صفحات سورية

 الخروج العلوي من الثورة/ علي مغيّر

 

 

من يمعن النظر الآن في القوى التي فعلت ولا تزال تفعل على الأرض في سورية، لن يجد للقوى الثورية الأقلوية، وبخاصة العلوية، أي أثر يذكر. يبدو أنها تبخرت، أو أن وجودها كان هلامياً ضبابياً إلى حدٍّ لا يؤسس لوجود تيار ثوري بنسق واحد، انخرط فعلياً في الثورة، وشارك في صيرورتها، حتى غدا بمقدورنا اليوم القول إن هناك خروجاً تاماً للعلويين من الثورة.

علويو الثورة في سورية، ويغلب أنهم من خلفيات يسارية، هم الآن خارجها، ليس فقط بسبب الخروج القسري الذي لعبته قوى النظام والإسلام السياسي والجهادي، بل لأنهم هم أنفسهم قد انتهوا من الثورة الى حالة من الاغتراب الكليّ، ليسها عنها وحدها فقط، بل حتى عن الوطن السوري بذاته.

يقول أحمد، وهو من العلويين الذين انخرطوا في الثورة ويقيم حالياً في فرنسا: «شاركت بالتظاهرات التي كانت تخرج من المساجد في مدينة حمص في شكل متواصل تقريباً، تعرضت للمضايقة كثيراً ليس فقط من أهالي الحي الذي أقطنه وعناصر الشبيحة، بل من بعض الناس الذين كانوا هم أنفسهم يشاركونني التظاهر في الأحياء ذات الغالبية السنية، وقد تعرض أهلي للمضايقات ذاتها أيضاً، فوالداي كانا معتقلين سابقاً في الثمانينات على خلفية الانتماء الى حزب يساري. اعتقلني النظام شهوراً عدة وخرجت محطماً نفسياً، بخاصة وأنا أجد نفسي خارج كل شيء ضحيت لأجله. قررت الرحيل، وتمكنت من الحصول على اللجوء هنا في فرنسا».

حالة أحمد ليست الوحيدة التي ترصد هذا الخروج العلوي من الثورة، فابتسام، مقيمة حالياً في طرطوس، شاركت في تظاهرات الثورة في دمشق حيث كانت تدرس في الجامعة، ومن ثم عملت مع أحد المكاتب الإعلامية التابعة لاتحاد تنسيقيات الثورة. اعتقلت ابتسام على خلفية أحد الاعتصامات التي تمت أمام مبنى البرلمان في قلب دمشق، وأمضت شهراً في فرع 215 التابع للأمن العسكري. خرجت بعده وأرادت أن تتابع عملها في الثورة إلا أن شكوك زملائها في التنسيقية بخروجها المبكر من المعتقل جعلها تنكفئ وتعود إلى مدينتها الأصلية لتعيش خارج كل السياق الذي اختارته لنفسها في أيام خلت.

قصة ثالثة تماثل قصة أحمد وابتسام كثيراً لكنها تختلف في مآلها الأخير، هي حالة منير، من سكان حي الزهرة في مدينة حمص. فقد شارك في التظاهرات وعمل مع الناشطين في حمص للترويج للثورة وفعاليتها، وانضم إلى تشكيل اتحاد الطلبة الأحرار في الجامعة وعمل معهم، حتى اعتقلته عناصر الأمن العسكري من داخل الجامعة، وبعد أسبوع واحد فقط تم تسليم جثته إلى أهله في الزهرة من دون أن يتم السماح لهم بإقامة أية مراسم للعزاء.

هذه القصص تجدها مكررة عند كل العلويين الذين شاركوا في لحظة ما في الثورة. تجمعهم الآمال والتطلعات الأولى التي جمعت كلّ السوريين ذات مرة ببلد يمكن لهم فيه أن يتنفسوا شيئاً من الحرية خارج إطار الاستبداد والظلم ورقابة العيون والتقارير التي لا تنتهي. ويجمعهم أيضاً الخوف الذي عايشوه: أولاً في بيئاتهم وأوساطهم التي كانت تلفظهم خارج حضانتها كلما حاولوا أن يعبروا عن رأي مخالف، وثانياً من الإسلام السياسي والجهادي الذي ملأ مساحة الثورة حتى غدا كلّها وأخذها إلى حيث لا مكان لهم فيه. ما يفرقهم الآن هو فقط الأرض التي لاقوا فيها مكاناً للعيش خارج الثورة، فكثيرون منهم تبعثروا في بلاد الشتات خارج القطر، وقلة بقيت في الداخل تعيش على طرف مجتمعها وبيئتها، لا تحاول إلا النجاة بحياتها، خلافاً لقلة قليلة قضت قتلاً في المعتقلات أو اغتيالاً من الشبيحة.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى