها الى اقطاعية عائلية لا يمكن ان تستمر في عالم القرن الحادي والعشرين حيث الاعلام المعولم والمكثف وعبر وسائط التواصل الاجتماعي تفضح كل صغيرة وكبيرة في كل مكان وفي كل نظام. لذلك فإن مستقبل النظام هو السقوط لا محالة. لكن المسألة مسألة وقت، وهذا ينقلنا الى المدى القصير المؤلم والدموي والذي يسقط فيه عشرات الضحايا والابرياء يوميا. على هذا المدى سوف يُظهر النظام وحشية اضافية مُستغلا الضوء الاخضر الدولي والحماية الدبلوماسية الروسية. لكن هذا لا يمكن ان يستمر طويلاً لأن الداخل، مرة اخرى، يتواصل في اشتعاله.

كتبتم عن “دور الثورات في بروز الانقسامات القبلية والطائفية التي تشهدها بعض المجتمعات العربية”، إلى أي مدى سيكون لهذه الانقسامات تأثير على بنية الدول والمجتمعات العربية ؟

الوصف الذي استخدمه واراه جامعا لإجمال حالة الثورات العربية وما ثارث عليه وما قد يترتب عنها هو “النهر ضد المستنقع”، واقصد به ان دولنا العربية خلال العقود الطويلة الماضية كانت اشبه بالمستنقعات الراكدة التي لا حراك فيها. الشكل الظاهري لتلك المستنقعات كان الاستقرار، لكنه استقرار قائم على العفن الداخلي وعلى الاحتفاظ بالمشكلات البنيوية العميقة بما فيها القبلية والطائفية. هذه المشكلات كان من واجب الدولة العربية في حقبة ما بعد الاستقلال ان تعمل على تفكيكها تدريجيا، وأن تنهي البنية الطائفية والقبلية والجهوية للمجتمعات والبلدان وتؤسس دولا قائمة على المواطنة الدستورية التي تساوي بين الافراد. الانظمة الحاكمة اضاعت على شعوبنا عقودا طويلة وثمينة من ناحية تاريخية من دون ان تعمل على ادراج تلك المجتمعات في شكل الدولة الدستورية والقانونية المعاصرة، بل نامت على ما هو قائم من بنيات ما قبل الدولة الحديثة. والاسوأ من ذلك ان تلك الانظمة كانت مستبدة وتعزز استبدادها مع الزمن مما فاقم من العفن الموجود في قاع المستنقع. الثورات العربية هي النهر الذي يجرف هذه المستنقعات ويكشف العفن الراكد ويعريه تحت الشمس، وهو البداية الحقيقية وربما الوحيدة لمعالجته، ومن ذلك العفن الطائفية والقبلية والجهوية. النهر يجلب الماء الجاري الصحي، لكنه يجرف العفن المتراكم دفعة واحدة وهو ما نراه الآن من مشكلات وامراض وتخوفات. كما قد يجرنا هذا النهر في بداية الامر إلى اتجاهات ومسارات فيها مخاطر كبيرة، وهي مخاطر لا بد منها إن كنا نريد الاندراج في المستقبل والتاريخ وننقطع عن التكلس. الان بدأنا المرحلة الثانية من الاستقلال حيث تتصارع القوى الاجتماعية والسياسية والدينية داخل كل مجتمع للوصول إلى معادلة التعايش في ما بينها على قاعدة المواطنة والديموقراطية بعيدا عن اوهام استقرار المستنقع. في المرحلة الراهنة سوف تختلف الجماعات والتيارات السياسية بشكل جذري وربما دموي، وسوف نرى كل انواع الشعارات القصوى بما فيها الانشقاق والتجزئة او الاقصاء. لكن في نهاية المطاف سوف تصل كل المجموعات المتصارعة الى خلاصة لا مناص عنها وهي انه لا بد من التعايش السلمي في ما بينها، وافضل وسيلة للتعايش هي بناء انظمة سياسية ومجتمعات قائمة على قاعدة المواطنة التي تساوي بين الجميع بغض النظر عن الطائفة والدين والقبيلة والمدينة. بكلمة اخرى بدأنا المسيرة الطويلة للبحث عن صيغة الاستقرار القائم على الحرية بديلا عن الاستقرار القائم على الاستبداد، استقرار مع حرية الناس وليس على حسابها.

ثمة أسباب لصراع وفجوات بين العرب والغرب. بحكم تجربتك الأكاديمية واحتكاكك مع النخب والأفكار الغربية، كيف تلخص هذه الأسباب؟

هذا سؤال كبير يحتاج الى شرح مطول لا تسمح به هذه مساحة هذه المقابلة. لكن باختصار يمكن القول ان جانبا من ذلك الصراع يعود للتنافس التاريخي والحروب شبه الدائمة بين القوى المتجاورة. في القرون الاخيرة كانت، وما تزال، هناك سيطرة غربية وتفوق كامل ليس على العرب فحسب بل وعلى العالم. والقوة الغالبة، كما كان في وقت حروب الاستعمار وما قبلها، تفيض عن الحدود الخاصة بها وتندفع إلى ما يجاورها من جغرافيا وفضاءات، وكانت المنطقة العربية الجار الاقرب لاوروبا حيث طالها فيضان القوة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، كما كانت امريكا اللاتينية هي الجار الاقرب لفيضان القوة الامريكية ايضا، والصين وجنوب شرق اسيا المحطة الاولى والاساسية لإندفاع فيضان القوة اليابانية، وهكذا. في مراحل سابقة كانت القوة العربية والاسلامية هي التي تفيض عن حدودها، ووصلت شمالا إلى قلب اوروبا، الى جنوب اسبانيا، والبلقان، واسوار فيينا. فيضانات القوة هذه والباحثة عن اراض تحتلها، ومصادر تستغلها، وثروات تنهبها هي جوهر الامبرياليات في التاريخ. وكل امبريالية تختبىء خلف رسالة “نبيلة” تدعي بأنها تريد إيصالها للبشر الآخرين “المتخلفين” عنها، اي انها لا تعلن صراحة اهدافها الحقيقية.

لكن لحسن الحظ توقفت الامبرياليات العسكرية, او لنقل انخفضت مستوياتها, بعد الحرب العالمية الثانية والدمار الذي خلفته، وتحولت الى انماط غير عسكرية من الامبرياليات، اقتصادية او اعلامية على سبيل المثال، وهو تطور محمود في المنظور التاريخي. ولا ينفي هذا وجود حروب مستمرة هنا وهناك، لكنها ليست حروبا اكتساحية امبرطورية كما في السابق. اذا اردنا ان نكون متفائلين في المستقبل لنا ان نحلم بأن هذه الامبرياليات غير العسكرية سوف تتراجع هي الاخرى، وخاصة الاقتصادية، لتفسح مجالا اوسع للتلاقح الحضاري والثقافي الذي هو وحده من يستطيع تشذييب الحواف الحادة في الصراعات، لأنه يتيح الاستفادة من الآخر بعيدا عن آليات الهيمنة والسيطرة والتبعية وفي مناخ طوعي.

كتبت عن الموقف المُلتبس الذي عبر عنه أدونيس إزاء الثورة السورية. البعض يرى ان كثيرا من المثقفين العرب لم يستطيعوا التماهي مع الثورات العربية. كيف تقيم الموقف النخبوي الجمعي من أحداث الربيع العربي ؟

موقف ادونيس من الثورات العربية طوباوي وغائي ولاتاريخي، والغريب انه يأتي من مثقف مجبول بفكرة “الثابت والمتحول”. الثورات العربية ليست نهاية مسار، بل بداية تحول، واي منظور تاريخي واسع لا يمكن إلا ان ينتصر لجوهر التحول الذي جاءت به هذه الثورات. هناك مخاطر عديدة جدا ولا يمكن اغفالها بما فيها تلك التي يذكرها ادونيس، وهذه المخاطر هي سمة التاريخ وتحولاته. الانعطافات التاريخية الكبرى، بما فيها ثورات الربيع العربي، هي اقرب للمقامرة، وانا من المقامرين في هذا السياق. الامتناع عن تأييد هذه الثورات خوفا من جلبها لتيارات غير حداثية في الحكم، وهو تخوف مشروع، معناه الانحياز للثابت الوحيد في الدول والمجتمعات والمنطقة العربية وهو الاستبداد. في الاختيار بين تحول مقامر وثابت مستبد اعتقد ان واجب المثقف التنويري هو الانحياز للأول، والاشتغال على دفعه ليكون تحولا تنويريا، عوض الاكتفاء بنقده وتوجيه سهام الاتهام له والتشكيك فيه.

 ما مستقبل العرب في ظل العامل القومي والطائفي، هل ثمة إعادة لتأسيس وعي قومي جديد يتجاوز الظرف الراهن؟

أنا اعتقد ان اي وعي تنتجه الحرية والديموقراطية، على المدى الطويل، سيكون وعيا جديدا في المنطقة العربية، بما في ذلك الوعي القومي والعروبي، وهو وعي قائم على حرية الخيار والانتماء، وليس قسرية الايديولوجيا والادعاء. القومية العربية والعروبة في حقبة ما بعد الثورات العربية سوف تكونان اكثر وعيا واكثر تماسكاً لأنهما مسنودتان بالحرية والاختيار. هناك عروبة ثقافية ووجدانية راسخة في المنطقة ترجمتها الشعوب العربية عبر التأثر بثورات بعضها البعض بشكل مدهش، وهو التأثر الذي لم نره ينتج في المنطقة عندما قامت ثورات اوروبا الشرقية او غيرها. ان تتحول هذه العروبة الثقافية والوجدانية إلى عروبة سياسية امر متروك لمستقبل الشعوب وخياراتها، واعتقد ان خيار التكامل سوف تمليه المصالح المشتركة والجغرافيا واللغة، لكنه سيكون قائما على الحرية والديموقراطية بما يعني إعادة تأسيس لكثير من مقولات الوعي القومي الكلاسيكي كما عرفناه.

البعض يرى ان الدول المدنية في خطر في ظل صعود الإسلاميين، هل من وجهة نظركم ان الخشية من ذلك لها ما يبررها ؟

ليس هناك دول مدنية بالمعنى الحرفي في المنطقة, بل هناك دول استبدادية غير مأسوف على زوالها. ومع ذلك هناك جوانب مشروعة من هذه الخشية خاصة عندما نتابع تصريحات بعض التيارات السلفية وحتى بعض الانفلاتات الاخوانية هنا وهناك. لكنني مقتنع بأن جبروت السياسة ومواجهة متطلبات الواقع يطامن من غلواء وتطرف اية ايديولوجيا ويوتوبيا غائية. ولهذا اعتقد انه افضل لنا ولمجتمعاتنا ومستقبلها ان ينخرط الاسلاميون بكليتهم في العملية السياسية لأن النتيجة النهائية ستكون اضطرارهم للاعتدال اولا، وللظهور ثانيا امام مجتمعاتهم وناخبيهم بكونهم مجرد احزاب سياسية لها برامج تنجح وتفشل وبالتالي تحاكم بكونها

احزابا وليست مجموعات ناطقة بإسم الدين معصومة عن الخطأ. الاسلاميون في المنطقة بنوا شعبياتهم على عدة عوامل، اولها فشل الايديولوجيات الاخرى، وهو فشل كانوا يراكمونه نجاحا “نظريا” عبر التأكيد على المقولة الفضفاضة “الاسلام هو الحل”، والثاني، هو المظلومية التي نتجت عن قمعهم من قبل الانظمة وبالتالي تمثلهم صورة الضحية والبطل، والثالث هو اليقين الواعي او اللاواعي بتمثيلهم الدين والنطق بإسمه واستثمار الوجدان الشعبي العريض المتدين بطبعه. هذه الاسس وغيرها سوف تتفكك بوجود الاسلاميين في الحكم وتنتهي الهالة الكبيرة التي تحيط بهم.

ما النتائج المتوقعة للقمة العربية في بغداد، وهل عاد العراق ليلعب دوره البارز على الساحتين العربية والدولية، ام انه مازال أسير صراعاته الطائفية والقومية ؟

لم ينتج عن قمة بغداد ما هو خارق للعادة، والقمم العربية بعمومها لا تتمتع بسجل ايجابي من الانجازات. لكن الاهمية الرمزية لهذه القمة كانت في مجرد انعقادها في بغداد، وما يعنيه او على الاقل يؤشر عليه من امل في عودة العراق الى الدائرة العربية. لكن المسألة ليست بالتمني بطبيعة الحال ذلك ان الوضع في العراق لا زال محكوما بتركيبة طائفية يعززها نظام حكم طائفي يبعث على القلق العميق. ويزداد الامر سوءا بسبب النفوذ الايراني الذي يرى في العراق ساحة متقدمة في المنطقة العربية لا يمكنه المساومة عليها.

نخب عربية كتبت عن دور قيادي لدول الخليج في المرحلة المقبلة، لكن البعض يرى ايضا ان هناك أسبابا تجعل هذه الدول في متناول ثورات الربيع العربي، ما قراءتك للمستقبل في هذه الخصوص؟

لا تستطيع دول الخليج ان تلعب دورا قياديا كاملا في المرحلة المقبلة لعدة اسباب، اولها عدم وجود شهية للعب مثل هذا الدور لدى عدد منها على الاقل. فما عدا قطر على وجه الخصوص والى حد ما السعودية تتصف سياسة الدول الخليجية بالمحافظة الشديدة والتردد. والسبب الثاني ان هذه الدول جميعها غير ديموقراطية وسوف يكون من الصعب عليها ان تتقدم للقيادة الاقليمية في مرحلة تمتاز بإنعطافتها الحادة نحو الدمقرطة والتعددية، إن في دول الربيع العربي او تلك التي لم تقع فيها الثورات. اضافة الى ذلك فإن النخب الحاكمة في هذه البلدان متوترة إزاء امكانية انتقال عدوى الربيع العربي اليها، وبالتالي فهي منهمكة في المقام الاول في مراقبة الوضع الداخلي، وهي ايضا تقوم بأية خطوات في السياسة الخارجية بشكل محسوب بدقة حتى لا يؤثر في ذلك الوضع، وهذه الحسابات المعقدة تحول دونها وتسنم دور قيادي اقليمي.

كتبت عن دول الجوار العربي، وقلت ان إيران وتركيا تبرزان كدول جاذبة وذات مواقف مستقلة، مقارنة بمواقف معظم الدول العربية. اين تتجه العلاقات العربية مع هذين الجارين ؟

ما قلته واقوله هو ان لدى هاتين الدولتين سياسات اقليمية قوية وتحاول كل منهما تنفيذ هذه السياسات لخدمة المصالح القومية لكل منهما. بعض تلك المصالح يتقاطع مع المصالح العربية او بعضها، والاخر يتعارض معه. لكن بالمجمل ليس ثمة مقارنة بالنشاط السياسي الايراني والتركي من جهة، مع نظيره العربي من جهة اخرى. انظر الى السياسة الايرانية إزاء المسألة العراقية في سنوات ما بعد الاحتلال الامريكي مثلا وكيف كانت مثابرة ومستديمة إلى ان اسقطت العراق في قلب النفوذ الايراني. اين كان العرب طيلة تلك السنوات؟ ومن نفس المنظور انظر الى السياسة الخارجية التركية ونشاطها، بما في ذلك الاقتصادي والاعلامي، وعلى اكثر من جبهة اقليمية. مقابل ذلك كله هناك فراغ قيادي عربي، وهو الفراغ الذي يتيح لهذه القوى ان تتمدد. اما مستقبل العلاقة مع هذين الجارين فلا بد ان يُصاغ على اسس تعاونية وسلمية لأنهما جزء من دكتاتورية الجغرافيا حيث لا يمكن التغافل عن الجوار او التخلص منه. لكن مثل ذلك التعاون لا بد ان يتأسس ايضا على اسس ندية يكون فيها الطرف العربي او الاطراف العربية على قدر من الفاعلية والإرادة لا تتوافران حاليا.

سياسيون يقرؤون المستقبل العربي والإسلامي على انه صراع شيعي – سني في المستقبل، والمستقبل للدولة الطائفية اذا ما تبلورت الظروف الملائمة لذلك، لاسيما وان ذلك يتماهي مع الفكرة المؤسسة لدولة اسرائيل التي تعتبر نفسها دولة (يهودية). هل الفرصة كبيرة لتحقيق ذلك، أم أن العامل القومي سيكون حاسما فيما بعد ؟

لا اعتقد ان هناك اي مستقبل للدولة الطائفية ايا كانت هويتها. الدولة الطائفية تشنق نفسها بنفسها لأن عالم اليوم والغد لا يحتمل اية شوفينيات قومية او طائفية او إثنية. ربما على المدى القصير سوف نرى كثيرا من التعبيرات والتوترات الطائفية، لكن الكثير منها يخرج الى السطح بسبب انتهازية القيادات السياسية وقصر نظرها ومصالحها في التجييش والحشد. وسوف تنحسر هذه الموجه بنفس السرعة التي صعدت فيها، لأنها تتناقض مع طبيعة الاشياء، وشكل الاوطان التي لا يمكن ان ترسو بإستقرار إلا على قاعدة المواطنة الدستورية. من دون ذلك تبقى هناك تناقضات بنيوية داخل إطار الدولة الحديثة، وهو إطار لا يمكن ان تنجح فيه على المدى الطويل اية سياسات طائفية. والتناقضات التي تعيشها اسرائيل في هذا السياق تقدم مثالا بالغ الاهمية، إذ تتناقض كل المزاعم بتبني الديموقراطية مع فكرة “يهودية الدولة” وتقسيم المواطنة وفق تراتبية عنصرية يكون فيها اليهودي هو المواطن من الدرجة الاولى. في التعريف التأسيسي لأي نظام طائفي او إثني هناك طائفة او إثنية تكون ذات افضلية فيما بقية أفراد بقية الشرائح يُعتبرون مواطنون من درجات دنيا. بإختصار هذه عنصرية لا يمكن ان تعيش طويلا.

سيرة

الدكتور خالد الحروب، محاضر في تاريخ وسياسة الشرق الاوسط المعاصر في كلية الدراسات الآسيوة والشرق اوسطية في جامعة كامبردج.

نُشر له بالأنجليزية

Hamas: Political Thought and Practice (2000); Hamas: A Beginner’s Guide (2006); Political Isalm: Context vs Ideology (2010); and Religious Broadcasting in the Middle East (2012)

وبالعربية

“هشاشة الايديولوجيا وجبروت السياسة” 2010

وحديثا.. “في مديح الثورة: النهر ضد المستنقع” 2012، وكلا الكتابين عن دار الساقي.

نشر ايضا.. ديوان شعر بعنوان “ساحرة الشعر 2008، و”وشم المدن: شظايا رجل بلا مدينة” 2008.

مؤسس وعضو مجلس امناء الجائزة العالمية للرواية العربية.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى