صفحات سوريةطيب تيزيني

الحقيقة المزعومة في الحقل السياسي


طيب تيزيني

مع الأحداث الكبرى والصغرى التي تمر بالعالم المعاصر، نجد أنفسنا غالباً أمام سلوك سياسي يقدم نفسه في واقع العلاقات الدولية بين عدد أو أكثر من البلدان الراهنة، بمثابته “موقفاً على موقف”. أمّا مَن يأخذ هذا الموقف من الدول الأوروبية راهناً، فتبرز خصوصاً روسيا والولايات المتحدة حِيال “الثورة السورية”، أو ما يسمى بالـ”الربيع العربي” في سوريا. فلقد أُعلن يوم السبت 28 يوليو أن الرئيس الأميركي قدم لإسرائيل سبعين مليوناً من الدولارات دعماً لها في شؤونها العامة. واعترافاً بأهمية دورها في “نشر الديمقراطية” بالشرق الأوسط! كما جاء هذا المبلغ حثاً ليهود الولايات المتحدة على دعمه في الانتخابات القادمة للدورة الثانية، أما خصمه الانتخابي من الجمهوريين فهو كذلك، حريص على طمأنة إسرائيل بدعمه لها، فيما إذا أصبح رئيساً، ويصبح ذلك مهماً في حال التفكّر بشؤون سوريا.

وفي حال روسيا، فقد اتضح، على مدى أشهر أن موقفها من “الثورة السورية” لم يتغير ولن يتغير. وكانت اعتراضاتها على اتخاذ موقف جاد من استخدام السلاح من قبل النظام السوري، قد أوضحت أن هذا الموقف “مبدئي”، بمعنى أن استخدام السلاح المذكور هو -في ذاته- مقبول، بغض النظر عن تغير المعطيات. وقد أفضى ذلك إلى تسجيل الملاحظة التالية، وهي أن “الفيتو” الروسي -على ما هو وفي كل الأوضاع- سيظل “صالحاً” لإبرازه في وجه الثائرين السوريين. وتأكيداً على “إطلاقية” مصداقية الفيتوهات الثلاثة السابقة التي قد يأتي غيرها في قادم الأيام من قِبل الروس، فقد جاء في الأخبار (أيضاً يوم السبت المذكور) أن روسيا لا تسمح بتفتيش السفن القادمة منها والمتجهة إلى سوريا، سواء كانت الحمولات المستجلبة من روسيا خبزاً وحليباً وأدوية، أو أسلحة من أنماط أو أخرى مخصصة للقتل أو للإعطاب والتشويه، أو كذلك لتدمير البيئة الطبيعية.

 نحن هنا، أي في حالتي الولايات المتحدة وروسيا، أمام معطيات موضوعية لا تسمح بمنحها كلتيهما ثقة بأنهما -في موقفيهما من المسألة السورية- تسلكان طريقاً يحترم الثائرين في سوريا ومطالبهم، الحرية والكرامة والديمقراطية. فكل منهما تسير على طريق منحاز إلى فريق يعينه. ومن ثم وبناء على ذلك، لا تساعد الشعب السوري على نحو يتجاوز المصالح الأولية والحاسمة، التي تقف وراء مصالحها الفاحشة مع مصالح الفريقين الآخرين (إسرائيل والنظام السوري).

في تلك الحال، تجد روسيا نفسها أمام وهْم “المؤامرة الكونية” على سوريا، بحيث تُفرّط، باستسهال فظّ يمثل عاراً معرفياً وأخلاقياً، بحقيقة مُرة عاشها الاتحاد السوفييتي السابق وتفكَّك بسبب عدم احترامها إنسانياً وتجاهلها سوسيو-تاريخياً، تلك هي: إن إصلاح الأوطان على نحو مطرد، لا يمثل انتقاصاً من نُظمها ولا رذيلة بالنسبة إلى زعمائها، إذا كانوا غير قادرين على احتمالها (أي ضرورة الإصلاح)، لأن الإصلاح إذ ذاك يقود إلى الإطاحة بهم بوصفهم يستفردون بالسلطة من دون غيرهم، وربما كذلك بالثروة وبالإعلام. ومن ثم، فالقول بـ”المؤامرة الكونية” على البلد، يصبح لازماً، لإخفاء عورات الداخل السوري الكبرى.

أما ما يتصل بالولايات المتحدة فالموقف يُخفي خبثاً يقوم على الانطلاق من أنها تجانب الحقيقة التي يناضل الشعب السوري نصف قرن تقريباً من أجلها، وهي “استعادة الروح” عبر ثلاثية الحرية والكرامة والديمقراطية. ولما كان الوصول إلى هذه الحقيقة قميناً بوجود دولة وطنية ذات بُعد عروبي، فإن ذلك سيكون تأسيساً لمشروع سوري يحقق -إضافة إلى ذلك- مستلزمات التنمية في مجتمع متقدم ويحترم ضرورات العمل وتلبية حاجة الناس في الكفاية المادية، مع استعادة الأراضي المحتلة.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى