صفحات الرأي

الحياة اليومية في دولة الخلافة/ صقر أبو فخر

 

 

احتلت فكرة المجتمعات المثالية مكانةً مميزة لدى الفلاسفة والمفكرين والمصلحين والأنبياء والثوار. وصرف هؤلاء شوطاً من حياتهم، وهم يتخيلون هذه المجتمعات، ويرسمون طرائق تحقيقها. فأرسطو، على سبيل المثال، تخيل “أطلانطس”، وأفلاطون وضع كتاب “الجمهورية”، وتوماس مور تحدث عن “يوتوبيا”. وعلى غرار أرسطو، تحدث فرنسيس بيكون في كتابه “الأورغانون الجديد” عن “نيو أطلانطس”، ودعا كارل ماركس إلى مجتمعٍ خالٍ من الطبقات والملكية الخاصة والدولة. وقبل ذلك، استعار الفارابي مثاله من أفلاطون في كتاب “المدينة الفاضلة”. واعتقد باكونين أن المجتمع المثالي هو الذي لا يكون فيه دين أو دولة، أي لا سلطة ولا عقيدة. أما الديانات، فجعلت الجنة المكان المثالي للسعادة الأبدية. وصاغ المسلمون فكرة دولة الخلافة، لتكون المجتمع المثالي الأرضي الذي يناظر المجتمع العلوي في السماء.

في سنة 2014 وُلد لنا خليفة عربي، وصارت لنا خلافةٌ، يأتيها الخراج والجزية والغنائم، غير أن دولة الخلافة هذه ما برحت بلا عاصمة، فهي تنتقل، بحسب انتقال الخليفة. وعلى الأرجح، ستكون لدولة الخلافة يوماً ما عاصمة في مكان مخصوص، على غرار روما للفاتيكان، أو مكة أو مشهد. وإنها لمفارقة عجيبة أن تكون دولة الفاتيكان قائمة في روما، حيث الفساد والمافيا، وأن تكون المتعة في مدينة مشهد فاشية والمخدرات

غاشية والمراجع عنها لاهية. تُرى، كيف هي الحال في دولة الخلافة؟ وكيف يعيش الناس حياتهم اليومية؟

بالتأكيد، ليس الخبر مثل المشاهدة بالنظر. أما النظر، فيخبرنا أن الجميع منهمك في تسوية الجلباب والقبقاب والنقاب والحجاب، وهيئات الناس واحدة تقريباً: اللحية المسترسلة والسوالف الطوال، و”قبيلة حدثنا” ما فتئت تلعن النصارى، وتحث على قتل المرتدين والمخالفين. والتسلية المتاحة في دولة الخلافة هي ضرب الودع وركوب الخيل. وهذه الدولة لا تشبه دولة الخلافة في بغداد ألبتة، فبغداد كانت تعرف 400 نوع من المشاريب، أما دولة البغدادي، فلا تعرف إلا التمر الهندي والجلاب والعرقسوس والقمر الدين، ولا تعرف من الطعام إلا القديد والثريد والمغلظات والمعجنات، وترى الذبائح بين كل غادٍ ورائح. وأكثر ما يكرهون الناموس والذباب، فيطردونه بإشعال الحطب والاعشاب.

وفي دولة الخلافة هذه، لا يُسمع إلا التكبير والأناشيد الحماسية من دون آلات موسيقية بالطبع؛ فهم ضد الموسيقى والغناء، وضد الفرح واللهو، ومع الوقار والتجهم. وهم ضد الغرب، مع أن كثيرين منهم مهاجرون، أو أبناء مهاجرين، يقبضون الأموال من دول الغرب الكافرة، وهم ضد الاختلاط بين الجنسين، مع أنهم شديدو الكلف بالنساء في الزواج العرفي وزواج المسيار وزواج آخر الأسبوع وجهاد النكاح وحتى نكاح الوداع.

أما الخبر، فقد تناهى إلى أسماعنا أن الخليفة غيَّر أسماء الوزارات لتصبح كالتالي: وزير القرطاس (الثقافة سابقاً)؛ وزير العسس (الداخلية سابقاً)؛ وزير الغزو (الحربية)؛ وزير الحجامة (الصحة)؛ وزير المواقيت (البحث العلمي)؛ وزير شؤون الكفار (الخارجية)؛ وزير الكنائف (البيئة)؛ وزير الأنفاق (الأشغال)؛ وزير الجن (الاتصالات)؛ وزير الخراج (الاقتصاد)؛ وزير الأنكحة (الرفاه الاجتماعي)، وزير المدائح (الإعلام)؛ وزير الحيلة (الصناعة)؛ وزير إفهام الناصب وإلزام الكانر (العدل). وأصبح مجلس الأمة يدعى “مجلس السقيفة”، ومجلس الوزراء “مجلس الحل والعقد” ومقره في “دار الأرقام”.

بين ولاية الفاتح الجولاني وخلافة أبو بكر البغدادي، صار العراق وسورية وليمة ثعالب، أو عرساً لبنات آوى، وحلّت بنا المصائب من كل جانب. فحسبي الله ونعم الوكيل.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى