صفحات المستقبل

الحرّية … و التفسير السّوري للكلمّة ..


الحرية هي من أكثر الكلمات المتداولة الآن في الشارع السوري , حيثُ بتّ تسمعها من الكبير و الصغير , الموافق منهم و المناوئ , المثقف و نصف الجاهل .. كلها تتحدث عن الحرية و كلٌ على ليل الحرية بهواه يغني  …

بالتأكيد كُثر المُفسرون و الشارحون و المنتقدون من موالين أو معارضين .. و كثرت معهم التفسيرات .. و كان للتهكم و الإنتقاص من معنى الحرية الساميّ حيزّ كبير لا يٌستهان به بل أصبح الطاغي من الصفات لهذه الكلمة الجميلة السامية .. إذ أصبحت مقطوعة (( أتريدون حرية )) أو (( هذه الحرية التي تريدون )) أو (( أي حرية تريدون )) .. أصبحت هذه المقطوعات و غيرها سيدة الساحة التخاطبية في الآونة الأخيرة .. و عادة تكون هذه الإستفسارات التهكمية مقرونة بكل ما هو سيء و شرير و دموي , أو عمل همجيّ غير مسؤول جرى هنا أو هناك ضد الوطن الأرض و الوطن الانسان و مُستنكر من كل ذو عقل و أخلاق .

فالحرية عندنا أصبحت رديفٌ ( للفوضى ) و كل مُطالب بها هو بالتأكيد مُطالب للفوضى و تقويض النظام و السلم الأهلي , و هو مؤيداً للطائفية و العشائرية و الرجعية و العمالة للخارج و فاسد و مفسد و ملعون الأصل و السلالة .. .. لذا يجب قمعه في الحال حتى لا تعّم الحرية – الفوضى في البلاد و تفسد البقية الغالبة  من العباد .

أمّا أكثر ما يحزّ بالنفس أنه عندما تتحدث عن الحرية في الوسط المفترض أنه محسوب على المثقفين .. حيث ستجد جوابه جاهزاً .. هو عبارة عن مجموعة من مقاطع الفيديو الشنيعة التي ارتكبها قتلة مجرمون بحق شعبنا و جيشنا هنا و هناك … و لن يتردد بضمك لهؤلاء القتلة قبل أن تستنكر هذه الأحداث .. و

يقول لك متابعاً بلهجة – أمنيّة زاجرة .. أهذه الحرّية التي تريد ؟؟؟ أهؤلاء الأحرار الذين تتعاطف معهم ؟؟؟ هل هذا المارق هو الذي سيجلب لك الحرية , أم ذاك الشيخ العاهر … أم هذه الداعرة .. و هلمّ جرّ من صفات أصبحت ثقافة دارجة هذه الأيام … بالتأكيد سيعقب كلام هذا المثقف حديث عن الأمن و كيف ان النساء عندنا يخرجنا في منتصف الليالي و لا أحد يضايقهن ؟؟ طبعاً عند غيرنا يأكلون النساء في الشوارع … ظهراً .. أو صباحاً قبل الإفطار !!! و المثال على ذلك في الدول المجاورة و القريبة .. النساء هي الوجبة المفضلة على الغداء و العشاء .. أما عندنا فالحمد لله … ممنوع .. أكلهنّ ..

بالتأكيد مقاطع الفيديو المضادة و التي هو سيخبرك عنها و لست أنت .. فما هي إلاّ مجموعة من المفبركات الخارجية و الداخلية العميلة … بخلاف الأصيل المقدّس الذي بين يديه و عنه لا يحيد .

فات الكثير من  اللذين يتحدثون بهذه اللغة الساخرة و المتهكمة عن الحرية , بأنهم يتحدثون عن شيء لا يعرفونه و لا يعونه .. لأنهم لم يجربوه و لم يلتمسوه بشعورهم و عواطفهم فشهادتهم بمعنى الحرية مجروحة … لا أعيبهم , فهمّ هكذا كانوا دائماً .. وُلدوا ضمن بيئة ثقافية موجهة و محددة جعلت منهم عبيد التفسير الرسمي للكلمة … التي تبوأت المركز الثاني لشعار  الحزب القائد للدولة و المجمتع فهي تلي : الوحدة .. و تسبق الاشتراكية … و من المُحال أن تخبرهم بما لا يريدون أن يختبروه .. ففزاعة أمنهم و وجودهم جعلتهم مشلولي الفكر و التعمقّ بمعنى الحرية …. أرادوا استبدال أمنهم بحريتهم كما العبيد .. و فاتهم مقولة ” من استبدل حريته بأمنه .. فهو لا يستحق لا الحرية .. و لا الأمن ”

الحرية .. ذلك اللغز الكبير الذي مافتيء يحرك مشاعر البشر و يدغدغ احاسيسهم بكل نسمة هواء يتنشقونها , أو ضحكة طفل صغير يسمعونها أو حتى تغريدة سقطت من عصفور يلاحق عصفورته بعد طلوع الفجر , أو ترنيمة لفيروز صادرة من مذياع الجارة , يسمعونها أثناء احتسائهم لفنجان قهوة الصباح على شرفة منزل مطلة على حديقة أو شارع تحّول لملعب الطفولة البريئة الحرة من أفكار البالغين من بني البشر ..

الحرية هيّ مطلبٌ غريزي لأبناء البشرية الأسوياء .. لأن أمهاتم ولدتهم أحرار .. و ليست صفة مكتسبة من وحي البيئة و الظروف …

الحرية أقدم و أنقى مطلبٌ للبشر ية .. فلا تجعلوه مطيّة لأفكاركم المنقوصة و المريضة … و لا تصبغوه بالدم و النار و الحريق … فليس كل مُطالب بالحرية هو مجرم … فالمجرم أسير مرضه و شبقه و تعلقه بالدم و الدمار , و هو آخر من يفكر بالحرية …

الحرية لم تعني في يوم من الأيام أن يتمنى المرء لبلده الخراب و الدمار .. فلمْ تلصقوها بهذا الإنحدار من الأفكار ..

الحرية : هيّ انّ لا أُستدرج و أُعتقّل بذات الليلة و لا أحد يعرف عنيّ شيء , ثمّ لأظهر بعد عدة أيام و خلفي الكثير من الإنهيارات الإجتماعية و العائلية لجريمة مفادها صرخة حانقة مكبوتة من قبل ميلاد البحار … حرية .. قد أكون صرختها .. أو خُيّل لهم بأنني صرختها …

و أخيراً سأخبركم سراً خبرته مؤخراً بين جدران عالية لأحد السجون … بالفعل الحرية ليست للجميع بل هيّ للشجعان فقط …. همّ فقط يستحقونها …

http://walidsham.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى