صفحات الحوار

الخبير والمستشار الاقتصادي السوري المعارض منذر خدّام: البورجوازية السورية التقليدية تراقب تغيّر الموازين على الأرض

 بقلم ديانا سكيني

الجزء الأول

منذر خدام الخبير والمستشار الاقتصادي السوري شارك في كثير من “المشاريع الهادفة إلى رسم سياسات تسترشد بها خطط وبرامج الحكومة… حتى 2025”. استاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة تشرين ترأس مؤتمر سميراميس المعارض في حزيران الفائت وهو عضو في هيئة التنسيق المعارضة التي تستعد لعقد مؤتمرها في منتصف ايلول في دمشق. في ما يلي حصيلة اجابات خدام على أسئلة طرحتها “النهار” عليه في الشقين الاقتصادي والسياسي.

“الظروف الموضوعية جميعها كانت تنبىء بأن سوريا لن تكون في منجاة من امتداد الثورات العربية. الصور السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعكسها حال البلاد لم تكن أفضل من الصورة الاقتصادية القاتمة التي كانت واحدة من أبلغ الدلالات على فقدان الأمل بأي اصلاح”. خلاصة منذر خدام هذه تنتج عن استعراض بعض الوقائع ذات الدلالة: فعلى المستوى المعيشي صار نحو ثلث السوريين فقراء بحسب الإحصاءات الرسمية، يعيش الواحد منهم على نحو 3000 ليرة سورية في الشهر، وهو خط الفقر السوري قبل زيادة الرواتب الأخيرة، ومن هذا الرقم كان نحو 8% في حالة فقر مدقع (1900 ليرة سورية في الشهر)، إضافة إلى جيش العاطلين عن العمل المتزايد، وخصوصا من فئة الشباب الخريجين.

في عام 1980 كان نصيب المواطن السوري من الدخل القومي نحو 1200 دولار سنويا، وبعد نحو ثلاثة عقود صار نحو 1400 دولار، وهو أقل من مستواه في لبنان بثلاثة أمثال. مقابل هذا الافقار المعمم تضخمت ثروات طبقة من الطفيليين بحيث تجاوزت حدود التصور بالنسبة للواقع السوري، خصوصا تلك الفئات التي استغلت الدولة وأجهزتها لتحصيل ثرواتها.

ينقل خدام ما يصفه  بـ”المعلومات الرسمية” ومضمونها أن نحو 10% من السوريين يحوزون على 60% من الدخل الوطني، في حين أن 90% منهم يحوزون على 40% فقط. الى ذلك يقول استنادا الى مصادره الرسمية أن حجم الأموال التي هُرِّبت من سوريا إلى الخارج تجاوزت حدود 140 مليار دولار خلال العقود الأربعة الماضية، وانه وبحسب تقرير الشفافية السوري (وهو تقرير وطني رسمي ومنشور) فإن ترتيب سوريا بين 131 دولة شملها التقرير هو في المراتب العشرين الأخيرة، باستثناء المؤشرات الأمنية حيث احتلت المراتب السبعة الأولى ولهذا دلالته، خصوصا في سياق الحديث عن العصابات المسلحة في سوريا. وبحسب التقارير العربية والدولية فإن سوريا في المراتب الثلاث الأخيرة عربياً، على صعيد المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ويبني خدام على الوقائع السالفة في اجابته الى “النهار” حول الخريطة الاقتصادية الاجتماعية للاحتجاجات، ليخلص الى ان “سوريا تعاني من استقطاب حاد على الصعيد الاجتماعي الطبقي يجعل الحديث عن وجود طبقات وفئات اجتماعية متبلورة فيه الكثير من المجاز” مضيفا انه “يوجد في سوريا على أرض الواقع طبقتان: طبقة الفقراء، وهي تشمل الغالبية الساحقة من المجتمع السوري، في مواجهة طبقة الأغنياء وهي ضيقة جدا لا تمثل أكثر من 7% من السوريين، ومن بين هذه الفئة الأخيرة هناك عدد قليل جدا من الحيتان يتحكمون بمجمل الاقتصاد السوري”. وعليه ” فإن الخريطة الاجتماعية الاقتصادية للاحتجاجات تعد أكثر وضوحا، فهناك غالبية ساحقة تريد التغيير في مقابل فئة ضيقة جدا لا تريده”.

الطبقة الوسطى

رداً على سؤال حول مشاركة الطبقة الوسطى الخجولة في الانتفاضة، يستند خدام الى ما شرحه عن عدم وجود طبقات وفئات اجتماعية متبلورة، ليحسم بأنه لا يمكن الحديث عن طبقة وسطى واضحة المعالم في سوريا مردفاً “إذا كان من خرج إلى الشارع في بداية الانتفاضة هو القاع الاجتماعي وهذا مفهوم ومنطقي نظرا لشدة وطأة ما يعانيه الناس في هذا القاع، فإن جميع فئات الشعب وفق التصنيفات الكلاسيكية (مثقفون ومعلمون ومحامون وقضاة وتجار وغيرهم أي من يصنفون عادة ضمن الفئات الوسطى) قد خرجت إلى الشارع في تلك المدن التي صارت فيها الانتفاضة جماهيرية كما في درعا وريف دمشق وحماة  وحمص ودير الزور، كما ان الذين يخرجون إلى الشارع اليوم هم مجموع فئات الشعب، ولولا شدة القمع الذي يمارسه النظام على المتظاهرين لوجدنا الشعب السوري بغالبيته الساحقة في الشوارع.

البورجوازية السورية

نسأل خدام عن مدى صلابة ارتباط مصالح البورجوازية السورية بالنظام، فيجيب أنه وبحسب التصنيفات النظرية المدرسية فإن البورجوازية السورية تتكون من أربع شرائح هي: البورجوازية البيروقراطية، والبورجوازية الكمبرادورية، والبورجوازية الطفيلية، والبورجوازية التقليدية. ويضيف بأن الشرائح الثلاث الأولى التي نشأت في ظل النظام وهي  ترتبط به بصورة عضوية لأن وجودها يعتمد على وجوده، سوف تقف إلى جانبه حتى النهاية. أما البورجوازية التقليدية وهي تلك التي نشأت تاريخياً في سوريا، رغم سيرورتها المشوهة، وعدم إتاحة الفرصة لها لكي تقوِّم سيرورتها من جراء تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، ولاعتبارات سياسية وأيديولوجية لا مجال للخوض فيها الآن، فقد زاد النظام في تشويهها من خلال إرغامها على العمل في ظروف الفساد المعمم.

ويعبر خدام عن اعتقاده بأن هذه الفئة مستندة إلى مناخ دولي داعم لها، تراقب تغير موازين القوى على الأرض، ولذلك سوف تظل إلى جانب النظام طالما بقي قوياً، منوهاً بعدم امكان وضع جميع البورجوازيين التقليديين في سلة واحدة، حيث ثمة منهم من انحاز بوضوح ومنذ البداية إلى الحراك الشعبي، خصوصا أولئك الذين أرغمهم النظام على الهجرة والعمل في الخارج.

حلب ودمشق

في تحليله لضعف الحراك في مدن ذات ثقل اقتصادي كحلب ودمشق،  يعتبر خدام ان استكانة حلب الظاهرية مردها إلى الدور الكبير الذي تلعبه البورجوازية السورية الحليفة للنظام، والتي تمارس ضغوطا كبيرة على الفئات الشعبية العاملة لجهة منعها من النزول إلى الشارع مشددا على ان “ذلك لن يدوم طويلاً”. أما في دمشق “فعلى العكس فإن رجال الدين يقومون بالدور الحاسم وهم فئة عمل النظام  منذ مؤسسه الأول الرئيس الراحل حافظ الأسد على استمالتها إليه. هنا أيضا نلاحظ بداية تحولات مهمة على صعيد هذه الفئة، ولن يطول بها الوقت لكي تنتفض ضد النظام خصوصا بعد الاعتداءات المتكررة على أماكن العبادة وكان آخرها اجتياح قوات أمن النظام لجامع الرفاعي في دمشق والاعتداء على شيخه أسامة الرفاعي ذي النفوذ الواسع في دمشق”. ويعبر خدام عن اعتقاده بأن ” دمشق لم تعد صامتة، فريفها ينتفض يومياً وبصورة جماهيرية، وكثير من أحياء العاصمة انخرطت هي الأخرى في الانتفاضة”. ويخلص في هذا السياق الى انه ” ليس صحيحا القول بأن النظام يتمتع بجماهيرية واسعة في المدينتين”.

اقتصاد السوق

نحاول استقراء رأي خدام في أثر السياسات الانفتاحية التي اعتمدها النظام ذو العقيدة الاشتراكية في السنوات الاخيرة في تبلور النقمة ضده لدى بعض الاوساط الشعبية. فيشرح من موقعه كخبير شارك في غالبية المشاريع الحكومية التي هدفت الى وضع تصورات لخطط اصلاحية، بأن “الاقتصاد السوري مرّ بأزمتين حادتين خلال العقود الثلاثة الماضية: الأزمة الأولى حصلت خلال الفترة من عام 1984 إلى عام 1990، ولولا العائدات النقدية التي جناها النظام من جراء مشاركة قواته في ما سمي حرب تحرير الكويت لكان انهار تماماً. والأزمة الثانية استمرت منذ عام 1998 وحتى عام 2005، وصار النمو الاقتصادي خلالها سالبا، بل شارف العديد من فروعه على الانهيار وخصوصا الصناعة التحويلية. لذلك عندما تولى الدكتور بشار الأسد زمام الرئاسة وجد أن عليه أن يواجه هذه الأزمة أولا فطرح فكرة الإصلاح الاقتصادي، لكنه بعد حين وجد أن الإصلاح الاقتصادي بدون إصلاح إداري غير ممكن، لذلك تحول وطرح فكرة الإصلاح الإداري ومن ثم التشريعي ليكتشف أيضا أنه لا يمكن إنجاز الإصلاح الإداري أو التشريعي في ظل الفساد المعمم والبنية المتكلسة للنظام”.

ويشير خدام أنه كخبير مشارك في غالبية المشاريع الهادفة إلى رسم سياسات اقتصادية جديدة تسترشد بها خطط وبرامج الحكومة، “قد نبهت مرارا وتكرارا إلى أن أي إصلاح اقتصادي أو إداري لا يتقدمه أو يوازيه إصلاح سياسي سوف يكون مصيره الفشل، لأن العامل الحاسم في أي إصلاح هو الإنسان، وهو بالضبط الذي عمل النظام طوال عقود على إفساده وتخريبه. وإن الطريقة الوحيدة لإصلاحه تكمن بالضبط في إعطائه حريته، وفي خلق الظروف المناسبة لكي يدافع عن مصالحه”.

 ويردف “كنت أردد دائما على مسامع الكثير من المسؤولين، ومن الباحثين الذين اشتركنا معهم في مشروع استشراف مسارات التنمية في سوريا حتى عام 2025، وفي ندوة مشتركة مع نائب رئيس مجلس الوزراء في ذلك الحين عبد الله الدردري،  بأنه بدون الحرية لا تكون المسؤولية، وبدون المسؤولية لا تكون المحاسبة، وبدونها جميعها يسلطن الفساد”. ويضيف بأنه “لم يكن مفاجئا لي ولكثيرين من الباحثين الاقتصاديين أن تفشل الخطة الخمسية العاشرة في تحقيق أهدافها، وحتى ما حققته من نمو استحوذ عليه قلة من أثرياء النظام، وهذا ما صرح به رئيس هيئة تخطيط الدولة في حينه (الرداوي) الذي عزل من منصبه في اليوم التالي بناء على ما صرح به”.

وفي ما خصّ العامل الديموغرافي، يعتبر خدام بأن النمو السكاني “بما يمثله من ضغط على الموارد المتاحة في ظل نظام اقتصادي فاشل وغير عادل هو من الأسباب الموضوعية للحراك الشعبي وهذا ينعكس في شعاراته وفي بعض سلوكاته تجاه بعض المؤسسات الاقتصادية المملوكة من قبل بعض النافذين في النظام”.

خسائر الأزمة

في رده على سؤال حول حصاد خسائر الاقتصاد السوري خلال الأزمة، يذكر خدام أنه و”منذ احتدام الأزمة أوقف النظام ما يسمى الميزانية الاستثمارية، باستثناء ما له علاقة باستكمال إنجاز المشاريع القائمة، وكذلك بعض مشاريع البنية التحتية. وقام بزيادة كبيرة للأجور والرواتب بقرار سياسي كنوع من الرشوة” معتبرا أن “استمرار ذلك سوف يفاقم من أزمة التشغيل كثيراً، وسوف يؤدي إلى زيادة مؤشرات التضخم، وتنشيط عمليات التهريب”. ويضيف  ان ” ما هو ملموس اليوم هو انهيار القطاع السياحي بالكامل، وتراجع التبادل التجاري السوري بنحو 30%. ونظرا الى أن العقوبات على القطاع النفطي قد دخلت حيز التنفيذ فسوف تظهر آثارها مباشرة، وهذا ما نبه إليه حاكم مصرف سوريا المركزي، الذي دعا السوريين إلى الاستعداد لشد الأحزمة”.  ورغم هذا المشهد الصعب للخسائر، يرى خدام أن “سوريا لا تزال تمتلك احتياطات كبيرة نسبيا من العملة الصعبة (نحو 17 مليار دولار) لكنها سوف تتآكل إذا اشتد الحصار عليها، وإذا أوقفت الحكومات الصديقة للنظام دعمها المالي والاقتصادي له”.

وهل ستنهك العقوبات الغربية المجتمع السوري؟ يجيب “رفضت منذ البداية الحصار الاقتصادي على سوريا، وأعتقد أن الكثيرين يشاركونني موقفي هذا وذلك لسبب بسيط  هو أن الذي سوف يتأذى منه أكثر هو الشعب السوري” معتبرا ان “العقوبات الاقتصادية الذكية، أو العقوبات على أفراد النظام، لن تجدي لأنهم يستطيعون بحكم موقعهم تحميلها للشعب. هذا يعني أن العقوبات الاقتصادية سوف تنهك الشعب السوري”.

الجزء الثاني

منذر خدام لـ”النهار”: لا خوف من الاسلام السياسي

في الجزء الثاني من اجاباته عن اسئلة “النهار”، يبين المعارض السوري منذر خدام صعوبة سقوط النظام في الشارع في ظل موازين القوى القائمة، مقللا من اهمية صعود الاسلام السياسي ومن حجم “الاخوان” التمثيلي تحديدا، قائلا “لولا القمع والتخويف لملأت الاقليات الشارع”.

ككثيرين غيره من شخصيات المعارضة البارزة، سمع منذر خدام بتكليفه بعضوية المجلس الوطني الانتقالي دون أن يستشار مسبقاً. يقول إنه تفاجأ كغيره ممن وردت أسماؤهم في تشكيلة المجلس موضحا “لم يستشرني أحد بذلك، كما لم تستشر حركة “معاً من اجل سوريا حرة وديموقراطية” التي أنتمي إليها، ولا هيئة تنسيق قوى التغيير الديموقراطي، التي تشكل حركة معاً أحد فصائلها”. ويضيف: “يبدو أن ذلك كان مقصودا بحسب ما صرح لي بذلك السيد دغمش الذي قرأ بيان تشكيل المجلس،  مضيفا أنه لم يتم استشارة أحد من أعضائه مسبقاً، وأن التشكيلة الحالية هي تكليف من قبل شباب الانتفاضة، وتركت الحرية لكل عضو فيه أن يقبل بالتكليف أو يرفضه. ومن يرفض عليه واجب أخلاقي كي يبرر رفضه”.

لم تعلن “حركة معا” موقفها النهائي بعد من المشاركة في المجلس. لكن خدام يقول انه

“من حيث المبدأ لا أقبل أن يكلفني أيا كان بأي عمل، أو مهمة، أو دور، بدون استشارتي بذلك، والحصول على موافقتي”. ويضيف إلى ذلك  اعتراضه على شعار إسقاط النظام، إذ “لا زلت أرى أنه من الأفضل لسوريا أن يتم العمل على إسقاط النظام عبر صناديق الاقتراع، لاستحالة تحقيق ذلك في الشارع إلا بثمن لا تستطيع سوريا تحمله، عداك عن أن ذلك غير مسموح به دولياً”.

مؤتمر أيلول

في سياق متصل بحراك المعارضة التنظيمي، وفي تعليقه حول المأمول من مؤتمر هيئة التنسيق المزمع عقده في دمشق في منتصف الشهر الجاري، يشير خدام الذي ترأس مؤتمر سميراميس في حزيران الماضي، الى الطموح بأن يشكل المؤتمر المنتظر خطوة إضافية على طريق بلورة طموحات الشارع المنتفض، وطموحات السوريين عموما في رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية سوف تصدر عن المؤتمر، وكذلك في “إمكانية تشكيل أوسع تحالف ذي طبيعة جبهوية للمعارضة السورية في الداخل والخارج، استعدادا للمرحلة الانتقالية من النظام الاستبدادي القائم إلى النظام الديموقراطي المنشود”. ويضيف: سواء نجح المؤتمر في استقطاب جميع قوى المعارضة أو غالبيتها، أو بعضها، فهو لن يدّعي لنفسه حصرية التمثيل وسوف يظل يمد يده لكل القوى المعارضة الراغبة في تنسيق المواقف السياسية، والعمل المشترك من أجل بناء سوريا حرة وديموقراطية.

ويعتبر خدام ان السماح للمؤتمر بالانعقاد في دمشق هو امتحان لوجود رغبة لدى النظام بالسماح للمعارضة بالوجود والعمل بحرية من أجل إعادة تكوين ذاتها، وبلورة وإنضاج رؤاها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتقديمها في خطاب موحد أو منسق للشعب السوري، استعدادا لتحمل ما يترتب عليها من مسؤوليات المرحلة الانتقالية ومن ثم مرحلة بناء الدولة المدنية الديموقراطية المنشودة.

المحرك الطائفي

التوغل في النسيج الاجتماعي للاحتجاجات يقود الى السؤال عن أثر المحرك الطائفي. هنا يرفض خدام اعتماد المدخل الطائفي لتفسير ما يجري في سوريا ” فهذا مدخل خاطئ نظريا وعمليا، وسوف يقود بالتالي إلى ضلال معرفي، ولن يفسر حقيقة ما يجري على أرض الواقع”. ويشرح: من الناحية الاجتماعية السياسية عمل النظام منذ عام 1970 على تشييد بنيانه على ثلاث دعائم أساسية: الأولى منها استمالة الأغنياء ورجال الدين إليه من خلال منحهم امتيازات كثيرة، والثانية تقديم نفسه كحام للأقليات، وتنمية وهم الشعور لديها بذلك، والثالثة تفريغ المجتمع من أية حياة سياسية ونقابية حقيقية. هذه الدعائم الثلاث تحيط بدعامة أخرى تشكل العمود الفقري للنظام وهي الدعامة الأمنية.

ويعتقد خدام أنه وبغض النظر عن بروز بعض السمات الطوائفية (وليس الطائفية) في هذه الدعامة أو تلك فإن النظام بمجمله ليس طائفيا، كما إن “الحراك الشعبي المنتفض ضده لا يصح وصفه بالطوائفي أو الطائفي. الحقيقة تقول إن طائفة النظام  تتكون من جميع الطوائف، كما أن المنتفضين في الشارع ينتمون إلى جميع الطوائف. وإذا كان من ينتمون إلى الطائفة السنية يشكلون غالبية الحراك الشعبي، فهذا أمر طبيعي لأن السنة يشكلون غالبية المجتمع السوري، لكن لا احد منهم أو من غيرهم يشارك في الانتفاضة الشعبية بصفته الطوائفية”.

لولا القمع…

ويرى المعارض السوري أنه “لولا سياسة تخويف الأقليات، وشدة القمع الذي تتعرض له وخصوصا العلويين لوجدتهم يملؤون الشوارع، ولن تتأخر هذه اللحظة كثيرا” مردفاً “لننظر في الشعارات التي يرفعها المتظاهرون، وفي مطالبهم، وكذلك لننظر في تكوين المعارضة السورية التقليدية والثقافية فهل ثمة من سمات طوائفية أو طائفية فيها؟ لا أعتقد ذلك. حتى الإخوان المسلمون الذين تبدو السمة الطوائفية بارزة فيهم، فهم يقدمون أنفسهم في الحقل السياسي استناداً إلى مشروع رؤية سياسية وطنية”.

ويخلص خدام الى أن “الانتفاضة الشعبية في سوريا هي انتفاضة شعبية وطنية عابرة لجميع أشكال الوجود الاجتماعي في سوريا” والى أن “المحرك الطائفي والعشائري ليس له دور مهم في الحراك الشعبي، وهو يندرج عموما حيثما وجد تحت عنوان أعراض الحراك، وهي متوقعة، لكنها تبقى أعراض. فلا أحد له مصلحة في الصراع الطائفي، رغم أن النظام يلوح به دائما لإبقاء الأقليات بعيدة عن الحراك الشعبي”. وفي رده على سؤال حول ما جرى من احداث وصفت بالطائفية في كل من اللاذقية وحمص، يقتضب خدام قائلا: “ما جرى في حمص تحديدا لم يكن صراعا طائفيا، هناك تفسيرات له أكثر إقناعاً لا أريد أن أخوض بها”.

حركة الشارع

حول صحة استمرار وسم حركة الشارع الاحتجاجية بالعفوية بعد اكثر من 5 اشهر على انطلاقها، يقول خدام ان الشعب السوري انتفض بصورة عفوية ومن خارج أية أجندة سياسية أو تنظيمة داخلية أو خارجية، مستلهما انتفاضات الشعوب العربية خصوصا في تونس ومصر. ويستطرد: “اما في الوقت الراهن فقد اخذ الحراك الشعبي أشكالا تنظيمية واضحة، في إطار ما اصطلح عليه بالتنسيقيات وهي أيضا من إبداع الشارع. والذين يشاركون في هذه التنسيقيات هم في غالبيتهم من الشباب”.

وهل من وجهة فكرية طاغية في الاطر المحركة للشارع؟ يجيب “من الناحية الفكرية لا يمكن الحديث عن فكر طاغ على الانتفاضة لأنها ببساطة انتفاضة شعبية فيها من جميع تلاوين الشعب. رغم ذلك فإذا ما حكمنا على طابعها الفكري من خلال المطالب التي ترفعها، يمكن القول أنها تتحرك في مجال يغلب عليه الطابع المدني الديموقراطي بمعناه العام”. أما الظاهر الإسلامي في فكر الانتفاضة “فلا يتعدى حدود الشعارات، وهذا عائد إلى فقدان المجتمع السوري للحياة السياسية الطبيعية خلال ما يزيد على ستة عقود، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لكونها تستفيد من الجوامع كأماكن للتجمع ومن ثم النزول إلى الشارع”.

الاسلام السياسي

ويشدد خدام على ان “لا خوف على الانتفاضة السورية من أن يسيطر عليها الإسلام السياسي المتطرف، ولا حتى الإسلام السياسي المعتدل الذي له الحق في التواجد والعمل بحرية في ظل الدولة الديموقراطية المنشودة” معتبرا انه “في مجمل الأحوال لن يحصل الإسلام السياسي بكل تلاوينه في أحسن حالاته خلال انتخابات نزيهة وشفافة وديموقراطية على أكثر من 30% من أصوات الناخبين وهذا ما صرح به العديد من قادة تنظيم الإخوان المسلمين”. اما في رأيه، فان “الإخوان لن يحصلوا على أكثر من 15 إلى 20 % في أحسن الحالات، وهذا سوف يحصل في البداية ومن ثم سوف تتراجع شعبيتهم لأنه ببساطة ليس لديهم ما يقدمونه للشعب السوري”، خالصا الى ان القول بأن “البديل للنظام هو الإسلام السياسي لا يعدو كونه فزاعة يستخدمها النظام لشل إرادة بعض السوريين وخصوصا من الأقليات”.

وفي اجابته عن سؤال حول وجود خريطة اولية للاحجام التمثيلية للمعارضة، يشير الى تقرير نشر اخيرا عن مركز دمشق للدراسات الحقوقية يشتمل على تقديرات حول “الأثقال التمثيلية لقوى المعارضة، ولمشاركة الطوائف في الثورة”، مبديا  “تحفظات جدية حول التقرير إذ من الصعوبة في هذه الظروف الخوض في هكذا دراسات وأبحاث”.

موازين القوى

واذا كانت البراغماتية تشي بصعوبة نجاح الانتفاضة الشعبية في ظل موازين القوى الداخلية والخارجية الحالية، فان خدام يرى بأن هذه البراغماتية التي يُقال ان دفتها تميل لمصلحة النظام ليست بالضرورة صحيحة، “فلا النظام ذاته معصوم عن التفتت من الداخل، ولا موازين القوى بين النظام والشعب سوف تظل تميل في مصلحة النظام، بل هي تشهد تغيرا مستمرا وإن كان بطيئا في مصلحة الشعب” مشيرا الى اثمان باهظة والى عقبات كثيرة تحول دون اسقاط النظام في الشارع في الوقت الراهن. إلى ذلك، يتحدث عن شك كبير حول موافقة الدول الكبرى وكذلك الدول الإقليمية على اسقاط النظام، لما يمكن أن ينجم عن سقوطه من فوضى محتملة، يمكن أن تنعكس على المنطقة برمتها.

بالنسبة لخدام فان “النظام مدعو للتخلي عن طبيعته الاستبدادية والقبول بالنظام الديموقراطي”. اما الشيء الوحيد الذي يمكن “قبول الحل الوسط فيه فهو الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. لكن للوصول إلى ذلك لا بد أن تشرك المعارضة وفي مقدمها ممثلو الحراك الشعبي في إعداد البيئة الدستورية والقانونية والتنظيمية للانتقال إلى النظام الديموقراطي المنشود”. وبصورة ملحة لا بد من “إيقاف الخيار الأمني وسحب القوات الأمنية والجيش من الشوارع وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والسماح بالتظاهر السلمي لكي يفرز الشارع ممثليه”. اما الصيغ العملية لتحقيق كل ذلك “فيمكن الاتفاق عليها من خلال الحوار”. وهو الحوار الذي لا يمكن ان يبدأ الا اذا “توقف اعتماد الخيار القمعي على الارض”.

ديانا سكيني

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى