صفحات الثقافة

الدجاجات تنادي فراخها والكلاب تخشخش أصفادها/ تشارلز سينيك

 

 

 

◄ المكان

كانا يتحدثان عن الحرب،

 

ما زالت الطاولة التي أمامهما لم تنظّف بعد.

 

وعبر المسافة، كانت أول نوافذ

 

المساء قد أنيرت للتوّ.

 

جلسَ، محدودبًا، وهادئًا،

 

يخيّم فوقه الخوف القديم …

 

صارت الدنيا أشدّ عتمة. نهضتْ لتأخذ الطبق-

 

الذي صار الآن شديد البياض- إلى المطبخ.

 

خارجًا في الحقول، وفي الغابة،

 

جهر طائر بالأمثال،

 

وذهب البابا لمقابلة أتيلا (الهونيّ)،

 

كان الأخدود جاهزًا لفرقة الإعدام.

 

 

◄ الإعدام

 

كان شروقَ الشمس الأبكر

 

والأهدأ.

 

والعصافير،

 

لأسباب تخصّها،

 

ظلّتْ صامتة في الأشجار

 

التي بقيت أوراقها

 

هادئة في كل مكان

 

إلّا بعض الأوراق

 

في الغصون العليا

 

كانت مرشوشة بدم طازج.

 

 

◄ إمبراطورية الأحلام

 

في الصفحة الأولى من كتاب أحلامي

 

إنه المساء دائمًا

 

في بلد مُحتَل.

 

ساعة قبيل حظر التجوال.

 

البيوت معتمة كلّها.

 

وواجهات الحوانيت مخرّبة.

 

إنني في زاوية شارع

 

حيث لا يتوجّب أن أكون.

 

وحيدًا وبلا معطف

 

خرجت لأبحث

 

عن كلب أسود يستجيب لصفيري.

 

لديّ ما يشبه قناع الهالووين

 

ولكنني خائف من أن أرتديه.

 

 

◄ عصبتنا

 

كعثّاتٍ

 

حول مصباح شارع

 

في الجحيم

 

كنّا.

 

يا كلّ الأرواح الضائعة،

 

إن كنت موجودة،

 

عودي إلى المُرسل.

 

 

◄ مصلحة الآثار العامة

 

لو كانت العدالة والحرية

 

ترفعان على ركائز،

 

فلمَ لا نرفع التّاريخ؟

 

قد يكون امرأة بدينة

 

ترتدي بزة عمل فضفاضة وباهتة

 

خارج مقطورة سكنيّة

 

على طريق موحلة تفضي إلى مكان يدعى بتسفيلد

 

أو بابل.

 

إنها ترسم الدائرة السحرية

 

كي لا تستطيع الدجاجات أن تخرج،

 

ثم تمشي إلى المطبخ وهي تعرج

 

لإحضار السطل والسكّين.

 

إنها تعود اليوم حاملة

 

كيسًا من ذرة صفراء.

 

تستطيع أن تسمع الدجاجات وهي تنادي فراخها،

 

والكلاب تخشخش أصفادها.

 

 

 

◄ المرايا في الـ4 صباحا

 

لا بدّ أن تأتي إليها شزَرًا

 

في غرف بنت فيها العناكب في الظلّ بيوتها،

 

اختلسْ نظرة على خوائها

 

دون أن تلمحك

 

المرايا في المقابل.

 

السرّ هو،

 

حتى السرير الفارغ عبء بالنسبة إليها،

 

وذريعة.

 

إنها تكون على سجيّتها أكثر

 

في صحبة جدار فارغ،

 

في صحبة الوقت والأبدية

 

والتي، حين تستميحك عذرًا،

 

لا تطرح أيّ صورة

 

وهي تعجب بأنفسها في المرآة،

 

فيما أنتَ قد تنحّيت جانبًا

 

ساحبًا منديلًا

 

لتمسح جبينك خلسة.

 

 

◄ فلنحترس

 

يمكن قول المزيد

 

عن ذبابة ميّتة

 

في نافذة

 

سقيفة صغيرة،

 

وعن طابعة حديديّة

 

لم يرفع أيّ مفاتيحها منذ سنين،

 

كلاهما ينعم بالمسرّة

 

والقنوط المكفهرّ.

 

 

◄ حين يأتي شهر ديسمبر

 

ثمّة سماء أخرى،

 

وضوء آخر،

 

فوق الحقول الشتوية،

 

وبعض عتمة أخرى

 

تقتفي أثر خطوها،

 

متلهفة كي تنشد صحبتنا

 

في هذي البيوت الصغيرة التي أكلها الثلج،

 

واقفةً بشجاعة

 

ولا كلبَ في مرمى البصر.

 

 

◄ موضوع إيميلي

 

يا دموعي العزيزة، لم أعد أعرفك

 

في هذا الضوء الشتويّ.

 

لقد ذكّرتني بشيء أستطيع الاستغناء عنه:

 

العالم قديم، لقد كان قديمًا دائمًا،

 

ولا شيء جديدًا في هذا الأصيل.

 

كان يمكن للحديقة أن تكون واجهة مغلقة

 

لمحلّ رهونات كنتُ أتأمّله

 

وكل شيء فيه قد غطّاه الغبار.

 

كلّ بنات أفكاري كتبها

 

في السرّ مؤلّفون مجهولون. وفي كل مرّة يضربون

 

فيها مفتاحَ آلة كاتبة عشّشت فيها العناكب، أرتعد.

 

ولحسن حظي، جاءت العتمة سريعًا في هذا اليوم.

 

سرعان ما كان الجيران يحرقون أوراق الأشجار،

 

وربما بعض أشياء أخرى كذلك.

 

ثم، رأيت أطفالًا يركضون حول النار،

 

تلمع في ألسنة اللهيب وجوههم الشيطانية.

 

 

◄ في الزقاق

 

أنتَ، يا ذا القرط، يا من تشِم

 

بمهارة أحد طيور الجنّة

 

على الصدر الهزيل لبحّار فتيّ،

 

هل لاحظت بأنها قد ظلّت تثلج

 

بعيدًا في الليل؟

 

فيما كنتَ تكدّ

 

على الريش الملون والمزيّن

 

للطائر الغريب، كان الأمرد

 

يجلس مرتعشًا عاريًا حتى خصره.

 

الأبراج العظيمة للأعمال المصرفية والصناعة

 

احتجبت على نحو مسرحيّ ثمّ عتّمت…

 

الواجهات المشبّكة للحوانيت وقد طأطأت

 

المانيكانات رؤوسهن كأنهم يسترقن السمع على بعض الأشياء..

 

والمرآة الثقيلة التي تميلها

 

لتعجبَ بمنظر

 

الجناحين المنشورين، والمنقار المفتوح على قدر اتّساعه

 

مبتهجًا-حيث كان القلب!

 

 

 

◄ موسيقى ليليّة

 

أيها الجدول الصغير، مع من تجري من أمام بيتي،

 

أحبّ النغمة التي تدندن بها لنفسك

 

حين يهبط الليل،

 

ولا أحدَ مستيقظًا سوانا.

 

ولأنك تصاحبني

 

فإنني لا أخاف

 

العتمة حول سريري

 

والأفكار في رأسي

 

وهي تتطاير منحنية كالخفافيش

 

بين الكنيسة القديمة والمقبرة.

 

 

◄ الذبابة

 

كان يكتب تاريخ التفاؤل

 

في زمن الجنون. كانت تمطر.

 

وكانت إحدى عاشقات الجيفة الكبرى

 

للجزّار المحليّ لا تكفّ عن مضايقته.

 

وكانت ثمّة قطّة تراقب الذبابة أيضًا،

 

وعجوز بقدمين يأكلهما النقرس

 

ترتدي ثوب استحمام متّسخ وخفّين باليين

 

تأتي جالبة كوبَ شاي باهت.

 

بتنهيدات كثيرة ووقفات طويلة

 

عثر على قطعة من سماء زرقاء في يوم

 

مذبحة الأبرياء.

 

عثر على بعض العشّاق،

 

وعلى مرج يمور بزهور صفراء…

 

ولكنّه لم يستطع أن يواصل… فهمسَ

 

آه يا صاحبةَ الأجنحة الزرقاء،

 

أيتها المرتعشة.

 

سنكون في بعض الأيام كمن يستخدم عصى بيضاء

 

ولا نرى إلّا الظلال في الغالب

 

مثلما يتلمّس المرء طريقه بحثًا عن الكلمات التي سوف تأتي لاحقًا!

 

 

◄ ما قاله الغجر لجدتي حين كانت لا تزال صبيّة

 

ستجعلك الحرب والمرض والمجاعة حفيدتهم المفضلة.

 

ستكونين كشخص أعمى يشاهد فيلمًا صامتًا.

 

ستفرمين البصل وقطعًا من قلبك في المقلاة الحامية ذاتها.

 

سينام أطفالك في حقيبة سفر مربوطة بحبل.

 

سيقبّل زوجك نهديك في كل ليلة كأنهما شاهدتا قبر.

 

والغربان قد تزاوجت للتوّ من أجلك أنت وشعبك.

 

سيستلقي ابنك البكر والذباب على شفتيه دون أن يبتسم أو يرفع يده.

 

ستحسدين كل نملة تقابلينها في حياتك وكل عشبة على طرف الطريق.

 

سيجلس جسدك وروحك على شرفتين منفصلتين يعلكان حبّة العلكة ذاتها.

 

أيتها الأمّورة الصغيرة، هل أنت للبيع؟ سوف يقول الشيطان.

 

سيشتري الحانوتيّ دمية لحفيدك.

 

سيكون عقلك عشَّ دبابير حتى وأنت على سرير الموت.

 

لا تسألوني أكثر، فهذا كل ما أعرفه.

 

 

◄ شطرنج مسائي

 

الملكة السوداء مرفوعة عاليًا

 

في يدي أبي الغاضبة.

 

 

◄ الصوت في الثالثة صباحًا

 

وضعنا ضحكًا معلّبًا

 

في مشهد صَلبي.

 

 

 

◄ ملحوظة زلقت تحت باب

 

رأيتُ نافذة عالية أعمتها فجأة

 

أشعة شمس آخر الأصيل.

 

رأيت منشفة

 

بآثار أصابع معتمة كثيرة

 

تتدلّى في المطبخ.

 

رأيت شجرة تفاح عتيقة،

 

وشال من الريح فوق كتفيها،

 

تسير في دربها الوحيد على مهلها

 

صوب التلال القاحلة.

 

رأيت سريرًا لم يصنع بعد

 

فشعرت ببرد ملاءاته.

 

رأيت ذبابة منقوعة في قار

 

الليل القادم

 

ترقبني لأنها لم تستطع الخروج.

 

رأيت الحجارة التي جاءت

 

من مسافة أرجوانيّة هائلة

 

تحتشد حول الباب الأماميّ.

 

 

◄ التاريخ

 

في مساء رماديّ

 

من قرن رمادي،

 

أكلتُ تفّاحة

 

حين لم يكن ثمّة من ينظر.

 

تفاحة صغيرة وحامضة

 

بلون نار الحطب

 

مسحتها في البدء

 

على كمّي.

 

ثمّ بسطتُ ساقيّ

 

بقدر ما تستطيعان،

 

وقلت في نفسي

 

لِمَ لا أغمض عينيّ الآن

 

قبل نشرة الطقس

 

وأخبار العالم في آخر الليل.

 

 

◄ النبيذ

 

أيّما عزاء لديكِ من أجلي،

 

يا كأسَ النبيذ الأحمر المعتّق،

 

اِهمسيه في أذني

 

مع كلّ رشفة قليلة أرتشفها،

 

وليس إلّا في أذني،

 

في هذي الساعة التي جعلتها مهيبة

 

أخبار الرّاديو

 

ونيران الغروب المحتضرة

 

وأشجار باحتي

 

التي ترتدي معاطفها السوداء.

 

 

◄ في زمن جدتي

 

يرجو الموتُ عجوزًا

 

أن تقطّب له أحد الأزرار،

 

فتوافق، ثم تنهض

 

من السرير وتبدأ في البحث

 

عن إبرتها والخيط

 

بشمعة مضاءة وضعها القسّيس

 

فوق رأسها.

 

 

◄ فراشة سوداء

 

يا سفينة أشباح حياتي،

 

يا من تثقلك الأكفان

 

وتبحرين

 

في مدّ المساء.

 

 

ترجمة: تحسين الخطيب

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى