صفحات الثقافةممدوح عزام

الحق في الضحك/ ممدوح عزام

 

 

 

في كتابه “كيفية السفر مع سلمون” يقول أمبرتو إيكو: “لقد كتبتُ هذه الصور الساخرة (مع امتلاك كل منها لوظيفة أخلاقية خاصّة بها) بغرض التسلية والمتعة… لا أقول هذا لأختلق الأعذار: فأنا أدافع عن الحق في التسلية”. ومن يقرأ روايته “اسم الوردة”، سيلاحظ أنها تضمّ الكثير من العناصر التشويقية، ذات السمات البوليسية، إلى جانب كونها نصّاً مفتوحاً، قابلاً للقراءات المتعدّدة.

ولعل المغامرات المشوّقة التي يعيشها أدسو، راوي الحكاية، ومعلّمه غوليالمو دا باسكرفيل، هي التي يمكن أن تنتمي، في القراءة الأولى للرواية، إلى عالم المتعة والتسلية؛ إذ يضعنا الروائي، منذ الصفحة الأولى، في مناخ من الألغاز الغامضة التي تتضمّن جرائم غريبة ومبهمة.

ويبدو الدير بما فيه من أسرار وعجائب ومؤامرات وحيل وأفكار وصراعات على السلطة، صورة عن العوالم الخارجية التي يعيشها البشر في كل عصر. والممتع فيها، هو أن الروائي يشغل الرواية كلّها تقريباً، وهي رواية ضخمة تبلغ خمسمائة وخمسين صفحة، بالبحث الذي يجريه المحقّق غوليالمو عن القاتل. على أن الروائي يكسر السرد قليلاً ليجعل القارئ يلاحق سرّاً آخر أشدّ غموضاً، يبدو أنه هو الذي يهيمن على موضوع القتل. تلك هي المكتبة، وذلك هو الكتاب الخفي الممنوع الذي يسبّب تلك الجرائم.

لم يُمنع الرهبان من قراءة كتاب أرسطو وحسب، بل عمد أحد الرهبان، هو راهب أعمى اسمه يورج، إلى تسميم صفحاته، بحيث ينتقل السم إلى أصابع من يمكن أن يقرأ الكتاب خلسة، حين يبلّلها بلسانه من أجل تقليب الصفحات. وهو ما كان يحدث مع “الفضوليين” ممّن يريدون قراءة الكتاب. وسينجم عنه ذلك الموت الغامض، الذي قدِم غوليالمو للتحقيق بشأنه.

ولكن لِمَ يُمنع الرهبان من قراءة الكتاب، إلى حد أن يُقتلوا إذا خالفوا قرارات المنع؟ الظاهر أن الكتاب عن الضحك، أو عن الكوميديا ودورها التطهيري في حياة البشر، وهي فكرة جديدة تختلف عن فكرة أرسطو الأولى عن دور التراجيديا في هذا الشأن. وهو يعلّمنا كيف نمسخ وجه الحقيقة.

لكن أية حقيقة؟ إنها تلك الأفكار (الأوهام) التي يعتقد البشر أنها هي الوحيدة التي تمثّل الحقيقة، أي هي الوهم. هي أوهامنا التي يمكن أن يكون بعض البشر مستعدّين للموت من أجلها. وهنا يقول غوليالمو لمساعده أدسو: احترس يا أدسو من أولئك المستعدّين للموت من أجل الحقيقة. لماذا؟ لأنهم يجرّون كثيرين من البشر إلى الموت، بحجة أنهم يدافعون عن الحقيقة، ويجعلونهم يموتون غالباً قبلهم، وأحياناً عوضاً عنهم.

الغريب في الأمر أن نزلاء الدير يواظبون على قراءة الكتاب الممنوع، بعيداً عن أنظار رقابة الدير. بالطبع، ما كانوا يعلمون بأنه مسمّم. لكنهم يبحثون عن المعنى الذي يحاول قيّم المكتبة إبعادهم عنه، وهو كيفية الوصول إلى التطهّر من الخوف، باللجوء إلى الضحك، ذلك لأن الإنسان، كما يقول أرسطو في الكتاب ذاته، ينفرد من بين جميع الحيوانات بقدرته على الضحك.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى