صفحات سورية

الحل في بناء الدولة المدنية الديمقراطية

 


ميشال شماس

أثبتت الأحداث التي تمر بها سورية والبلدان العربية، كم  نحن بعيدون عن بناء مجتمع مدني ديمقراطي ..عن بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم مواطنيها على أساس مبدأ المواطنة  بصرف النظر عن الانتماء للسياسة والدين والعرق واللون والجنس..

كما أثبتت تلك الأحداث بما لا يدع مجالا للشك كم نحن بحاجة إلى دولة مدنية ديمقراطية تقف على مسافة واحدة من جميع أبنائها بمختلف قواهم السياسية بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم وألوانهم..

أجل دولة مدنية ديمقراطية تشارك فيها المرأة إلى جانب الرجل على قدم المساواة .. دولة مدنية ديمقراطية يُحترم فيها الرأي والرأي الأخر المختلف… دولة مدنية ديمقراطية يسود فيها القانون على الحكام قبل المحكومين.. دولة مدنية ديمقراطية يكون فيها القضاء سلطة قوية ومستقلة يخضع لأحكامها الحاكم قبل المحكوم.. دولة مدنية ديمقراطية تسعى فيها القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني للفوز بثقة الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة بدءاً من المختار وصولاً إلى منصب رئيس الجمهورية..

فإذا كانت الشعوب الأوربية وغالبية دول العالم قد حسمت خيارتها باتجاه إقامة الدولة المدنية بعد أن قدمت تضحيات كبيرة، إلا أن الشعوب العربية وقواها وأحزابها التقدمية والعلمانية لم تستطع حتى الآن حسم خياراتها باتجاه إقامة الدولة المدنية، كما أن أنظمة الحكم في البلدان العربية هي أيضاً لم تحسم خياراتها نحو تحقيق الدولة المدنية، وفضلت البقاء في “المنطقة الرمادية”  بعيدة عن الدولة المدنية وقريبة من الدولة الدينية. إلا أن النتيجة كانت هويات متعددة في البلدان العربية حتى في الدولة القطرية الواحدة ..هويات دينية مذهبية طائفية عرقية وقبلية.

وإذا كانت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في أوربا قد لعبت دوراً كبيراً وحاسماً في حسم الصراع الذي جرى في أوربا لصالح إقامة الدولة المدنية،  فإن العكس هو الذي جرى ومازال يجري في البلاد العربية ، فجرى تهميش دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وقمعها في معظم الأحيان، حتى أن تلك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني استمرأت حالة الخنوع واستكانت لها بعد أن رضيت ببعض الفتات المقدم لها من قبل النظام العربي الرسمي. وتقاعست عن أداء دورها وتراجعت عن شعاراتها، وراحت تقدم التنازلات تلو التنازلات لأنصار مشروع الدولة الدينية، حتى إن بعض تلك القوى أخذ يدافع بقوة عن أصحاب الدولة الدينية بحجة أن  أولوية المعركة الآن  يجب أن تكون في الاتجاه الذي يقوده أصحاب مشروع الدولة الدينية. وأخذت تلك القوى تدير ظهرها للانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان في الدول العربية في حقوقه وحرياته، والتزمت الصمت الخجول ولم تحرك ساكناً تجاه قمع الحريات المدنية على يد الأنظمة الحاكمة والحركات الدينية على السواء.

وأمام كثرة اللاءات والمحظورات والممنوعات التي مارسها النظام العربي الرسمي ، لم يجد المواطن أمامه سوى اللجوء إلى الجوامع والكنائس والجمعيات والحركات والمدارس الدينية، ليس لأنها تؤمن له الغد الأفضل المشرق، بل لكونها فقط المجال الوحيد المتاح أمامه الذي يستطيع دخوله دون أن يعاقب أو يلاحق . فيدخل المواطن إلى تلك الجمعيات والمدارس الدينية، وهو يجهل امتلاكها لأية آفاق سياسية، أو تصورات ذات قيمة، أو أنها تتحلى بفكر حديث، ورؤى عصرية يمكن التعويل عليها في حل المشاكل التي يعانيها أو حمايته من الأخطار التي تهدده .

لذلك وأمام هذا الواقع لم يكن مستغرباً أن يتصدر أصحاب مشروع الدولة الدينية من تنظيمات وأحزاب وحركات دينية الساحات والمواقع لاسيما تصدر الحراك السياسي الشعبي الذي تشهده البلدان العربية في محاولة منها ليجيره في خدمة أهدافه نحو إقامة الدولة الدينية. على حساب مشروع الدولة المدنية، هذا المشروع الذي أصيب بانتكاسة كبيرة عندما تخلى المدافعون الأساسيون عنه وانخرطوا في إقامة تحالفات وتفاهمات مع مناصري مشروع الدولة الدينية،.مما أدى إلى تراجع مشروع الدولة المدنية بشكل خطير في مختلف المجالات ولاسيما الاجتماعية والثقافية منها لصالح مشروع الدولة الدينية، حيث لم يعد يذكرنا بهوية  تلك الأحزاب والقوى والتنظيمات وتوجهاتها المدنية سوى الاسم فقط وبعض الممارسات والمظاهر الخجولة.

فهل يستطيع هذا الحراك السياسي والشعبي الذي يجري في غير بلد عربي  الدفع باتجاه إعادة الروح للدولة المدنية وينجح بالتالي في خلق قوى جديدة تستطيع بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تحترم الإنسان وتؤمن به بصرف النظر عن أي انتماء سياسي أو ديني أو عرقي ..؟

كلنا شركاء

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى