صفحات سورية

الخاص والعام في الانتفاضة الشعبية السورية الراهنة

 


ينشد الشعب العربي السوري الحرية والكرامة، ويتوق إلى المواطنة وحقوق المواطن

دخلت سوريا مرحلة الانتفاضة الشعبية، وبات لها أيضا مسمى تاريخي، ثورة 15 آذار/ مارس، إسوة بتلك التي سبقتها في تونس ومصر بداية العام، ومن بعدها في اليمن وليبيا. وعلى الرغم من أنها أظهرت قدرة على الانتشار والتوسع كما حصل في يوم الجمعة 15 نيسان/ أبريل، ويوم الجمعة 22 نيسان/ أبريل، فإنها لا تزال في بدايتها، وما زالت تثير أسئلة كثيرة حول المسارات التي ستتّخذها. وترتبط الإجابة عن هذه الأسئلة بالخصوصية السورية، ومستوى وعي الحركة الاجتماعية، وطريقة فعل أو رد فعل النظام السوري تجاهها، فضلا عن المواقف الدولية والإقليمية، وأمور أخرى متعلقة.

فهل ستسير سوريا مثلا على طريقة مصر في إصلاحات تقوم تحت ضغط الثورة الشعبية التي اتّخذت شكل احتجاجات شعبية سلمية متواصلة؟ وهل يضاف إليها رهان على أنّ رأس السلطة في سوريا قادر على القيام بها؟ أم أنها ستراوح مكانها مدةً أطول بين توازنات مجتمعية مختلفة كحال اليمن؟ وهل ستقدّم سوريا نموذجا آخرَ يغلب فيه منطق القوّة على منطق المساومة؟ أم أنّ الانتقال إلى الديمقراطية في سوريا لا بدّ أن يتخطى النظام كما هو قائم؟ فأحداث يوميْ الجمعة 15 و22 نيسان/ أبريل أظهرت أنّ طريق المساومة هو مجرد احتمال يشجّعه المحيطان الإقليمي والدولي، وأنّ النظام الحاكم ظلّ مُصرا على الخيار الأمني في قمع أعمال احتجاج شعبية سلمية. ولا تزال التساؤلات مطروحة وتستدعي النظر إلى الخصوصية السورية المحلية والإقليمية.

ويدور الحوار عمّا يجري في سوريا حول سؤالين يطرحهما النظام وإعلامه بطريقته الخاصة؛ أولهما: حول أهمية العامل الطائفي على ساحة الفعل السورية، وإمكانية استغلاله في مواجهة مضامين الاحتجاجات الشعبية من أجل الحرية والكرامة، وذلك في وضع قائم في المشرق العربي قد تفَعّل فيه الثورةُ الديموقراطية التي تجتاح الوطن العربي تبايناتٍ مجتمعيةً كامنة، عشائرية أو طائفية، لعبت الأنظمة العربية بعد الاستعمار دورا في تكريسها وفي استخدامها أحيانا. وثانيهما: حول ما إذا كان لاستدعاء نظريات المؤامرة ما يبرّره في وضع تتمايز فيه سوريا ضمن معادلات القوى الإقليمية، من خلال دعمها خيار المقاومة في لبنان وفلسطين، ومناهضتها مشاريع إمبريالية وإسرائيلية، وبتحالفها مع إيران أيضا. أمّا التساؤل الثالث الذي تطرحه هذه الورقة، فيخصّ مستقبل التغيير في سوريا واحتمالاته، على ضوء طبيعة السياسات المنتظرة من أصحاب القرار، وضمن حالة التحولات الإدراكية لدى الجمهور الفاعل بعد غياب مزمن للتفاعلات السياسية البنّاءة في الحيز العام.

حركة احتجاجية سلمية

لم تشذّ سوريا عن قاعدة سلميةِ الحركات الاحتجاجية، وهي سمة الانتفاضات العربية بشكل عام، على الرغم من أنّ الوضع السوري تميّز بقسوة المواجهة القمعية التي جرى اتّباعها في بداية الأحداث، وساهمت في تأجيجها وانتشارها، وما زالت تستخدم الرصاص الحيّ في قمع المظاهرات وتفريق التجمّعات والحشود. لقد كان الطابع السلمي الشعبي ماثلاً للعيان تماما مع بداية انتفاضة درعا شعبية الطابع، ثم عاد هذا الطابع السلمي والناضج للمظاهرات، وتجلى ـ من دون التباس ـ حين خفّفت السلطات من دموية قمعها للمحتجّين يوم “جمعة الإصرار” في 15 نيسان/ أبريل.

كان استنتاج النظام السوري العلني من ثورتي مصر وتونس أن موقف النظام من المقاومة يميزه عن النظامين في تونس ومصر ويجعله أقرب إلى الجماهير والرأي العام. ويبدو أنه بعد اندلاع الانتفاضة في درعا تبين أن استنتاج النظام السوري الرئيس هو أن النظامين الآفلين لم يستخدما ما يكفي من القوة في بداية الأحداث لوأدها.

بدأت حركة الاحتجاج بسوريا في 15 آذار/ مارس مع كسر نشطاء معارضين حاجز الخوف في أول بادرة لمظاهرات سياسية مباشرة في العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين، ولم يكن ما سبقها من مظاهر احتجاج ذا طابع سياسي مباشر رغم أهميته؛ فتظاهرة 17 شباط/ فبراير جاءت رد فعل تضامنيا محليا على حادث اعتداء شرطي على بائع عربة في منطقة الحريقة بدمشق، وردّد المتظاهرون لأول مرة شعارا احتجاجيا تمثّل في “الشعب السوري ما بينذل”، أو الاعتصام الشّبابي في 22 شباط/ فبراير أمام السفارة الليبية في دمشق تضامنا مع الشعب الليبي، حيث عبّرت شعاراته المنادية بالحرية عن واقع غياب الحريات والممارسات الديمقراطية في سوريا، وليس في ليبيا وحدها.

لكن الحركة الاحتجاجية تطوّرت وبسرعة فائقة بعد الانتفاضة الشعبية في مدينة درعا بالطريقة العصبية والقمعية التي جُوبهت بها التظاهرات من رجال الأمن. إذ انطلقت أحداث درعا على خلفية اعتقال قوات الأمن السورية 15 صبيا بمدينة درعا في 6 آذار/ مارس ، ولم تكن أعمارهم تتجاوز 14 عاما؛ لأنهم كتبوا شعاراتٍ على الجدران كتلك التي رفعتها الثورة المصرية بعد 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، مثل: “الشعب يريد إسقاط النظام”. وجاءت الاحتجاجات ردّ فعل لتعامل رئيس فرع الأمن السياسي في درعا عاطف نجيب والمحافظ فيصل كلثوم المهين مع وفد العشائر والأعيان الذي حاول التوسّط لإطلاق سراح الصبية. أمام هذا الواقع اكتسبت قضية اعتقال الصبية وطرد أعيان المدينة قيمة رمزية وعينية، كونها شكّلت حالة من الظلم والإهانة. لقد اتبعت السلطات الأمنية والمحلية الإذلال مع مجتمع لا تزال البنى التقليدية القديمة تلعب فيه دوراً مهما.

لم يقتصر رد الفعل الأمني على ذلك، بل استخدمت قوّات الأمن الرّصاص الحيّ في تفريق المتظاهرين الذين تجمّعوا أمام مقر المحافظة في 18 آذار/ مارس؛ ما أدّى إلى استشهاد عدد من المواطنين، وولّد ذلك حالة من الاحتقان الشعبي، وشكل المدخل لإنتاج حركة احتجاجية شعبية، وحافظ على هذه الحركة ذلك المركب من نشطاء سياسيين ونشطاء حقوق الإنسان ممن لديهم ثقافة وتصورات سياسية وتاريخ نضالي وبنى تقليدية أهلية تحمي أبناءها في الملمّات.

سلكت الحركة الاحتجاجية في سوريا المسار نفسه الذي سلكته الثورة التونسية تقريبا، فقد بدأت رد فعل جهويا شعبيا على حالة الظلم السياسي والاجتماعي، ونتيجة لتعاطي السلطات السلبي في امتصاص الأزمة، وامتدّت إلى مناطقَ عديدة في ريف دمشق وحمص واللاذقية وحماة؛ من ثم تبلورت بوصفها انتفاضة شعبية رفعت شعارات الحرية والإصلاح، دون أن تستهدف النظام ككل. ولكن الانتفاضة الشعبية توقفت عند أبواب دمشق وحلب، ولم تخترقها بقوة حتى الآن. فرغم أنّ الموقف السلبي من نظام الحكم في سوريا منتشر في هذه المدن بقوّة لا تقلّ عن النواحي الأخرى، يبدو أنّ بعض الفئات، ومنها الطبقة الوسطى، ما زالت مترددة لأنها غير مطمئنة للمستقبل.

ويمكن للباحث أن يرصد تشابها بين الحالة التونسية والسورية في بداية الاحتجاج، وتشابها في التفاوت البنيوي التنموي بين المحافظات والولايات بالدولتين، وكذلك ضيق نفوس المواطنين بالفساد، وبوليسية الدولة، وانسداد الأفق أمام الجيل الشاب في الحالتين ، ويتجلى التشابه ـ بشكل واضح ـ في الأشكال التي تمّ اتخاذها في بداية الاحتجاج. لكن التشابه سيتوقّف عند فروق كبيرة بين طبيعة النظامين والمجتمعين، وسنرى أن لهذه الفروق تأثيرا يفوق تأثير التشابه في تحديد مجريات الأحداث.

تطور المشهد السياسي مع المظاهرات الحاشدة التي عرفتها “جمعة الإصرار” في 15 نيسان/ أبريل على مستويين؛ أولهما: الاتساع الواضح للاحتجاجات، وشمولها النسبي في درعا واللاذقية وبانياس وحماه وغيرها، ووصولها إلى مدن لم تصلها سابقا في المناطق الكردية والجزيرة، كرّس الطابع الجماهيري للمظاهرات. وثانيهما: كان لنأْي السلطات عن استخدام العنف المباشر لمواجهتها في أكثر من مكان تأثير أحدث تغييرا في المشهد السياسي السوري، مبيّنا وجود احتمال لطريق آخر يمكن أن تسلكه السلطات “ثوبٌ مختلف ارتدته سوريا “، حسب جريدة الأخبار، وهو “ثوب تظاهرات ارتدته استجابة لدعوات «جمعة الإصرار» التي خلت من أعمال العنف، باستثناء مدينتيْ حمص وشمال دمشق، حيث غابت صور القتلى والجرحى وسيّارات الإسعاف، وغلب على التظاهرات ذاك البعد الحضاري”.[1] وقد تبيّن لاحقا أنّ هذا التقييم كان متسرّعا، ويغلب عليه خطاب الأماني عند من يريد مصلحة سوريا، إذ يُسقط على النظام في سوريا ما يرغب في أن يكون عليه.

لكن مظاهرات يوم 15 نيسان/ أبريل السّلمية الواسعة قدّمت دلائل على عدم صحّة الروايات التي أطلقتها الدوائر الرسمية سابقا حول إطلاق نار متعمّد من المتظاهرين (في مقابل حديث المحتجّين عن تورّط ميليشيات سلطوية في أعمال القتل)، وذلك بعد سقوط عدد كبير من القتلى، حسب بعض التقديرات غير الرسمية أكثر من 200 قتيل نتيجة المواجهة الأمنية الدموية للاحتجاجات حتى أوائل نيسان/ أبريل[2]، وقد ازداد عدد الضحايا بشكل ملحوظ في أحداث يوم الجمعة التي تلت.

في حالة سوريا، كما هي الحال في انتفاضات أخرى في مصر واليمن، كان المسجد المكان الرئيس (ولكنه ليس الوحيد) للتجمع وانطلاق المظاهرات. وعلى اعتبار أن سوريا دولة متعددة الطوائف والمذاهب، فقد تحوّلت هذه الحقيقة إلى موضوع للنقاش لدى النخب السياسية والثقافية في سوريا، وحول محركات التظاهر ودوافعه والجمهور الذي تستهدفه. وظهر للوهلة الأولى أنّ الحركة الاحتجاجية في سوريا هي حراك شارع معيّن وطائفة معينة ضدّ النظام. ومع تصاعد التطوّرات، وامتداد المظاهرات إلى مناطقَ جديدة، ووصولها إلى مناطق تقطنها تركيبات طائفية متعدّدة، ازدادت المخاوف من وقوع عنف طائفي. وقد لمّح النظام إلى ذلك عبر استخدام تعابير مثل “الفتنة الطائفية”. وقوبل استخدام النظام هذه التعابير وتحذيراته من الفوضى، بادّعاء أنّ النظام معنيّ بالتخويف من فتنة طائفية إلى درجة الاستفزاز في بعض الحالات لكي يثبت أنّ الدولة السلطوية وحدها تحافظ على وحدة المجتمع والدولة في سوريا، وأنّ الديمقراطية سوف تؤدّي إلى الفتنة. فما محاذير الوضع الطائفي وتأثيره في سياق الحركة الجماهيرية الصاعدة؟

الطائفية في سوريا.. أسباب بعيدة وقريبة

ليس هذا السّياق مناسبا لمراجعة ظاهرة الطائفية في بلاد الشام، لكن المجتمع السوري ورث ظاهرة الطائفية من التاريخ غير البعيد ومن أزمنة احتكار الشرعية الدينية، واتهام الأقليات المذهبية في دينها، واضطرارها إلى إخفاء شعائرها الدّينية، أي إخفاء هويّتها المذهبية؛ وما أورثه ذلك من روح المظلومية لدى بعض الطوائف، يضاف إلى ذلك الفعل الاستعماري داخل الدولة العثمانية بحجّة حماية الأقليات.

ومع تخطّي هذا الموروث، في إطار بناء الدولة الحديثة، كانت الثورة العربية الكبرى على الحكم العثماني في بلاد الشام المقدّمة لتبلور سوريا الطبيعية ككيان سياسي، حامله الأيديولوجي هو القومية العربية، التي شارك في حملها وبلورتها مثقّفون ومفكّرون من أبناء الطوائف والمذاهب كافة، واستمدت أفكارها من حراك الجمعيات العربية التي نشطت لإنتاج واقع مخالف وقطيعة تاريخية مع الدولة العثمانية، وبناء الدولة العربية المستقلة. وانتصر المجتمع السوري لنفسه مرة أخرى في مواجهة الانتداب الاستعماري الفرنسي، الذي سعى إلى إنتاج كانتونات جغرافية سياسية ببعد طائفي لتقسيم سوريا إلى دويلات، وجاءت الثورة السورية الكبرى رد فعل شعبيا منظّما ضدّ محاولة التقسيم هذه. وتبنّى المجتمع السوري بعدها مبادرات لإنتاج هوية جامعة في ظلّ سياسات التقسيم الفرنسية، التي حاولت عزل المنطقة الساحلية عن سوريا السياسية؛ بذريعة أنها مأهولة من أقلية علوية متمايزة دينياً. وتمت مواجهة هذا الواقع في المؤتمر الذي عقد بقرية القرداحة عام 1936 ضمّ علماء الدين السوريين من مختلف الطوائف، وأصدروا وثيقة اعترفت بالطائفة العلوية، باعتبارها أحد المذاهب الرئيسة للدين الإسلامي في سوريا وليست دينا متمايزا.

واحتفى الشعب السوري، وما زال يحتفل برموز وطنية سورية قومية عربية من كافة الطوائف برزت في تلك المرحلة بوصفها قيادة وطنية وقومية للشعب في سوريا حتى قبل ظهور القومية العربية حزباً وأيديولوجية. فسلطان باشا الأطرش وفارس الخوري وابراهيم هنانو والشيخ صالح العلي ويوسف العظمة هم رموز وطنية عند الشعب السوري بطوائفه كافة.

كان العداء للاستعمار عاملا موحّدا وجامعا لمختلف فئات الشّعب السوري، ومارس دورا في تكوين الهويّة الوطنية، لكنه لم ينتج تكاملا وطنيا جامعا نتيجة الاحتلال، والظروف المعيشة الصّعبة، وضعف الواقع التنموي، وانعزال المدينة في سوريا عن الريف. وبعد الاستقلال ظهرت من جديد قضية بناء الدولة على أسس مدنية، باعتبارها قضية تشكّل تكاملا وطنيا، انعكست آثاره على مجالات عديدة؛ منها التنموية، كتقليص الفروقات المجتمعية والتعليمية، والسياسية، كظهور تنظيمات وطنية جامعة سمحت بتمثيل جميع فئات الشعب وتمثيل المواطنين المنتمين لأقليات دينية ضمن لوائح الأحزاب القومية كحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب القومي السوري، والحزب الشيوعي، إضافة إلى كتلة المستقلّين والعشائر. ولم تظهر إرهاصات فتنة طائفيّة إلاّ في زمن العقيد الشيشكلي[3].

غير أنّ التفرّد في الحكم، وغياب الحرّيات والممارسة الديمقراطية في العقود الأخيرة، ساهم في تكريس الهويات الفرعية وإضعاف مفهوم المواطنة. فقد بدا النّظام كأنه الضّامن الأساسي للأقليات والوحدة الوطنية، وتأزّم الوضع بشكل رئيس بعد مواجهة النظام للتمرّد المسلّح الذي بادرت إليه حركة الإخوان المسلمين في سوريا بداية الثّمانينات، وكانت هذه المرحلة هي الأخطر في تاريخ سوريا الحديث فيما يتعلّق بالتعايش والاندماج الوطني.

وعلى الرغم من استحضار الخطاب الطائفي وتبلوره من قبل الإخوان الذين مرّوا بتحوّل قطبي (نسبة إلى سيد قطب) في تلك المرحلة لم تنشأ حالة اشتباك شعبي على أساس طائفي. ورغم محاولة العديد من التحليلات صبغ النظام القائم في سوريا على أنه نظام أقلية معيّنة، فإنّ بنية النظام المؤسساتية والدستورية في سوريا ليست كذلك، بل هي تعبّر عن واقع سلطوي يقمع أيّ حراك ضدّه من أيّ طرف كان. ولا شكّ أنّ الولاءات العشائرية و المناطقية في قرى منطقة الساحل تلعب دورا في تشكيل قاعدة ولاء للنظام، خاصة في الجيش والأجهزة الأمنية، لكن هذا لا يعني أنه نظام طائفي أو مذهبي؛ فالطوائف كافة تعاني من الاستبداد، كما تعاني المناطق النائية من التفاوت التنموي والتهميش بغضّ النظر عن تركيبها الإثني أو الطائفي. وظلّ النظام يعيش على تحالف مع البرجوازية الخدماتية والعقارية وطبقة التجار في المدن الكبرى، وما زال هذا التحالف “البونابرتي” بين الاستبداد الأمني والسياسي ورأس المال التجاري هو التحالف الذي يحكم سوريا بناءً على صفقات داخلية، وقد همّشت هذه الصفقات ـ التي يعاد تشكيلها بعد كلّ أزمة ـ الجزء المتحرّر سياسيا من الطبقة الوسطى ومثقّفيها، كما أنها تمثلت مؤخّرا في ازدياد نفوذ رجال الأعمال الجدد في المدن الكبرى، والذين يرفعون راية “النيوليبرالية” الاقتصادية والاستبداد السياسي على النموذج التونسي، ويدفعون باتجاه “سوريا أوّلا” وإحياء عملية السلام مع إسرائيل.

و أضيفت، في الفترة الأخيرة، عوامل جديدة خارجية عزّزت المخاوف الطائفية؛ كالتطور السياسي في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، والتمحور المذهبي الذي نتج عنه، إضافة إلى ما تمخّضت عنه النقاشات على الساحة اللبنانية، خاصّة في فترة التوظيف الإقليمي للخطاب الطائفي من قبل ما سمّي بـ”محور الاعتدال” لاستهداف المقاومة في لبنان.

وتشير التقديرات الحالية لتوزّع الانتماءات الدينية في سوريا، رغم أنها غير رسمية، إلى نسبة للأغلبية السنّية تتراوح بين 60 و70% من عدد السّكان، منهم ما نسبته 10 إلى 15% من الأكراد، وتتوزّع النسب الأخرى كالتالي: 10 إلى 15% علويون وأقليات من الشيعة، 8 إلى 10% مسيحيون، إضافة إلى الدروز والإسماعيليّين الذين يشكّلون ما يقارب 5% من عدد السكان.[4] لكن هذا التقسيم ليست له أهمية قانونية؛ فالانتماء المذهبي أو الطائفي في سوريا لا يشكّل منزلة قانونية أو سياسية حاليا، وإن أيّ تحول ديمقراطي في هذا البلد يفترض أن يفصل المذهب والطائفة عن السّياسة، وبهذا المعنى لا بدّ أن يفصل الدين عن الدولة في دولة حديثة متعدّدة المذاهب والطوائف، ومن ثمّ فإنّ التعامل جدّيا مع هذا الإشكال يمثّل التحدي الرئيس الذي يواجه أية حركة ديمقراطية ثورية في سوريا.

الحركة الاحتجاجية ومقولة “الفتنة”

يأخذ البعض على الحركة الاحتجاجية في سوريا أنّ هويتها السياسية غير واضحة، وأنّ “المسجد” يشكّل بؤرة التجمّع ونقطة انطلاق المظاهرات عادة، وأنّ الشارع السوري السني هو من يقوم بها، وأن المشاركة فيها لا تشمل مختلف شرائح المجتمع.

وبغضّ النظر عن دقّة هذه المقولات ـ وبالنظر إلى خصوصية سوريا التي افتقرت إلى أيّ تراث احتجاجي سلمي علني على مدى العقود الثلاثة الماضية، نتيجة التغوّل الأمني وحظر النشاط السياسي ـ فمن الطبيعي النظر إلى المسجد بوصفه مكان تجمّع شرعي في ظلّ النّظم التي تمنع التجمعات. والحقيقة أن التظاهرات انطلقت أيضا من الميادين، رغم الثمن الباهظ الذي دُفع بالدم عند مجرد محاولة التجمع فيها. وفيما يتعلّق بمشاركة المواطنين السّوريين المنتمين لأقليات دينية، فإنّ ندرة المشاركة في البداية طبيعية لأن البداية لا تشمل دائما مؤشرات عن المستقبل؛ فهل تخبئ الثورة ضمانات لبقائهم عنصرا فاعلا في مجتمعهم؟ لكن هذا لا يعني أن هؤلاء المواطنين راضون عن النظام، بل إنهم يريدون وضوحا أكثر بشأن طابع التغيير الذي تحمله الثورة، خاصة أنه لا توجد قيادات واضحة لها، وقد تكون القيادات القادمة التي سوف تبرزها هذه الانتفاضة أكثر ديمقراطية ومدنية من الإخوان المسلمين أو من ظواهر تشدد ديني يروّج لها حاليا مثل السلفيين. أمّا الأسماء المنتشرة ـ والتي تُربط بالمعارضة ـ فهي منفرة لعموم السوريين، سواء كانت أسماء خدّام أو رفعت الأسد أو حتى بعض رموز الإخوان الذين راهنوا على الطائفية والتحالف مع خدام في مرحلة سابقة. ويتبنى هذا الموقف المتردّد الطبقات الوسطى القلقة من المستقبل.

ويظلّ التردد في هذه الحالة أقلّ منه في مصر؛ فخلال الثورة المصرية وجدنا المؤسّسة الكنسية رفضت المشاركة في مظاهرات يوم الغضب، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع الشباب المصري القبطي من المشاركة، ثم لعب دورا متقدما خلال الثورة في التصدّي لمحاولة بثّ الفتنة الطائفية التي روّج لها النظام خاصة بعد ظهور معطيات تفجير كنيسة القدّيسين.

أمّا فيما يتعلّق بطرح شعارات طائفية في بعض المظاهرات الأولى، كالتي تناولت حزب الله وإيران، فهي وإن أوضحت جزءًا من الاختلال في تعريف الهوية الوطنية والموقف من النظام كأنه علوي والنظر إلى تحالفاته كأنها طائفية، فإنّ استخدام هذه الشعارات الطائفية ،المسيئة لرافعيها وللشعب السوري، كان طارئا وفي مناطقَ معيّنة بذاتها. لقد تأثّر الشارع آنذاك بمعطيات إعلامية تم إرساؤها لتبرير التدخل الخليجي لقمع المتظاهرين السلميّين في البحرين، وبتركيز الجهات الإعلامية لحزب الله على تناول موضوع البحرين وتجاهل التعاطي مع الاحتجاجات في سوريا. إضافةً إلى مجموعة من الشائعات الكاذبة المغرضة التي ظهرت في الشارع المحتجّ مفادها أنّ عناصر من حزب الله تشارك في قمع التظاهرات التي جرت في درعا، في حين كان بعض المتشددين يحاولون الركوب على موجة الاحتجاجات في مناطقَ معيّنة بريف دمشق.

ويمكن تفسير هذه الحالة أيضا في ضوء تشتّت الشارع ومرحلة إنضاج الشعارات الاحتجاجية، ومن ثم فإنّ الشارع الاحتجاجي ـ الذي بدأ كانتفاضة شعبية في درعا، ولم يطوّر قيادة سياسية قُطرية بعدُ لا يمكن أن يكون منضبطا في مثل هذا النوع من الاحتجاجات؛، لذلك فإنه قد يُنتج أحيانا شعارات طارئة سرعان ما تتلاشى. وهذا هو شأن الشّارع السوري.

كما أنّ التحريض الطائفي وصل إلى مرحلة متقدّمة جدا في مناطقَ تقطنها شرائح متعدّدة، لكنه رغم ذلك لم ينتج بوادر فتنة طائفية مصدرها الأهالي، وما زال النقاش دائرا حول ما جرى في اللاذقية وبانياس في أيام الاحتجاج الأولى. ولكن لا خلافَ حول هوية ما يسمّى بـ”الشبيحة” باعتبارهم فرقا نصف جنائية من الزّعران المقرّبين من رجالات النظام، والذين يعيثون فسادا في المناطق العلوية عادةً حتى امتد نشاطهم إلى بعض المدن الساحلية.

هنالك ذاكرة تاريخية وطنية سورية وقومية عربية ومدنية يمكن استدعاؤها دائما ضدّ الفتنة الطائفية تماما مثلما يمكن استدعاء فكرة الفتنة نفسها. ويبقى التساؤل: ما الهدف السياسي للنظام؟ وما الهدف السياسي لمنظّمي الاحتجاج؟ فمن له مصلحة في الطائفية يؤكّد على بعدٍ قائم في الذاكرة السورية، أمّا مَن يتوق إلى نظام مدني ديمقراطي فمن مصلحته أن يحيي التقاليد العربية السورية المناهضة لأية طائفية.

المواقف الإقليمية والدولية وموقع سوريا الاستراتيجي

تقع سوريا على الجبهة الأمامية للصراع العربي الإسرائيلي، وعلى تقاطع محاور إقليمية/ عالمية، وهي جارة لخمس دول؛ ما يجعلها محطّ اهتمام عالمي.

عموما، ظهر المشهد الرسمي العربي مؤيّداً للحكومة السورية حيال الاحتجاجات التي عرفتها سوريا منذ منتصف آذار/ مارس، إلاّ أنّ درجة الاهتمام اختلفت باختلاف البعد الجغرافي. حيث تلقّى الرئيس السوري بشار الأسد في وقت مبكر اتصالات من قادة الدول الخليجية والعراق (27آذار/ مارس)[5]، وأبدوا فيها دعمهم للحكومة السورية ضدّ ما سمّي بالمؤامرات التي تستهدف ضرب أمن سوريا واستقرارها، وأكّد الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، في اتصاله بالرئيس السوري بشار الأسد (28آذار/ مارس)، وقوف السعودية إلى جانب سوريا في “وجه ما يستهدفها”[6] ، على الرغم ممّا عرفته العلاقات السعودية السورية من تشنج وتقلبات في الفترة السابقة، على خلفية حدث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005.[7] وتجاوز الدعم السعودي لسوريا مجرد إعلان الموقف إلى تقديم دعم مادي مباشر في خضمّ الأحداث الدائرة، حيث أعلن محافظ مؤسسة النقد السعودي محمد الجاسر في منتصف شهر آذار/ مارس تقديم السعودية قروضا لسوريا بقيمة 140 مليون دولار، بالإضافة إلى درس أمر تقديم قروض أخرى.[8]. هذا في وقت ينشر فيه الإعلام الرسمي السوري مقولة: “مؤامرة يقودها بندر بن سلطان”، ويتجنب في الوقت ذاته مهاجمة السعودية. ومن الواضح أن السعودية لم تدعم أية ثورة. فهي تخشى موجة الثورات والتغيير في العالم العربي إلى درجة تفضيل طاعة وليّ الأمر على أية خلافات سياسية وأيديولوجية.

كما أعرب رئيس جمهورية العراق جلال طالباني في اتصال مع الرئيس السوري عن تضامنه مع سوريا في “وجه المؤامرة التي تتعرض لها”، كما تسلم الرئيس السوري رسالة من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تحوي المضمون نفسه (3نيسان/ أبريل). ومن المعلوم أن النظام السوري دعم مؤخراً نوري المالكي في اختياره لتأليف الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية في العام الماضي، وهو ما يفسر عودة العلاقات بين البلدين إلى مستوى هادئ نوعا ما بعد سنوات من التشنّج.

في المقابل، لم تصدر أية تصريحات من مصر ودول المغرب العربي حيال الأحداث الجارية في سوريا؛ فالوضع الانتقالي في مصر بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يسهّل على مصر اتخاذ مواقف قد تكون متضاربة مع توقعات الجماهير المصرية وثورتها منذ 25 يناير.

وأظهرت الدول الإقليمية غير العربية ـ كإيران وتركيا ـ اهتماما غير عادي بتطورات الأوضاع السورية. فإيران، القلقة والحريصة على استمرار تحالفها القديم مع النظام السوري، عبّرت عن مواقفَ متضامنة مع النظام السوري وتحذيرية تجاه الاحتجاجات، التي شبهها سفيرها في سوريا (في بداية شهر نيسان/ أبريل الحالي) بـ”أحداث الفتنة” التي حصلت في إيران في حزيران/ يونيو 2009.[9] ووصف القيادة السورية بأنها قيادة حكيمة درست المطالب الشعبية واستجابت لها. واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (12نيسان/ أبريل 2011) أن موجة الاحتجاجات التي تحدث في سوريا مؤامرة خارجية، تهدف إلى زعزعة الحكومة السورية التي تدعم المقاومة.[10]

أما الحكومة التركية فقد تعاملت مع الأحداث باعتبارها مؤثرات مباشرة على الوضع التركي. وتخطت في ردود فعلها إعلان الموقف إلى إسداء النصائح. ففي البداية صرّح رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان (23آذار/ مارس 2011) بأنه نصح الرئيس السوري بشار الأسد بالاستجابة للإصلاحات،[11] وأضاف: إن تركيا لن تقف متفرّجة على ما يجري في سوريا. وبعد ذلك، أصدرت وزارة الخارجية التركية (3نيسان/ أبريل 2011) بياناً أشارت فيه إلى اهتمام تركيا “بأمن واستقرار ورفاهية الشعب السوري بالقدر نفسه الذي توليه لشعبها، وعدم قبولها أيّ سلوك أو تصرف يؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في سوريا، أو يلحق الأذى بإرادة الإصلاح فيها”.[12] وكان تصريح أردوغان من التصريحات القليلة الإيجابية التي صدرت بعد الخطاب الأول للرئيس السوري، الذي ألقاه أمام مجلس الشعب؛ فلم تخرج تصريحات تركية بهذه السرعة والقوة تجاه أيّ من الأحداث العربية الأخرى.

ويمكن ملاحظة أن التعددية التي يعرفها المجتمع السوري لها امتداد تركي أيضا، والعارفون بالسياسة التركية يرون أن تركيا تنظر إلى أحداث سوريا كأنها شأن تركي، وأن المسؤولين السياسيين والأمنيين متحمسون لتقديم النصائح والتوصيات وحتى المقترحات البديلة في السياق الإصلاحي.[13]

ويبدو حاليا أنّ موقفا نقديا تركيا تجاه سوريا هو قيد التبلور، وأنّ التلفزيون الرسمي التركي باللغة العربية أصبح يقابل شخصيات سورية معارضة، ويسمح للمعارضين السوريين بالتظاهر في إسطنبول، وفي حال تطور الانتفاضة إلى ثورة عارمة في سوريا لا نستبعد أن يكون لتركيا دور مهم في محاولة كسب الشارع السني العربي والحركات الإسلامية إلى جانبها بموقف داعم للمعارضة رغم علاقات الصداقة التي تجمع النظامين ومن يقف على رأسيهما؛ فقد ظهر مؤخرا أنه لا حدود للبراغماتية التركية في السياسة الخارجية.

على مستوى الاهتمام الدولي، خرجت الدول الأوروبية بموقف مشترك يطالب النظام السوري بالعدول عن سياسة القمع واتباع نهج الإصلاح، متجنبا أن يؤخذ عليه التدخل الواضح، وبقي إعلان الموقف على مستوى سفراء أهم ستّ دول أوروبية، الذين عبّروا لوزير الخارجية السوري، في يوم سابق لاحتجاجات الجمعة (14نيسان/ أبريل 2011)، عن قلق بلادهم من تزايد أعمال العنف في سوريا. ونقلت وزارة الخارجية الألمانية هذا البيان، الذي أدان استخدام قوات الأمن للقوة ضدّ المتظاهرين المسالمين، داعين إلى الاستجابة لمطالب الشعب السوري المشروعة، وبدْء إصلاحات سياسية ذات صدقية.[14] وفي اليوم التالي كان تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من برلين، في ختام اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي، التي دعت “السلطات السورية مجددا إلى الامتناع عن أيّ استخدام للعنف ضدّ شعبها”، ومطالبتها ببدء تحقيق تطلّعات الشعب السوري.[15]

واستمرّت المواقف الأوروبية والتركية تشجّع عدول النظام السوري عن سياسة القمع والمباشرة بالإصلاح، ولاقت الاستجابة التي أظهرها الرئيس السوري في خطابه في 16 نيسان/ أبريل ترحيبا من هذه الأوساط. واعتبر الرئيس التركي عبدالله غول “أنّ القيادة السورية رأت أنه لا مناصَ من الإصلاح”،[16] وحثّت المواقف البريطانية والفرنسية النظام على تطبيق الإصلاحات.

مع ذلك، فالرّهان الدولي على سلوك الرئيس الأسد يكتنفه الكثير من التباين، حيث تظهر مراكز تحليل السياسات الأمريكية think tanks ذلك بشكل رئيس. فإلى جانب الحرص الواضح في كثير من المقالات والتصريحات الغربية والأمريكية على استقرار سوريا، وتحديدا الخوف من الفوضى التي قد يخلقها الصراع فيها، نجد تشكيكا في قابلية النظام السوري للإصلاح؛ فهناك من يشكّك في وجاهة الرهان على استجابته للإصلاح حتى في ظروف قد تؤدّي إلى تهديده مباشرة. ويسود تقدير أنه يمكن أن يلجأ إلى القمع المفرط مستخدما فزاعة الفوضى الطائفية مصحوبة بتقديم حزمة من الإصلاحات الرمزية والشكلية. وإلى جانب التشكيك تظهر مواقف أخرى داعية إلى إسقاط النظام السوري الحليف لإيران وصديق المقاومة في لبنان.

السياسة وموضوع التغيير

قبل بدْء الاحتجاجات السورية، وخلال الأشهر الأولى من اندلاع الانتفاضات الشعبية العربية، تصرّف النظام السوري كأنه بمنأى عن التغييرات التي تهبّ على العالم العربي؛ فلقد بقي صامتا أثناء الثورتين المصرية والتونسية، لكن الرئيس السوري بارك عملية التغيير بعد نجاحهما. جاء ذلك في حديث أدلى به إلى صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في 31 كانون الثاني/ يناير 2011، ودعا خلاله الحكام العرب، إلى الاستفادة من درسيْ بن علي ومبارك، بتلبية طموحات شعوبهم الاقتصادية والسياسية، معتبرا أنّ قرب النظام المصري السابق من إسرائيل سبب مباشر لاندلاع الثورة في القاهرة. وفي المقابلة نفسها اعتبر الوضع في سوريا مستقرا، لأن “الرئيس قريب من معتقدات شعبه الذي يحبه”، ولأن سوريا بدأت ولا تزال في مسيرة الإصلاحات السياسية عبْر العمل على إجراء انتخابات بلدية قريباً، ومنح المنظمات غير الحكومية المزيد من الحريات، وسنّ قانون جديد للإعلام. ورفض الأسد في تلك المقابلة تبنّي إصلاحات سريعة وجذرية؛ لأن سوريا ـ في نظره ـ في حاجة إلى بناء المؤسّسات وتحسين التعليم قبل انفتاح النظام السياسي، وأنّ “المطالب بالإصلاحات السياسية السريعة قد يكون لها ردّة فعل سلبية في حال لم تكن المجتمعات العربية جاهزة لها”. [17]

نجد في هذه المقابلة المركبات الاستشراقية كافة اللازمة لإثارة إعجاب الغرب، وهي تندرج ضمن مجموعة جهود يتشابه فيها القادة العرب في محاولة إثارة إعجاب الغرب، والتملّص من تطبيق الديمقراطية بهجاء شعوبهم “غير الناضجة” لممارستها، وهي جهود تندرج تحت “غربنة” صورة الزعيم وزوجته من دون أدنى تغيير سياسي في طبيعة نظام الاستبداد، ويجري ذلك عادة بعرضهم كأناس “حضاريين” بالمفهوم الغربي الاستهلاكي وعبر مقابلات في مجلاّت النجوم، حيث يظهرون فيها وهم يعيشون نمط حياة غربيا بلباس “الجينز” البيتي ومع العائلة.

ظلّ الرئيس الأسد يحمل تصوّره هذا عن التغيير في سوريا من خطاب سياسي إلى آخر، حتى بعد وصول الاحتجاجات الجماهيرية إلى سوريا نفسها. فقد أكّد في الخطاب الأول في 30 آذار/ مارس من قاعة مجلس الشعب السوري أن سوريا تستهدفها مؤامرة لإحداث “فتنة طائفية”، واعترف بأن تطبيق الإصلاح قد تأخر، إلاّ أنه لم يقدّم أيّ خطوات واعدة؛ فلم يقم إلا بإقالة حكومة ناجي عطري في 29 آذار / مارس، ومن ثم تكليف وزير الزراعة عادل سفر بتشكيل الحكومة الجديدة. وكان الخطاب صادما بالنسبة إلى كثير من السوريين، إلا أنه بثّ صورة أنّ النظام ظلّ متماسكا في مواقفه الصلبة، ولا يقدّم أيّ تنازلات قد تفسر على أنها نقاط ضعف تشجّع المحتجّين على المطالبة بالمزيد، ولم يقدّم الأسد إلاّ تشكيل لجان للتحقيق في حوادث القتل ومنح الجنسية للأكراد ودراسة إلغاء قانون الطوارئ واستبداله بقانون مكافحة الإرهاب. [18]

ولم يتراجع الرئيس السوري في خطابه خلال جلسة القسم الوزارية في 16 نيسان/ أبريل عن فهمه للتغيير، لكنه قدّم بشأنه نظرة أكثر شمولية، وأبدى نوايا حول استعداده للتنفيذ، بمعنى آخر .. كان الخطاب منفتحا أكثر من السابق على مراهنة “الإصلاح”، بغضّ النظر عمّا سيكون عليه هذا الإصلاح. وتقدّم ببوادر حسن نوايا تمثّلت في إعلانه الاستعداد للإسراع في تطبيق رفع حالة الطوارئ في مدة لا تتعدّى أسبوعا، وإبداء الألم حيال الدماء التي هدرت في سوريا، معتبرا أن جميع من سقطوا من مدنيّين وعسكريين شهداء، وأخيرا تحييد آلات القمع الدموية وعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين.

تهدف سياسة النظام المرحلية إلى وضع سوريا في حالة انتظار، كخيار في إطار العمل على إعادة إنتاج السلطة على أسس حديثة، والمماطلة في إعادة إنتاج النظام على أسس تعددية وتداولية تمثيلية، في ظل حديث مستمر عن المؤامرة يستحضر أدوات القمع ولا يحيّدها. وقد تبين أن هذا الخيار غير مجدٍ، فالمظاهرات تشتدّ ويشتدّ معها القمع في توسعها لتشمل كافة أنحاء البلاد على مدار أيام الأسبوع. والتفسير المتفائل هو أن هنالك صراعاً بين جناح أمني وآخر إصلاحي في النظام، وأنه في حال الفشل الأمني فلابد أن يأخذ الرئيس بالإصلاحي، وفي هذا المنظور يترك للناس مهمة إفشال الخيار الأمني. والسؤال سيكون بعدها: هل سيرضى الناس بالإصلاح الذي يقدمه النظام بعد أن افشلوا الخيار الأمني بدمائهم؟ ليس هنالك متسع لسيناريوهات مختلفة، والإصلاح لا ينجح كخيارا أخير، بل يفترض أن يكون هو الخيار الأول.

حديث في الإصلاح

عرفت سوريا وجهين للإصلاح في العقد الماضي، أي منذ أن ورث الرئيس السوري الشاب موقعه عن أبيه عام 2000، أحدهما سياسي جرى التراجع عنه بسرعة والآخر اقتصادي انفتاحي ما زال في بدايته. ولكن ما يظهر على أرض الميدان من الإصلاح بوجهيه هو تضاعف هامش حرية رأس المال التجاري والعقاري والخدماتي والطفيلي المعتمد على الولاء المباشر والعلاقة الشخصية مع رجالات النظام.

بدأت التجربة الإصلاحية الأولى مع تولي بشار الأسد رئاسة الجمهورية في سنة 2000. فقد حملت الشهور الأولى لحكمه وعوداً بالإصلاح والانفراج السياسي. وبدأت في 17 تموز/ يوليو 2000 مع خطاب القسم الرئاسي ووعود بديمقراطية خاصة تنبثق من الشخصية السورية.[19] لقد ساهم ذلك في بروز حراك نخبوي على الساحة السورية قادته المنتديات وبعض الشخصيات السياسية المعارضة، بمشاركة من مختلف الأطياف بما فيها شخصيات من حزب البعث، واصطلح على تسمية هذا الحراك “ربيع دمشق”. بيد أن عملية الإصلاح توقفت بعد فترة وجيزة على انطلاقتها.[20]وبدأ ربيع دمشق ينحسر تدريجيا، وعاد الاستقواء الأمني باعتباره آلية رئيسة لعمل النظام.

وساهمت المعطيات الخارجية في الاستمرار في وأد هذه العملية الإصلاحية. وهي معطيات تجلّت في الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003 وفرض الولايات المتحدة العزلة على سوريا التي رفضت شروطها، وحملة الضغوطات التي تعرضت لها سوريا مع اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005. وتلت ذلك موجة جديدة من التضييق السياسي في ظروف واجهت خلالها دمشق اتهاما في قضية اغتيال الحريري من قبل لجنة التحقيق الدولية.[21] واستطاع الرئيس الأسد أن يحوّلها إلى رصيد كبير لصالحه بأن جعل من قضية محكمة الحريري من أسباب الالتفاف الجماهيري حول النظام، وبالذات حول شخصه.

استمر “ربيع دمشق” فترةً قصيرة، امتدت من أداء القسم الرئاسي في 17/7/2000 إلى تجميد قوات الأمن السورية نشاط المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية في 17/2/2001. وبدا كأنه “خدعة” من النظام السوري لتمرير التوريث على النخب السياسية والثقافية في سوريا. وهو بالمناسبة أول وآخر توريث عرفته الجمهوريات العربية لحد الآن. لقد كان الإصلاح ومكافحة الفساد هما أساس شرعية انتقال السلطة إلى بشار الأسد، فالجمهوريات لا تعترف بالتوريث. لكن ربيع دمشق شكل بالمقابل فرصة رأى فيها الكثيرون مدخلا باتجاه التغيير الديمقراطي في سوريا. وقد أثيرت من خلاله نقاشات غير مسبوقة تناولت موضوعات في صلب إصلاح النظام، كحالة الطوارئ والمادة 8 من الدستور التي تكرس حزب البعث حزباً قائدا للأمة، وغياب قانون أحزاب وغياب انتخابات رئاسية وغيره. وقد استمرت في التفاعل على الساحة الشعبية السورية. ولكن حكم بشار الأسد ظل يبتعد عن أسس شرعيته حتى فاق الفساد في عهده المستوى الذي بلغه في عصر حافظ الأسد، وأصبح الاعتقال على خلفية إبداء الرأي أمرا مألوفا.

إن الإنجاز الذي يحسب للانتفاضة الشعبية السورية (انتفاضة 15 آذار/مارس)، هو أنها نقلت قضايا ربيع دمشق من المكرمات الرئاسية -التي تسحب بسهولة- إلى احتجاج شعبي سوف يثبتها باعتبارها مكتسبات له. ولن يكون من السهل العودة إلى حوار مع وقف التنفيذ، أو إلى انتقائية في التنفيذ تخدم العودة إلى لجم للحركة الجماهيرية.

لقد جاءت التجربة الإصلاحية الثانية في أعقاب التخلي عن التجربة الأولى التي كان يفترض أن تتناول الحقوق المدنية للجمهور الواسع. وهدفت هذه التجربة الثانية إلى توسيع مجال الحرية الاقتصادية في خدمة فئة محدودة. وسمح النظام الاقتصادي الجديد الذي نشأ في العشرية الماضية، بالتحول نحو اقتصاد السوق، إذ رفعت الدولة يدها بشكل كبير عن إدارة العملية الإنتاجية، كما بدأت في رفع الدعم تدريجيا عن السلع الأساسية، وسمحت بتأسيس بنوك تجارية وشركات اتصالات خلوية خاصة، وإنشاء سوق مالي وصناديق استثمار وإحداث تغييرات في القوانين لجذب الأموال والاستثمارات من الخارج، و من دول الخليج العربية أساسا.

تكوّن التحول الاقتصادي الجديد، والذي اصطلح على تسميته “اللبرلة” من داخل النظام الحاكم في سوريا. وتشكل وفق تكتل لمصالح معقدة ومتشابكة ومتجاوزة للطوائف بين الرأسمالية الجديدة والسلطة السياسية والعسكرية، وتبلور تيارا سياسيا داخل النظام، يسميه الدكتور عزمي بشارة “التيار التونسي” داخل النظام السوري. وهو الذي عمل على توجيه الاقتصاد باتجاه ليبرالي غير مخطط وعلى إنتاج أدبيات سياسية أبرزها “سوريا أولا”، وإطلاق هامش حرية طفيف في الصحافة والإعلام، وابتعد عن فكرة دعم المقاومة ونَزَع إلى قبول شروط وزير الخارجية الأميركي كولن باول قبل ان يحسم الرئيس الموقف ضد قبول هذه الشروط بعد حرب 2003. ويقصد بـ”التيار التونسي” ذلك الذي يجمع بين الاستبداد السياسي والليبرالية الاقتصادية ويتحول إلى “الاعتدال السياسي” أو استخدام شعار المقاومة تكتيكيا حين يلزم، ويستفيد من رجال أعمال جدد وعلى هامش النظام بمن فيهم أقارب المسؤولين.

وقد ساهم التحول الاقتصادي المذكور أعلاه في عملية إفقار واسعة إضافة إلى تضرر الطبقة المتوسطة وتراجع حجم الدعم والخدمات التي تقدمها الدولة. وخلال عملية التحوّل من الدولة شبه الراعية إلى دولة السوق الحر وانحسار دور القطاع العام، تمت عمليات سيطرة على الأراضي والمال العام، وإحدى أشهر قضاياها صفقة عقود الخلوي التي أضاعت على الدولة 7 مليارات دولار تقريباً. وقد ارتبط الفساد بشخوص من النظام وشركائهم من أصحاب رؤوس الأموال أمثال رامي مخلوف و محمد حمشو وما يقارب المائة رجل أعمال غيرهما. وهذا يفسر هجوم أدواتهم الإعلامية ، على أي دعوة للإصلاح. فمن غرائب الإصلاح الثاني أن رأس المال الفاسد والطفيلي الشريك لمراكز قوى سياسية وأمنية في النظام هو الذي مُنح حق تأسيس وسائل إعلام خاصة، ترفيهية واستهلاكية الطابع. وقد تحولت هذه الوسائل حاليا إلى أبواق تحريض حقيقية تكاد تفوق الإعلام السوري الرسمي، الذي يبدو وكأنه قادم من عصر آخر تماما، شكلا ومضمونا.

هذه الصورة للتحولات الاقتصادية تضع انتفاضة التغيير في سوريا في إطارها الأشمل كنزوع نحو التغيير، ضد القهر السياسي، ولكن أيضا ضد الإفساد في صلب التكوين الاقتصادي بحيث تتشابه التجربة السورية مع سابقتيها التونسية والمصرية.

المعارضة السورية

تصنف المعارضة السورية إلى معارضة في الداخل وأخرى في الخارج، وبحسب طريقة نشاطها إلى تيارات وأحزاب سياسية مختلفة غالبيتها ذات بنية تقليدية تتمثل في الأحزاب السياسية القومية والإسلامية والناصرية والشيوعية والليبرالية.

خلال حكم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، تجسدت المعارضة ظاهريا بحركة الإخوان المسلمين، التي قادت تمرداً مسلحاً ضد حكم البعث وصيغته التوليفية المتمثلة في الجبهة الوطنية التقدمية والتي كرست “البعث” حزبًا قائداً للدولة والمجتمع حسب نص المادة الثامنة من الدستور السوري. أما باقي التيارات فقد ولَّدت خطابا معارضا وثقافة معارضة فاعلة، ولكنها لم تنتج حالة سياسية شعبية فاعلة نتيجة للانشقاقات التي حصلت في معظم قواها وأبرزها الأحزاب الاشتراكية والشيوعية.

لذلك ونتيجة لظروف الحرب الباردة ومعطيات المرحلة السابقة وغياب وسائل الإعلام، ظلت المعادلة بين النظام والمعارضة محكومة في ثنائية “البعث ضد الإسلاميين”. وكان بالإمكان قمع المعارضة الإسلامية، التي حملت السلاح ضد الدولة ورفعت شعارات طائفية، وذلك في مرحلة الثنائية القطبية العالمية وفي وضع أمكن فيه تغييب وسائل الإعلام عن الأحداث. وهي معطيات لم تعد قائمة حاليا .

بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى سدة الحكم في عام 2000، برز نوع من الخطاب الإصلاحي لإنتاج حالة افتراق مع أدبيات الماضي. وساهم ذلك في بروز حراك نخبوي على الساحة السورية قادته المنتديات وبعض الشخصيات السياسية المعارضة، والذي اصطلح على تسميته “ربيع دمشق”. وبدأت تيارات المعارضة توصيف الواقع القائم لإنتاج خطة عمل باتجاه المرحلة المقبلة. بيد أن عملية الإصلاح توقفت بعد فترة وجيزة بعد انطلاقها.

تأثرت المعارضة السورية بهذه المعطيات ولم تنجح في إنتاج برنامج وطني من شأنه أن يكون البديل الموضوعي لتوجهات النظام الحاكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واستمر التناقض في توجهاتها الإيديولوجية، وغاب التنسيق فيما بينها إلى درجة التضاد. وللوقوف بشكل مفصل على طبيعة المعارضة السورية في الداخل لا بد من استعراض أبرز أحزابها وحركاتها وهي:

الحركات والأحزاب

حركة الإخوان المسلمين: وهي جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، نشأت في سوريا تنظيما سياسيا بالاستناد إلى طروحات حسن البنّا الذي أسس الجماعة في مصر نهاية عشرينات القرن الماضي. كان للإخوان المسلمين في سوريا حضور واضح على الساحة السياسية في فترة الاحتلال الفرنسي. ولم تتحول الحركة في البداية إلى المعارضة المسلحة، وارتبط نشاطها بإطار عمل الأحزاب التقليدية المتمثلة في حزب الشعب والحزب الوطني، دون أن يعني ذلك عدم انفتاحها على تيارات كانت فاعلة في سوريا، أبرزها الحزب الشيوعي والقوميون السوريون و البعثيون.

تأثرت حركة الإخوان المسلمين في سوريا، شأنها شأن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بأفكار “سيد قطب” وبدأت الجماعة تنغلق على نفسها نتيجة هذه الأفكار، خاصة فيما يتعلق بتعريفها للعنف. وكما أسلفنا قادت تمردا مسلحاً في سوريا ضد الرئيس حافظ الأسد في بداية ثمانينات القرن الماضي. وانتهى التمرد بخروج قياداتها من سوريا، وتراجع دورها على الساحة الداخلية. حيث تبلورت حركة معارضة في الخارج غالبية قياداتها في لندن.

خلال العقد الماضي بدأت الجماعة بإجراء مراجعات تتعلق بأيديولوجيتها ومواقفها من قضايا الحرية والديمقراطية. وقد ظهر جناح من الجماعة الإخوانية ينبذ العنف، ويعترف بالعملية الديمقراطية وصناديق الانتخاب باعتبارها المدخل للوصول إلى السلطة وإحداث التغيير، إضافة إلى الانفتاح على التيارات المختلفة.

بعد انشقاق نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام وتشكيله جبهة الخلاص، انضوت الجماعة بقيادة علي صدر الدين البيانوني تحت لواء الجبهة، الأمر الذي دلل على مدى انتهازية الحركة وأثار علامات استفهام عند العديد من المراقبين، ما حدا بالحركة إلى الانسحاب من جبهة الخلاص في عام 2009، والإعلان عن توقيف النشاط المعارض ضد النظام السوري بسبب مواقفه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة. مع أنها لم تعلن موقفا كهذا عند وقوف النظام السوري بقوة مع المقاومة اللبنانية ضد العدوان الإسرائيلي عام 2006. ويتولى قيادة الحركة حاليا محمد سعيد شقفة، الذي يعتبر من أبرز التجديديين في الحركة. وجدير بالذكر أن جماعة الإخوان المسلمين محظورة في سوريا وأن القانون رقم 49 لعام 1980 ينصّ على الحكم بالإعدام على كل منتسب لهذه الجماعة.

التجمع الوطني الديمقراطي المعارض: يضم مجموعة من الأحزاب الاشتراكية والشيوعية، التي ولدت من رحم انشقاقات في تيارات اشتراكية وشيوعية تتمثل في أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، من أبرزها الاتحاد الاشتراكي العربي الذي تأسس عام 1964 ودخل بعض قياداته في الجبهة الوطنية التقدمية، ثم انسحبوا منها بعد إقرار المادة الثامنة من الدستور السوري التي تقنِّن قيادة حزب البعث للدولة وللمجتمع .

ومن أحزاب التجمع أيضاً، حزب الشعب الديمقراطي، الذي كان يطلق عليه سابقا اسم “الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي”، ويقوده رياض الترك الذي انشق عام 1972 عن الحزب الشيوعي السوري (بقيادة خالد بكداش) الذي ما زال يشارك في الحكومات السورية حتى يومنا هذا.

أما الحزبان الآخران في التجمع المعارض فهما حركة الاشتراكيين العرب وحزب العمال الثوري.

لقد لوحقت هذه الأحزاب بقوة في الماضي. ولكن السمة العامة لأحزاب التجمع حتى الانتفاضة الحالية هي ضعف الأداء والنشاط الحزبي وضعف التمثيل، لذلك تتغاضى السلطات السورية في أغلب الأحيان عن منشورات هذه الأحزاب، ولا يتم اعتقال قياداتها إلا في ظروف معينة. ويلاحظ ازدياد نشاط هذه الأحزاب خاصة الإتحاد الإشتراكي منذ مظاهرة 15 أذار إذ يصعب على المراقب الموضوعي تجاهل دورها.

حزب العمل الشيوعي: تأسس في منتصف السبعينات من القرن الماضي، على يد معارضين سوريين تحت اسم “رابطة العمل الشيوعي”. وفي بداية الثمانينات أصبح يعرف باسم حزب العمل الشيوعي، وذلك بعد نشاط سري كبير وتنسيق منظم بين القيادات والقاعدة. وقد سجل العديد من المواقف أبرزها رفض الممارسات وأعمال العنف التي قامت بها حركة الإخوان المسلمين، والوقوف مع مطالب الأحزاب الكردية المطالبة بالحقوق الثقافية للأكراد. نتيجة لذلك تم اعتقال غالبية قياداته مثل أصلان عبد الكريم وفاتح جاموس وعبد العزيز الخير. ويرفع الحزب في المرحلة الحالية، رغم محدودية نشاطه، شعارات تطالب بالتغيير الجذري في سوريا.

المعارضة الكردية: تتكون من العديد من الأحزاب السياسية ذات الميول اليسارية، وأبرزها الحزب الوطني الديمقراطي الكردي “البارتي”، والحزب اليساري الكردي الذي أسسه عثمان صبري عام 1965. وقد نشأ عن هذا الحزب جناح أطلق على نفسه حزب الوحدة الديمقراطي الكردي ” اليكيتي” ويتزعمه إسماعيل عمر.

ومن الأحزاب الكردية أيضا، الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، وقد اندمج مؤخرا مع حزب اليسار تحت اسم حزب “أزادي” الكردي. كما يوجد أحزاب كردية أخرى في المعارضة منها الحزب الكردستاني السوري بزعامة جان كورد، وحزب المؤتمر الوطني الكردستاني بزعامة جواد الملا.

تتميز الأحزاب الكردية عامة بقدرتها على التواصل والتفاعل مع قاعدتها الشعبية، وتلعب دوراً هاما في توجيه الشارع الكردي الذي ينضوي تحت مظلتها. لكنها أيضا تعيش صراعات تشمل الخلاف حول العلاقة مع النظام، وتناقض المطالب التي ترفعها والتي تتراوح ما بين المطالبة بالحقوق الثقافية والاجتماعية للأكراد، وما بين فيدرالية كردية في سوريا على نمط “كردستان العراق”، إضافة إلى طروحات حزبية كردية في الخارج تنادي بالانفصال عن سوريا.

تمثل هذه التيارات أبرز التيارات الرئيسة في الحراك التقليدي، إضافة إلى قوى أخرى توجد في الخارج مثل التجمع القومي الموحد، الذي يرأسه رفعت الأسد “عم الرئيس” وهو أحد رموز الاستبداد والفساد من المرحلة السابقة. وحزب الإصلاح الذي يقوده فريد الغادري الذي زار إسرائيل، العدو التاريخي لسوريا دولة وشعبا، ويرتبط بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية على اعتبار أنه مُعادٍ للإخوان، ويفتقر لأي مصداقية أو نشاط في الداخل السوري، إضافة إلى مجموعة أحزاب أخرى تسير في فلك الحراك التقليدي، والتي لا يوجد لها تمثيل حقـيقي، إنما هي عبارة عن تجمعات صغيرة، وقد اصطلح على تسميتها في سوريا “أحزاب الميكرو باص”.

الحراك السياسي الجديد:

أُطلق ربيع دمشق خلال صيفٍ أنتج لسوريا والدول العربية ظاهرة لم توجد في الجمهوريات الثورية وهي “التوريث”. كان ربيع دمشق هو “العربون” الذي قدمه النظام السوري للنخب السياسية والثقافية في سوريا لتمرير التوريث وعدم الاعتراض عليه. ونتيجة لذلك عاشت دمشق ربيعاً في التسمية فقط، امتدت فترته ما بين صيف حار وحاد شهد تعديل الدستور ووصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم وأداءَه القسم أمام مجلس الشعب في17/7/2000، وشتاء قارص عصف بالحراك السياسي واقتلعه من جذوره معلنا نهايته في 17/2/2001، بعد تجميد قوات الأمن السورية نشاط المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية.

عاشت سوريا في أشهر الربيع الستة مرحلة غير مسبوقة من النقاشات السياسية والاجتماعية التي تناولت أبرز القضايا التي تؤرّق المواطن السوري وهي:

حالة الطوارئ التي تم فرضها في سنة 1963 بعد تولي حزب البعث السلطة في الثامن من آذار، والتفرد الذي أنتجه بإقصاء مختلف القوى الفاعلة على الساحة السورية.

المادة 8 من الدستور السوري الدائم لعام 1963، والتي كرست دستوريا مبدأ “الحزب القائد” الذي يقود جبهة تقدمية يوجهها حزب البعث وتدور في فلكه.

غياب الديمقراطية والحريات العامة، والتوغل الأمني في تفاصيل حياة المواطن السوري.

غياب قانون أحزاب عصري ينظم الحراك الحزبي في سوريا. يترافق مع غياب قانون للانتخابات التشريعية واستمرار مبدأ “الكوتا” التي تضمن وصول ما يقارب ثلث أعضاء مجلس الشعب من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

غياب انتخابات رئاسية تعددية، والاقتصار على مبدأ “الاستفتاء” على الرئيس في شكل تصديق انتخابي. ويضمن عدم وجود مرشحين آخرين إلى جانب المرشح الذي تقترحه القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

كان ربيع دمشق فرصة رأى الكثيرون فيها مدخلاً باتجاه التغيير الديمقراطي في سوريا. لكن ما إن استقر حكم الرئيس الابن حتى بدأ الهجوم المضاد على ربيع دمشق. وقد كانت بدايته بتصريح وزير الإعلام السوري في شهر كانون الثاني/ يناير 2001 بأن “دعاة المجتمع المدني هم استعمار جديد”. بعد ذلك، وفي 18 شباط/ فبراير من العام نفسه، شنّ نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام – الذي يطالب الآن بالحرية والديمقراطية- هجوما على المثقفين بالقول “لن نسمح بتحويل سوريا إلى جزائر أو يوغوسلافيا أخرى”.

إثر ذلك عملت السلطات الأمنية في سوريا على تعليق المنتديات ووضعت شروطا لعقدها، ومن بين 70 منتدى كان موجودا قبل فرض القيود، سمح لاثنين منها فقط بالاستمرار وهما “منتدى سهير الريس”، و”منتدى جمال الأتاسي”.

بعد ذلك بدأ الرئيس بشار الأسد في انتقاد بيانات هذه المنتديات، وقطع الطريق على أي بيانات سياسية تأمل في التغيير الديمقراطي بإنتاج موقف مضاد في منتصف آذار/ مارس 2001، عندما قال خلال مناورات عسكرية للجيش السوري: “في سوريا أسس لا يمكن المساس بها، قوامها مصالح الشعب وأهدافه الوطنية والقومية والوحدة الوطنية، ونهج القائد الخالد الأسد والقوات المسلحة”. من ثمّ جاء تصريح وزير الدفاع السابق منتصف أبريل/ نيسان 2001 بالقول: “إننا أصحاب حق ولن نقبل بأن ينتزع أحد منا السلطة لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها. لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة، ودفعنا دماءنا من أجل السلطة”.

كانت هذه التصريحات بداية انقلاب السلطة في سوريا على الوعود التي قدمتها بإطلاق الحريات العامة والسير نحو التغيير والتحول الديمقراطي. واستكملت باعتقال العديد من نشطاء المجتمع المدني في سوريا، ومنهم رياض سيف وهيثم المالح وعارف دليلة ومارك حسين وآخرون.

انفرط عقد مكونات ربيع دمشق، لكن النقاشات استمرت على الساحة الشعبية في سوريا، خاصة وأن النظام الحاكم لم يكن في موقع يستطيع إسقاط دعوات الإصلاح في المجتمع. وجاءت الظروف الإقليمية والدولية التي عصفت بالمنطقة العربية، مثل احتلال العراق ثم اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، لتؤجل هذه النقاشات، وتتجاهل السلطات العملية الإصلاحية من خلال الدخول في متاهات البحث عن التعريفات وأولويات الإصلاح.

وقد استُكملت هذه المرحلة في المؤتمر القطري العاشر عام 2005، والذي أطلق وعودا إصلاحية لم يتم تنفيذها حتى الآن. وانطلق “التيار التونسي” المذكور أعلاه، والذي يضم مجموعة من رجالات النظام الذين تشابكت علاقاتهم مع رجال الأعمال والبرجوازية في سوريا، ليعمل على توجيه الاقتصاد السوري باتجاه ليبرالي غير مخطط يعتمد على اقتصاد السوق، ويقلل من أهمية القطاع العام و دوره في سوريا ويشجع مظاهر الثقافة الاستهلاكية من دون حقوق سياسية ومدنية، ويسمح بالتباهي علنا بنتائج الفساد الاقتصادي.

وفي الختام

يبدو أن أعمال الاحتجاج في سوريا قد وصلت إلى نقطة اللاّعودة. ومن الواضح أن النظام سوف يجد نفسه مضطرا أن يختار ما بين المواجهة الشاملة والإصلاح الشامل، لأنه لا جدوى من الإصلاحات الجزئية التي تساير فئات سكانية بعينها في ظل نظام شبه شمولي قادر على إفراغها من أي مضمون بأجهزته الأمنية وسلطاته غير المحدودة. ولا يعني الإصلاح الشامل إلا أن تتفق النخب الحاكمة مع المعارضة الشعبية والسياسية لتقود عملية تحول ديمقراطي منضبط.

ومن ناحية المعارضة الشعبية، فإن أمامها عملا كثيرا لبلورة قياداتها ورؤاها السياسية، والجمهور جاهز لتقبل طرح مدني ديمقراطي. فقد تعب من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية، ولا يرغب في العودة إليها في ظل مذهبية أو طائفية أو دولة دينية. ويجب بلورة هذه الرغبة سياسيا وفكريا، فيما يتجاوز فكر المعارضات السابقة و منطقها . هذه انتفاضة شعبية يشارك فيها الجميع ولا يمكن القول إنّ أيا من قوى المعارضة المعروفة تقودها.

وكما في مصر وتونس، كذلك في سوريا وليبيا واليمن، ليست الإطاحة بالنظام هدفا قائما بذاته، بل إن الهدف هو بناء الديمقراطية، وما تغيير النظام أو الإطاحة به إلا لكونه العائق أمام التحول الديمقراطي. يكمن التحدي الكبير إذًا في الانتقال إلى الديمقراطية وبلورة الفكر والثقافة اللازمين لذلك في صفوف المعارضة. ولا بد أن يجري ذلك في خضم النضال. هذه الثقافة الديمقراطية ووضوح الرؤية السياسية وبنية النشطاء والقيادات هي الضمان ضد التدهور إلى الاقتتال الأهلي الطائفي وغير الطائفي في الدول المتعددة الهويات، والتي ينتشر فيها الوهم بأن الصراع طائفي، ويبدو فيها النضال ضد النظام أو الدفاع عنه كأنهما جزء من صراع بين جماعات أهلية.

من خلال الإضاءة على أبرز قوى المعارضة السورية الحزبية التقليدية وتصنيفها بين الداخل والخارج، نجد بما لا يقبل الجدل أن السمة العامة للمعارضة هي التشرذم، والضعف الذي يترافق مع عدم التنظيم وافتقاد حلقة التواصل مع الشعب السوري، باعتبارها لا تمتلك هيكلية ومعالم سياسية وثقافية واضحة. كما أنها تفتقد استراتيجية واضحة أو طرح بدائل عن النمط الموجود، حيث تكتفي فقط بتوصيف الواقع والإضاءة على المظالم والانتهاكات، لذلك تجد أن قوى الحراك الجديد والطروحات الشعبية متقدمة بشكل كبير عما تطرحه المعارضة التقليدية. إضافة إلى كل ما سبق، تظهر انتهازية العديد من قوى المعارضة لتنشئ نوعا من الحاجز والجدار ما بينها وبين الشارع السوري، خاصة بعد تحالف العديد من أركانها مع نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام وتشكيل ما سمي “جبهة الخلاص”، رغم أنه من أكثر أركان الحكم فسادا وتضييقا على هذه القوى أثناء وجوده في السلطة.

وفي حالة سوريا، لا بد أن يكون للمعارضة موقف واضح في دعم المقاومة في فلسطين وفي لبنان أيضا، لأن المقاومة في لبنان هي من نقاط التماس الحقيقية القليلة المتبقية للأمة العربية في مواجهة إسرائيل، ولأنها ذخر لسوريا بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها. والمقاومة مرادفة للهوية العربية لسوريا، وهي الهوية الضمان التي تحافظ عليها، وعلى المشرق العربي من الفتن الأهلية. وهي أيضا إحدى الأدوات لطمأنة الفئات المدينية الوسطى على مستقبل آمن.

انطلاقا من ذلك فإن المعارضة السورية مطالبة بإنتاج أدبيات واستراتيجيات تساهم في إنتاج تفاعلات جديدة داخل النظام السياسي، والتفكير حول أدوات التحول الديمقراطي في سوريا وأولها المواطنة المتساوية والالتصاق بالشارع ومطالبه، وتجاوز خلافاتها الإيديولوجية والفكرية، وإنتاج حالة معارضة صحّية، خاصة وأنها تمتلك الكثير من النخب والمثقفين القادرين على التماهي مع الحراك الحاصل والحركة الاحتجاجية. تكمن المهمة في تلقف اللحظة التاريخية بإنتاج برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي شامل للمطالب المشروعة للشعب السوري. ويساهم في إنتاج مدخلات في بنية النظام السياسي تجبره على الالتزام بالتغيير وإنتاج عملية التحول الديمقراطي بمختلف الأساليب وبالصيغة التي ينتجها الشارع السوري، باعتباره الآن الفيصل وصاحب الكلمة الأخيرة في فرض المعطيات على أرض الواقع.

 

* هذه الورقة هي حصيلة تفاكر ونقاش جماعي لباحثي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

 

[**] راجع: عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية، مع إشارة للمجتمع المدني العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997).

[1] ـ الأخبار في 16/4/2011.

[2] The Guardian. Syrian soldiers shot for refusing to fire on protesters. 12/4/2011. http://www.guardian.co.uk/world/2011/apr/12/syrian-soldiers-shot-protest

[3] ـ عندما قام أديب الشيشكلي في أوائل الخمسينات بضرب الدروز في جبل العرب واتباع سياسات قمعية ضد العلويين في الساحل.

[4] ـ لا يوجد في سوريا إحصاء رسمي على أساس الانتماء الديني إلا إحصاء عام 1985 على الشكل الآتي: 76.1 % مسلمون سنة، 11,5 % مسلمون علويون، 3% دروز، 1% إسماعيليون، 8 % مسيحيون.

[5] ـ موقع أخبار سوريا، “بعد الكويت والبحرين.. الأسد يتلقى اتصالات من قادة قطر والعراق يعبران عن وقوف بلادهما لجانب سوريا”، http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=130649

[6] ـ الموقع نفسه، “الأسد يتلقى اتصالا من ملك السعودية.. والأخير يبدي دعم المملكة لسوريا في وجه ما يستهدفها”،http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=130662

[7] ـ كانت العلاقة بين البلدين قد تحسنت عام 2009 بعد مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للمصالحة العربية والزيارات المتبادلة التي تمت بين الطرفين، ومن ثم تراجعت عام 2010 بعد فشل المبادرة السعودية السورية في احتواء أي مخاطر محتملة قد تنجم في لبنان بعد القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية. وكذلك افترقت السياسة بين البلدين حيال الانتخابات الرئاسية العراقية الأخيرة بعد موافقة سوريا على دعم المالكي.

[8] ـ أريبيان بزنس- رويترز، “السعودية تعتزم تقديم قروض تنمية لسوريا”،http://www.arabianbusiness.com/arabic/583796?tmpl=print_ar&page

[9] ـ جريدة الشرق الأوسط، “السفير الإيراني في دمشق: احتجاجات سورية نسخة مكررة من فتنة 2009 في طهران”، 5 نيسان/ أبريل 2011.

[10] ـ الجزيرة نت، “طهران: احتجاجات سوريا مؤامرة”،http://www.aljazeera.net/Mob/Templates/

Postings/NewsDetailedPage.aspx?GUID=7713E80B-4510-4091-99E7-21B29EBF2C01

[11] ـ بي بي سي عربي، “أردوغان: نصحت الأسد بالاستجابة لمطالب شعبه”،

http://www.bbc.co.uk/arabic/multimedia/2011

/03/110328_erdogan_syria.shtml

[12] ـ موقع دي برس: “الرئيس الأسد لأوغلو: سوريا منفتحة على تجارب الدول الأخرى للإصلاح”، http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?l=1&articleid=80030

[13] ـ ساطع نور الدين، “سوريا: شأن تركي”، السفير 18نيسان/ أبريل 2011.

[14] ـ “الأخبار” في 16نيسان/ أبريل 2011.

[15] ـ وأضافت أن “الحكومة السورية لم تلبّ المطالب المشروعة للشعب السوري. لقد حان الوقت لأن تكفّ الحكومة السورية عن قمع هؤلاء المواطنين، وأن تبدأ في تحقيق تطلعاتهم”. “السفير” عن الوكالات في 16نيسان/ أبريل 2011.

[16] ـ وحذر غول من عواقب انفجار الوضع “لأنه حينها تتدخل دول ثالثة وتنظم بيتنا الداخلي وفقا لما يريدون”. “السفير” 16نيسان/ أبريل 2011.

[17] The Wall Street Journal. Interview With Syrian President Bashar al-Assad. JANUARY 31, 2011. http://online.wsj.com/article/

SB10001424052748703833204576114712441122894.html(see also: Syria Strongman: Time for ‘Reform’. http://online.wsj.com/article

/SB10001424052748704832704576114340735033236.html

[18] – إيلاف. الأسد: سوريا تتعرض لمؤامرة تعتمد على ما يحصل في المنطقة. 30آذار/ مارس 2011. http://www.elaph.com/Web/news/2011/3/642867.html?entry=articlemostcommented

[19] – صحيفة الثورة السورية. الديمقراطية في أدبيات السيد الرئيس بشار الأسد. 21/3/2007. http://thawra.alwehda.gov.sy/_kuttab_a.asp?FileName=99217485120070320230509

[20] – مع نهاية كانون الثاني/يناير من العام 2001 أعلن وزير الإعلام حينها عدنان عمران أن “دعاة المجتمع المدني استعمار جديد”. وفي 18 شباط / فبراير من العام نفسه، وبعد مرور نحو ستة أشهر على خطاب القسم، شن عبد الحليم خدام نائب السوري حينها هجوما على المثقفين وأكد أن النظام “لن يسمح بتحويل سوريا إلى جزائر أو يوغوسلافيا أخرى”.

[21] – شمل التضييق السياسي ملاحقة موقّعي إعلان دمشق (تشرين الأول/ أكتوبر 2005 ) الذين دعوا إلى إنهاء 35 عاما من حكم أسرة الأسد لسوريا واستبدال الحكم الأمني الشمولي بنظام ديمقراطي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى