صفحات سورية

الحل في سورية برسم الاتفاق على نووي إيران/ بشار عمر الجوباسي

كان من قبيل الصدفة انّ الفرق بين كلمتي ائتلاف واختلاف هو حرف واحد، ولكن نجد انّ لهما نفس المضمون عندما نتحدث عن ائتلاف المعارضة السورية. حقّق النظام شيئا من التقدم في بعض جبهات القتال في ما بدا واضحا، كوسيلة للضغط على المعارضة لحثها على الذهاب الى جنيف؛ حسنا لقد اجتمع اعضاء الائتلاف اخيرا بعدما تأجل مؤتمرهم مرتين، وبعد كثير من الجدال والنقاش اللذين استخدمت فيهما حتى الايدي والخدود وافقوا على المشاركه في جنيف -2 مطالبين، لا مشترطين، بضمانات دولية لم تُرينا فصول التاريخ منها شيئا. لقد اتى ذلك الضغط أكله، ففي النهاية هم لا يملكون قرارهم، ولكن بعد تلك الموافقة لم نعد نسمع عن ذلك الجنيف شيئا، رغم كل ما ترافقت به الدعوات اليه من لقاءات وتحركات وزخم اعلامي وقليل من الاستجداء العلني للمعارضة مع كثير من الضغط السري عليها؛ ربّما كانوا لا يحتاجون اليه فهناك الكثير ممن يطمح الى التزلج على تلك الجبال.

لماذا اذاً لم يتم تحديد موعد لمؤتمر جنيف-2 بعد تلك الموافقة، رغم كل الترحيب الدولي بها؛ لا تجيب على هذا السؤال الا نتائج مباحثات النووي الايراني، فايران تربط اي تقدم على صعيد الحل السياسي للازمة السورية بخروجها من ازمتها النووية مع الغرب، وهي صاحبة الثقل الاكبر على الساحة السورية؛ وقد تُركت سورية رهينة بيدها.

تتصارع الدول والمذاهب على ارض سورية المنكوبة، فهذا حسن نصر الله يقولها صراحة انّه لن يغادر سورية ولماذا؟ ليحمي فلسطين ولبنان وسيظلّ ‘يجاهد’ هناك، وهو يطلب ايضا ثأر سيدنا الحسين رضي الله عنه من اطفال وشيوخ سورية! مَنْ كان يتخيل انّ ميليشيات طائفية بغيضة حاقدة يمكن ان تحتل بلدا مثل سورية وتتحكم بمصير الملايين من شعبها. ايران تضع كل ثقلها في معركتها المصيرية في سورية، التي سيكون سقوط النظام فيها اخر حصن لها امام جحافل الغرب، ولكنها تعي انّ ذلك النظام الارهابي لن يصمد الى الابد، ولن يكون لها موطئ قدم في سورية ولا حتى لبنان بعد سقوطه، لذلك فهي تحاول مساومة الغرب على تخليها عن ذلك النظام وعن تخصيب اليورانيوم بنسبة كبيرة، مقابل عودتها الى حظيرة المجتمع الدولي، وبالتالي الابقاء على النظام الايراني، وهذه مصلحة غربية في النهاية، وربما هذه النقطة بالتحديد هي سبب ظهورها الدائم بمظهر القوي غير الابه بالعقوبات، رغم كل ما يعانيه شعبها واقتصادها، فالغرب لا يريد ان يخسر فزاعةً توفر له بيع السلاح بمئات مليارات الدولارات الى دول الخليج، اذا فسورية ومعاناة شعبها ليست اكثر من ورقة تبتزّ بها بعض الدول بعضها للحصول على مآربها؛ واولها الصديق قبل العدو، فالسعودية وبعد ان افرغت اراضيها وسجون مخابراتها من جهاديي القاعدة راحت تساوم الولايات المتحدة على عدة امور، منها تخفيض انتاج النفط وتخزين رؤوس نووية باكستانية على ارضها، وايضا تزويد المعارضة السورية بسلاح نوعي متطور يشمل مضادات الدروع والطائرات – وذلك حسبما ذكرته صحيفة ‘القدس العربي’ قبل فترة في محاولة منها لدفع الولايات المتحدة لاخذ موقف حازم تجاه ملف ايران النووي؛ انّهم اذا يساومون على دم ومعاناة السوريين، وهم يقدرون على مدّ الثوار بتلك الاسلحة التي سيؤدي وصولها الى الثوار الى اسقاط النظام. الامارات تلغي استثماراتها في تركيا اكبر داعم للثورة السورية وتقوم رفقة السعودية بتمويل صفقة سلاح روسية – ثاني اكبر داعم للاسد – لمصر تقول التسريبات انّها بملياري دولار، وتقول اخرى انّها بعشرة مليارات على مدى خمس سنوات؛ على اي حال لا يحتاج السيسي اكثر من الكلاشنكوف ليواجه به الصدور العارية لاعدائه المحتملين، وليته يصرف تلك المليارات على قوت المصريين بدل ان يكدس بها اسلحة سيأكلها الصدأ، ولكن الا يدعموا روسية بذلك ويكافئوها بموطئ قدم لها في مصر، بعد ان قُطِعت رجلها منه لاكثر من اربعين سنة، وهل الولايات المتحدة بكل تلك السذاجة لتتخلى عن دولة بحجم وموقع مصر؟ ما يقوم به السيسي من استئصال للاسلاميين وخنق وارهاب قطاع غزة، أليس هو غاية ما تتمنى اسرائيل حتى بلغ ذلك الحصار درجة لم تكن لتحلم بها من صديقها مبارك؟ وهل هذا الا منتهى اماني الولايات المتحدة؛ فاذاً ليس هناك ما يختلف عليه السيسي مع الامريكيين والاسرائيليين، ربما كان هذا الجفاء المعلن بينهما والتقارب الروسي المصري مسرحية تعطي فيها الولايات المتحدة لروسية الاذن باقامة قاعدة امداد لاسطولها على السواحل المصرية، بدلا من قاعدة الامداد الحاليه في ميناء طرطوس السوري، نظرا لان اول شيء ستقوم به اي سلطه سورية بعد نظام الاسد البائد هو اغلاق تلك القاعدة؛ انّها السياسة فن الكذب.

تتكالب الامم على سورية ولا احد يهتم بمعاناة شعبها، وامسى القليل مِمَنْ يكترث بها يستخدمها كورقه ابتزاز في جلسات مفاوضاتهم الاثمة، اما الاعم الاعظم فهي عندهم مجرد خبر مكرر لا يهتم به احدٌ متى اختفى ذكره، لتظل جراح ومآسي السوريين برسم التمديد، وسط غياب ادنى امل بحل قريب، فامام فرقاء جنيف-2 مهمة تعجز كلمة مستحيل عن وصفها للخروج باتفاق يرضي الجميع، ولكن ليأتي ذلك المؤتمر فربما كان خطوة جدية واساسية باتجاه جنيف -3؛ لا احد من السوريون يرضى بمقايضة اثنين وثلاثين شهرا من الجحيم مقابل تسوية تنهي ثورتهم من دون ان تحقق اهم اهدافها، وان كان البديل هو استمرار المعاناة فليس امامهم من خيار اخر، ولن يكون مفاوضو الائتلاف، اذ ذاك، ابطالا خارقين اذا ما انسحبوا من اجتماعات جنيف-2 رفضا لقرار لا يضمن حقوق السوريين، فهذا امرٌ بدهي للغاية، ولكن عليهم ايجاد السبل والآليات للحد من معاناة اولئك المعذبين، وقرار تشكيل حكومة للمعارضة لن يكون له اي قيمة اذا لم نشاهد انعكاسات عمله على ارض الواقع. تلك الحكومة ابصرت النور بعد ثمانية اشهر كاملة على قرار الائتلاف بتشكيلها، ذلك الائتلاف يبدو انّه لا يهتم كثيرا بالوقت، فدائما يؤجل اجتماعاته، وقال احد اعضائه في لقاء له مع احدى الفضائيات عندما سُئِلَ عن تأجيل مؤتمر جنيف-2 ؛ انه يرى ذلك ايجابيا ولربما اعطى المزيد من الوقت لاجراء مباحثات ومشاورات سياسية اعمق؛ لا بدّ ان الاقامة في اسطنبول تروق له كثيرا.

يدخل حصار المعضمية وداريا هذه الايام عامه الثاني وذلك المعارض يريد اعطاء مزيد من الوقت لمشاوراته السياسية؛ لم يأت مرور الوقت الا بحصار اخر لغوطة دمشق الشرقية، ثم حي الوعر الحمصي، سيظل موعد مؤتمر جنيف-2 مؤجلا برسم حصول اتفاق ايراني – غربي حول ملفها النووين فنظام الاسد الارهابي امسى ورقه في حقيبة المفاوض الايراني، وما ان يتصاعد الدخان الابيض من احد الاجتماعات الغربية الايرانية حتى نشاهد الاسد وطغمته المجرمه يعدِّون حقائبهم في دمشق لسفرٍ طويل.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى