صفحات العالم

الحلقة السورية المفرغة

 

د. علي الطراح

هل ما زالت هناك مساحة للحل السلمي في الأزمة السورية؟ في حديث مع عبدالله دردري، الأكاديمي ونائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد السوري، يقول إنها أزمة كبيرة لن تستطيع معها الدول المانحة أن تفي بما تكبدته سوريا من خسائر تصل إلى ما يقارب 15 مليار دولار. والكل يدرك أن المواجهة ما زالت غير محسومة، ولا يمكن لأي طرف أن يحقق انتصاراً حاسماً على أرض الواقع، وأن روسيا ما زالت تشكل المفتاح للأزمة السورية. وفي جلسة في دمشق قبل اندلاع المواجهات الأمنية كنا نتحدث عن ضرورة التغيير، وأنه لا مفر لسوريا منه، وخصوصاً أن الفساد بين النخبة السياسية خرج عن حدوده، فكان الحديث بيننا فيه تفهم وتقدير لضرورة التغيير. وطبعاً كان أحد محاورنا عن العلاقة الإيرانية السورية التي أربكت المنطقة العربية، وأتاحت لإيران الفرصة للدخول من البوابة السورية إلى قضايا عربية. وهذه العلاقة ليست بجديدة فقد كان الأسد الأب يرتبط بعلاقة استراتيجية مع طهران، إلا أن الفارق يكمن في أنه كان يجيّر إيران للمصالح السورية، وما كان يرغب في استخدام طهران لأوراق ضاغطة سواء في الإقليم الخليجي، أو في العمق العربي. إلا أن الحالة اختلفت مع الأسد الابن الذي أعطى إيران الكثير من الأوراق الضاغطة التي أخلت بالعلاقات الاستراتيجية العربية، مما حدا بإيران إلى اللعب في الملعب العربي.

واليوم لدينا معارضات، وليست معارضة واحدة منسجمة، وهي جميعها تجمع على إسقاط النظام السوري، إلا أنه على أرض الواقع هناك تدمير لسوريا، وهناك أموات بالآلاف، وهناك تشريد منقطع النظير، وهناك تدمير للأسرة السورية وخصوصاً ما تتعرض له الفتيات السوريات من ابتزاز، وهو ما يوسع الدمار في سوريا العربية.

ومن الواضح أن الاختلاف في توجهات المعارضة السورية ينسحب على بعض الدول العربية المساندة لرحيل النظام، إلا أن الخلافات ستتسع في حالة إسقاط النظام، لكون المعارضة مختلفة وليست لديها رؤية موحدة حيال مستقبل سوريا، مما يعني أن الوضع يتجه نحو التفاقم، وأن سوريا تحتاج إلى عقود لإرجاعها إلى وضعها الطبيعي. وفي الوقت نفسه هناك رغبة لدى روسيا وربما أميركا في استمرار الأسد، على أن يشكل حكومة انتقالية من المعارضة، إلا أن ذلك لا يجد القبول لدى المعارضة والحكومات العربية الداعمة. ويقول دردري إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه الأسد تجسد في معاداة السعودية، وهو يدرك أن لديها عدم ارتياح تجاه العلاقة الإيرانية السورية، وأنه كان بإمكانه استيعاب المطلب السعودي من خلال احتواء إيران وحثها على طمأنة دول الخليج العربي، والكف عن التحرشات المختلفة في دول المنطقة.

لقد خدم عبدالله دردري في الحكومة السورية وكان من الحريصين على قضية التغيير، بل كان يرى أن سوريا تتجه نحو الهاوية لو استمر الوضع على ما هو عليه، فكان يقول لي إنه سبق له ونقل وجهة نظره للرئيس السوري إلا أن المدرسة القديمة كانت ترى في نصائح دردري تهديداً للأمن الوطني. ويقول إن مساحة التفاهم ما زالت قائمة في حالة قبول الأسد فكرة التغيير باعتبارها ضرورة ملحة، وخصوصاً أن رجال الاستخبارات وجماعة المدرسة القديمة لم يعد لهم وجود، وأن رئيس النظام بإمكانه إعادة التوازن لو تفهم أهمية إعادة علاقته مع دول الخليج العربي، فهذه الدول لها تاريخ من الوقوف مع سوريا، وتملك من الأوراق ما يسمح لها بحث المعارضة على قبول مرحلة انتقالية شريطة أن يعين أحد أعضاء المعارضة من الداخل لتولي رئاسة الحكومة كمرحلة انتقالية.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى