صفحات سوريةفايز ساره

الحوار في فكرته واحتمالاته

 


فايز سارة

يجزم كثير من السوريين على قول، بأن فكرة الحوار، هي فكرة مهمة، ويؤكدون انها الفكرة التي ينبغي ان تسود في حياة السوريين نهجاً وسلوكاً في تعاملهم مع القضايا العامة التي تطرحها الحياة الوطنية، ويضيفون الى ما سبق، ان الحوار لا يمثل نهجاً مطلوباً في الوقت الحالي فقط، بل هو طموح مؤكد في المستقبل ايضاً. ذلك انه بدون الحوار، فإن الحياة السورية ستكون صعبة ان لم نقل مستحيلة، والسوريون في ظل غياب الحوار، سوف يعيدون إنتاج نظام جديد للاستبداد، وهو النهج الذي يطالبون اليوم بوضع حد له والانتقال منه الى نظام ديموقراطي.

وبسبب من أهمية الحوار وظرفه الراهن، فإن السوريين جميعاً معنيون بالحوار وبالمشاركة فيه من خلال ثلاثة أطراف على الاقل هي الابرز في الحاضر السوري، أولها السلطة، وثانيها المعارضة، وثالثها حركة الاحتجاج والتظاهر، ولكل طرف من الاطراف رؤيته وموقفه في موضوع الحوار ونتائجه المرتقبة.

وبصورة عامة، فإن موقف السلطة من الحوار شديد الالتباس والغموض. اذ انه رغم طرح موضوع الحوار، فلا تفاصيل في الموضوع ولا إشارات واضحة الى أطراف الحوار، ومجرياته ومحتوياته وأهدافه التي ينبغي أن يتم الوصول اليها في خاتمة الحوار، وبهذا المعنى، يبدو موقف السلطة من الحوار موقفاً عاماً وغائماً، بل تلك العمومية في موضوع الحوار، تقوي التأكيدات القائلة، ان السلطة في طرحها موضوع الحوار، انما تريد الحديث عن الحوار أكثر مما تريد الدخول فيه عملياً، وان الاساس في الدعوة الى الحوار، يتمثل في إظهار صورة النظام للخارج باعتباره يعمل من أجل الحوار في إطار معالجته الأزمة السورية الراهنة.

وموقف المعارضة في موضوع الحوار يبدو أكثر جدية، ليس من حيث تأكيد أهمية الحوار في معالجة الازمة السورية فقط، بل من خلال الدخول الى التفاصيل المحيطة، والاهم فيها توفير بيئة سياسية وإجرائية مناسبة للحوار، وتحديد أطرافه، وأهدافه النهائية والمطالبة بوضع جدول زمني له، وهي بين تفاصيل تجعل الحوار مجدياً ومثمراً، وقادراً على معالجة جوانب في الازمة السورية، ويوفر على البلاد المزيد من فواتير الازمة، ويخفف من تداعياتها.

أما الطرف الثالث المعني بالحوار ممثلاً بالمحتجين والمتظاهرين الموجودين في الشارع والذين يعطون الازمة السورية زخمها وحرارتها، فإن وضعهم في خريطة الحوار أكثر تعقيداً بسبب الالتباسات التي تحيط بهم وأبرزها عدم وجود قيادة معلنة ومعروفة لهم، وكذلك الامر بالنسبة للشعارات التي يرفعونها، والتي وصلت حد رفض الحوار مع استمرار مفاعيل الحل الامني للازمة، وقد صعد بعضها الى حد رفض الحوار مع النظام بعد تصاعد أعمال القمع ضد التظاهرات وضد مدن وقرى، أدت الى سقوط كثير من القتلى والجرحى ودمار في بعض المناطق السورية. وبالتقدير فإنه مع تحولات سياسية وإجرائية من جانب السلطة في وقف الحل الامني والتوجه الى حل سياسي، يمكن أن يطرأ تبدل إيجابي في موقف المتظاهرين وقياداتهم في موضوع الحوار، وقد يكون موقفهم هو الاقرب الى موقف المعارضة.

ان مجريات ووقائع الشهرين الماضيين، تكشف بعضاَ من إشكالات الحوار المرتقب. فقد عقدت لقاءات كثيرة بين معارضين ومثقفين وبعض رجالات السلطة، لكنها لم تتمخض عن نتائج عملية، والسبب الاساسي، ان لا فكرة واضحة لدى رجال السلطة عن الموضوع مقابل وعي تفصيلي بما ينبغي ان يحاط به الحوار من ضرورات لتأمين نجاحه، وجعله مثمراً وناجحاً، خاصة لجهة ضرورة توفير بيئة الحوار، التي تتضمن الى جانب خطوات سياسية وقف إطلاق الرصاص ووقف الاعتقالات وعمليات التعذيب وإطلاق المعتقلين والسجناء السياسيين، والسماح بالتظاهر والتجمع السلمي وإطلاق الحريات السياسية، وهي ضرورات لم تجد تجاوباً رسمياً بصورة عملية.

لقد بينت الوقائع أن الحوار أمام انسداد عملي، يؤدي الى بقاء الازمة تراوح بين خياري استمرار الحل الامني، والحديث عن الحل السياسي الذي يمثل الحوار أحد خطوط إنجازه. ووسط هذا الوضع، يتواصل الحديث عن الحوار السوري باعتباره أحد مسارات معالجة الأزمة، لكن الولوج في الحوار المثمر، أمر يحتاج الى مزيد من الجهد تبذله السلطة بحكم مسؤوليتها السياسية وإمكانياتها المادية وقدرتها على اتخاذ القرارات، وتنفيذها في إطار وضع أسس لحوار يؤدي الى انتقال سلمي هادئ وآمن نحو نظام ديموقراطي تعددي، ومنح السوريين حقوقهم السياسية والاجتماعية ووضع حد للاستئثار بالسلطة.

[ كاتب من سوريا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى