صفحات العالم

الخوف الكبير حين نكتشفه


حازم صاغيّة

إذا كانت المذابح المتنقّلة ما بين حمص ودرعا مدعاة لشعور بالرعب مؤكّد ومشروع، فثمّة ما هو أشدّ إثارة للرعب هذا: إنّه التفكير، على نحو مقارن، بالنظام السوريّ وبمدى رفضه تأسيس مرحلة انتقال سلميّ للسلطة وإنشاء آليّات توافِقها.

فهناك وراءنا تجارب إيقونيّة عدّة في الاستبداد دلّلت على أنّ تعلّقها بنظامها أقلّ بلا قياس من تعلّق الاستبداد السوريّ بنظامه، وعلى أنّ استعدادها لقبول التغيير أكبر بلا قياس من استعداده.

فعلى رغم كلّ ما شاب ماضيه وشخصه، لم يمض عام على تولّيه رئاسة «الحزب الوطنيّ» الحاكم في جنوب أفريقيا، حتّى رفع دو كليرك الحظر عن حزب «المؤتمر الوطنيّ الأفريقيّ» وأطلق سراح نيلسون مانديلا، كما فتح الباب لسنّ دستور جديد للبلاد يقطع مع الماضي. هذا كلّه، وهو إحدى ثورات القرن العشرين الكبرى، تمّ ما بين شباط (فبراير) 1989 وشباط 1990.

نعم، في غضون عام واحد فُكّك نظام الفصل العنصريّ في جنوب أفريقيا!

وفي تشيلي، وفي 1990، سلّم أوغستو بينوشيه، وما أدراك ما بينوشيه، السلطة لرئيس منتخب ديموقراطيّاً. حدث هذا بعد استفتاء أجري في 1988 صوّت فيه 56 في المئة من السكّان، بقيادة «ائتلاف أحزاب اللا» الذي ضمّ الأحزاب المسيحيّة الديموقراطيّة والاشتراكيّة والراديكاليّة، ضدّ استمراره في الرئاسة. أمّا التسوية معه من أجل أن تُضمن سلميّة الانتقال، فقضت ببقائه قائداً للجيش حتّى 1998 واحتفاظه بعضوية شرفيّة لمدى الحياة في مجلس الشيوخ. بعد هذا تغيّر موقعه ووضعه بحيث بات ممكناً استدعاؤه للمثول أمام المحكمة.

وفي بولندا الشيوعيّة، وبعد موجة إضرابات عمّاليّة خلت من كلّ عنف ومن كلّ تعرّض له، وُقّعت «اتّفاقيّة الطاولة المستديرة» الشهيرة بين الحزب الحاكم وبين نقابة «التضامن» العمّاليّة وحلفائها في المعارضة. وبدوره استغرق الوصول إلى هذا الاتّفاق أقلّ من شهرين، ما بين 6 شباط و4 نيسان (أبريل) صير بعدهما إلى إجراء انتخابات هُزم فيها الشيوعيّون هزيمة كاسحة وانتقل الحكم كلّيّاً إلى المعارضين.

مخيفٌ فعلاً أن نكتشف أنّ النظام الأسديّ أشدّ تشبّثاً بسلطته وامتيازاته من أنظمة الفصل العنصريّ في جنوب أفريقيا والشيوعية في بولندا وبينوشيه وعسكره في تشيلي. هذا حتّى لا نذكّر بالمقارنة العربيّة مع نظامي زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر اللذين جعلهما نظام دمشق يبدوان في غاية اللطف والوداعة، أو مع نظام علي عبد الله صالح في اليمن الذي لم يشكّل إطلاق النار على المتظاهرين منهجه في الردّ والبقاء.

لقد رفض نظام الأسد الاعتراف بوجود «الآخر» الذي سُلّم السلطة في البلدان المذكورة، إلاّ بوصفه «مندسّين»، قبل أن تتمّ ترقية ذاك «الآخر» إلى «عصابات مسلّحة». وهذا من شيم نظام يرى فعلاً أنّ السكّان والبلد لا أكثر من أملاك خاصّة يمكن، في أيّة لحظة، الهبوط بهم إلى ما دون الإنسانيّ. وبأزوف اللحظة هذه، لم يبق إلاّ الموت أداة للتبادل بين الذين كشفت الرسائل الإلكترونيّة طرق عيشهم وبين العبيد.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى