صفحات سوريةفلورنس غزلان

الحرية صارت على الباب


فلورنس غزلان

..كلمات نسمعها ونرددها ونتمنى أن تطرق بابنا وتدخل..أن تتوقف عن الغنج ومطالبتنا بمزيد من القرابين .. هرعنا نحوها شرعنا أمام صلفها النوافذ ..نرقب خيالها وخيلائها…. فتحنا لها قلوبنا وقدمنا على مذبحها أعز مانملك … فلذات أكبادنا..حلمنا بلقائها..بالاحتفاء بهودجها.. تجري روحها في شرايينا كالدم القاني تتدفق منها غزيراً فوق تراب سوريا..حلم يهبط من سماء تعلوها سحب ودخان كثيف..وأسطح معمرة بالبارود ، مزروعة بالذخائر، محشوة بالموت المنتظر إشارة القتل دون سبب..لأن القتل صار فعلاً مشروعاً في قاموس حماية السلطة المزرعة..حماية أسرة عرفت السفر .قبل أن تعرف الإقامة..قدِمَت من المجهول وحطت رحالها ، حيث يمكنها أن تصطاد طيبة شعب..يحب التنوع ويتقاسم ملح الأرض مع ساكني الأكواخ..دون أن ينظر في هويتهم..اكتفى بسمات الإنسانية المغشوشة فوق ألواح طينية، مشحونة بحزن القلب لرغيف التنور في جبال شمخت عبر العصور ، لكن نفحات الأجساد المهووسة بالسوط والمتلهفة للخروج من ثياب العار التاريخي الموغل بمشاعر النقص والدونية..حين تنهض لاغتيال المحبة وقتلها من أجل بيارق تهدد باجتياح مغولي اللهجة لمن يصطف للدفاع عن وحدة الجبل والسهل والشاطيء.

انسكب ماء دمائنا وتركنا طير الروح يرحل عنا منتظراً حتمية الموت..كبونا..صمتنا..نمنا كأهل الكهف وأكثر.. صارت تجربة الموت هي سر تأليفنا لقصة الحقيقة، نحاول أن نغفر لأنفسنا كل خطايا الماضي..نحاول أن نسامح ، كي نوقظ من تمادى منا في النسيان..من تمادى في الغفلة..، نبكي لقصص الحب المفخرة بيننا، ونأسف لقصص الذبح المستعر والمؤجج بحقد أعمى الوتيرة، أعمى البصيرة…لم ندرك طعم المرارة في حب الأرض كما أدركناها اليوم، لم ندرك معنى الوهم في أحلامنا طيلة عقود إلا مع هذا الكم الهائل من الألم ومن ازدحام الأسماء في مواكب التشييع….لقد اكتمل الجحيم في دارنا..فمنها البداية ولابد أن تكون فيها النهاية..لانعول على أقراص المخدر في كؤوس النبيذ المحترق في جوفنا..ولا على أنباء الإعلام المُصَّدِر لموتنا..نبكي وحدنا ونخاطب وحدنا في حضرة رهبة الموت نقول لهم:ــ.

، وأمام أضرحة زعفران البيوت..وزهورها ، التي تحاول أن تتبرعم في طقس جديد الهوى..غريب الضجة ..حديث الحداء والنغمات..شد الطفل من سريره ، والتلميذ من مقعده..فراح يتخيل الكتب ..جياداً تصهل فوق التلال والأودية..تحملهم كالريح وترفعهم فوق الغيوم، ..نقول لهم ،لجلادي الأقبية لم يبق لكم من صنوف العيش ..سوى ذكريات الشهوة..لم يبق لكم سوى رجاحة الموت في ميزان التاريخ..لم يبق لكم من الرايات سوى صورها ومن الأغاني سوى أوتارها المقطوعة..لم يبق لكم معنى ولا مبنى..ولا مقام..سوى أن ترحلوا عنا لنبني الحلم ونهدي المحبة والوئام لقلوب لم تتركوا لها سوى صفحات سود من العسف والظلام..فماعادت تطيقكم الأرض وماعاد يحتمل سعاركم صنف الأنام

فضحتكم نصوصكم المُعتَمِدة أصول الفقة في الكذب..فضحتكم صواريكم المشدودة عكس الريح وعكس الخليقة والنواميس

فضحتكم نار توقدوها من أجسادنا لترمموا شيخوختكم السلطوية..فضحكم مطر لايعرف الدجل ..يغسل ما أخفيتم عن عيون البحر وعيون السماء وعيون الأرض والإنسان.

فضحكم فنون جنونٍ يخرج من شرنقته معترفاً، أنه الجاني دون أن يعلم، أنه الكابي والدنيا نيران تستعر..أنه الحالم والكون يقظ متيقظ..فهل نترك للجنون مقوداً يعصف بأحلامنا ؟ هل نترك لفنونه أن تغتال بيادر أوطاننا؟لن نترك بابنا موارباً بعد اليوم بين النجاة أو الموت..لاخيار ..إلا بالعناق المؤبد مع حرية تشتاق لنا ونعشقها.. أوصدنا الأبواب على ميوعة اللغة وابتسمنا لرؤيا الحياة الصاخبة بالموت..فهذا قدرنا ولا راد له ..سنتعايش مع أشلائنا إلى أن تتكسر أجنحة الجناة على أبواب مدائننا المنتفخة بنار لاتنطفيء إلا حين ينهض العاصي ويتصافح مع الفرات واليرموك والمتوسط..مشكلين هوية الوطن السوري الواحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى