صفحات الناس

الخطف والخطف المضاد بين درعا والسويداء/ همام الخطيب

 

 

يُخطف الضحايا في السويداء من قبل عصابات محليّة تبيعهم إلى عصابة من البدو المنتشرين بين درعا والسويداء، تأخذ دور “الوسيط” لسهولة تنقلها بين المحافظتين، قبل أن تصل الضحية إلى أراضي محافظة درعا. بعدها يتم طلب الفدية عبر اتصال الخاطفين بذوي المخطوف، ويطلبون مبالغ طائلة.

وكان النظام قد اعتمد على المهمشين وأصحاب السوابق الجرمية في السويداء، وأعطاهم سلطة في مجتمعها المحلي، لقمع القوى الطامحة إلى التغيير. “الشبيحة” أعطيوا صلاحيات ضخمة، إلى حدّ تجاوزوا فيه القوانين والأعراف والتقاليد، وتحوّلوا إلى عصابات تحظى بشرعية أمنية، لا بل يديرون ملفات الفساد بالتعاون مع عصابات أخرى منتشرة في محافظة درعا، وبتسهيل من قوى النظام الأمنية التي استثمرت في تلك الملفات أمنيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً، وأحياناً بالتنسيق معها.

الخاطفون كانوا قد طلبوا 30 مليون ليرة سورية مقابل إطلاق سراح ربيع الشعراني، بعد خطفه مطلع شباط/فبراير. في حين طلبت العصابات مبالغ أكبر في حالات أخرى، وصلت إلى 70 مليون ليرة. وغالباً، ما يلجأ ذوو المخطوفين في السويداء إلى اختطاف بعض أبناء درعا النازحين إلى المحافظة، ليدفعوا ذويهم إلى الضغط على الخاطفين في درعا، أو المساهمة في دفع الفدية. وقد تُستغل هذه الظروف من قبل عصابات السويداء ذاتها لخطف نازحين من أهالي درعا ثم طلب الفدية، وتحميل المسؤولية لذوي المخطوف من السويداء. وعلى هذه الآلية المعقدة تشكلت ظاهرة الخطف والخطف المضاد، التي تعتبر أكثر الملفات تحدياً للسلم الأهلي، وتُبقي المحافظتين في حالة توتر دائم مؤهل في أي لحظة للانفجار.

ويرى ناشطون من كلا المحافظتين أن ما يجري من حوادث خطف مرده إلى أن النظام يسعى بشكل حثيث إلى دفع الجارتين إلى اقتتال يكون هو الرابح الوحيد فيه، وفق إستراتيجيته المعتمدة منذ بدء الاحتجاجات عليه الهادفة إلى تذرير الشعب السوري لإنهاكه، وللاستثمار لاحقًا في ما ينشأ عن ذلك من عداوات تفضي إلى تطاحن بينيٍّ، بينما يدير هو تلك العملية بأقل الخسائر. وهذا ما تؤشر عليه بوضوح المقاطع المصورة التي يبثها الخاطفون، أو يبعثونها إلى ذوي المخطوفين في السويداء، وتحتوي مشاهد عنف تمارس على الضحية، إضافة إلى تقصد ذكر عبارات طائفية تؤجج الفتنة.

الفيديو الذي أرسل إلى ذوي ولاء شكر، ظهر فيه ابنهم وهو يتعرّض لتعذيب شديد ترافقه شتائم وعبارات طائفية. وفي مطلع آذار/مارس، بعث خاطفو الشابين مازن غرزالدين وكفاح الصالح، مقطعاً مصوّراً، يظهر الشابان فيه وهما يتعرضان للتعذيب. المستهجن في الأمر أن لهجة الخاطفين لا تشبه تلك الخاصة بأهل حوران، وهم من إدعوا أنّهم من أبناء درعا. الخاطفون طلبوا رأس قائد مليشيا “جمعية البستان” التابعة لرامي مخلوف، أنور الكريدي، كفدية، أو مبلغ 50 مليون ليرة. ويرى ناشطون في عمليّة الخطف هذه أنها أمنية بامتياز، لأن الخاطفين لم يستطيعوا أن يخفوا لهجتهم، وطلبهم رأس الكريدي الذي بات المجتمع في السويداء ينفر منه، لضلوعه في ملفات الفساد والجريمة، في خطوة لإعادة تعويمه من قبل المخابرات، وإكسابه تعاطفاً كونه مطلوباً للخاطفين في درعا.

ومن جهة أخرى، يبقى ملف الخطف “مسمار جحا” الذي يعود إليه النظام، كلما استشعر بأن هناك معركة قد تحدث في محافظة درعا، أو عندما ينوي تنفيذ اقتحام لإحدى المناطق هناك. هذا ما يفسر ارتفاع وتيرة الخطف في الآونة الأخيرة بالتزامن مع معركة “الموت ولا المذلة” التي أطلقتها قوى المعارضة المسلحة في درعا؛ حيث شهدت المحافظتان عشرات جرائم الخطف في هذه الفترة.

بينما يرى آخرون أن حوادث الخطف هي نتيجة طبيعية لما تعيشه السويداء من فوضى وانفلات أمني، وارتفاعا غير مسبوق في مستوى الجريمة؛ من قتل وخطف وسرقة. فالمليشيات التي سلحها النظام ودرّبها أصبحت هي من تدير ملفات الجريمة والفساد بعدما تمرّدت على ما تبقى من مؤسسات الدولة المتهالكة.

وبعدما أسّست الأجهزة الأمنية للجريمة المنظمة عبر رعايتها للفاسدين وإدارة أعمالهم وتسهيلها، وكانت تحصل على “حصة الأسد” من كل تلك الملفات، باتت تُواجه اليوم بتغوّل المليشيات المحليّة. فهم المليشيات لآلية عمل السلطة جعلها تطمح لأكثر مما كانت تحصل عليه، فأصبحت تأخذ أكبر من حصتها، وتعلن استقلاليتها شيئاً فشيئاً عن شبكة السلطة. وهذا ما يفسّر جزءاً من المناوشات التي تحصل أحياناً بين الأجهزة الأمنية والمليشيات.

والمناطق التي تتم فيها عمليات الخطف، هي ريف السويداء الغربي، والذي بات الناشطون يطلقون عليه “مثلث برمودا”. ولو أرادت تلك المليشيات مقاومة تلك الظاهرة، لاستطاعت ذلك تبعاً لعددها وتسليحها وانتشارها الكثيف، إلّا أنه حيث توجد هذه المليشيات بكثرة، تزداد احتمالات الخطر من نهب وقتل وخطف.

كما أن عمليات الخطف في الآونة الأخيرة لا تؤشر على أنها تحدث وفق عمل عشوائي أو فردي، بل هي منظمة تبعاً لتكرارها وتشابه حالاتها وآلية حدوثها. ويرى متابعو ملف الخطف في محافظتي درعا والسويداء أن هذه الحوادث تقوم بها شبكة منظمة، وفق تنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية التي تحاول أن تشيح الأنظار عن تردي المستوى المعيشي والأزمات الخانقة التي يعيشها أبناء السويداء على المستويين الأمني والاقتصادي، باتجاه خطر خارجي يمثله ملف الخطف. وهذا ما يفسر أيضاً توقيت عمليات الخطف عندما يزيد الاحتقان لدى أبناء محافظة السويداء أو عند ظهور تحركات احتجاجية مطلبية.

ويجري الحديث مؤخراً عن تنسيق بين الجيش الحر في درعا وبعض القوى في السويداء يهدف إلى محاصرة تلك الشبكة وكشفها، وذلك عبر آلية عمل تقوم على محاسبة كلا الطرفين للأشخاص الذين يثبت تورّطهم في هذا الملف، والتحقيق معهم لمعرفة خيوط تلك الشبكة وعناصرها في كلا المحافظتين ومن هو المدير الفعلي لها بالاعترافات والأدلة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى