صفحات الناسوليد بركسية

الحملة الكبرى لوقف إطلاق النار: طوباوية سوريا الحديثة/ وليد بركسية

 

باتت الحملات الإفتراضية الداعية للسلام في سوريا “موضة رائجة” في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أربعة أعوام من انطلاقة الثورة السورية وتحولها إلى حرب أهلية مفتوحة الأطراف. “موضة” تشوبها النوستالجيا والعبثية إلى حد الإبتذال أحياناً، لا تقدم سوى صوت الناس العاديين المعبرين عن رغبتهم في العودة إلى الحياة الطبيعية لا أكثر، غاية باتت مملة وتقليدية اليوم حتى لو كانت في أساسها نبيلة المعاني.

تترجم “الحملة الكبرى لوقف إطلاق النار في سوريا” المعاني السابقة إلى حد كبير. فهي أبرز الحملات التي أطلقت على “فايسبوك” في الآونة الأخيرة للتعبير عن رفض السوريين لاستمرار الموت المجاني في البلاد، ورغبتهم في إعادة السلام إلى بلادهم وتضامناً مع “شعب سوريا المظلوم”. كما تعبر منشورات الصفحة التي تأسست في أب / أغسطس الماضي، بهدف التحضير لانطلاقة فعلية على أرض الواقع في الثلاثين من الشهر الجاري، بشكل وقفات احتجاجية صامتة في الداخل السوري وخارجه دعماً للسلام والمصالحة في البلاد.

المسؤولون عن الحملة هم خمسة طلاب في جامعة دمشق (3 شبان وفتاتان) لم يكشفوا عن أسمائهم أو تخصصاتهم. ويوضح أحد المبادرين في الحملة قيس في تصريحات لـ”المدن”، أن فكرة الحملة أتت “من وحي الحاجة والظلم والذل الذي يعيشه الشعب السوري في مختلف أنحاء العالم بشكل عام وسوريا بشكل خاص” على حد تعبيره.

“لأن الحرب في عامها الرابع نحن شباب سوريا يجب أن تكون لنا كلمة، فالطرفان يقاتلان من أجل الشعب، والشعب يريد من الطرفين إيقاف إطلاق النار”، هكذا يوصف قيس الفائدة من حملات السلام الإفتراضية بما فيها حملتهم، مؤكداً أن فريق الحملة لا ينتمي لأي طرف سياسي أو فصيل عسكري. ويضيف” “نحن صوت الشعب السوري المظلوم فقط، ونتكلم نيابة عن الشعب السوري فقط، ومحيادون من جميع الأطراف ولا ننتمي لأي تيار”، لتعيد الحملة إلى الواجهة صوت التيار الثالث في البلاد وهو التيار الأكثر صمتاً في ظل انفجارات براميل النظام وهاون المعارضة وصليل صوارم “داعش”.

يضيف قيس أن الهدف من الحملة يتلخص في “الضغط على الطرفين لوقف إطلاق النار وعودة الناس إلى منازلهم وفك الحصار عن الأماكن المحاصرة، والعمل على خروج الغرباء من سوريا”. هي أهداف تبدو كبيرة جداً وغير قابلة للتحقيق على أرض الواقع بجهود صفحة في “فايسبوك” فقط، هي أقرب للتمنيات الطيبة منها للأهداف، لتشابه الحملة في طروحاتها تلك، طروحات حملات السلام السابقة في العموم. طروحات طوباوية منفصلة عن الواقع لافتقارها إلى آليات التطبيق من جهة ولعدم اكتراث أطراف الحرب في سوريا برغبات الناس العاديين أساساً.

يعلق قيس على هذه النقطة بأن فريق الحملة حاول تدارك العبثية في الطرح، فتواصل مع أشخاص كثر على مستوى العالم بغرض التنسيق معهم من أجل تنظيم العمل على أرض الواقع. “كما وصلت الحملة إلى شخصيات مهمة من الطرفين وتكلموا معنا وهم مع الفكرة والمصالحة”، مضيفاً: “الحل بيدنا نحن: المصالحة، الحوار، إيقاف الحرب، نسيان الماضي، العمل على خروج الغرباء والعمل على بناء سوريا المستقبل”.

موضوع نسيان الماضي الذي تطرحه الصفحة قد يبدو صعب التحقيق في ظل القتل والقتل المضاد والموت المجاني وما يخلفه من رغبة في الثأر أو إحساس بالفاجعة.ولا يبدو أن الصفحة تهتم كثيراً بالذين فقدوا أحبتهم في الحرب في إطار حديثها بلسان جميع السوريين كما تعبر في منشوراتها شديدة العمومية، دون أن تقدم لهم الحل السحري للنسيان والغفران.

يقول قيس برؤية تفاؤلية في هذا الإطار: “نسبة كبيرة من السوريين ممن فقدوا أهلهم في الحرب مع وقف إطلاق النار والمصالحات فهم الآن يريدون الحياة ليس أكثر، نصف مليون شهيد. هذا يكفي. يجب أن ننسى الماضي ونمجد دماء جميع الشهداء من الطرفين من أجل سوريا وشهدائها وأطفالها”. وعليه يبدو أن الحملة تتعامل مع الواقع من منطلق رؤيتها الخاصة لهذا الواقع أكثر من كونها تتعامل مع واقع شديد التعقيد لا يعرف حقيقته أحد ربما، ليزيد ذلك من طوباوية الحملة ككل بافتراضها المثالية في كافة التفاصيل.

لا تطرح الحملة أي رؤية سياسية للحل السلمي الذي تقدمه للعالم، ولو بشكل أمنيات أو ثرثرة عابرة. ربما لأن آفاق الحل السياسي تبدو ضبابية اليوم بعد أربعة أعوام من الصراع المحموم على السلطة، لا إشارات تطرحها الصفحة لموقفها من التغيير السياسي أو شكل الحكم الجديد رغم أنها نقاط تمس الحملة بشكل مباشر، ويبدو أن الصفحة تروج لنقطة “لا غالب ولا مغلوب” كأساس تبني عليه خطابها مع الجمهور.

ويقول قيس: “الطرفان متعادلان والشعب هو الخاسر الوحيد، يجب أولاً وقف إطلاق النار من كافة الاطراف ثم تنطلق مرحلة الحديث عن الحكومة والسياسة، ولدينا هنا خطة ترضي جميع الاطراف” على حد قوله.

“لا تقل لي معارض ولا تقل مؤيد، لا تقل حر ولا نظامي. إنت سوري، افهم إنت سوري وسوريا للجميع. وإيدي وإيدك منرجع بلدنا ومنطلع كل غريب من سوريتنا”. هكذا تتكرر الشعارات التي تنادي بها “الحملة” في “فايسبوك” يومياً مرتبطة بالهاشتاغات الرئيسية للحدث #بدنا_نعيش، #بيكفي_قتل، وجمعت الحملة حتى اللحظة قرابة 77 ألف مشترك وهو رقم كبير جداً مقارنة بكافة الحملات السابقة التي أطلقت بغرض السلام في البلاد (اكتب لسوريا اكتب للحياة، الأبيض لأجل السلام في سوريا، ..) على الرغم من أن الحملات القديمة كانت أكثر ابتكاراً وتفاعلية من الحملة الكبرى.

لا وجود لتفاعل كبير في صفحة الحملة، ولا تطلب الحملة من الجمهور سوى المشاركة في الاعتصامات التي تنوي القيام بها في الـ30 من الشهر الجاري، في أكثر من 20 دولة مختلفة في توقيت واحد، حيث سيتم رفع الاعلام البيضاء وهي أعلام السلام مع اسم سوريا فقط. ولا تطلب الحملة من الجمهور صوراً لمشاركاتهم أو كتاباتهم دعماً للحملة، ليظهر خطاب الحملة فوقياً إلى حد ما. ويوضح قيس: “فايسبوك وسيلة ليصل صوتنا إلى معظم الناس لا أكثر”، مضيفأً ان الفريق يعمل على أرض الواقع من خلال توزيع منشورات وإخبار الناس عن الحملة وجهاً لوجه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى