صفحات سوريةفايز ساره

الحملة على المعارضة السورية


فايز سارة

يستطيع أي متابع للوضع في سوريا ملاحظة تصاعد وتلاحق الهجمات على المعارضة السورية بكياناتها وقياداتها ورموزها في الآونة الأخيرة، ويمتد قوس الهجمات من المقربين للمعارضة، ليصل في الأبعد منه إلى خصوم المعارضة وأعدائها.

غير أنه وقبل الدخول في قوس ومحتوى الهجمات على المعارضة السورية، لا بد من الإشارة إلى أمرين اثنين.. الأمر الأول يتصل بالتاريخ الاضطهادي الذي عاشته المعارضة في فترة ما بعد الاستقلال خاصة منذ مجيء حزب البعث إلى السلطة عام 1963، والأمر الثاني يتصل بطبيعة المعارضة من حيث تقسيماتها وانقساماتها في المرحلة الراهنة.

وفي الأمر الأول، يمكن القول إن سياسة النظام حيال المعارضة اتسمت بالقمع الشديد منذ عام 1963، حيث جرى استخدام كل الأسلحة والأساليب لإخضاعها وتدجينها، أو تدميرها حيث فشل ذلك، وتتلخص هذه النتيجة بصورة واقعية اليوم في شقها الأول عبر أحزاب وجماعات تتحالف مع حزب البعث الحاكم في الجبهة الوطنية التقدمية، وأغلبها تجد لها ما يماثلها في الاسم والتوجه بين أحزاب المعارضة من الناصريين إلى الشيوعيين، وما بينهما.

بل إن الأولى هي انشقاقات من الأخيرة، وقد ذهبت إلى حضن النظام بفعل سياسة العصا والجزرة، أما التنظيمات والأحزاب المعارضة من الجماعات الإسلامية وغيرها من أكراد وثوريين، فلم يسع النظام أصلا إلى ضمها إلى جبهته، مما جعلها جميعا في دائرة المعارضة، وقد تعرضت هذه الجماعات لحملات قمع مستمرة على مدى عقود، فقتل واعتقل وطورد كثير من قياداتها وكوادرها، وقد بنى بعضها حضورا تنظيميا في بلدان المنفى، تفاوتت أهميته وحجمه طبقا لخصوصيات ذاتية وموضوعية.

أما في الأمر الثاني، والمتصل بواقع المعارضة الراهنة، فهي غير موحدة، وإن بدت في الداخل متجانسة في تحالفين أساسيين هما إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وهيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، ويضم التحالفان أغلب الأحزاب إضافة إلى مثيلاتها الكردية والمنظمة الثورية الديمقراطية، ومعها العديد من الشخصيات الوطنية المستقلة. وثمة قسم من المعارضة هو الأقل حضورا من الناحية التنظيمية في الداخل السوري، وهو التيار الإسلامي الذي يشمل حركة الإخوان المسلمين وغيرهم ممن لا يظهر لهم وجود تنظيمي في الداخل بخلاف ما هو عليه الحال في الخارج، وهذه نتيجة سياسة القمع الشديد التي تم تطبيقها في الثمانينات، حيث كان يحكم بالإعدام على كل منتسب للإخوان المسلمين حسب المرسوم 49، وكان من السهل تطبيق هذه التهمة ضد أي شخص على علاقة بالتيار الإسلامي.

وتركت وقائع المنفى من جملة معطيات أخرى أثرها على وجود معارضة سورية في الخارج، تضم هيئات وأعضاء في جماعات مختلفة، إضافة إلى الجماعات الإسلامية وشخصيات مستقلة، تزايد حضورها ونشاطها في السنوات الأخيرة، لا سيما مؤخرا في ظل مساعيها للتعبير عن نفسها في ضوء الأزمة الراهنة، وهو ما انعكس في تنظيم العديد من المؤتمرات والكيانات المؤقتة وبينها المجلس الوطني الانتقالي الذي تم إطلاقه في أنقرة في أواخر أغسطس (آب) الماضي.

لقد بدا من الطبيعي قيام السلطات السورية وفي سياق سياستها التقليدية بشن حملات الاتهام والتحريض ضد المعارضة وجماعاتها وقياداتها، وإن بدرجات مختلفة، وهو ما شاركت فيه دول وقوى، اتخذت مواقف متقاربة مع مواقف السلطات إزاء الأزمة الراهنة، مثل موقف إيران التي اتهمت جماعات المعارضة السورية بالتواطؤ مع السياسات الغربية والإسرائيلية، فيما اتهمت روسيا المعارضة بممارسة العنف والإرهاب متبنية مواقف تزايد على مواقف السلطة في صراعات الداخل السوري، وبصورة إجمالية فإن حملة السلطات السورية وحلفائها الخارجين عن المعارضة، لا تزيد عن كونها حملة سياسية، هدفها إحباط المعارضة وقياداتها ومنعها من تحقيق أي تقدم على طريق تحقيق أهدافها في الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي.

أما الشق الآخر من الحملة على المعارضة، فهو حملة داخلية، جزء منها حرب بين قسمي المعارضة بين الداخل والخارج، وبين الشخصيات والجماعات الحزبية وفي داخلها، وللحملة الداخلية أهداف سياسية وتنظيمية، لا تنفصل عن الإرث الموروث من تلك الجماعات، بل إن لبعضها غايات شخصية تتصل بالقادة سواء من قادة الأحزاب أو الشخصيات المستقلة، والأهم في جوانب هذا الصراع أن هدفه الضمني يقوم على فكرة من يمثل السوريين اليوم. وفي حين تسعى المعارضة الداخلية لتأكيد حضورها ومكانتها، فإن المعارضة في الخارج تعمل لتكون ذات وزن وتأثير في تمثيل الداخل، وربما يسعى بعضها ليكون بديلا عن الداخل.

ويؤكد واقع المعارضة وما يحيط بها، لا سيما في ظل الحملات الحالية، ضرورة توجه السوريين لوقف تلك الحملات، أو الحد منها على أقل تقدير، لأن استمرار الحملات سوف يؤدي إلى ترديات سياسية كبيرة في بلد تواجه سلطاته تحدي المشروعية السياسية والقانونية والأخلاقية داخل البلاد وخارجها، في ضوء ما جرى في البلاد عبر الأشهر الماضية. وتؤدي الحملات إلى تدمير أو تشويه الموازي السياسي الممكن للنظام في سوريا، وترك البلد دون مرجعية مرتقبة فيما لو سقط النظام أو انهار لسبب أو لآخر، مما يفتح الباب أمام تطورات غير مرتقبة وغير متوقعة.

وينبغي على المعارضة اتخاذ زمام المبادرة، ليس فقط باتجاه المضي نحو تفاهمات بين أطرافها، تقودها إلى إقامة ائتلاف وطني – ديمقراطي عريض، بل أيضا من خلال وضع مهام للمرحلة المقبلة، تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع القائمة من جهة، وهموم ومتطلبات السوريين في الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي، تكون العدالة والمساواة والمشاركة وتعزيز سلطة القانون أساسه.

لقد آن أوان وقف الحملات على المعارضة السورية وتغذية الصراع داخلها. فهل نشهد في الفترة القريبة تحولات جوهرية في الموقف من المعارضة وكياناتها والشخصيات المستقلة فيها، وتحولات من جانب المعارضة، تؤكد السير نحو مهماتها المطلوبة، بدل السير في صراعات أغلبها من إرث الماضي، وبعضها لا معنى جوهريا له؟

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى