صفحات الرأيوائل السواح

الخطر ليس ترامب بل… الترامبية/ وائل السوّاح

 

 

متعصب، متصنّع، متنمّر، وقح، كاذب، مخادع، عنصري، جنسي، كاره للنساء، ديماغوجي. كل هذه الكلمات صفات للسيد دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة. وهي صفات ليست من عندي، بل من افتتاحية لـ «نيويورك تايمز». على أن ذلك كله لا يمنع احتمال أن يفوز ترامب في الانتخابات.

لقد تخلى عن ترامب في سعيه إلى الحلول في البيت الأبيض ليس فقط الديموقراطيون والليبراليون ودعاة الاندماج وحقوق الإنسان والمدافعون عن النساء والملونون، بل أيضاً الجمهوريون أنفسهم. السناتور الجمهوري جون ماكين، ورئيس مجلس النواب بول رايان، والمرشح الجمهوري في الانتخابات السابقة ميت رومني، وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، من دون أن نغفل منافسي ترامب تيد كروز وماركو روبيو. زد على ذلك أن واحداً من كل خمسة جمهوريين يرون أن ترامب لم يعد مؤهلاً لشغل منصب الرئيس.

وليس من دون وجه حق. فالحزب الجمهوري الذي قدّم إلى البيت الأبيض رؤساء مثل أبراهام لينكولن وتيودور روزفلت ودوايت أيزنهاور ليس جديراً بأن يُمثل بشخص كترامب يستهين بمحدثيه ويهين النساء ويتحدث بلغة سوقية ويتفاخر بعلاقاته الجنسية ويحط من قدر الأعراق والأديان. وحتى أسوأ الرؤساء الجمهوريين كوارين هاردينغ الذي يقبع في ذيل لائحة الرؤساء في سمعته والذي عرف بالفساد والفضائح، لم يصل إلى السيد ترامب بمستواه الأخلاقي والسياسي واللغوي.

ومع ذلك، لا يزال ثمة أميركي واحد من أصل ثلاثة سيصوت لترامب في الانتخابات المقبلة (37 في المئة) وفق أحدث استطلاع لـ «رويترز». وهو ما يسمح لنا أن نقول إنه تحول من شخصية طريفة، فكهة، ووقحة، إلى ظاهرة مجتمعية مهمة: الترامبية.

ما هي أهم سمات الترامبية؟ تعتمد الترامبية الخطاب السهل والشعارات العامة كقضية بناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك وإجبار المكسيك على دفع الكلفة، واستخدام لغة هابطة وعبارات غالباً ما يستخدمها العامة، والاستهانة بالآخرين، كتكرار تعبير «غلط» أو صفتي «كاذبة» و»مخادعة» في مناظرته مع هيلاري كلينتون الأخيرة، والتهديد باستخدام السلطة، كتهديد كلينتون بالسجن في حال فوزه بالرئاسة، واستسهال إهانة العروق والقوميات والأديان، وابتزاز النساء واستغلالهن، وغير ذلك.

لقد نجح ترامب في خلق تيار عريض بين الأميركيين يتبنون هذا الخطاب وذلك الأسلوب وتلك المفاهيم. صارت فكرة ترحيل الناس والاتهامات الجماعية والتمييز بين الألوان والأديان (وهي كلها ثقافة غريبة عن الأمة الأميركية التي تعتبر نفسها أساساً أمة من المهاجرين ولطالما رحبت بهم وشجعت على اندماجهم ) فكرة رائجة في أوساط واسعة من الأميركيين. فقط في أميركا يستطيع لاجئ أن يصبح قاضياً أو وزيراً، ويستطيع ابن مهاجر أن يغدو رئيساً. فقط في أميركا يمكن لكاثوليكي أو أسود أو مورموني أن يحتل (أو ينافس بقوة للصول إلى) المكتب البيضاوي. ومع ذلك بات اليوم تيار عريض من الأميركيين يعتقد بأن نسبة الجريمة والاغتصاب بين المهاجرين أكثر مما بين غيرهم، على رغم أن تقريراً علمياً صدر مؤخراً عن «تجمع الأكاديميات القومية للعلوم والهندسة والطب» (وهو شبكة أكاديمية غير ربحية تضم عدداً من المؤسسات العلمية ويمولها الكونغرس) أثبت أن الأحياء التي تقطنها غالبية من المهاجرين فيها مستوى أقل من الجريمة، وأن نسبة المساجين الرجال المولودين خارج الولايات المتحدة بين عمري 16 و39 سنة هي 1 إلى 4 مقابل الأميركيين المولودين في أميركا.

والآن، قد يخسر ترامب الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وحتى لو فاز، فأغلب الظن أنه سيمضي أربع سنوات ينزوي بعدها منسيا أو مذكوراً كمزحة أميركية. الخوف هو أن يخسر الانتخابات وتربح أجندته الترامبية. لقد وصلت المعركة الانتخابية إلى حد متقدم جداً من الحساسية والتوتر، وعلى الأغلب سيشعر الترامبيون في حال خسارة مرشحهم بهزيمة مريرة، قد تولّد تيار يميني متطرف على غرار اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا والسويد، لم تعرفه أميركا من قبل.

كل الجهود التي يبذلها الليبراليون اليوم هي لإبعاد خطر ترامب. وهو جهد صحيح وضروري. لكن المهم أكثر قطع الطريق أمام الترامبية. ولن يتمّ ذلك إلا من خلال معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهور ترامب. سيتطلب ذلك معالجة طويلة المدى لمسألة الصناعات المهاجرة والمدن المهجورة. سيتطلّب إصلاحاً في نظام التعليم الجامعي والعالي كما سيحتاج إلى الخروج من إطار المؤسسة الحاكمة في واشنطن وإصلاح النظام المعطوب الذي يعتقد مناصرو ترامب بأنه أهملهم وفي بعض الحالات آذاهم لعقود طويلة. وعلى رغم انفتاح أميركا على التعدد الإثني والديني والحضاري، ينبغي التأكيد أكثر على الأمة الأميركية والهوية الأميركية الجامعة.

مناصرو ترامب ليسوا غوغاء ومنحرفين ومهووسين. هم أميركيون يحبون بلدهم ويهتمون لأمرها، ويودون بقوة أن يكونوا فخورين بكونهم كذلك.

وقد اتسعت دائرة الترامبيين التي بدأت بجماعات من البيض متوسطي التعليم والثقافة لتشمل مثقفين وجامعيين ومهنيين وسوداً ولاتينيين وحتى مسلمين. كل يرى في ترامب ضالته التي سيصفي من خلالها حساباته مع المؤسسة الحاكمة في واشنطن. لذلك سيتعين على هذه المؤسسة أن تعمل على تغيير نفسها، بدءاً من حصر لعبة تداول السلطة بين الحزبين الكبيرين، مروراً بالهيئة الناخبة التي لا تعطي الغالبية دوماً حق انتخاب الرئيس، وليس انتهاء بالتفاوت الطبقي غير المسبوق الذي وصلت إليه الولايات المتحدة.

لا يدرك مناصرو ترامب، أو لا يريدون أن يدركوا، أن الرجل سيزيد من الهوة بين الأغنياء والفقراء، بين البيض والملونين، وبين الأديان المتنوعة، وسيلغي الدعم الحكومي للتأمين الصحي ويقلل فرص الفقراء في دخول الجامعات ويعقّد العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة وحلفائها. وهذا هو جوهر الترامبية: إنه الإصرار على الجهل والانحطاط السياسي والأخلاقي وتدمير الذات للانتقام من المؤسسة.

وأخيراً، إن نجاح ترامب خطر. لكن نجاح الترامبية هو الأخطر.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى